illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

لا تخبروا زوجتي؛ الفصل الخامس والعشرون


تنويه؛ فصل طويل جدا :))

------------

توالت الأيام والورق الأخضر في الأشجار يبس وتساقط معلنا عن انتهاء قصتها لكن قصة آل دي كارلو استمرت وطويت صفحة فبات عنوان صفحتهم الجديدة هو دوي صياح ميرا بيلا، التي بين شهقة وأخرى رفعت بصرها عاليا نحو سقف الغرفة تسأل الرب أن يعجل عليها الفرج. حثتها والدتها على المضي وعدم التوقف في منتصف الطريق فاضطرت لأن تكمل ولم تزرها الراحة إلا بخروج مولودها من بين ساقيها.

 

كانت رياح الخريف عاتية والطقس خارج النوافذ معتم فلقد قرر الرضيع أن ينزل في ساعات الفجر الأولى مسببا لوالده حالة من الذعر. في ذلك اليوم رقدت بيلا في فراشها ولم تستيقظ إلا على خلاف قد شب فعلمت أن الرضيع لم يكن ولدا كما انتظر الجميع بل فتاة وما وضعوه من اسماء كلها صفعت عرض الحائط، إلا نيكولو بقي مصرا على اسم إيماليانو ولم يبالي إن كان اسما لا يليق إلا بالذكور.

 

بالطبع هم دخلوا على بيلا كل يحثها على أخذ صفه ولم يبتلعوا ألسنتهم إلا بسبب بكاء الرضيعة فحملتها والدة بيلا تطبطت على جانبها. وفي ساعات الفجر الأولى افاقت بيلا بسبب كابوس راودها عن ماتيو يقف جوار مهد ابنتها يخبرها انها نتاج حبهما الطاهر. للوهلة الأولى خيل لبيلا أن حديثه حقيقة وأنهما فعلا ما هو أبعد من القبل آنذاك لكنها لما رأت نيكولو جالسا على كرسي قرب مهد ابنته وفي حضنه لعبة سودوكو يقوم بحلها استعادت رشدها ودفعت عنها الهلوسات.

 

"انتِ على ما يرام؟" سألها نيكولو وهي اكتفت بهز رأسها ثم عاودت الاستلقاء تتأمل زوجها مرتديا منامته المملة وعلى جسر انفه نظارته مستقرة. والمهد جانبه كان خشبيا، عتيقا عمره من عمر آدم، فلقد كان سريره الذي صنعه والدها ثم وَرَثه لأخوته من بعده وكل رضيع في هذه العائلة رقد فيه.

 

كم كانت لوحة مثالية، تجمع الأب بابنته في إيطار من السكون لكن ابتسامة بيلا مُحيت باللحظة التي تذكرت سر نيكولو الذي افصح لها عنه في ذلك اليوم تحت شجرة البرتقال، ورغم أنها ارتكبت ذات الذنب بحق ماتيو إلا أن معرفتها بما فعله نيكولو بوالده البيلوجي جعل الرهبة تستقر في صدرها تجاهه.

 

"غدا سأذهب لتسجيل اسمها فماذا قررت؟" تحدث نيكولو يعرض عليها حق الاختيار لكنه ذكرها بأن اسم إيماليانو لازال موجودا.

 

"لما إيماليانو على وجه التحديد؟" ظنت بيلا أنه اسم والده البيلوجي مثلا لكن نيكولو نجح بجعل فاهها يسقط عندما أبلغها أن إيماليانو كان اسم شاب شاركه المقعد في القطار اثناء قدومه للبلدة هذا الصيف "لا يمكنك أن تكون جادا، تريدني أن اسمي ابنتي باسم شاب قابلته في القطار مرة واحدة؟ نيكولو دي كارلو لقد فقدت حقك في التسمية"

 

"تريثي يا امرأة، لم يكن شابا عاديا، كان ذو فصاحة ونباهة تسر أذني المستمع وله شغف رغم سنه، فقد كان طالبا في كلية الحقوق في روما، صدقيني عندما أقول أني أردت أن يكون ابني مثله لكن الأول قد فاته القطار ففكرت لربما يفلح الثاني بتحقيق حياة كريمة لنفسه، أي نعم تبين أنها فتاة لكن ما المانع؟" انتقل نيكولو بطرفه لابنته النائمة وحثته نفسه كي تطولها اصابعه فاستقرت راحة يده فوقها مستشعرا قلبها الذي ينبض تحت الغطاء. رأت بيلا في عينيه شغفا وحبا جما هي لم تره إطلاقا ولم يخيل لها أن رجلا مثله من الممكن أن يحمل في قلبه هذا الكم من المشاعر، وفي هذه اللحظة أيقنت أنه تعلق بها فباتت شمسا لحياته المعتمة.

 

"اعترف أنك أثرت اهتمامي لكنه اسم ذكوري وصدقني عندما أقول لك أنها ستصبح محطا للسخرية والتنمر وستأتيك في يوم تلومك على ذنبك هذا"

 

"ومن سيجرأ على ذكر اسمها بسوء؟"

"ما رأيك بآنا-ماريا عوضا عن ذلك؟"

"آنا-ماريا؟ ولما هذا الاسم العتيق؟ لا تقولي أنها جدتك الأولى"

"بل انه اسم شخصية مفضلة لي في قصة احبها"

"ترفضين اسما محترما إيماليانو لأجل اسم شخصية خيالية؟"

 

لكن المنطق ربح واضطر نيكولو لتسجيل ابنته بهذا الاسم السخيف في ذلك اليوم وقد شعر بالشفقة تجاهها، فستواجه العالم القاسي باسم مثير للشفقة مثل هذا، لذا هو عزم على عدم التخلي عن الاسم الذي اختاره ولم يتقاعص عن مناداتها بإيماليانو كلما سنحت له الفرصة، لربما ستمسي امرأة ذات مكانة مثل ذلك الشاب تماما.

 

وبيلا استمرت بتذكيره أن جميع الفتيان سيفرون منها هاربين حالما يعلمون بهذا الاسم السخيف، لكن نيكولو وجد لها ردا ككل مرة وأبلغها أنه ليس بالضرورة تزويجها، فبقائها في منزله وتحت عينيه أفضل من تسليمها لوغد لن يجيد تقديرها.

 

لم تغادر بيلا بلدتها جيونكاريكو إلا بعد انقضاء ثلاث أشهر من وضعها ابنتها وكم تمنت لو تستمر في البقاء لكن الوضع لم يناسب نيكولو إطلاقا فخلال هذا الأشهر اضطر للتردد بين روما وهذه البلدة مرات عدة وفي الأخيرة هو حضر كي يأخذهما معه.

 

كم كان حينها متشوقا للعودة والاستقرار في الديار مجددا لكن بيلا لم تشاركه ذات المشاعر ورغم الكوابيس التي راودتها والمآسي التي اضطرت لخوضها هناك إلا أن الفراق كان موجعا. بعد رحلة شاقة عزفت ساعاتها ببكاء آنا ماريا وصل كلاهما بعد منتصف الليل لروما واستقرا واقفين أمام عتبة الباب بينما نيكولو يستعجل البحث عن مفتاحه.

 

أما عن بيلا فلم تكف عن الطبطبة على ظهر آنا ماريا تستحلفها أن تقلع عن البكاء، فصدى صوتها تردى في جدران البناء الفارغ لدرجة أن فتح السنيور لورينزو بابه مستنكرا وحالما التقط طرفه هيئة آنا ماريا ارتسم على محياه ابتسامة واسعة كشفت عن صف اسنانه. والابتسام لم يكن عادة من عادات السنيور لورينزو.

 

"ما هذا التوقيت السيء يا سنيور؟" ومن خلف لورينزو خرجت اخته كانتارا وشاركته ذات الابتسامة ولم تقدر بيلا إلا على تسليمهما ابنتها فقاما بحملها ومحادثتها كي تقلع عن البكاء.

 

"نيكولو؟ هذا انت؟"

 

شحب لون بيلا جراء سماعها صوت صوفيا يأتي من الأسفل، فهي الأخرى فتحت باب شقتها لتطل برأسها نحو السلالم في الأعلى ونيكولو أطل برٍأسه أيضا مرحبا بها. هكذا تماما اكتض منزل بيلا بضيوف يعقدون رداء نومهم فوق منامتهم وهمهم الوحيد كانت آنا ماريا ابنة كبير عائلتهم.

 

"كم تبدوا وديعة، رباه. لما اخبرتني أن اسمها إيماليانو لم استطع تخيل هيئة تليق بفتاة اطلاقا، نيكولو بربك ما هذا الاسم السخيف" عاتبته صوفيا بينما تخرج لآنا ماريا الثياب التي ابتاعتها لها وقد كان بعضها صبيانيا ولم تباشر بتجديدهن إلا بعد اتصال نيكولو بها في الخريف وابلاغها أن الولد الذي ينتظره تبين أنه فتاة.

 

"هل رأيت، حتى اختك تشاركني الرأي" انضمت بيلا لهم بعد أن قامت بنزع ثياب سفرها وارتداء ملابس لائقة، كادت أن تجلس كي تشاهد الهدايا لكن الجرس الذي رن دفعها للنهوض ففتحت الباب لتجدهما داريا وفيتو.

 

رحبا بعودتها ثم ولجا للداخل بخطى مستعجلة كي يرو تلك الطفلة المدعوة بإيماليانو ولما كادت بيلا أن تجلس مجددا رن الجرس فإذا بهذه المرة يظهر لها ريكاردو، ذلك الشاب الذي لم يخيل لها إطلاقا أنها من الممكن أن تفتقده، فهي ليست مولعة بعائلة زوجها لكن كما يبدوا ريكو قد حفر طريقه رغما عنها في قلبها.

 

وريكو بادلها الابتسام فلم يخيل له أن يفتقد المرأة التي كان أول انطباع شعر به تجاهها عندما حضر لرؤية قريتها مع ابيه هو الاشمئزاز، حيا بعضهما البعض  ورف جفنا ريكو متعجبا عندما سمع صوت الضحكات فسأل "إيماليانو؟"

 

"نعم إنها آنا-ماريا" اصرت بيلا على الاسم الانثوي خاصة ابنتها ثم رافقته لغرفة الجلوس، احس ريكو بالغرابة فهذا الإنسي الصغير بات اختا له وخشي حملها في البداية لكن نيكولو كسر هذا الحاجز ووضعها بين يديه "قولي مرحبا لأخيك الكبير يا إيماليانو"

 

"سحقا" تمتم ريكو مرعوبا من خفة حجمها فهو لم يحمل أولاد عماته مسبقا ولم يفضل الاقتراب منهم "خذها أرجوك" حاول اعادتها والطفلة تضايقت من طريقته التي آلمت ظهرها.

 

"لا تكن سخيفا يا ولد" علق فيتو ساخرا "إن لم تكن تريدها فأعطها لي كي اتدرب على الأبوة" غمز لزوجته داريا مستعرضا مهاراته في ممارسة الأبوة والتي ستروق لها لكن ريكو أعدل عن قراره وقال "أمهلني بعضا من الوقت كي أعتاد على هذا"

 

"انتما حقا لا تنويان جعل إيماليانو فأر تجارب" أخذها لورينزو منه فأجلسها بحضنه ثم هزها من الجانبين كأنها ترقص واخته كانتارا صفقت لها، وقد كان تصرفهما تصرف العجائز الإيطالين التقليدين "أبي انت حقا لا تنوي جعلها راقصة" علق فيتو..

 

"ستكون أفضل راقصة" رفعها لورينزو للأعلى من فخذيها ثم هزها للجانبين فأكمل فيتو مسرحية والده والتقط وشاح داريا ليعقده عليها فبدت كراقصة فلامنكو، حينها قهقه الجميع ونيكولو على حافة الأريكة جالس، ذراع ملتفة حول صدره و بيده الحرة غطى فاهه يراقب ما يفعلوه بإيماليانو وعلى محياه ابتسامة "ستكون ابنتك نجمة يا نيكولو، إني أرى فيها بريقا منذ الآن" أبلغته كانتارا.

 

جلست بيلا على الأريكة أخيرا إلى جوار صوفيا التي حكت لها عن مغامرات التسوق التي خاضتها مع بقية شقيقاتها وكم كانت ضجة احاديثهم التي ملئت فراغ هذا البيت محببة لقلب نيكولو فعرض عليهم فجأة "علينا التقاط صورة عائلية غدا"

 

أيدته صوفيا فهذا النشاط لشيء تفعله العائلة كلما انضم فرد جديد واضافت "هذا توقيت جيد، ريكو عزيزي، تأكد من احضار خطيبتك أيضا"

 

"ماذا؟!" صاحت بيلا مصدومة من هذا الخبر فانتقلت بطرفها لريكو الذي حاول رسم ابتسامة لعمته وأومئ لها "بالتأكيد"

 

"انتظر، متى أين وكيف؟!" عاندت بيلا في السؤال ثم حملقت بنيكولو فهو لم يذكر لها شيئا حول ارتباط ريكو لكن الفرحة اعترتها لأجله "ريكو انت عليك فعل هذا حقا فأنا أريد الوقوف في الصورة إلى جوار فاليريا"

 

"فاليريا؟" استنكرت كانتارا واجابتها "ما علاقة فاليريا بخطيبة ريكو؟"

 

"أليست هي ... فا.." قررت بيلا الصمت لما وجدت وجه ريكو يتلون بخزي وعمته داريا سارعت برمرمة الوضع فلا يوجد سواهما يعلم بمشاعره تجاه تجاه فاليري، بالطبع لم تطل العائلة البقاء وعاد كل إلى داره تاركين نيكولو يفعل أي شيء عشوائي كاعادة تنظيم وسائد الأريكة فقط كي لا يحدث تواصل بصري مع زوجته الواقفة تهز قدمها.

 

"لقد كانت ليلة حافلة"

"لدى ريكو خطيبة إذا"

"هل نامت إيماليانو؟"

"كيف لم تخبرني؟"

"لنترك ترتيب المنزل لاحقا، ترغيب بمشاركتي شرابا؟"

"متى كنت تنوي إخباري؟"

 

تنهد نيكولو بقلة حيلة فهو تزوج عن طريق الخطأ بمحقق لا بموظفة في نزل فجلس على ذراع الأريكة وقال ببساطة "كنتُ سأخبرك لكن نسيت فلقد حدث الكثير حينها"

 

"هذا أسوء عذر سمعته في حياتي! ألا تعتبرني فردا من العائلة يا نيكولو؟ انه ابنك فكيف تخفي عني شيئا كهذا؟"

 

"لا تقوليها كما لو أني تعمدت فعل ذلك، ثم إنك متوغلة بما فيه الكفاية لدرجة أن تعلمي بأمره مع فاليريا مثلا"

 

شهقت بيلا وسألته "انتَ أيضا تعلم؟"

"بالطبع فأنا والده"

 

"يا له من جواب رائع يصدر من الرجل الذي يخفي عن زوجته الكثير، لقد فهمتك الآن، انت لا تعتبر الولد ابنا لي كي تطلعني بأخباره" أومئت متفهمة ومضت في طريقها لغرفة النوم فإذا بها تستدير وسبابتها اشارت عليه مهددة "لا تنتظر أبدا أن أطلعك على أسرار آنا ماريا عندما تكبر!"

 

تنهد نيكولو بقلة حيلة وانتقل ببصره نحو النافذة يتأمل انعكاسه فإن كان هذا رد فعلها ماذا كانت لتفعل لو علمت بما قام به اثناء مكوثها في جيونكاريكو، كم كان متفرغا حينها ولا حاجة له للعودة لمنزله فأنجز الكثير دون أن يستجوبه أحد عن أمر.

 

وأحد أعماله الغير منجزة قد ولاها اهتماما هذا الصباح في متجر القصابة، وكم أحس بالاستقرار اليوم بينما ينظف مكتبه على عكس الأشهر الماضية فها هي بيلا قد عادت أخيرا لبيتها والأهم من ذلك أنه أخرجها كالشعرة من العجين بعد الكارثة التي افتعلتها هناك، بالطبع إن وضع الضرر النفسي والكوابيس التي تراودها باستمرار جانبا. لكن هي عليها التماسك لأجل نفسها أولا ولأجل ابنتهما فلا مجال لها لأن تبتلعها عتمة دماغها. إذ لم ينقص عائلة دي كارلو انضمام مريض نفسي جديد.

 

"أبي هذا الخطاب قمت بكتابته لها، أطلعك عليه كي لا تلومني لاحقا" ولج ريكو يحمل في جعبته الرسالة التي سيرسلها لخطيبته كي لا تفوت الصورة العائلية، مد نيكولو يده كي يعطيها له فقام بقرائتها "لما المكاتبة وليست دعوة شفهية؟"

 

"لا طاقة لي بصنع حوار معها"

 

"ريكو وإن كانت الرياح بينكما عاتية فعليك الانحناء قليلا كي لا ينكسر الشراع قبل اقلاعه" التقط نيكولو قلما ليضيف نهاية اكثر لباقة، بامكانها أن تلين قلب خطيبته وتضمن حضورها، دحرج ريكو عينيه بملل من نصائحه وليحشر والده في الزاوية فيكف عن إلقاء نصائح تافهة لطمه بالحقيقة المرة "وهل فعلت الأمر ذاته مع أمي؟ أم أنكَ أوصلتها لحافة الجنون؟"

 

عاين نيكولو ابنه ولم يضغط عليه إطلاقا فالكره في عينيه كان كافيا ليحذر من التعامل معه في هذه الأيام كي لا تصاب تلك الشابة بالضجر منه فتهجره قبل الزفاف "لقد فعلت، ثق بي"

 

"جيد، إذا قد ضمنتُ طلاقي منها منذ الآن بفضلك" أخذ ريكو الرسالة منه وغادر المكتب قبل أن يتمكن والده من تذكيره بتغير ثياب العمل التي تفوح منها رائحة الدم. زفر نيكولو بقلة حيلة ثم سأل "لورينزو أخبرني هل كنتُ عنيدا هكذا في مثل سنه عندما زوجني أبي؟"

 

"على الإطلاق سنيور، أفسدت مكسب والدك حينها فحسب "

 

تبسم نيكولو رغما عنه وعاتب لورينزو على تذكره شيئا سخيفا كذاك، فهو لم يفعل سوى تفجير رأس الضحية برصاصة صيد الخنازير البرية، صانعا فجوة كبيرة شوهت رأسه مما أدى إلى استياء صاحب الطلبية فحسب "لا تذكر تلك الأوقات إطلاقا، فلقد كبرنا في السن"

 

قدم لرينزو لسيده فنجان القهوة ثم جلس على الكرسي المقابل للمكتب كي يحتسي خاصته أيضا بينما فيتو في الخارج يتعامل مع الزبائن "يبدوا أن إيماليانو خاصتك جعلت من مكابحك تعمل بكفاءة، إنها المرة الأولى التي تخبرني فيها أننا كبرنا في السن"

 

"بالطبع فعلنا، إنها سنواتنا الأخيرة وسيجلب لي ريكو قريبا حفيدا يؤهله للصعود مكاني" عاد نيكولو بظهره للكرسي يتأمل مكتبه الذي لم يخيل له إطلاقا امتلاكه بعد أبيه فتبسم لتذكره هيئة إيماليانو "عندما يأتي يوم تقاعدي، افكر بأخذ إيماليانو للمزرعة كي تتعلم ركوب الخيل، سأشتري لها مهرا قصير القامة يليق بها"

 

"بيت المزرعة؟ إن حضرتك لم تذكر اسمه منذ وفاة السنيور دي كارلو"

 

"لابد من إيجاد أماكن كي ترفه إيماليانو عن نفسها، ثم إني سأقوم بتجديده بالتأكيد ولن أترك أثرا لأبي فيه حتى لا يغلبني التشائم"

 

"لا أقصد النصح سنيور، لكن لو تمتنع يا عن ذكر هذه الخطط أمام ريكو، فهو لازال لم يستوعب بعد أن بمقدور والده المتوحش أن يعامل طفلة برقة" أوصاه لورينزو وتنهد نيكولو فلقد فهم مقصد لورينزو فرد مبررا؛

 

"هو سيكون وريث العائلة من بعدي لورينزو وتلك المشاعر الطفولية لن تجلب له سوى الشقاء، فهذا الكرسي سيلقي عنه كل من لا يملك جلدا صلبا" مرر يديه على ذراعي الكرسي الجلدي يستشعره، ففيه رائحة الدمويين الذين سبقوه من دي كارلو وكم كانو أشد شراسة منه "إني مرتاح حقا بتزويجه من ابنة داميانو، إنه رجل نبيه وسيساعد ابنته وزوجها كي يحافظا على مكانتهما في الأسرة، هو لن يدع ريكو يسقط كما سأفعل تماما"

 

أومئ لورينز وارتشف المزيد من قهوته، يستمتع بلحظات الراحة هذه فهي لا تتكرر كثيرا في هذه الأسرة الدموية لكن الطبع غالب فراود ذهن لورينزو فكرة ازعجته "سنيور، بخصوص ما فعلته السنيورة هناك في بلدتها" بدأ مقدمته بتريث وحذر قاصدا قتل بيلا لمعلم البلدة ماتيو "لقد اخبرتني أن المعلم قد جمعته علاقة قديمة بالسنيورة فهل يا ترى وبشكل من الأشكال... فكما تعلم ما الذي أوصلها لهناك و.." لكن عبارة لورينزو بترت عندما رفع نيكولو يده يمنعه عن قول المزيد، فلقد فهم ما يلمح إليه.

 

 

"أحيانا، على المرء غض بصره عن المخفيات كي لا يصاب بالاستياء لاحقا" جمع نيكولو أصابعه أمام بصره فحك عن اظفره بقعة دم من اللحم الذي قام بتقطيعه اليوم وبالنظر للهدوء الذي يعتري نيكولو أدرك لورينزو أن السنيور يعلم الكثير "هناك أسرار عليها البقاء في القاع وألا تطفو للسطح أبدا، ألا توافقني الرأي لورينزو؟"

 

"لقد نبشت في أمر ذلك الحادث أليس كذلك سنيور؟" زم لورينزو شفتيه فلقد فطن ما حدث من النظرة على وجه نيكولو.

 

"إنها فرد من العائلة ولا يسعني سوى ضمان سلامتها" باعد نيكولو بين يديه.

 

تبسم نيكولو ومرر اصابعه على شفتيه مستذكرا هيئة فيليب الهلعة عند السلالم في تلك الليلة، وهو يتلفت حوله خائفا من أن يأتي أحد ويكتشف أمر لقاء عمته السري بحبيبها السابق. كاد الفتى أن يصيح محذرا بيلا حينها لكن نيكولو لجم فاهه بيده كي يشاهد زوجته المصون وقد مر في ذاكرته طيف تلك الليلة قبل زفافهما، عندما امسك بها وهي تحاول الهرب كي تلتقي بماتيو. ذلك الصعلوق الصغير.

 

وحينما عانقها ماتيو تلك الليلة، هو ضرب على كتف فيليب كي يقاطع لحظتهما وسبقها للغرفة مدعيا اكماله للنوم، راجع نيكولو نفسه وعزم على العودة بها لروما لكنه لم يملك من يثق به كي يعتني بها غير أخواته، وهن مع الأسف لم يكن متاحات أبدا.

 

وجد نيكولو في عيني صديقه العجوز لورينزو نظرات لائمة وفيها من الشفقة الكثير ونيكولو لم يكن قادرا على الشعور بالخزي من نفسه فهو منذ البداية علم بشغف بيلا وكان شاهدا على إنهيارها لما انتشر خبر زواج ماتيو من غيرها. رغم هذا كله هو عرض عليها الزواج ولم يكن مهتما إن وجد في قلبها غيره  طالما أنه امتلكها، فالمهم ليس هلوسات القلب بل الواقع وواقع بيلا لم يكن مع أحد سواه.

 

لقد كان نيكولو ناضجا بما فيه الكفاية ليتقبل مكانته التي لم تحتل المركز الأول إطلاقا في فؤاد زوجته ولم يمانع تمثيلها الحب عليه كي ترضيه، ففي تمثيلها وجد نيكولو محاولات تستحق الاحترام، فلقد حاولت حقا جعله رقم واحد في روحها وتقمست الدور حرفيا عندما احترق دماغها غيرة عليه آنذاك. وكانت تلك من الأوقات الممتعة بالنسبة له. لكن جيونكاريكو ذكرته بمن هو وبمن هو ماتيو...

 

هل كان مستاء؟ والجحيم نعم لكن نيكولو منذ صغره تعلم ألا يتطلع لما هو اكثر كي لا ينتابه الوجع ويكتفي بما قدم إليه، فما قدم إليه كان نعمة بالفعل وإن رفسها ربما لن يجد غيرها.

 

"لورينزو، هيا اسألني عن أحلامي"

 

قطب لورينزو حاجبيه مستنكرا فالسنيور نيكولو لا تراوده الأحلام إطلاقا وعندما سأله تعجب منه عندما اعترف نيكولو بأنه رأى بضعة أحلام هذا الشهر والشهر الماضي مما جعل نومه مريحا على غير المعتاد.

 

"ماذا بوسعي أن أقول سنيور، آمل حقا أن يكون قرار زواجك والعائلة التي صنعت، خير قرار وإن حدث في يوم وغرق قاربك فأعلم أني سأكون بجوارك دائما وأبدا"

 

"إن غرق قاربي في يوم يا لورينزو، ثق بأن الحرية ستزورك أخيرا، وآمل حينها أن تقوم بمشروع تربية الدواجن الذي تحلم به" أخذ نيكولو آخر رشفة من فنجانه وضرب على ظهر فيتو يخبره أن باقي اليوم عطلة، فأغلق فيتو المتجر وكل عاد لمنزله، لكن بيوتهم لم تكن متفرقة بل في نفس البناء وفيتو أهداه نيكولو شقة من الشقق الفارغة.

 

 

كان الجميع في منزله يتجهز، منهم من يقف أمام المرآة يصفف شعره ومنهم منكب على المكواة يكوي الثياب إلا صوفيا؛ مكثت في منزل أخيها مصرة على اختيار ملابس آنا ماريا بنفسها وبينما هي منشغلة استغلت بيلا الفرصة فاتكئت بكتفها ضد إطار باب الحمام وراقبت نيكولو بصبر بينما يفرش أسنانه أمام المرآة وقميص عمله لازال مستقرا، منحل الأزرار، كاشفا عن القطعة القطنية أسفله عديمة الأكمام.

 

رمقها نيكولو من زاوية عينه فاخفض رأسه ليبصق الماء ثم شطف وجهه كاملا ولما رفعه وجد انعكاسها على المرآة خلفه "إن كانت هذه محاولة منك لخنقي بالحزام فأبشرك، عليك التحرك أسرع من ذلك"

 

"ماذا؟" نجح بتشتيها انتباهها وبخفة يد سحب حزام بنطاله من مكانه ليلقيه فوق رأسها ثم عقده حول يده وجره فإذا بها تسقط ضد صدره ويداها على الفور تشبثت بالمغسلة خلفه فبات محاصرا بينها وبين المغسلة "هذا" علق باسما وجلد الحزام القاسي رفعه من ظهرها ليستقر حول عنقها مقربا إياها اكثر "سحقا ميرا، وصل بك الحال أن تراوديني عن نفسي؟"

 

"ماذا؟! آه انت تهذي" علقت في محاولة للخروج من هذا الفخ الذي صنعه بمهارة وذكرته بما هو أهم "نيكولو، إن اختك هنا فلا تدعها تراك بهكذا وضع مشين، امرأة تراودك عن نفسك قال"

 

"وماذا في ذلك، هي ستتفهم أن أخاها راضي بأن تقوم سيدة بتقيده كي تروضه" وعلى حين غرة حرك نيكولو يده بشكل لم تفهمه بيلا إلا عند انتهائه، فهو قيد معصميه بالحزام حقا وذراعاه ملقية على كتفي بيلا. صعقت بيلا من مزاجه العالي هذا فسألته إن شرب خلسة "ليس الشراب بل التفكير بك" دنى بوجهه لخاصتها مقتربا منها حتى باتت قدماها عالقة بين قدميه ولأن بيلا خشيت السقوط استقرت يداها فورا على جانبيه.

 

هو حصل عليها تقهقه في النهاية وإن كانت توبيخاتها أخلاقية تحثه على الالتزام بالآداب العامة، لما سمعا خطوات صوفيا تقترب دفع باب الحمام بقدمه فلا يراهما أحد. ثم استقرت العائلة مجتمعة في متجر التصوير، الذي دوما ما يقصدوه ومالك المتجر كان صديقا مقربا من السنيور المرحوم.

 

تبادلوا الأحاديث الجانبية وبالطبع كارلين كعادتها لم تكف عن الصياح بأولادها الخمسة كي يقفوا بانضباط وبينما هي غافلة دس أحد الصبية العلكة في شعر اخته مسببا نوبة غضب لكارلين. ولأن الزوجة كانت منشغلة قرر أنتونيو الترفيه عن نفسه ومشاطرة القليل من الاحاديث مع بيلا لكنها كانت منغمسة مع ابنتي أخيه مارسيو؛ فاليريا وفايوليت.

 

فالشابة الكبيرة ستنتقل هذا الربيع للمكوث عند عمتها في ميلانو كي تبدأ بتلقي تعليمها الجامعي وهذا كان حدثا مهما في العائلة، فالذين سبقوها من ابناء العائلة مثل دانيلو وريكو لم يهتما إطلاقا بالدراسة ولم يحاولا الحصول على درجات تخرجهما من هذا الواقع الدموي.

 

فالسنيور مارسيو كان يرغب بأن يخرج بناته من دائرة آل باتشينو ودي كارلو كي تعيشا في عالم لا مكان للون الأحمر فيه. انتقلت انظار فايلويت لما هو أهم من نجاح أختها وأشارت لبيلا "أنظري، تلك هي خطيبة ريكو" وبيلا على الفور استدارت برأسها نحو تلك الشابة.

 

كانت أنيقة وهذه الصفة شائعة في العائلة ولأنها خطيبة ريكو باشرت بيلا فورا بمقارنة هيئتها بعزيزتها فاليري، ففاليري كانت شقراء طويلة الشعر ولها شفاه بشوشة لا تتقاعص عن الابتسام في حين أن تلك الشابة كانت النقيض تماما؛ رزينة الخطى، داكنة الشعر ولا تملك تجاعيد الضحك.

 

"ما اسمها؟"

"فيفيان" همست لها فايوليت "أليست جميلة؟"

"تبدو ثقيلة الظل" علقت بيلا.

"ثقي أنها كذلك"

 

راقبتها بيلا وراقبت ريكو الذي استغل كل فرصة كي يتحاشاها ونيكولو لاحظ ذلك فأخذ بيدها كي تنضم إليهم ولا تشعر بالوحشة إطلاقا، فهي قد أتت مع سائقها ولم يرافقها والداها. انشغلت فايوليت عنهما وراحت تضحك مع خالتها داريا حينها استغلت بيلا الفرصة وسألت فاليري "ألم ترغبي بريكو أبدا يا فاليري؟"

 

فهمت فاليري ما تلمح إليه بيلا وزمت شفتيها فلم تصدق يوما أن ثرثرة داريا ستصل إلى بيلا "إطلاقا يا خالتي ميرا"

 

"لكنكما كنتما على وفاق وظننت..."

 

"إني لا أشعر تجاهه بشيء سوى صلة القرابة" هزت فاليري كتفيها وكم كانت مرتبكة لا تدري كيف تقولها فدنت من أذنها وهمست "عديني أنكِ لن تخبري أحدا بذلك" اقسمت بيلا بذلك دون تفكير وقربت أذنها كي تنصت فإذا بعقدة تتشكل بين حاجبيها وكل ما شعرته بيلا بعدها هو الأسى تجاه ريكو.

 

ففاليري قد افصحت لها عن سر أخفته ولم تشاركه أحدا، ليس من خطورته بل من بشاعته فهي لا يسعها النظر بنظرة اكثر من القرابة تجاه ريكو وهذا السبب يعود لرؤيته شابا مثيرا للشفقة. ليس لأن ثيابه أو أخلاقه متدنية بل لأن والديه منفصلان. فالأم لم ترغب لا به ولا بزوجها لدرجة أن اقدمت على الانتحار وفاليري المسكينة كانت شاهدة على هذا الحادث. حتى بعد انفصالهما والدة ريكو هجرته كما لو أنه نكرة ولم تسأل عنه بعدها.

 

فاليري كانت شابة ذات طموح، ارادت رجلا ذو عائلة مستقرة حضي بحب والديه كما حضيت هي. بل وصدمة بيلا الحقيقية أتت عندما أخبرتها فاليري أن ريكو مستقر في قلب اختها فايوليت وليس هي.

سمعت بيلا بكاء آنا-ماريا فذهبت إليها ووالدها بالفعل كان يحاول معها، فناولها لبيلا ثم عرفها على فيفيان تلك الفتاة اللبقة ومن خلف فيفيان هي ابصرت عينين فايوليت الحاقدة. سألهم المصور إن كانوا مستعدين لكن صوفيا أبلغته أن يمهلهم من الوقت قليلا فاختها أدرينا مع ابنها دانيلو على وصول.

 

"ألم تكن المياه بينكم وبين أدرينا عكرة؟" سألت بيلا داريا لتجيب بمرح "قد بات ذلك الخصام تاريخا عزيزتي"

 

"ماذا عن بيانكا وزوجها إني لا أراهما؟"

"آه ألم يخبرك نيكولو؟" تعجب فيتو "إنها أرملة الآن وهي تقضي حدادها في نابولي، هناك في منزل العائلة القديم"

 

قطبت بيلا حاجبيها وفاهها بالتأكيد فتح على شكل حرف أو بالانجليزية من هول صدمتها، انتقلت بطرفها لنيكولو فزمت شفتيها حتى باتت كالخط الرفيع متوعدة إياه على اخفائه الكثير عنها، كما لو أنها أجنبية وليست فردا من العائلة.

 

بالطبع اسمعته بيلا نقاشا حادا في المنزل لاحقا ونيكولو تكرم وسرد عليها ما فاتها، كوفاة زوج أخته بيانكا مع الكثير من التحفظ عن الحادث الذي اصابه، فهو بالتأكيد لم يكن ليحكي لها أن الحادث مدبر من قبله وبطريقة لن تجعل أحدا يوجه عليه اصابع الاتهام، بالأخص اخته بيانكا.

 

فلقد عمل بالخفاء جاهدا حتى تمكن من توريط فرانكو ومن الجهة الأخرى لعب على اوتار ليوناردو، ابن صوفيا الذي يعمل في الاستخبارات، حتى تمكن من جعل كلا الطرفين يبتلعان الطعم لكن وقبل لقائهما انفجرت السيارة بفرانكو وبقيت يدا ليوناردو نظيفة فلا تحقد عليه خالته بيانكا.

 

كم كان صداع بيلا شديدا في تلك الليلة ورفضت أي اصبع من نيكولو أن يلمس شعرة منها فلقد تفاقم فيها شعور بعدم الأمان معه بالأخص بعد أن أدركت الحقيقة المرة؛ ألا وهي عدم معرفتها شيئا عن هذا الرجل، حتى وبعد قضائها سنة كاملة برفقته.

 

فمن بين كل أسراره التي لم يكن ليكشف عنها إلا تحت ضغط وتهديد منها، كان أشدهم خطورة هو قتله لوالده البيولوجي في سن الخامسة عشر. ورغم أن بيلا فعلت المثل لكن مخاوفها غلبتها.

 

إلا أن مخاوفها تلك لم تبقى طويلا، فلقد كان نيكولو ماهرا بجعلها تنسى، إذ وكلها مهمة مساعدة فيفيان والمشاركة في ماراثون تجهيز زفاف ابنه ريكو؛ فمن الزيارات بين العائلتين وحتى جولات التسوق الطويلة، هذا كله كان كفيلا بجعلها تنسى هذا الشعور المزمن بأنها أجنبية بالأخص عندما قدمها ريكو لبقية أقاربه من دي كارلو على أنها زوجة ابيه وابنتها هي اخته الحبيبة.

 

لم يدم الأمر طويلا بالنسبة لريكو فبغمضة عين أتى يومه الموعود حتى وإن عنى ذلك مضي تسعة أشهر كاملة. هناك في نابولي اجتمعت العائلة، في منزل السنيور دي كارلو الكبير وعبر النافذة شاهد ريكو الكراسي البيضاء توضع مع الطاولات واصناف عديدة من الطعام خرجت محملة بأيدي العائلة وخدمهم. زفر بضيق فحل زر ياقته واستخرج سيجارة ليدسها بين شفتيه، يدخن أمام اللوحة التي تحمل هيئة جده فوق الفراش الكبير، هنا حيث سيقفل عليه والده الباب من الخارج كي يحبسه مع تلك المرأة فيفيان.

 

"ألن تحضر يا ريكو؟ سنقوم بجولة ورق وإخوة فيفيان قد رفعوا سقف الرهان" أطل فيتو برأسه وإلى جواره كان دانيلو واقفا يدخن هو الآخر سيجارة.

 

"سحقا لفيفيان" تمتم ريكو فحث دانيلو فيتو على المضي كي يتركاه وشأنه، بالطبع بعد أن ألقى دانيلو نظرة حاسدة عليه، ففوق امتلاكه أبا يصرف عليه ها هي السجادة الحمراء تمد على شرفه وسيتزوج من ابنة السنيور داميان في غرفة جده الفارهة. مشى دانيلو غضبانا وفي طريقه قابل خاله نيكولو الذي أوقفهما.

 

"إلى أين تظنان نفسكما ذاهبين؟"

"للمساعدة بالطبع" كذبا سويا دون تفكير.

"يستحسن بكما ذلك فعمتي اكلت رأسي بما فيه الكفاية"

 

اشتكى نيكولو من عمته التي لم تضيع فرصة إذلاله أمام بقية الأقارب، بل وشككت في مهارته على إدارة هكذا مناسبات مهمة، بالطبع هو مارس كفايته من الصبر أمامها بل وعض على لسانه مرات كثيرة حتى وصل به الأمر لتذوق طعم الحديد في فمه "أين ريكو؟ ستبدأ المراسم بعد ثلاثين دقيقة"

 

"في غرفته سنيور"

 

"آمل أنه ربط حزام بنطاله وإلا أقسم أني سألقيه من نافذة الغرفة، كي يرى المرحوم بعض الإثارة تحدث في غرفته" تجاوزهما نيكولو بخطى باطشة ولو كان للغضب هيئة لكان الجميع شاهدا على الدخان الذي يتصاعد من جمجمته الآن.

 

توقف نيكولو أمام باب الحجرة وبسط كفه عازما على ضرب الباب لكنه استجمع شتات أعصابه، فاعتدل في وقفته وأعاد ترتيب ياقته قبل أن يدق على الباب ثلاث نقرات باصابعه. هو لم ينتظر إذنا من ريكو بل ولج فإنا به يرى ابنه غارقا أسفل غمامة من دخان السجائر.

 

"لابد أنك تمازحني" حرك نيكولو يده يدفع الدخان "ألم تخبرك الفتاة أنها تمقت رائحة السجائر" تقدم نيكولو نحو النافذة وفتحها كي تزول الرائحة وانتشل السيجارة من بين اصابعه ليسحب نفسها سريعا ثم اخمدها على حافة النافذة.

"انت من وعدتها بأني سأقلع عن التدخين وليس أنا" تمتم ريكو بضجر واستخرج أخرى لكن والده خطف العلبة منه "لقد قلت كفى يا ولد"

 

"نعتذر سنيور لم نقصد تجاهل أوامر حضرتك" رفع ريكو يديه بسخرية من نبرة والده الآمرة "لا وقت لي لتصرفاتك الصبيانية هذه، انهض حالا وجد حلا لهيئتك هذه"

 

"وإن لم أفعل ستضربني؟" رفع ريكو حاجبيه ثم أشاح بصره بعيدا نحو لوحة جده "إنه الشيء الوحيد الذي تجيده على أي حال" ألقى بظهره على الأريكة أسفل النافذة والشمس المشرقة عبر النافذة لم تتماشى أبدا مع وضعه المزري، ففي الخارج كانت الموسيقى صاخبة، إذ أن الفرقة وصلت بصحبة مغني شهير طلبه نيكولو بالاسم تنفيذا لرغبة فيفيان فهو كان المفضل لديها.

 

الأولاد كانوا يلعبون بحرية فوق المرج الأخضر بينما البالغون منهم من رقص ومنهم من تبادل أطراف الحديث بينما كؤوس الشراب شغلت أيديهم وكل تارة استقرت سيارة ضيف جديد أمام بوابة المنزل، والذي بني من القرميد الأحمر وسط بستان من بساتين دي كارلو.

 

"ريكاردو أليساندرو دي كارلو!" نطق نيكولو اسمه كاملا بنفاذ صبر "انهض حالا فلا مزاج لي للتعامل مع تقلباتك الصبيانية هذه" لم يعره ريكو اهتماما بل اضطجع جانبه فإذا بوالده ينتشله من ياقته كي يوقفه على قدميه وأخذه بنفسه للحمام كي يغسل له وجهه ويفرش أسنانه فيزيل عنه رائحة فمه الكريهة.

 

"والدك لا يبخل أبدا بشراء العطور فتأتي أنت في النهاية لتفوح منك هذه الرائحة النتنة؟ ألم تستحم هذا الصباح؟!" جر جانبي قميصه كي تنفك أزراره ثم أخذه نحو الحوض وأدار الصنبور فتدفقت المياه الساخنة عبر الدش. لم يبالي نيكولو أبدا بتذمرات ريكو وصياحه المستمر أن يقلع عن هذا وكم جن جنونه عندما وضعه والده أسفل الماء وغسل شعره ثم اجبره على رفع ذراعه كي يشطف ابطيه جيدا ويزيل رائحة القمامة من عليها.

 

"لو تعشيت مع الجرذان لكانت رائحتك أهون من هذه!"

"دعني وشأني!"

"اعترف يا ولد اخرجت القمامة ودهنت بها جسدك؟"

"أجل فعلت ويا ليتني دهنته بالغائط!"

 

دفع ريكو والده لكنه كان أشد صلابة منه فثبته ثم لطشه باللوفة التي جعلها وفيرة بالصابون ودعك ظهره كما يدعك المنظف السجاد "دعني! دعني وشأني فقد سئمت! اقسم لك أني سأبصق الليلة عليها وسأجعلها تفر لأبيها، سأجعلها تعانق ساقيه راجية منه أن يخلصها مني!" ويدا ريكو الرطبة تحركت بعشوائية حتى صفع والده عن طريق الخطأ فخدشه ولما لم يفلح معه الخدش دفعه من فكه بكل ما يملك من قوة.

 

فإذا بوالده يضربه على ظهره ثم دفعه عنه ليرتطم ظهر ريكو بالحوض مهددا إياه "سأقتلك يا ولد!"

 

"افعلها!" صاح ريكو بدوره "هيا تخلص مني!" ضرب على صدره "اقسم لك أني حاولت لكن لم استطع فهيا افعلها انت! في النهاية انت مجرد مجرم ولن يرف لك جفن حينها" تجرع حلقه والمياه جرت عليه من أعلى رأسه مبللة شعره بالكامل وقد سلكت مسارات عدة مجتمعة أسفل ذقنه في النهاية، كي تنساب فوق صدره الهزيل.

 

"أساليبك المثيرة للشفقة هذه لن تفلح معي" هز نيكولو رأسه منهكا وشعره هو الآخر ابتل فالتصق ضد جبينه "انت دي كارلو لذا ستقف مستقيم الظهر وتنفذ واجبك تجاه نفسك أولا ثم تجاه أسرتك" نقر نيكولو على رأس ريكو "هل فهمت؟ أم تريد أن احشرها في رأسك؟ فصدقني لي كثير من الحيل غير الضرب، انت لا تعرفني بعد يا ولد"

 

شخر ريكو ساخرا "ماذا ستفعل؟ ستجعلني أشنق نفسي كما فعلت والدتي؟ بالطبع، هذا ما انت ماهر به، القتل لا غير" سحب ريكو انفاسه بصعوبة ثم مرر يده اسفل أنفه وكم كان شاكرا للماء الذي أخفى دموعه. أشاح بصره بعيدا عن أبيه معلنا نهاية هذا الحديث لكن عواطفه كانت مندفعة تأبى الانصياع فأكمل حاقدا "أنا رافض لهذا الزواج!"

 

"وإن اجبرتني وإن دسست التراب في فمي فأنا رافض لهذا" هز رأسه للجانبين "إن كان في قلبك ذرة شفقة تجاه الفتاة فخلصها مني، خلصها قبل أن أجدها في يوم تعقد حبلا كي تشنق نفسها" مر طيف والدته أمام عينيه، وطيفها لم يحوي وجهها بل فقط قدماها وهي تتأرجح في الهواء والكرسي على مقربة منها.

 

رفع ريكو بصره لوالده وعبر باب الحمام المفتوح أبصر لوحة جده المعلقة فوجد في والده طيفا منه وما يخوضه الآن مماثل لما خاضه نيكولو سابقا. ونيكولو كان مستاءً من ابنه مهزوز النفس فدنى بظهره واتكئ على ركبتيه أمام ريكو "انهض ودع عنك هذا الهراء"

 

"هراء؟ كيف لك أن تصف بؤس أمي الذي صنعته بهذا الوصف المريع!"

 

"كف عن النظر ورائك والنواح كطفل أحمق، انهض يا ولد واستقم بظهرك! كن رجلا لمرة واحدة!"

 

"وهل الرجولة أن أكون مسخا؟!"

"بل أن تقنع بما تملك لا البكاء على ما فاتك"

"انت مريع، بالتأكيد اصبتها بالجنون حتى أقدمت على الانتحار!"

"أمك كانت مريضة يا ريكاردو"

"انت من اصبتها بالمرض!"

"تخطاها يا ولد! لقد ولت هاربة وتركتك فكف عن النحيب عليها"

"انت حرمتني منها!"

 

هز نيكولو رأسه بتعب من ابنه هذا الذي لا يمكن لجمجمته السميكة أن تستوعب تخلي والدته عنه. ومن عادات نيكولو كان القاء كل ما يزعجه وراء ظهره، فالتقط الدش واللوفة كي يكمل تنظيف ريكو الذي لزمه تعب المقاومة فأغمض عينيه مستسلما واسند جبينه ضد بطن والده.

 

"هي لم تأتي اليوم أليس كذلك؟" سأل ريكو وصمت والده كان ردا كافيا فعاود أغماض عينيه وهو لم يملك من ذكريات والدته الكثير كي يواسي طفولته المثيرة للشفقة، ووالده لم يكن من النوع الذي يسرد له الذكريات السيئة لذا لم يحكي له أبدا.

 

"كنتَ تبغضها لهذه الدرجة؟"

"كان هذا شعورا متبادلا بيننا"

 

ملئ نيكولو يده بكمية وفيرة من غسول الشعر واصابعه تغلغلت بين لفائف ريكو الفاتحة كالكستناء المحمص وقت الشتاء وهذا اللون لم يكتسبه ريكو من أبيه من بل أمه "كانت قبيحة؟"

 

"بل حسناء وقتها، لقد سلبت أخواتها نصيبهن من الحسن لكنها أخذت منهن حظهن البائس" أمام عيني نيكولو مر طيف زوجته السابقة، هو يذكر هيئتها قبل الزواج فلقد قابلها صدفة في دار باتشيني بضع مرات؛ كانت كالوردة التي تفتحت في الربيع، لها نظرة في العلوم وفصاحة لسان تسحر الأذان ومن هواياتها مطالعة كتب الشعر وتمزيق البيت الذي تحب، فتلصقه في دفتر خاص بها. كان لها شغف فاليري وروح فايوليت الحرة.

 

"لقد كانت من الذين ابتلعهم البؤس فوالدها حطم غرورها الذي بناه بيديه لما ساقها لأبي وهي حرصت على النحيب بعلو صوتها لحظة نطقنا العهود" ومهما سرد له، ريكو لم يستطع تخيل امراءة بائسة مثل تلك، عقله عجز عن تكوين صورة تجسد حجم المأساة، إذ وقع الاختيار على أمه في اليوم الذي قررت فيه التقدم خطوة واستكمال مسيرتها التعليمية عكس أخواتها.

 

كانت ملزمة بدمها الذي حرمها لذة الانتقال برفقة عشيقها إلى ميلانو، فلم تسافر وعشيقها ذاك وجدت فردة جزمته ملطخة بالدم. هذه كلها تفصايل لم يتمكن نيكولو من سردها لأحد. لقد جرجرها والدها نحو قبرها وثوبها الأبيض لم يكن سوى كفن لها، بالطبع قام نيكولو بتلاوة عهود هو حفظها فقط لأن والده أراد منه ذلك وعندما أقفلت الباب عليهما في شقتهما الصغيرة هو دنى ملبيا رغبة أبيه بجلب ولد يرثه كي يحفظ له مكانته بينهم.

 

ونيكولو لم يكن مجرد دمية معدومة الاحساس بل كان مكرها وملزما بواجبه للحد الذي تعرض فيه لتقويم قاسي إذ لم ينفذ مهمته على اكمل وجه، فنفذها ثم اقسم ألا يقترب منها إنشا واحدا، بالطبع هو حصل على خدش كبير في وجهه من تلك الليلة بسبب أظافرها الحادة. هي ذكرته بمعنى دم باتشيني الذي يجري في عروقها فلقد كانت عازمة على فلق رأسه في كل مرة يعود للمنزل ولسانها لم يكف عن تذكيره بالشيطان الذي هو عليه.

 

كانت ساعاته في شقته عبارة عن كفاح لأجل البقاء على قيد الحياة، فالطعام مسمم بسم الفئران وكلما كاد أن يغمض عينيه كي يغفوا يستفيق على الفور ممسكا بمعصهما، يردعها عن غرز السكين في حنجرته. لكن الفاجعة بالنسبة لهما حدثت عندما برزت بطنها وتحققت رغبة والده، حينها سلك نيكولو طريقا آخر فعوضا عن النوم على أريكة اخته كارولين باشر بالسفر وزوجته نفذت كل الطرق الممكنة للتخلص من الجنين لكن ريكو كان مقاوما بغيضا كوالده وتشبث جيدا حتى آتى يوم نزوله مشرفا العائلة.

 

كان نيكولو حينا متوجسا وبعيدا عن ريكو، لم يرغب به إطلاقا وحتى في اليوم الذي توجب عليه تسجيله، والده من فعل، سماه بنفسه وقام بتسجيله. فكان كثير الحيل فقط ليجمع ابنه بحفيده الصغير.

 

"لقد كنت مرعوبا مثلك وهاربا من القدر الذي رسمه أبي، بالأخص عندما أتيت لهذه الدنيا فجأة"

 

"كرهتني بالتأكيد"

 

بل اردت ترك أبي مقطوع النسل بلا خليفة، كم كانت هذه العبارة صاخبة في ذهن نيكولو وعوضا عنها استبدلها بما يناسب ريكو "لم أكن مستعدا إطلاقا" وعبارته هذه لم تكن كذبة فهو سبب من أسباب كرهه ليوم ميلاد ريكو.

 

"لكن في النهاية رأيتك لما قمت بزيارة عمتك كارولين، كنت تبلغ من العمر ستة أشهر حينها" ولم يذكر له إطلاقا عن الوقت الذي تجاذب فيه اطراف حديث حاد مع اخته ولكماته مع زوجها لم تنتهي إلا بسقوط الرضيع من سريره فحمله نيكولو مرعوبا من أن يتهشم رأسه وفي هذه اللحظة توقف عالمه عن الدوران وفاضت عيناه بالدموع.

 

فلقد وجد أخيرا شيطانا أشد شرا منه في ذلك اليوم، ألا وهما الذان ساقاه لهذه الحياة بسبب نزوة دون أن يكترثا، فألقت به والدته البيلوجية في أقرب حاوية لأنها لم تستطع مواجهة أسرتها بقبح الذنب الذي اقترفته مع شقيق والدتها.

 

كم كانت جمجمة ريكو حينها هشة ونظراته ساذجة، تبحث عن الرعاية بشكل فطري ولم يسعه فعل شيء سوى تحريك ذراعيه والبكاء مطالبا بوجبة تسد جوعه فلقد كان نحيلا جراء امتناع أمه عن ارضاعه إلى أن جف حليبها وما عاد ينفعه.

 

سأل نيكولو اخته عن طعام لريكو لكنها لم يكن بوسعها توفير الكثير فزوجها لم يكن ذو منصب في عائلة باتشيني آنذاك وما يجنيه من مال لم يكن يملئ عليهما الثلاجة. كارولين كانت عزيزة النفس لم تتجرأ ابدا على طلب المال من أبيها لذا تكفل نيكولو بالمصاريف وبدأ برعاية عائلة اخته، فلقد أدرك حينها أن كارولين ما عادت مدللة أبيها بل امرأة متزوجة بالاجبار أيضا، وقع على عاتقها مسؤوليات ما كان باستطاعتها تحملها بنفسها وزوجها مارسيو أيضا لم يكن سوى شاب يافع وقع ضحية ثأر دموي بين العائلتين حاله من حالهم. فشجاره مع مارسيو لم يكن إلا لأنه مجرد شاب يافع لا يعرف كيف يدير شؤون المنزل والعمل.

 

 كم كانت حياتهم جميعا آنذاك عبارة عن عمل أدبي سوداوي ولم يتمكن آل دي كارلو من الاستقرار إلا قبل بضع سنوات.

 

أطعم نيكولو في تلك الليلة ريكو فواكه هرستها كارولين ولما تبسم له الطفل ريكو وقرر استكشاف وجه أبيه باصابعه القصيرة، تذكر نيكول الطفل الساذج الذي كان عليه عندما وضع يده بيد أبيه الجديد ظنا منه أنه سيحضى بتلك العائلة الدافئة كما قصت عليه الأخت في الملجأ، لكن عوضا عن هذا تهشم رأسه تحت قسوة السنيور دي كارلو، فمرت مآسيه أمام عينيه والحقيقة القاسية لم تكف عن لطمه مذكرة إياه بأن هناك حدثا أسوء من عدم تحقق أمنيته بانقطاع نسل أبيه، ألا وهو أن دمه النجس سيستمر وستستمر معه معاناته.

 

وما راود قلب نيكولو تجاه ريكو ليس الحب بل الشفقة، لأنه بات ابنا لرجل لا يعرف ممارسة الأبوة ولا يسعه أن يهبه الحب، فما يسمى بالحب كان شيئا لازال نيكولو ينبش عنه في فؤاد والده آنذاك ولم يعثر عليه أبدا فدي كارلو لم يمتلك فؤادا.

 

"فيفيان ليست كأمك يا ريكو" مشط نيكولو شعر ابنه بعد أن ألبسه بدلته الخاصة واكتفى هو بثياب غيرها أقل رسمية "إنها امرأة ناضجة الفكر" رش لأجله العطر على جانبي عنقه "هي ستعتني بك بالشكل الذي لن تقدر فاليري على فعله. ثق بي"

 

ربت على كتف ابنه ثم أخذه للخارج نحو الحديقة حيث عليه الوقوف وانتظار قدوم فيفيان إليه بثوبها الأبيض. حلق بصر ريكو نحو فاليري التي كانت تقهقه مستمتعة بهذه المناسبة فغض طرفه عنها وحدق بمستقبله الذي أتى إليه بخطوات رزينة وبين يديها باقة من أزهار الزنبق البيضاء...


-------------------------------------


كان أطول فصل في الرواية واكثرهم حب لقلبي، الصراحة مرة استمتعت فيه وما مليت أبدا وانا اكتب عن التشويق بين الاب وابنه، 

اتمنى أن الفصل عجبكم وجدا يعجبني اقرا رأيكم عنه.

ان شاء الله بعد هالفصل يبدا العد التنازلي للرواية.





عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz