المعلم ماتيو
قد حضر؛ هذه العبارة جعلت من الحرارة تضرب بيلا من كل جانب لدرجة أن شعرت بوجع
يتمركز في صدرها، موضع قلبها ولم تدرك حينها، أهذه عواطفها التي تنتمي لماتيو قد
فارت للسطح مجددا أم مجرد رعب فطري، وهذا لأن عشيقها السابق قد أتى لزيارتها بينما
زوجها المخمور يقوم بالشخير.
"ماذا
قال؟ كيف يبدوا مظهره؟" سألته بيلا علها تكتشف عن نواياه شيئا لكن فيليب لم
يكن ولدا ملما بالتفاصيل فهز كتفيه فحسب "في الواقع، كدت أن أطرده لكنه أصر
على رؤيتك ولم اتمكن من الصياح به فمن الممكن أن تستيقظ جدتي وهي بالتأكيد لن ترحمه.
خشيت من الفضيحة التي قد تصل لنيكولو"
غطت بيلا
فمها بيدها على الفور وبسبب دمها الذي تشبع بالأدرينالين، باتت أذناها حارة الملمس،
هي نزعت حذائها على الفور ونزلت السلالم ركضا، متناسية أمر الروح التي تتشكل في
جوفها والعائدة لنيكولو.
وصلت قدما
بيلا السلمة الأخيرة وتأملت ردهة الفندق، فعادت بها ذاكرتها لتلك الليلة قبل زواجها،
لما عزمت على الفرار للقاء ماتيو فتفصح له عن مخططها كي يخلصها من الزواج بنيكولو،
كان حينها شقيقها آدم يشخر خلف مكتبه ونيكولو مع ابنه ريكاردو يقومان بالتدخين في
الخارج، أسفل عامود الإنارة.
هناك ناضلت
للفرار لكن نيكولو ردعها بقبلة ولو لم يفعل لكانت وصلت لماتيو بالفعل وما تزوجت من
نيكولو ابدا...
"فيليب،
أرجوك لا تدعني في هذه المصيبة وحدي"
"ماذا
تريدين مني أن افعل؟"
"راقب
المكان من بعيد فإني أخشى أن تأتي والدتي وترانا"
"حسنا،
وانتِ إن تصرف الوضيع ذاك بحقارة، فقط انطقي اسمي وأنا سأبرحه ضربا"
تبسمت بيلا
بود ثم عزمت أمرها وسارت بخطى مغلفة بالثقة، لكنها باللحظة التي دفعت الباب ووقع
بصرها على ماتيو، الواقف أسفل عامود الإنارة، لازم الوهن مفاصلها وارتجفت يدها،
فأخفتهما داخل جيبها. عاينته بشطر من الثانية؛ لم يتغير إطلاقا، لازال على الحال
الذي عهدته لكن في عينيه من الجرأة الكثير.
"بيلا"
لفظ اسمها وهي فارت معدتها حتى باتت كالفرن يغلي، لم تجبه بل اكتفت بالتحديق،
تنتظر منه أن يفصح عن سبب قدومه وفي جوفها صدح صوت منادي، يأمل لو يتوسلها للمغفرة،
فهي قد خاضت الكثير بسببه "لم أصدق خبر عودتك الذي وصلني"
هو لم يسألها
عن هيئتها التي خرجت بها في ليلة باردة كهذه، لم يسألها عن أقدامها الحافية كما
سألها نيكولو في تلك الليلة. ألا يرى حقا الوضع المزري الذي جعلها تخرج فيه فيشعر
بالخزي من نفسه؟
"وخجلت
من الحضور الى الوليمة التي أعدتها والدتك لكن أتيت الآن" تقدم نحوها والرعب
أصابها، فماتيو الذي تعرفه ما كاد أبدا ليتخذ خطوة نحوها "وقد رأيتك أخيرا
بيلا"
"ها قد
رأيتني قل ما تريد من التهنئة الآن وعد لمنزلك، ألا ترى أن الوقت متأخر"
"لكنك
مستيقظة بالفعل فلما الاستعجال"
"ماتيو"
زجرته ضاغطة على أسنانها "أمي مستيقظة أيضا وهي لن تخشى تعليق رأسك على
العامود"
"وهل امسيتِ
تخشين والدتك؟ ألم تكون تضربين بكلامها عرض الحائط"
لم تهدده
بيلا أبدا باسم زوجها، فهي لم تستطع نطقه في هذه اللحظة كي لا يخشاه ماتيو ويمتنع
عن الافصاح حول سبب حضوره، في حين أن ماتيو قد تمادى أكثر، فعدم تخويفها له بزوجها
معناه أنه مجرد رجل ثقيل لا تعتمد عليه.
"ماتيو
لا تضايقني وأختصر"
"لقد
افتقدتك يا بيلا!"
شهقت بيلا
بصدمة مما نطق وتراجعت عنه بينما اصابعها طالت فمها لتغطيه "كاذب!"
قاومته "انتَ متزوج الآن فكيف لك أن تشعر بهذا!"
"لا تصفعيني
بعبارات العفة، انتِ أيضا فكرتِ بي فالسنوات تلك لا يمكن للمرء نسيانها في غضون
بضعة أشهر، ثم إني لا أملك نوايا سيئة فلقد افتقدتك كصديقة مؤنسة لي وأود لو تغفري
لي فأنا متأكد أنكِ لازلت على حالكِ غاضبة مني"
"لا...
إطلاقا... من أوحى لك أني غاضبة" هزت كتفيها بلا مبالاة "على العكس، كنت
سعيدة لأجلك وعن نفسي فقد وجدت آخر يمكنه إسعادي"
"سعيد لسماع
هذا، فلوهلة خيل لي أنكِ تزوجتي فقط للفرار من هنا والذنب لم يكف عن نهشي" قهقهت
بيلا رغما عنها، فلا يصدق ظنه الصائب بشأنها ثم عرض عليها الصداقة مجددا، فلا تشعر
بالضيق في طرقات البلدة إن مشت فيها وبيلا لم تستطع رفض طلب له، ليس لانعدام
كرامتها بل لأنها وفي هذا الموقف الصعب عقلها لم يكن يراجع أقواله بل يلقي بكل ما
يأتي بوسعه.
وما أفزعها
هو ذراعا ماتيو، التي التفت حولها في عناق ليوثق صداقتهما التي عادت لسابق عهدها
وبيلا تيبست عضلاتها وفقد دماغها كبريائه، فرائحته التي تسللت عبرة فتحتي أنفها
أعادت لها الحنين، لسبع سنوات ماضية وباللحظة التي كادت أن تغمض عينيها مرحبة به أستعادت
رشدها لما دفع ماتيو عنها، فتهاوى بخطوات وهنة وهي أدركت من يقف خلفها.
لقد كان فيليب...
"يا هذا!
لا تتمادى. هل أزعجك بيلا؟"
"لا...
لقد كان يودعني بالفعل، أليس كذلك؟"
رفعت طرفها
لماتيو وهو أخفى ابتسامته أمام الولد، وقد أدرك أنها تدافع عنه، فلا فيطوله سوء من
أحد مما يعني أن مشاعرها تجاهه لازالت حية "عمت مساءً ماتيو" ختمت بيلا
اللقاء وعادت أدراجها لغرفتها، لكنها من شدة انشغال دماغها استقرت واقفة أمام غرفة
أخرى ولم تدرك فعلتها إلا متأخرا، لذا استعجلت بالعودة وأدارت مقبض الباب، فوجدت ظهر
نيكولو مواجها لها وشخيره لم يتوقف إطلاقا مما يعني أنه لازال نائما.
رفعت عنها
ثوبها لترتدي منامتها ثم رفعت الغطاء لتنزلق تحته وتشاركه ذات الوسادة. لم يدم
الأمر دقائق إلا وقد نهشها ذنب عظيم، لدرجة أن غطت وجهها بكلتا يديها، فضميرها وصفها
بأقبح الصفات فاضطجعت جانبها ولاصقت ظهر نيكولو، تطلب منه المغفرة حتى لو لم يكتشف
أمرها بعد.
فإخفاء
الأسرار الخطرة كهذه، كان حملا ثقيلا عليها لدرجة أن سلبها راحتها، فما امكنها
النوم إطلاقا، في حين أن نيكولو استمر في نومه غارقا، كما لو أنه لم يعلق رجالا
ويتركهم يتأرجحون من كاحلهم بخطاطيف القصابة خاصته كالماشية.
استمر الضيق
متجليا على بيلا حتى في لحظة توديعها نيكولو ولم تكن بكامل قواها العقلية كي تتجاوب
مع ذراعيه التي تضمها إليه، فعناقه هذا ذكرها بما فعله ماتيو لدرجة أن قارنت
بينهما.
"ميرا؟
ميرا انتِ على ما يرام؟ تبدين شاحبة" أعاد نيكولو خصلها خلف أذنها وهي همهمت
بلا مبالاة لدرجة أن اشاحت نظرها عنه وتأملت أي شيء سواه "لم أتمكن من النوم فحسب"
"ما
رأيك لو ألغي تذكرتي؟ تعلمين أنه لشيء سهل فعله"
"لا
رومان، لا تأجل عملك لأجل شيء تافه كهذا"
طبعت بيلا قبلة
على وجنته لتسايره، ثم دفعته من صدره ليستعجل باللحظة التي علت فيها صافرة القطار،
حينها تأكد نيكولو من توديعها ثم اختفت هيئته بابتعاد القطار عن مرمى بصرها. عزمت
بيلا على العودة لفيليب الذي ينتظرها في السيارة لكن صديقها والذي كان موظفا في
مكتب البريد استوقفها ليحيها ثم أعطاها رسالة كانت قد وصلتها قبل بضعة أيام قائلا
أنه من شقيقها الهارب ألفيو.
لم تتحلى
بيلا بالصبر إطلاقا، فجلست إلى جوار فيليب في السيارة وقرأت محتواها لتكتشف أنه
ليس من ألفيو بل من ذلك الغريب الذي يقطن في عنوانه، تنهدت بقلة حيلة ريثما تعاين
كلماته والتي تجلى قلقه عليها فيها ثم أفصح لها عن الشجاعة التي تملكته أخيرا
ليكاتبها.
"ممن
هذه الرسالة؟"
"من شخص
لا تعرفه، آه يا فيليب لقد فاتك الكثير حقا"
"تتحدثين
كما لو أنكِ غبتِ عشر سنوات وليس بضعة أشهر"
"لقد
كانت حقا كعشر سنوات بالنسبة لي"
ألقت بيلا
برأسها على النافذة وبينما هي تتأمل الطريق استقرت يدها على بطنها التي لم تتغير
إطلاقا لكن هذا الحال لم يستمر مع تسابق الأيام نحو الربيع ثم الصيف. وبيلا لم
تشعر بالوحدة إطلاقا في مسقط رأسها، إذ كانت محاطة بأحبتها وفي إحدى الأيام عرضت
على والدتها، أن تعود للتطوع فتعمل في المدرسة مع ماتيو، لكن والدتها رفضت بشدة، مدعية
أن لا خير من دخان يأتي جراء جمع النار بالحطب.
وعرضت عليها
أمها العمل في النزل، حينها سترهق بالتأكيد ولن يعود لها متسع من الوقت لتفكر
بالمدرسة. لم تستطع بيلا الاعتراف لوالدتها، أن ماتيو هو من عرض عليها العودة للمدرسة،
فتورطت بالعمل مجددا في النزل ونزعت لباس المرأة المنهكة التي لا تستطيع رفع طبق.
في تلك الأشهر،
تردد نيكولو عليها بضع مرات وفي كل زيارة، شاركها غرفتها لثلاث ليالي قبل أن يسافر
مجددا حيث أخواته وعمله ينتظره في روما. أي نعم هما تشاجرا في بعض تلك الزيارات
بسبب هرمونات بيلا وأعصابها الفائرة، لدرجة أن وصل الأمر بنيكولو أن يشارك فيليب
السرير.
ففي مرة صاحت
به، متهمة إياه أنه يفضل عمله الوضيع عليها وفي مرة كان سبب الصياح هو تردده على
محطة القطار مرات عدة، ليتواصل مع صوفي فتطلعه على أخبار ابن كارلين الذي اشتدت
عليه حساسيته ونام في المشفى بضع ليالي.
بل وفي إحدى
المرات اشتد الصياح بينهما، فلقد اتهمته بأنه ألقاها هنا كي يتفرغ لنساء غيرها،
متهمة إياه بالخيانة وبعدم المبالاة بأمرها، بالأخص في الأوقات التي غلبها وجع
الحمل وهو لم يكن بجوارها. لكن خصامهما لم يكن يدوم طويلا، فبيلا في كل مرة كانت
من ترافقه للمحطة بنفسها وتودعه بينما الدموع منهمرة على كلتا وجنتيها، تستحلفه أن
يكرر زيارته في أقرب فرصه.
ومن المشاحنات الشهيرة التي شبت اثناء زيارات
نيكولو؛ هي المشاحنات التي كان موضوعها يتمحور حول من يملك الحق بتسمية المولود
عندما يأتي وكانت والدتها عنيفة، فلقد وضحت مرات عدة، أنها ترغب بأن يحمل حفيدها
الجديد أما اسم امها أو أبيها المرحوم.
وما اصاب
بيلا بالضيق في تلك الأشهر الماضية هو ماتيو، الذي تأكد من جعل الألم يتفشى في رأسها
وقلبها، فلقد عاد ودودا معها، يعاملها حقا كصديقة مقربة لدرجة أن وفي إحدى المرات
حضر مع زوجته للزيارة وزوجته المصون كانت تخوض أيامها الأخيرة قبل الولادة.
ولما وضعت
ولدها كانت بيلا من الزائرين لها، فوقفت فوق رأس الرضيع متورم الوجه الراقد في فراشه الهزاز تتأمله، فعصفت برأسها عبارة
اصابتها بالجزع ألا وهي؛ كان عليه أن يكون ملكي أنا وماتيو...
تراجعت بيلا
عن سريره الهزاز واجتازت الضيوف مستعجلة، انتاب القلق بنات اختها ولما همت احداهن
بالذهاب اليها، أبلغتها بيلا أن الدوار لازمها من قلة الهواء، فجلست على كرسي في
شرفة المنزل، تستنشق رائحة آخر أيام شهر تموز الحار والذي حمل رائحة ثمار الطماطم
التي نضجت في عناقيدها.
أراحت جبينها على كف يدها ولم تستيقظ من وجع أفكارها إلا على صوت الدجاجات، تتشاجر فيما بينها على اللقمة، ظنت بيلا أنها ستسترخي بتأمل الدجاج بينما ينبش التراب تحته إلا أن معدتها تقلبت وفار دمها باللحظة التي رأت ماتيو يقف بينهم ويلقي الحبوب. لمحها ماتيو أيضا فحياها وعرض عليها أن تشاركه ففعلت. أخذت حزمة من الحبوب وألقت بها للدجاجات فشاهدتهن وهن عند قدميها يتدافعن لأجل اللقمة "متأكد أنه لم يكن هناك في العاصمة دجاج لتطعميه" حادثها ملطفا الجو.
"بالطبع
لم يوجد أثر لدجاج حي هناك" تبسمت بيلا بود.
"لأصدقكِ
القول، تعجبت حقا لما قلت لنا في ذلك اليوم أنكِ مسافرة" صارحها بما في جوفه.
"ولما؟" رمقته من زاوية عينها مترقبة وجوفها التهب متشوقة فلربما سيعترف لها أخيرا.
"لأنكِ
تحبين بلدتكِ بالتأكيد" حادثها بود هي احبته فيه "وتحبين تأمل عناقيد العنب عبر نافذتك التي قمت بصبغها
بدهان أبيض ولن أنسى البحيرة التي نفر إليها في كل صيف مع الرفاق فنقفز فيها"
تأملت بيلا
الدجاجات وعقلها شارد بما قصه عليها ماتيو، فمر طيف هذه الصور كذكريات دافئة ألهبت
قلبها، فهذه الأرض كانت ديارها التي أحبتها وخاصمتها في لحظة غضب ففرت لغيرها. ولم
تفق بيلا إلا على انامل ماتيو وهو يدفع خصلتها التي هربت من رباط شعرها.
اخفضت طرفها
لتنظر إليه، فهو بالفعل كان أقصر قامة منها ومع كعبها الذي تنتعله، ظهر فارق الطول
بينهما أكثر "بيلا" لفظ اسمها بنبرة حانية، مشتاقة، فخارت قوى مفاصلها وذبلت عيناها، فلقد أيقظ الحنين له في جوفها "ماذا؟"
"اصابني
الجنون لما وصلني خبر عودتك" اعترف لها واقترب منها متلهفا حتى باتت حرارة بدنه
تلفحها وهي لم تقاومه، لم تقاوم ندمه الخالص لها على فطر فؤادها ولم تقاوم شفتيه
التي دنت منها فبات اللاشيء يحوم في رأسها، لا تفكر ولا تعي فقط تذوق حلاوة النصر
التي نالتها أخيرا بعد عذاب دام طويلا.
يداه التفت حولها لأول مرة وخاصتها استقرت على كتفيه تستشعره ثم عانقت عنقه بذراعيها كما لو أنه الخلاص من مآسيها، فرح ماتيو برضاها عنه وترحيبها الودود بعودته، فتوغل عميقا في النعيم الذي يخوضه معها والذي لم يجده في زوجته، إلى أن وصل الحال ببيلا أن ترفع قدمها ذات الكعب الأبيض بينما تلقي بثقلها وجميع همومها عليه وفي شفتيه، فلقد نسيت حينها كل شيء لما ملئت همهمته جوفه فمها، فما عاد طيف والدتها الحاقدة عليه أو شقيقها قادرا على كبحها، حتى أنها ما عادت تعير للخاتم في اصبعها و اصبعه بالا...
لكن نزعة من بقايا إيمانها عصفت بها باطشة، فأدركت قبح الخطيئة التي تجرها عميقا إلى هاوية سحيقة من الذل، أرادت بيلا حينها انهاء هذا العمل المشين والصعود للسطح حيث نور الفضيلة مجددا لكنه رفض، لذا دفعته من كتفيه وأبعدت شفتيها عنه لاهثة في حين أن خصرها بقي بين ذراعيه مستقرا "لا، لا يا ماتيو" هزت رأسها رافضة بقهر.
"ششش، لا عليك" واساها ويده ضغطت على عنقها من الخلف، يقرب رأسها إليه حتى لاصق جبينه بخاصتها.
"لا يا ماتيو، نحن لا يمكننا ذلك، لن يغفر الرب لنا أبدا، لن يغفر لي نيكولو أبدا" هبطت يدها لقبضته الحازمة على خصرها، كي يفلتها بينما لم تكف عن محاولة خلق أكبر مسافة بينهما، فيكف الشيطان عن تزين ما يقومان به من فساد..
"بيلا أرجوك" عاود تقبيلها، يقرب رأسها منه أكثر مجبرا بينما كف يدها استقر حائلا بين شفتيهما "ماتيو كفى، أرجوك أوقفه فما نفعله ليس بالصواب" توسلته.
احكم عليها بحزم فلا تفر منه وتوسلها فلا تتخلى عنه "بيلا، يا بيلا أرجوك، إنه مجرد رجل قد دخل بيننا وتلك الراقدة في فراشها أيضا دخيلة، انتِ كنتِ محقة" هز رأسه وعيناه مر بها بريق التنوير، فلقد أدرك حجم مصيبته بتخليه عنها في السابق "رباه يا بيلا، لقد كنت محقة، ما كان علي الخضوع لوالدتي أبدا" هزت بيلا رأسها تأبي الانصات إليه وعيناها فاضت بالدموع فها هي أخيرا تسمع منه ما تمنت سماعه "لقد تأخر الوقت على هذا يا ماتيو" ضربت على صدره "الرب وحده يعلم كم أني مسرورة لكن ما عاد هناك فائدة"
"لا، لا يا بيلا لم يتأخر الوقت بعد" دس اصابعه بين لفائف شعرها يقبض عليه حتى تفشى الألم في رأسها، إذ أنه بات يجره من جذوره "ماتيو!" عاودت ضربه "أقول لك أننا انتهينا فلما لا تفهم!"
تلوت بين
ذراعيه مكرهة، فلولا الخاتم لنعتت نفسها بالمخبولة، لرغبتها بالخروج من حضن فتى
أحلامها "لم ننتهي بعد يا بيلا" عاندها لكنها فرت وكادت أن تهرب لولا
ذراعاه التي عاودت الالتفاف حولها فلاصق بدنه بخاصتها وغصب شفتيها لفعل المزيد، لربما
تسترد ذاتها القديمة فتوافق، لربما تغلبها عواطفها الهشة.
لكن بيلا لم يغلبها سوى الرعب ولا عاطفة سواه، فعزمت على الاستجاد بضيوف زوجته فيخلصوها منه، إلا أن صياحها هز جوف صدرها فتردى لفمه ولم يجد نور الشمس إطلاقا، ولما لم تجد في نفسها حولا ولا قوة، أخذت شفته بين أسنانها بقسوة كي يفلتها وهو اعتصر على فكها بقبضته، حتى كادت شعرت بعظامها تسحق. فافلتته لاهثة للهواء ودمه القذر قد صبغ أسنانها وشفتيها ومن شدة حقدها الذي بات يفور في دمها هي بصقت في فاهه.
تبادلا النظرات لبرهة، هي مصدومة مما فعلت وهو أيضا، ثم بشطر من الثانية، كادت أن تصيح لولا يده التي لطمتها في البداية ثم احكمت غلق فمها، يستحلفها أن تكف عن هذا وإلا ستكتشف زوجته أمره فتتدمر عائلته، فأي زوجة هذه التي ستبقى واقفة على قدميها بعد معرفتها ما فعله زوجها من عمل دنيء.
جرجرها معه نحو الحظيرة حيث لا أحد سيعلم بأمرهما، ثم دفعها نحو الحائط ولم يدع بينهما مساحة ليعبر الهواء إطلاقا "توقفي يا بيلا، توقفي ولا تجبريني على إيذائك اكثر، أنا احبكِ حسنا؟ أنا مغرم بكِ بشدة فأغفري لي" همس بينما شفتاه لا تكف عن تلثيم وجنتها وجانب وجهها، يترجاها أن تغفر له المصيبة التي فعل "ابقي هادئة وكل شيء سيمضي على ما يرام اتفقنا؟ هي لا يجب أن تعلم فلقد أنجبت ولدها الآن ولا يسعني افساد هذا الزواج أكثر من ذلك، ستغضب علي وسيغضب والدها ولا يسعني تحمل بطشه"
"هيا يا بيلا، أرجوك، أرجوك أغلقي هذا الفم، ششه" صوته كان متوسلا، حانيا بينما بدنه ضغط عليها بعنف حتى ظنت أنها ستسحق قريبا.
خرج صياح بيلا به كهمهمة، فيده لم ينزلها عنه أبدا وشفتاه ما عادت نعيما إنما مجرد شطر من الجحيم، راودها التعب وتصبب العرق من جبينها، فأنهكت وألقت بجبينها على الحائط تحاول لفظ أنفاسها. في البداية توجس ماتيو منها خيفة لكنه اعتقها في النهاية وأنزل يده يتفقدها.
رسم ابتسامة على وجهه بينما تتأمله لربما تفهمته أخيرا، فتبسمت بيلا وقهقهت، مما جعله مرتاحا أنها لن تغدر به، لكن تعابير وجهها انقلبت فجأة وصاحت مستغيثة بعلو صوتها، إلا أن صوتها انقطع لما سارع ماتيو بتعنيفها حتى تردى بدنها أرضا.
اعتلاها ماتيو وقبضتاه أحكمت على عنقها، عازما على خنقها وعيناه كانت تقدح شرارا من الغضب، وهذا الغضب فار بسبب رعبه من أن يكتشف أحد أمره، فهو كان مثاليا ونقيا في أعين البلدة وما كان أبدا ليسمح لامرأة وقحة مثل بيلا أن تفسد سمعته وتدنس اسمه بالوحل.
تلوت بيلا تحته وجاهدت لدفعه عنها، حتى فاضت عيناها بالدموع، فإن استمر هكذا بسحق عنقها هي لن تكون قادرة على رؤية العشب خارج جدران هذه الحظيرة مرة أخرى وبهدية من الرب، طالت يدها حجرا مغمروا بين القش فضربته بقسوة وتناثر دمه على وجهها.
صاح ماتيو موجوعا وبكلتا يديه غطى جانب رأسه بينما الأحمر سال منه بغزارة، بالطبع بيلا لم تفوت الفرصة وزحفت من تحته ثم نفضت العلف عن طريقها وكادت أن تهرب لولا كاحلها الذي التوى بسبب حذائها ذو الكعب العالي.
وما حدث من عرقلة، مكن ماتيو من التشبث بثوبها فعانق ساقيها ليقابل وجهها الأرض المغطاة بالقش مجددا، عاودت بيلا الصياح لكن قبضته دست في فمها من القش الكثير كي يخنقها به وهي ردت له الصاع صاعين، أن لطمت جرحه بيدها العارية مما دفعه للعويل، موجوعا من فعلتها الدنيئة.
دفعته بيلا عنها بقدمها، ثم عاودت الركض نحو الحائط حيث العدة معلقة، فالتقطت أول ما طالته يدها ولوحت به بكل ما تملك من قدرة نحوه الذي عزم على تهشيم رأسها بصخرة، حينها تدفق دم ماتيو بغزارة متناثرا، فزينها بالأحمر معه وارتمى عليها.
بالكاد بيلا تمكنت من الوقوف ثابتة، إذ تهاوت هي الأخرى لتسقط أرضا، فكان الحائط خلفها وفي حضنها ماتيو...
قد فلق الفأس رأسه.....


لي ساعه وانا مو عارفه ايش اكتب وايش اخلي من قوة الصدمة الله يستر من الفصل الجاي 😭💔 الصراحة هذي الرواية احسها غير عن رواياتك الثانية فيها كمية نفسية مو طبيعي بس والله اني وقعت لها بشكل فعلا مبدعه 💓💓
ردحذفوأني إلي ساعة مو عارفة شأكتب، سعيدة أنها عجبتك -قلوب-
حذف