"حضرة السنيورة، هناك ضيف يود رؤيتك. تودين أن أصرفه؟" ولج موظف يعمل في الخمارة لغرفة السنيورة التي لم تعد فاتنة كصورتها المعلقة على مرآتها ذات المصابيح المضيئة، فالوقت قد سلبها شبابها وتركها ذات تجاعيد كثيرة إلا أنه كان رحيما بها فترك لها صوتها الذي يتذكرها الناس به.
"لا، لا تصرفه يا عزيزي، فهكذا ضيوف يأتون مرة بالعمر وبالأخص ضيفي هذا، إنه من النوع الذي يأتي في نهاية العمر" تبسمت السنيورة بيريز ونهضت من مقعدها وثوبها من حفلتها التي أقامتها لم تنزعه بعد أو تزل عنها مساحيق تجميلها.
"لكن لي طلب صغير يا عزيزي، من فضلك أعرنا بعض الخصوصية ولا تقاطع حديثنا أبدا"
"حاضر سنيورة" أومئ لها الشاب وهي تبسمت له، ليس غراما به إنما غراما بما يملكه من عمر جميل، فهي تود لو تهب كل ما تملك لتعود ابنة السابعة عشر.
مضت السنيورة بيريز وتكرمت بإسماع ضيفها طرقات كعبها كي يعلم أنها قادمة، ولجت إليه حيث كان جالسا في مكانه الذي يرتاد إليه طوال الليالي الثلاثة الماضية. فنزع نيكولو قبعته ورفع طرفه إليها باسما بتحية.
"سنيور دي كارلو"
"سنيورة بيريز"
نهض من كرسيه وعرض عليها الجلوس إلى جواره ففعلت دون خوف، وأكرمها بسيجارة فوافقت، ليتصاعد دخان سيجارتهما بينما يتأملان بعضهما البعض. دنت السنيورة بيريز بجذعها للطاولة وأمعنت فيه النظر بأعين لا حياء فيها وكم كانت سنيورة بيريز ماهرة، معروفة بعينيها الهائمة المحبة "آمل أن حضرتك ممنون من عرضِ الليلة"
"إني كذلك سنيورة ولست كاذبا متملقا عندما أقول أن حنجرة حضرتك لازالت تعمل كسابق عهدها، ماهرة بجعل القلوب العازبة تقع في الغرام"
"نيكولو، عزيزي أما يتغير الإنسان أبدا؟ لازلت كسابق عهدك. تنتقي ملافظك بعناية ويا للعجب لازلت قادرا على جعل هذه المرأة العجوز هائمة بك" عادت السنيورة بيريز بظهرها للكرسي واستذكرت الوقت الذي التقت فيه نيكولو لأول مرة، حينها كان شابا يافعا شديد الوسامة، متهكم الوجه والطريف أنها قابلته بعد يوم مولده التاسع عشر.
"قل لي لازلت متزوجا بتلك؟ فإن وجهك مسترخي لذا لابد أنك تخلصت منها"
"بل هي من تخلصت مني إن صح القول"
"ويحك يا نيكولو، أهذا شيء يقال؛ لو لم تكن ملتزما بعملك لعرضت عليك أن تكون عشيقي في أيامي الأخيرة"
"أرى أن لعملي تأثير منفر لحضرتك"
"جدا، لكن لأصدقك القول؛ التزامك بعملك المريع هذا هو ما جعل قلبي يلتفت إليك فإني أهوى البائسين أمثالي ولا أجد راحة مع المترفين السعداء. والآن أخبرني هل ستهبني القبلة التي وعدتني بها أم نسيت؟"
تبسم نيكولو وهز رأسه نافيا "لم أنسى سنيورة بيريز لكن لسوء حظنا قد تقابلنا مرة أخرى بعد أن تزوجت مجددا"
"حقا فعلت يا عزيزي؟ آمل أنها جيدة معك وليست صعبة المراس"
"إنها يسيرة التعامل لكونها لازالت جاهلة بهويتي وبحال عملي" انزل نيكولو طرفه للولاعة بيده والتي حصل عليها من النزل حيث يقيم.
"وتخفي عنها هويتك لحمايتها؟ إن هذا لنوع قديم"
"ليس لحمايتها وإنما لتبقى إلى جواري"
"تقول إذا أنها امرأة عاقلة لن تضحي بحياتها وإيمانها لأجل رجل تحبه"
سحب نيكولو من سيجارته حتى بات طرفها يومض بالأحمر ثم زفر دخانها مصحوبا بتنهيده والسنيورة بيريز تأملته وتأملت تقاسيم حاله فرأت فيه بؤس الطفولة لازال يلازمه "إنها كذلك"
"إن حبل الكذب قصير يا عزيزي"
"أعلم بهذا"
"ورغم معرفتك بأنها ستهجرك عاجلا أم آجلا لازلت متشبثا بها، كم انت مثير للشفقة حقا"
أراحت ذقنها على كف يدها وقدمها تمايلت مع صوت موسيقى المسجل، فعرضت عليه كأسا من الشراب لكنه رفض فتبسمت ضاحكة وأردفت "إن هذا مؤسف لكنه طريف بنفس الوقت، فها أنا أقابلك مجددا يا دي كارلو لكن هذه المرة ضحيتك ليس فردا من آل باتشيني وإنما أنا" ملئت السنيورة بيريز رئتيها بالدخان ثم نفثته في وجهه وتأملت ملامحه "والمحزن أن لقائنا قد تكرر بعد أن هرم كلانا"
"هل تعلم؟ ما كان يخيل لي أبدا أن تكون عيناك يا نيكولو هي آخر من أرى لمجرد خيانتي باتشيني، آه من ذلك العجوز، لخنته مبكرا ولطعنته في ظهره كي يرسلك ورائي"
"حينها على الأقل سأكون مخلدة في عينيك الناعسة وأنا امرأة جميلة كما يجب أن أكون"
"كنت لأهبك حينها هذه الأمنية برحابة صدر سنيورة"
"آه يا عزيزي نيكولو، هل سمعت عن الولادة من جديد؟ إنه إيمان يؤمن به أهل بلاد ما أقصى الشرق... كم كنت أضحك ساخرة عندما اسمع به لكن الآن أرغب به، أرغب أن أولد من جديد"
"لكن لا أريد أن أولد كالسنيورة بيريز بل أريد أن أولد كطير حر لا تعيقه مسؤولية ونهايته في فم هرة... ماذا عنك يا نيكولو؟ ماذا تتمنى أن تولد؟"
"إني لم أفكر بحياة أخرى غير حياتي هذه سنيورة"
"حتى وفي الخيال لا تملك خيارا ونهجا آخرا سوى هذا يا نيكولو"
"هذا ما صنعت لأجله سنيورة ولا يمكنني الشعور بالذنب حيال هذا"
"والآن سنيورة" فرغ نيكولو من تدخين سيجارته وألقى بقدم فوق الأخرى ليسألها "كيف تريدين أن تكون نهايتك؟"
"ألن تسألني عن امنيتي الأخيرة؟ امرأة مثلي لابد أن تستحق بعض الشفقة"
"لا بأس، أخبريني بها وسأحاول تحقيقها إن استطعت"
"في غرفتي توجد أسطوانة قد سجلتها قبل بضعة أيام، من فضلك خذها لأبنتي وودعها لأجلي فهذه هديتي الأخيرة لها"
دونت السنيورة بيريز لأجله عنوان ابنتها ومدت المنديل له فحدق نيكولو بها متأملها ثم بالمنديل وتنهدت السنيورة براحة لما وافق وأخذه منها فقالت "وعن نهايتي، فأرغب أن تكون كما أستحق... أريد نهاية تليق بنجمة تعيسة مثلي"
"لا تقلقي سأكون عند حسن ظنك، فتفضلي معي"
امتدت يد السنيورة بيريز ليده ونهضت بصحبته لتسير معه في خطى متجاورة وسألته بفضول "يا نيكولو أخبرني، كيف عثرت علي فلا أحد علم بوجهتي، حتى السائق الذي خدعته"
"إني أعترف بمتعة ملاحقتك، فكما عهدت حضرتك، ذات ذكاء فذ وقد ظننت أني حقا عاجز عن إيجادك لكن لسان حضرتك هو من دلني إليك"
"لساني؟ كيف؟"
ولجت برفقته للسيارة التي قام بتأجيرها وأنزلق في مقعد السائق "في أول لقاء لنا كانت أمنيتك التي أطلعتني بها هي موتك على نفس الأرض التي تمشي عليها ابنتك، لذا بحثت عن ابنتك أولا"
"آه منك يا نيكولو" ضحكت السنيورة بيريز وعادت بذاكرتها لتلك الليلة فسألته "لقد كانت لك أمنية أيضا يا نيكولو فما هي؟"
"أمنيتي؟ آه لقد كانت التخلص من والدي"
وهكذا مضت عجلات السيارة بهما وفي اليوم التالي في شقة السنيورة بيريز كانت الصحافة مجتمعة أمام دارها في النزل، يرغبون بالتقاط صورة لتوثيق جثمان السنيورة بيريز والتي كما تبين لهم موتها منتحرة بجرعة من سم الفئران في حوض استحمامها.
وصورتها قد هزت الأوساط الفنية فكثرت عنها قصص مأساوية بخصوص حياتها، منهم من ذكر كونها مدمنة بائسة انهت حياتها بنفسها ومنهم من إدعى أنها واعدت رئيس عائلة كبيرة من ذوات النفوذ، فهربت منهم وخلصت نفسها قبل أن يعثر عليها.
"ويبقى السؤال خفيا خلف قصة حياتها"
امتدت يد نيكولو لمذياع السيارة كي يغيره لمحطة أخرى، فتوقف عند محطة تذيع واحدة من أغانيها تخليدا لذكراها فانصت بإمعان وأذان مطربة لكلماتها وصوتها الذي احتوى حزنا جليا منذ ريعان شبابها.
تأكد نيكولو من العنوان الذي دونته ولما وصل إليه أخيرا، تأمل البيت الحلو المطلي بالأبيض و ذو نوافذ زرقاء، تحيطه شرفة كبيرة من كل الجوانب. فتح نيكولو باب السياج ومضى في الحديقة التي توزعت الألعاب فيها، ليدرك امتلاكهم ولدا صغيرا وكلبهم قد نبح حالما وجده يقترب من الباب بلا خوف.
تسلق نيكولو عتبة المنزل ورن الجرس مرة وصاحبة الدار لم تتأخر عليه، إذ فتحت له الباب وفي ذراعها مولودها ابن العامين يمتص اصبعه "المعذرة؟ كيف يمكنني مساعدتك؟"
"مساء الخير حضرة السنيورة، سامحي زيارتي في هذا الوقت من اليوم" اعتذر منها بلباقة فمكثت أمامه بإعجاب تنتظر منه ما سيقول بل والتمست له العذر "لا بأس"
"إن زيارتي لحضرتك لن تطول، فلقد أتيت إليك ملبيا طلب صديقة قديمة لي، إذ أوصتني أن أوصل هذا لك"
"من؟"
"إنها والدة حضرتك، السنيورة بيريز"
راقب نيكولو تبدل تعابيرها لأخرى حاقدة فقالت مغتاظة "إني لا أريد شيئا منها وأخبرها أن تكف عن محاولة رؤيتي، فأنا لا أريدها ولا أريد ما يربطني بها"
"كنتُ أود لو أقول لها ذلك لكن حضرتها ميتة الآن وما بإمكاني نقل رسالتك لها، فتفضلي هديتها لك" حادثها دون التخلي عن اللين في صوته فحالها المتمرد يشبه حال ابن اخته صوفي الذي كف نفسه عنهم وصنع اسما لا يمد لهم بصلة.
فرقت الشابة بين شفتيها من هول صدمتها ولم تصدق أن المرأة التي تلاحقها دوما ما عادت موجودة تمشي على التراب، تأسف نيكولو منها وطيب خاطرها بالتعازي قائلا أن السنيورة احبت ابنتها من الصميم حتى وهي في قعر الهاوية، ثم استأذن منها مغادرا فولجت الفتاة والحزن المختلط بالغضب نهش فؤادها.
فها قد مات أكثر شخص أحبته و احتقرته...
وما اصاب الفتاة، ذكر نيكولو بالأيام الخوالي عندما وصله خبر مقتل والده، فلم يعلم حينها أيحزن أم يفرح وكم كره نيكولو استذكار الماضي، لذا جلس في السيارة يدخن سيجارته بينما ينصت للآخر أغنية سجلتها السنيورة بيريز.
والتي لم تحتوي كلماتها على الشهوة والجشع، إنما كانت كلمات تصف أطيافا حلوة بقيت في ذاكرها الضعيفة وعن ابنتها التي رزقت بها في رحم المآسي فكانت أملها...
كانت أملها الذي تخلى عنها وهذا لأنها لم تتب عن آثامها التي التزمت بها؛ ليس لأنها أحبت خطاياها بل لأنها لم تمتلك الشجاعة الكافية لتعرض عنها...
"هل كنت يا سنيورة تتأملين هيئتي وتسخرين منها عندما نظمتِ هذه الكلمات؟ فيا للعجب إنكِ تتحدثين عني" حادث نيكولو نفسه فأغمض عينيه متنهدا وتنفس الصعداء.
فلأول مرة ها هو يسافر من بعد زواجه ولأول مرة بات السفر شاقا عليه فسأل ذاته، أمن صعوبة الفراق قد شق الطريق عليه أم لتقدمه في السن؟ وبعده عن العاصمة أو بمعنى أصح عن زوجته، طال بسبب العاصفة في روما فانقطعت إليهم السبل ولم يتمكن من الوصول إليهم إلا بعد أسبوع كامل.
لم يتوقع نيكولو قدوم أحد لمحطة القطار كي يستقبله فهو لم يبلغهم بموعد عودته، فاستقل سيارة أجرة ومكث فيها يعد الدقائق التي تفصله عن منزله العزيز لكن فرحته بالعودة ورغبته بالنوم في فراشه الوفير وتناول الكبدة من يد صوفيا لم تتحقق، فلقد تبدلت فرحته لغضب وفر النوم من عينيه بل وتخلى عن حلمه بتناول الكبدة.
فلقد تركهم بضع أسابيع وعاد إليهم ليهم ليجد شقيقته باتت أرملة وزوجها قتل في داره على كرسيه المتحرك في اكثر لحظات حياته خزيا.
مساعده لورينزو قدمه مكسورة لا يقوى على الحراك وفيتو مسافر.
"نيكولو، آه يا نيكولو أين كنت، لماذا تأخرت عليَّ هكذا، لما أطلت الغياب... لو كنت موجودا لما تجرأ أحدهم ودخل دارنا ليفعل فعلته الشنيعة بزوجي" اشتكت أدرينا لأخيها مجهشه بالبكاء والأسود ولا لون غير الأسود يكسوا بدنها "لقد دفنت جيوفاني وانتَ لم تكن معي!"
ضم نيكولو رأس شقيقته لصدره وهو استحى أن يطلب منها الإقلاع عن النحيب والذنب نهشه، لعدم تواجده بجوارها وخزيه من نفسه اشتد لدرجة خجله من أن يعتبر ذاته القائم على هذه الأسرة من بعد والده. فلقد أخطأ بتحميل ابنه المسؤولية من بعده ولا مذنب سواه.
"أين كنت؟! تحدث أين كنت؟! أعملك كان أهم مني ومن زوجي؟!" صرخت به توبخه وبقبضتها ضربت على فخذيه تأدبه فاقتربت صوفيا لتجلس خلف أدرينا وتمسح على ظهرها تواسيها "أدرينا كفى، من فضلك أقلعي عما تفعلين، لا انتِ كنتِ تعلمين ولا نحن ولو علمنا لما تجرأنا عن مفارقتك"
"لكن انتن تخليتن عني، لم تكلف واحدة منكن يوما عناء زيارتي والسؤال عن حالي، عن حال زوجي أو ابني! ذلك الملعون التائه والذي لا أعلم عنه شيئا!"
صاحت أدرينا بهن تلومهن على تقصيرهن معها، فلقد تخلى الجميع عنها بعد العلة التي أصابت زوجها، فلم تعنها إحداهن بأمور المنزل أو حتى بتحريك زوجها والذي في كثير من الأحيان لا تقدر على تحريكه بنفسها.
بالطبع هذا كان الجزء الأول من اللقاء الحار والجزء الثاني؛ بدأ بعد أن غطت أدرينا في نوم عميق في فراش صوفيا، فجمعهن نيكولو في المطبخ الضيق وبيلا لأول مرة حضرت نقاشا عائليا.
جلس نيكولو في مقعده وحرك رأسه للجانبين يلين عنقه المتيبس من السفر، ثم انتقل بطرفه لزوجته وللسنيورة كانتارا فوجه إليهما السؤال "ما الذي حصل في صبيحة ذلك اليوم؟"
"نيكولو يا عزيزي، قد افقت من نومي على صوتها تدق الباب فخرجت لأرى ما بها وسألتني عن مكان ريكو وفيتو لترسلهما فيجلبوا للمرحوم دوائه" تحدثت كانتارا وبحكم سنها جلست أيضا على الكرسي.
"ولما دواء جيوفاني قد نفذ؟" زم شفتيه ثم رفع يده فجأة والغضب تملكه لدرجة أرعبت بيلا فها هي ترى وجها جديدا لزوجها "إن أدرينا لا تدعه ينفذ ودوما ما تجلب المزيد فلما وبحق الرب قد نفذ هذه المرة؟!"
"لا علم لي بحاجتها للدواء يا بني ولقد اشتكت أن دانيلو تخلف عن احضار الدواء"
"أجل هذا ما قد حصل" أومئت بيلا على الفور وامتدت يدها لتمسك بكتف السنيورة كانتارا "نزلنا معها وكان المسكين في حالة يرثى لها"
"حسنا السنيورة والهانم ذهبتا فماذا عنكن انتن؟! أين كنتن؟! ألم أنبه ألا يبيت أحد خارج المنزل في غيابي؟!"
"ل.. لقد كنت ماكثة عند كارولينا من قبل الحادث بأيام يا أخي"
"نعم وأنا ذهبت قبل يوم الحادث للمكوث هناك ولمراضاة بيانكا"
"أما أنا فلحقت بهما، فما أنا فاعلة في البيت وحدي"
دافع الثلاثة عن أنفسهن أمام نيكولو الذي كاد أن يضرب الطاولة بضراوة إلا أنه تماسك فلا تستيقظ اخته أدرينا ومن تحت أنفاسه زجرهن "هراء! وإن اشعلتن المنزل بشجاركن السخيف ما كان عليكن مغادرته! ألم تكن كلمتي واضحة، رباه!"
نهض نيكولو من مكانه وسار بخطى باطشة ثم التفت نحوهن وأشار بسبابته "اترككن بضعة أيام فأعود لأجد واحدة منكن نجحت بأن تصبح أرملة! ويا ليته مات ميتة كريمة بل ومقتول أيضا!"
"نيكولو..." حاولت بيلا التدخل كي يخفف من فوران اعصابه لكنها الحمقاء قد ذكرته بأن لها نصيبا من التوبيخ، فتبسم لها واتكئ بيديه على ظهر الكرسي وقد دنى بجذعه قليلا "وانت يا هانم، يا سيدة الهوانم، يا من اتركها فأعود لأجد بعبعا أصفر بوجهي أين كنت؟"
"نيكولو من فضلك" اشتكت بحرج من تعليقه الجارح على لون شعرها المستعار فقالت تدافع عن نفسها "لقد نزلت معهما اقسم لك ولما رأيته بحالة يرثى لها قررت الذهاب والبحث عن ريكاردو بنفسي ولم أعلم بما سيصيب أدرينا من جرح في اليد فتضطر حينها لمغادرة المنزل"
"نعم، قررتِ انت ورأسك الأصفر هذا أن... بئسا يا ميرا انزعي هذا الشيء القبيح عن رأسك حالا فإني لا أطيقه!" زجرها لتسرع بنزعه وتخفيه خلف ظهرها.
"كما اخبرتك خرجت للبحث عن ريكو"
"خرجت للبحث عن ابن الملعون ذاك في يوم عاصف هاه؟"
"نيكولو من فضلك لا تشتم نفسك"
"حقا؟ شكرا جزيلا لك لتذكيري بهذا... رباه ميرا هل انتِ اختبار لصبري؟!"
تجرعت بيلا حلقها والسنيورة كانتارا من تحت الطاولة هشت بيلا فلا تنطق بشيء آخر، لأنها إن استمرت على هذا الوضع سينتهي الوضع بهم جميعا في متجر القصابة معلقين من حناجرهم بالخطاطيف.
"وأين كان ريكاردو؟! لما لم يكن موجودا؟! ما الذي صرفه عن مهمته؟! أقسم بشرفي أني ذاهب لتوبيخه!"
"نيكولو أرجوك لا تفعل فهو لم يتخلف بإرادته إنما اضطر لذلك، فقد كان هناك رجال خطرون بمسدس يلاحقونه هو ودانيلو" اندفعت بيلا تدافع عن ريكاردو لتدرك لاحقا زلة لسانها وشاهد نيكولو وجوه أخواته تتبدل لأخرى هلعة. فمنهن التي لطمت جبينها ومنهن التي قرصت بيلا فتكف عن الحديث.
"انظروا لهذا، هناك جزء مشوق في القصة لم اسمع به بعد"
"لا، لا يوجد جزء مشوق" هزت بيلا رأسها نافية وداريا فعلت المثل "لا يوجد أي اثارة بعد يا أخي لقد توقف كل شيء هنا"
"لا، لا يا عزيزتي اكملي"
"لا، لا صدقني، لا يوجد شيء لأكمله"
"لا، لا بل يوجد، لا بأس هيا انطقي لن أفعل لك شيئا"
"لا، اقسم لك أنه ل.."
"انطقي حالا ولا تماطلي معي!"
"أرجوك! إنما مجرد شابان طائشان، هما لم يكونا بوعيهما واصحاب السوء في كل مكان"
ترجته بيلا لكن نيكولو أجبرها على الحديث، فأخبرته مكرهة عما دار بينهم في متجر القصابة لكنها حرصت على إخفاء الكثير أمام نيكولو، الذي كانت يده أسفل ذقنه وهو يستمع لقصتها التي جملتها قدر المستطاع.
"آه وهم بلهجة مدنية تناقشوا معك وعندما أبلغتهم بعدم معرفتكِ لهما هم تركوك في حال سبيلك، أصحيح ما فهمت؟"
"تماما"
"مم، أنا حقا سعيد بوجودك ميرا فلما أتيت لروما قد تغيرت طباع العصابات وباتوا رجالا متحضرين، يتحدثون بألفاظ محتشمة ويلاطفون بعضهم بالعصي"
"أجل بالطبع"
تبسم نيكولو وابتسامته اتسعت فكشفت عن صف أسنانه ليقهقه ومن شدة قهقهته ألقى برأسه للخلف ضاحكا، في البداية استنكرت بيلا أمره ثم تبسمت مع ابتسامته وقهقهت مع قهقهته "أنا سعيدة أنك تفهمت الوضع أخيرا يا نيكولو"
"مم، أليس كذلك يا عزيزتي"
فرك يديه ببعضها ثم تجول بطرفه عليهن حتى استقر عليها "آه يا ميو كارو، لو لم تشرحي لي الوضع لما تمكنت أبدا من تفهم الأمر فلقد ظلمتهم حقا"
"أجل يا نيكولو، إن الغضب لن يفيد وكما أخبرتك أصحاب السوء كثر والولدان عقلهما تشوش"
"أليس كذلك؟ حسنا عزيزتي إني ذاهب الآن"
"إلى أين؟"
"لتهشيم عظامهما بالطبع"
غادر شقة صوفي وبيلا تبدلت ابتسامتها لأخرى هلعة لما فطنت ما تلفظ به "بئسا" لطمت جبينها وصوفيا وبقية الأخوات ركضن خلف نيكولو يستحلفنه بألا يلمسن شعرة من الولدين.
"نيكولو حبا بالله عد!"
"نيكولو لا طاقة لنا بالذهاب للمشفى في هذه الليلة البائسة!"
"ارجع يا أخي وتعقل دفنا واحدا قبل اسبوع ولا يسعنا دفن المزيد!"
"نيكولو أقلع عن غضبك فلن يحل هذا شيئا!"
"نيكولو! آه قدمي، نيكولو قدمي تؤلمني!"
استحلفنه بكل ما هو عزيز عليه وركضت بيلا فتسلقت السلالم لتسبقه ولما وجدها نيكولو تهرول لحماية الولدين منه، هرول خلفها وكم اشتد غضبه عليها بالأخص لما أقفلت باب شقة السنيور لورينزو في وجهه كي لا يدخل عليهما ويقوم بتأديبهما.
"ميرا افتحي الباب ولا تغضبيني اكثر من هذا فلصبري حدود!"
"لا! لن أدعك تلمس شعرة منهما"
"حسنا لن ألمس منهما شعرة لكن سألمس كل مكان آخر بهما!"
"نيكولو!"
"قلت افتحي الباب!" ضرب على الباب بقبضته.
"أبدا!"
زمجر نيكولو من شدة غيضه فضرب على الباب ثم ركله وصاح بها يزجرها "وتظنين بفعلتك هذه أنك ستحميهما؟! ستحميهما من ماذا؟! مني أنا؟! اجعليهما يحميان انفسهما من شر أفعالهما! كلاهما بحجم الثور ولم يستطع واحد منهما أن يكون بجانب عائلته! أهذه هي الأشكال التي تحمين؟!"
"هذه المرة جعلا من عمتهما أرملة وفي المرة الثانية ماذا؟! وفي المرة الثانية ما الذي سيفعلانه؟! يقتلانها؟!"
"إنهما صغار فلا تحملهما اكثر مما يحتملان! أتظنهما قادرين على حمل سكين وقتل احدهم؟! أتريد منهما أن يذهبا ويقتلا قاتل زوج عمتهما؟! إن كنت أبا هكذا فأنا لا أريد أن أنجب لك أطفالا أبدا! طلقني يا نيكولو وأعدني لأمي حالا!"
"سأقلتها" تمتم نيكولو تحت أنفاسه وأراح جبينه ضد الباب "أقسم أني سأقيدها على السرير الحديدي وسأقتلها" همس.
"نيكولو!" زجرته صوفي.
"نيكولو ماذا يا صوفي؟! نيكولو ماذا؟! أقول لها الولدان عديما المسؤولية فتقول لي طلقني!"
"أجل!" صاحت بيلا به من خلف الباب "أقسم لك بشرفي يا رومان أنك إذا مددت يدك عليهما فسأعين محامي وسأنفصل عنك! لن يرف لي جفن وسأتخلص منك يا خائن يا خسيس!"
"كفى! رباه! اصمتي يا امرأة وانت يا ولد انقلع وعد لبيتك حالا! لم تتركوا لنا كرامة ولا حياء! ماذا سيقول الناس علينا الآن!" زجرتهما بيانكا فقد ضاقت منهما ذرعا لدرجة أنها جرجرت أخاها من قميصه لتدخله لمنزله وعن بيلا التي ضلت تهدد من خلف الباب اسكتتها بيانكا لتنهي النقاش بينهما.
ولما أمنت بيلا على الوضع أخيرا تبسمت منتصرة، لكنها تذكرت أمرا ذهب عن بالها، ألا وهو حتمية عودتها لمنزلها، فيا ليتها أمسكت لسانها قبل أن يطول هكذا فكيف عساها تدخل للبيت وتقابله وجها لوجه بعد ما خاضاه من شجار.
وعن الولدان فهم بالنهاية من عائلة نيكولو وهو لن يفرط بهما مهما قام بتأديبهما، لذا فطنت بيلا خزيها وما كان بيدها العودة للمنزل فتوسلت صوفيا أن تنام لديهم.
"ميرا عزيزتي، كنت أود ذلك لكن أدرينا تنام هنا ولا يوجد مكان"
"لا بأس يمكنني النوم على الأريكة"
"إنها ليست متاحة فكارولينا وكارلينا ستنامان فيها"
"الأرضية، سأنام عليها. لا مانع عندي"
"إطلاقا! كيف لي ترك زوجة أخي أن تنام على الأرض؟! هيا يا حبيبتي عودي لمنزلك"
سايرتها صوفيا للباب حيث المخرج ودون أن تترك لها مجالا لتجادل أغلقت الباب، فدقت بيلا باب كانتارا والتي تحججت قائلة أن الأولاد كلهم في منزلها نيام.
"لا بأس أنا زوجة خالهم ولا حرج مني"
"يا عزيزتي انهم ينامون عراة"
"لازلت زوجة خالهم ولا حرج مني"
"إن هذا مستحيل يا عزيزتي هيا عودي لدارك من فضلك"
"كانتارا لا يمكنني العودة، ألا تفهمين أني لا أملك الشجاعة للدخول ورؤيته؟!"
"لكنه مصر على ذلك وأوصانا جميعا أن نرد طلبك عندما تأتين لنا كي تعودي للمنزل"
"كانتارا انتِ تظنينه زوجا لطيفا لكن هذا اكبر دليل على مؤامرته لصلبي"
"ميرا، حبا بالله. أقلعي عن أفكارك هذه، فهذا السنيور نيكولو وصدقيني هذه العائلة شهدت أوقاتا أبشع من هذه فلا تبتأسي وعودي لمنزلك"
لم تدع سنيورة كانتارا لبيلا حلا آخر سوى العودة كالذليلة لمنزلها، فطرقت الباب ومن شدة رعبها همت بالهرب لكن نيكولو فتح لها الباب وتركه مفتوحا لتدخل.
"بئسا إن هذا هو الهدوء ما قبل العاصفة" ولجت بحذر للمنزل وبحثت عنه لتجده يتجهز للاستحمام ولما استدار برأسه إليها هي ابتعدت عن طريقه وتجاهلته بأخذ وسادتها وغطائها.
"ما الذي تظنين نفسك فاعلة؟" سألها فانتابها الرعب وباستعجال قالت تخفي خوفها "آخذ وسادتي كي أنام في غرفة الجلوس بالطبع"
"ما هذا الهراء؟"
"أي هراء؟"
"لم يفصل والداي وسائدهما قط حتى في الخلافات"
"لكن والداي فعلا، يا رجل أمي كانت تنام في غرفتي لأشهر"
"هذه أمك يا ميرا وليس نحن"
"وهذان والداك يا رومان وليس نحن"
"ميرا! كلمتي واحدة، انتِ لن تنامي في غرفة الجلوس فأعيدي الوسادة وأقلعي عن هذه التصرفات التي لا أطيق"
"لك.."
"كفى، لقد جادلتِ اليوم بما فيه الكفاية، إني ذاهب لأستحم وعندما أعود يستحسن أن أراك في سريرنا ماكثة"
"وإن قلت لك أني لا أطيق رؤية وجهك والنوم إلى جوارك هل ستجبرني؟!"
"بالطبع"
بقي فاه بيلا معلقا في الهواء من هول صدمتها وبضيق من تسلطه هذا، ألقت بالوسادة على الفراش واقسمت أنها ستكون كالشوكة في حلقه عندما ينهي استحمامه، فانتظرته في الفراش عازمة على مجادلته. شعرت بجانبه من السرير يثقل ونسقت داخل لفائف دماغها حججها وما ستعرضه عليه ولما حزمت أمرها التفتت لجانبه فوجدته غاطا في نوم عميق.
"لقد نام... بئسا لك يا رومان" زفرت بضيق والتقطت وسادتها في نيتها خنقه أثناء نومه "تقضي من الوقت ما تشاء هناك مع عشيقتك السرية ثم تعود لي بوجه البومة لتنغص علي عيشتي، يا ليتك لم تعد!"
"رباه!" نهضت من مكانها لما أيقنت أنها عاجزة عن النوم وذهبت للمطبخ كي تدس في فمها ما سيشفي غليلها وبينما هي تمضغ بنهم تخيلته مع تلك السحلية وهي تقول له أن يستمر بالبقاء لديها ولما تحجج بأن عليه العودة أخبرته أن زوجته الساذجة لن تعلم ولن تفطن.
"لتأخذه! لتأخذه مني ولأرتح منه" صرحت ثم تملكها الحزن فمن قبل نيكولو هي خسرت ماتيو لامرأة أخرى وها هي الآن تخسر نيكولو "ما عيبي؟ بماذا قصرت معهما؟ أهو الجمال الذي لا أملك؟ أم النسب؟ أم إني حمقاء لست ندا لعقله؟"
غطت بيلا وجهها بيديها وفاضت عيناها بالدموع، فكرهت نفسها واحتقرتها، فها هي تستمر بالخسارة دون أن تظفر بطعم الفوز أبدا، فلا بزوج وفي هي حظيت ولا بعيشة هانئة، فسألت نفسها "ما فائدة ترهات أمي بإعجاب الرجال بي إن كنت غير قادرة على الاحتفاظ بواحد لأكثر من شهرين"
فكرت بيلا وفكرت بحل سيزيح عنها هذا الهم، فقررت أن تفعل كما فعلت في مراهقتها وتكاتب نفسها برسائل سرية، فنصبت لنفسها في غرفة الجلوس مجلسا وابتدأت بعبارة إلى عزيزتي بيلا ثم مضت في الكتابة تدون ما أصابها من مصائب ثم توقفت عند سؤال اصابها بالأرق....
ألا وهو؛ كيف كانت حياتي من قبل ماتيو؟ كيف كنت أمضي يومي قبل سبع سنوات؟
كيف كانت علاقاتي التي تخليت عنها لأجله وما هي هواياتي التي أقلعت عنها لأبتغي قربه؟ من كنتُ من قبل أن أهواه وأحبه حبا جما؟
كل هذا دفع بيلا للنحيب على نفسها التي فقدتها باسم الحب الأعمى، فماتيو الذي تخلت عن حياتها لأجله لم يبقى لجوارها ولا نيكولو أخلص لها، فبكت وبكت ثم شغلت المذياع كي تنصت لما سينسيها بؤسها وبينما هي تستمع لقصة رومانسية غطت في النوم ولم تشعر بنيكولو الذي استيقظ قبل بزوغ الفجر وحملها من على الأريكة كي يعيدها لفراشها حيث تنتمي.
وكم احس حينها بالضيق، فإن كانت معرضة عن البقاء إلى جواره في هكذا شجارات يومية كيف ستعرض عن الرحيل إن اكتشفت هويته؟
امتنع نيكولو هذه المرة عن تقبيل بيلا قبلة ما قبل العمل وأتم نظامه المعتاد في النزول وتناول وجبة الإفطار مع أخواته وفي متجر القصابة بينما ينظف عدته استعدادا لتحضير اللحم وعرضه للبيع اقترب منه ريكاردو "أبي، لقد فرغت من مسح الأرضيات، أهناك ما أفعله بعد؟"
"نعم يوجد، أود لو تقص علي ما حدثَ في غيابي"
"ح.. حاضر... لكن أود أولا أن تعلم أني آسف يا أبي"
لم يرد نيكولو واحتفظ بلسانه لنفسه ثم حرك السكين كي يسترسل ابنه بسرد ما حدث عليه، ففعل ريكاردو وقص عليه ما فاته وتمنى لو أبدى والده رد فعل أو غضب عليه لكن صمته استمر ولما لم يعد لريكاردو ما يحكي، سأله نيكولو "هذا كل شيء؟"
"نعم أبي... لكن ألن تقول شيئا؟"
"مثل ماذا؟"
"أن تغضب، أن توبخني أو تعنفني"
"وهل يوجد عقاب أقسى من مقتل عمك؟"
"أبي أرجوك إن الذنب ينهشني"
"جيد، فلينهشك جيدا"
حد نيكولو السكين بالساطور بسلاسة وخفة يد وعيناه تتأمل المنضدة الحديدية حيث ربطت زوجته عليها في غيابه وما حدث بعدها هو مضي نيكولو في طريقه بحثا عن طرف الخيط الذي سيوصله لذاك المتعجرف...
الذي ظن نفسه قادرا على الدخول وإيذاء من يشاء من أسرته، ثم الفرار بجلده بلا عقاب وطرف الخيط هذا عثر عليه في مذكرات السنيور جيوفاني، والذي تأكد من تدوين ملاحظات عن ذلك الزائر ثم ذكر تصرفات ساعي البريد المريبة بأن تقصد إيصال البريد للباب مرات عديدة عوضا عن تركها في الصندوق.
بل وفي إحدى المرات بحثت أدرينا عن مفتاح المنزل الذي ظنت نفسها قد أضاعته...
وهكذا انشغل نيكولو عن أسرته باسم الانتقام دون طلب العون من السنيور لورينزو، الذي لم يستطع مفارقة فراشه بسبب قدمه التي تضررت، وعن فيتو وبقية مساعديه فلقد وكلهم بمهمة الاعتناء بالمتجر.
وهكذا عادت حياة الأسرة كسابق عهدها، باستثناء بيانكا وبيلا؛ فالزوجة استمر قلبها بالاشتعال كالجمرة ومهما تجاهلته وحاولت المضي في حياتها، لم تنطفئ إلى أن وفي إحدى الليالي التي تغيب نيكولو فيها عن المنزل، انفجرت باكية بين ذراعي فاليريا التي ألحت عليها بالسؤال عن حالها، إذ لم تقاوم بيلا وصارحتها بما تشعر...
"إنه يخونني! إنه يخونني يا فاليري وإني ما عدت قادرة على احتمال هذا العذاب... إن كان في قلبه غيري فليخلصني وليعدني إلى أمي!"
"لكن يا خالتي إن ما تقوليه ما هو سوى بعض الظنون"
"لا! كلامي حقيقة وليس بظن! تغيبه المستمر عن المنزل وتحججه بالعمل! كل شيء يدينه ويثبت عليه التهمة فأين الظن فيما أقول؟! أخبريني أيوجد قصاب عادي ينام خارج المنزل يا فاليري؟! "
"خالتي..."عضت فاليري لسانها عاجزة عن بوح الحقيقة وشاهدت خالتها تذرف دموع الخيبة، مكتوفة اليدين ومن بين تخبطات اليأس قالت بيلا "ما عدت قادرة على التحمل"
"ماذا تعنين يا خالتي ميرا؟"
"سأنفصل عنه، سأنفصل عنه يا فاليري"
"ويحك يا خالتي! تريثي وتمهلي، حادثيه على الأقل!"
"كي يلفق المزيد من الأكاذيب؟ إطلاقا"
مسحت عن وجنتها دموعها وقالت عازمة "قد حفظت لنفسي بعض المدخرات وغدا سأذهب لتوكيل محامي"
"خالتي! لا! أقعلي عن هذا! انتِ لا يمكنك تركنا والتخلي عنا هكذا"
"وما دافعي للبقاء يا فاليري؟ أتظنين أني لا أعلم ببغض خالاتك لي؟ أتظنين أني عمياء لا أبصر كرههم واحتقارهم لي؟ على العكس فليرفحوا، إني اهبهم النصر فها أنا سأعود لداري بقدماي"
وفي صباح اليوم التالي غادرت بيلا شقتها تاركة فاليريا نائمة وفي جعبتها رقعة قد دونت فيها عنوان محامي، عثرت على رقمه في دليل الهاتف وسارت فوق الثلج ثم طلبت سيارة أجرة لتقلها.
وقد غفلت بيلا عن بيانكا التي تأكدت من رحيل بيلا ثم مضت في الزقاق الضيق ونادت باسم فرانكو، عزيزها الذي ينتظرها والذي قد وعدها بأن زواجه بها بات أقرب مما تتخيل. لم تفطن بيانكا مقصده حينها ولم تدرك معنى النظرة الخبيثة في عينيه وهذه النظرة الماكرة قد وهبها لأخيها نيكولو في مساء هذا اليوم؛
إذ عثر نيكولو أخيرا على قاتل جيوفاني والذي ورط دانيلو أيضا بتلك التجارة، فلاحقه هو وريكاردو رغبة بالانتقام ولتطيب خاطر عمته...
لكن يد فرانكو طالت والده أولا، فشهد ريكاردو حينها سقوط والده ودمائه التي فاضت منه متدفقة، فيبست أطراف ريكاردو حينها ورفع طرفه لفرانكو الذي قال ساخرا؛
"لا ضغينة بيننا يا ولد فغايتي هي والدك وليس انت" ركل فرانكو جانب نيكولو الجريح ثم مشى فوقه ليجتازه "خذه يا ولد، خذه لعائلتك كي يشهدوا سقوط هذا الطاغية"
وهكذا أسدل الستار معلنا انتهاء الفصل الثاني من الرواية والذي كان عنوانه؛ شتاء قارص في روما...


ياربي الفصل يجنن ويحمس والنهاية صدمة ايش يخليني انتظر الفصل الجاي 😭😭🔥
ردحذفحماسك د يشجعني ان ابدي بالفصل الجديد 😂😭❤️🔥❤️🔥
حذفطول الفصل اضحك على هواشتهم بس النهاية ديييم كيف اتنفس 😭😭
ردحذفالأحداث مولعه جدًا😭😭😭
ردحذف