"خالتي ميرا كيف لنا التسكع وانتِ تسيرين بهذه العجلة؟ لما العجلة؟" سألت فاليريا لكن المشي السريع كما لو أنه لم يكن كافيا لبيلا، فبدأت بالجري لما لمحت زوجها يبتعد اكثر.
"خا.."
"صهه"
شهقت فاليريا لما وجدت نفسها تجر لتجلس على مقعد خشبي، إلى جوار عجوزين يقومان بنثر الحبوب لإطعام الطيور والعجوزان بالتأكيد، استنكرا حالة هاتين الشابتين، أما عن بيلا فقد كان الدم في شرايينها يجري بسرعة من شدة الإثارة، فنيكولو فجأة قرر الالتفاف خلفه ولم تجد بيلا حلا سوى الجلوس على مقعد وجعل ظهرها مواجها له.
"مرحبا خالي!"
سقط قلب بيلا في اخمص اصبعها لما سمعت دانيلو يقوم بالتلويح لخاله "سحقا، بئسا لك يا دانيلو ما الذي تفعله؟" همست له الواقف إلى جوارها.
"ألوح له، لما؟"
"لانه لا يجب عليه اكتشاف امرنا! قل لي هل هو آتي؟"
"لا بل لوح لي ثم استقل الحافلة"
"استقل الحافلة؟!"
انتصبت بيلا من المقعد والتفت للحافلة، التي مضت في طريقها مبتعدة وهناك حافلة أخرى تقترب، فامسكت بهما وركضت متخلية عن الآداب والأخلاق بل ولم تبالي بالتنورة التي تطايرت كاشفة عن ساقيها المغطاة بقماش جواربها السوداء.
"خالتي! يا خالتي على مهلك!" صاحت فاليريا مشتكية من البرد، إذ مرت بهم ريح وطارت قبعتها الصوفية بينما دانيلو على الجانب الآخر، يركض ولا يعرف لما هو يركض على أي حال لكن ما أفزعه، هو سقوط كيس اسود من جيب معطفه.
"سحقا!" نزع دانيلو يده من تلك المرأة المجنونة وعاد أدراجه ليلتقط الكيس الذي توقف عنده كلب وباشر بشمه "هشش! هشش! ابتعد!" ضرب دانيلو على الكلب مفزعا إياه، ليلتقط الكيس وقبل أن يتفقده، جرته بيلا من ياقته ليكمل الجري معهما ولم يفطن دانيلو أمر المسحوق الأبيض الذي تسرب من كيسه العزيز.
دفعتهما ليستقلا العربة وهي من بعدهما صعدت، غير مبالية بالزحام الموجود وتدافعها مع الناس "قفا هنا ولا تبتعدا، فاليريا اجلسي هنا وانت يا دانيلو اجلس هنا" اجلستهما كما لو انهما صغارها وجلست إلى جوار فاليريا التي قررت سؤالها مجددا.
"خالتي أين نحن ذاهبون؟"
"لا أدري"
"ماذا؟!"
"إني حقا لا أدري، لنرى إلى أين ستأخذنا الحافلة فهذه رحلة"
حافظت بيلا على ابتسامتها بينما تتابع النافذة، لكن حافلة زوجها الحقير قد سلكت طريقا مختلفا فانعطفت يمينا وهم مضوا للأمام فصاحت بيلا تنادي على السائق أن يتوقف كي ينزلوا محدثة ضجة، جعلت الراكبين يشتكون من صخبها وعشوائية أخلاقها.
قفزت بيلا من الحافلة ولحق بها دانيلو وفاليريا التي لاحظت سقوط كتيب من حقيبة خالتها، فقرأت عنوانه واستنكرت ذوق خالتها في الأدب لكن انتبهت بيلا لوجود كتيبها في يد فاليريا فانتشلته منه ودسته في حقيبتها مجددا، فها هي الآن أمام مصيبة كبيرة؛ ألا وهي فقدانها أثر زوجها في العاصمة المكتضة ويا ليتهم يعرفون في أي ركن هم متواجدون "هل ضعنا؟" سألت فاليريا متوجسة خيفة من هذه المنطقة الفقيرة، إذ أن كل من يمر من جانبهم يبحلق بهم وبثيابهم الأنيقة "دانيلو قل شيئا، ألست كثير التسكع مع اصحابك؟"
"أنا اتسكع أجل لكن هذا لا يعني حفظي لكل شبر في روما"
"ما الذي سنفعله إذا؟ كيف سنعود للمنزل؟ أمي لن ترضى بتأخرنا هكذا"
اقتربت فاليريا من دانيلو وخالتها خائفة ودانيلو تلفت حوله بحثا عمن يسأله، في حين أن بيلا لما قرأت اسم الشارع، اتسعت عيناها من هول الصدفة "تعاليا معي!" جرتهما مجددا وهما لم يكن بوسعهما سوى اللحاق بها، اثناء تجولها في هذه المنطقة وبحثها عن بناء معين.
"خالتي ميرا إن توغلنا في أماكن غريبة ليس بالآمن" حذرتها فاليريا ثم همست لدانيلو بأن يفعل شيئا، فإن امسك بهما احد واكتشف أنهم من دي كارلو فسيقعون في مصيبة؛ إذ أن لكل منطقة عائلة تحكمها ولا يمكن لأي أحد الدخول والخروج منها كما يشاء.
"هاي انتِ يا امرأة! هيا لنعود قبل أن نقع في مصيبة ألا تفهمين؟!" تحدث دانيلو من بين اسنانه واعتصر على معصم بيلا كي يستوقفها، لكنها توقفت بالفعل أمام بناء يحمل الرقم سبعة وثمانين.
"ماذا بك؟ لما وقفتِ هنا؟ لا انتظري انتِ لا تنوين الدخول أليس كذلك؟"
وبيلا اجابت على دانيلو أن دخلت للبناء، فلطم دانيلو حظه من خلفها وفاليريا اضطرت للحاق بها "خالتي، يا خالتي ميرا توقفي أرجوك، ما الذي تفعليه؟!"
"أخي ألفيو يقطن هنا يا فاليريا"
"ماذا؟"
"أخي ألفيو! إن لي أخا يقطن في العاصمة وكنت كثيرة المراسلة معه وهذا هو عنوانه" شرحت بيلا بكلمات غير مفهومة من فرط حماسها فها هي سترى شقيقها أخيرا وفاليريا لم يكن بوسعها منعها لما رأت السعادة تجلت عليها "حالما رأيت العنوان تذكرته على الفور وما كنت لأفوت الفرصة!"
"حسنا" هزت فاليريا كتفيها بقلة حيلة وبيلا مضت في تسلق السلالم حتى وصلت لباب شقته واحست ببدنها يتخبط من الشوق، لدرجة أنها تأخرت برفع يدها والدق على الباب.
"ما بكِ لم توقفيها؟"
"قالت أنها شقة أخيها ولم اتمكن من منعها"
"هل انتِ مخبولة؟! هذه المرأة زوجها سيقتلنا إن علم بما نفعله، اصعدي كي نجلبها ونستقل سيارة أجرة للمنزل!"
دفع دانيلو ابنة خالته من كتفها كي تتسلق السلالم خلف بيلا، فوجداها مرتبكة غير قادرة على دق الباب، فدقه دانيلو بقلة صبر ليخرج لهم رجل طويل القامة، حسن الهيئة وله شارب حديث النمو "المعذرة؟" استنكرهم.
انتقل الشابان ببصرهما لبيلا، التي قطبت حاجبيها مستنكرة أيضا وسألته "ألفيو لاروس، هل ألفيو هنا؟"
"ألفيو؟" حك الرجل شعره بحيرة ثم مر بريق حياة في وجهه، كمن تذكر شيئا لكن الحزن تملكه فسألها "انتِ هي بيلا لاروس أليس كذلك؟"
"نعم؟"
"هل ترغبين بالتفضل؟"
"لما، أين هو أخي؟"
"تفضلوا من فضلكم كي أقدم لكم شيئا"
"انت أيها السنيور تحدث هنا ولا تقرفنا فنحن لن ندخل! هل تظننا في لالالاند كي نثق بك؟!"
تدخل دانيلو فالوقت لا يسعهم للدخول والدردشة، فعرض الرجل عليهم والذي يدعى -لويس- أن ينتظروا قليلا، فولج للداخل وعاد إليهم حاملا صندوقا، فقدمه لبيلا "تفضلي آنسة بيلا، هذه الرسائل التي كنتِ ترسلينها لهذا العنوان"
فتحت بيلا الصندوق، فوجدت فيها رسائلها والتي لم يرد عليها شقيقها أبدا لكن العجيب، كون الرسائل مفتوحة فقال متعذرا "سامحيني لكن مع تكرار قدوم الرسائل اضطررت لفتحها وما امتلكت الشجاعة لمراسلتك وابلاغك أن السنيور ألفيو هذا قد انتقل لعنوان آخر.... لقد استملت مفتاح المنزل هذا قبل ثلاث سنوات ووجدت هذه الرسائل متروكة هنا"
إنفطر فؤادها والعبوس تملكها، فغطت عيناها بيدها قبل أن تفيض منها دمعة، فيرى هؤلاء الغرباء انكسارها بسبب أقرب الناس إليها، ألا وهو شقيقها، إذ أنه تخلى عنها بل وقطع صلته بها وبأسرته بابشع الطرق. كم تملك الخزي بيلا وشعرت بنفسها في أرذل مستوى، فهذان الصغيران؛ دانيلو وفاليريا لهم روابط عائلية متينة وبالتأكيد هما الآن في قرارة نفسهما، يسخران منها ومن قبح أخلاق شقيقها...
"أنا آسفة، آسفة على إزعاجك سنيور لويس" اعتذرت منه وصوتها تخلله وهن الحزن إذ لم تعد قادرة على رفع رأسها ومواجهة أحد.
"لا لا، على الإطلاق آنسة بيلا، فتلك الرسائل لم تكن مصدر إزعاج على الإطلاق... وقد تغضبين مني، لكن حقا استمتعت بقراءتها وفي كل مرة وددت لو أبادلك الرسائل، إلا أني خشيت عندها أن تنقطع عني أخبارك وقصصك في البلدة"
شهقت فاليريا وغطت فمها، فها هي الآن تحضر عرضا مباشرا لقصة رومانسية ولوهلة كادت أن تنسى امتلاك الخالة ميرا خاتم زواج في اصبعها، عاينت فاليريا هذا المدعو بلويس ووجدت في عينيه بريق إعجاب لخالتها ففار دمها غيرة لأجل خالها العزيز نيكولو، لذا ضمت ذراع بيلا وقالت بتمثيل "خالتي ميرا" اشتكت متألمة تفرك يديها "إن اصابعي ترتعش بردا فمن فضلك أعطيني قفازاتك"
وبيلا نزعت قفازاتها مستعجلة لتحافظ فاليريا الشابة على يديها، فانتبه لويس على الخاتم الذي زين اصبعها وقد انطفئ نور الإعجاب في نفسه وأحس بالخزي مما شعر به، ليعرض عليهم مجددا الدخول وشرب شيء دافئ.
لكن عرضه أفسد ولم يرى نور الشمس بسبب مصيبة قررت الوقوع، تحديدا في هذا الزمان وفي هذا المكان، إذ أن وفدا من الرجال في الطابق السفلي حاصروا دار أحدهم وداهموه، فكسروا الباب واشتد دوي طلق الرصاص ولأن دانيلو فتى ذو تجربة اكتسبها بفضل أعمال خاله العزيز، دفعهما لدخول دار لويس وصاح بهم أن يخفضوا رؤوسهم ولا يرفعوه إطلاقا.
فأي نعم، دانيلو شاب دنيء الخلق في كثير من المواقف، إلا أن شهامته قد نالت دفة القيادة وألقى ببدنه على فاليريا يحميها بحكم رابط الدم بينهما، في حين أن المخبول تركت زوجة جلاده بلا حماية، فجرها الشاب لويس للمطبخ واختبأ هناك خشية صعود أحدهم وإفراغ ذخيرته في رؤوسهم.
لم تستطع بيلا التفكير بشيء من شدة وقع الضرب، حتى بات كما لو أن المفرقعات النارية تضرب فوق رؤوسهم ولم ينخفض بل وانضم فوج آخر، لكن بثياب الحكومة كي يفسدوا عليهم عملية اغتيالهم، فتبادل الطرفان الرشقات ومن تمكن من الفرار قد توارى عن الأنظار واختفى.
ومن الذين فروا، رجل قد قرر الصعود للطابق العلوي، حيث شقة لويس واستخرج من جيبه فتاحة أقفال فكسر القفل وولج للداخل رافعا مسدسه في وجه دانيلو وفاليريا "ارفعوا أيديكم حالا! كل من في البيت ليجتمع هنا قبل أن افرغ هذا في مؤخراتكم اللعينة!"
رفع دانيلو يديه وفاليريا إلى جواره مرتعبة ولم يدر في رأسها شيء سوى أن والدها سيوبخها توبيخا شديدا إذ نجت من هذا المأزق، في حين أن دانيلو كاد أن يذرف دموع الحسرة؛ فها هو سيقتل قبل أن يبدأ مسيرته في تجارة الممنوعات.
"هل تمزحون معي؟! قلت ليظهر الجميع حالا هنا!"
ضرب على مزهرية في غرفة الجلوس فتحطمت لأشلاء واضطر حينها لويس للخروج برفقة بيلا، بخطى بطيئة وأيديهما في الهواء حيث يمكنه رؤيتها "هنا، تعاليا وقفا هنا أيها الوضيعان! ظننتما أن بإمكانكما خداعي والإختباء؟!" جر المجرم لويس من ياقته واجبره على الركوع والأمر ذاته اصاب بيلا التي طأطأت رأسها برعب ولم تكن قادرة على النطق بحرف، لدرجة ظنها أنها سيغمى عليها إذ لم تتمكن من الحصول على بعض الهواء المنعش.
حاصرهم هذا الرجل والذي لم يكن حقا مخيفا لولا السلاح في جعبته، فهو نحيل وهزيل لا بنية ولا قدرة فيه، لذا جعل من هؤلاء المدنيين رهائن سيضغط بهم على الشرطة ليكفوا عن العبث معه ويخلوا سبيله.
لكنه لم ينل مرامه، إذ أن الذي صعد إليه، رغم التهديد إلا أنه خاطر بحياتهم وباسم مهنته وتجرأ على ضرب الرصاص ولما وجد المجرم في الشرطي دما باردا، لا يهاب على حياة المدنيين، فر هاربا وفي نيته الولوج لسلم الحريق، لكن الرصاصة التي ثقبت فخذه اسقطته جريحا، فتم اعتقاله حاله من حال بقية العصابة التي أزهت على حياة الأسرة في الطابق السفلي، فقتلوا الزوجة وبناتها أما الزوج، فقد قتلوه بعد تعذيبه وتهشيم وجهه.
وعن هؤلاء الثلاثة من آل دي كارلو، الذين قرروا أن المغادرة لخيار حكيم في هكذا مواقف، قام -الشرطي- باستجوابهم وطلب بطاقات الهوية خاصتهم، لكن الحمقى الثلاثة لم يجلبوا شيئا يثبت حتى مسكنهم، والمصيبة أنهم لم يتورطوا مع الشرطة بل مع المخابرات.
"سيدي إن ما نقوله لك لصحيح وهذا هو الاثبات، هذه هي الرسائل التي كانت ترسلها السيدة لشقيقها وقد قررت زيارة العنوان هذا لرؤيته" تحدث لويس بعد أن أدلى بشاهدته بشأن جيرانه الذين في الأسفل.
"وتتوقع مني تصديق هذه الحكاية؟"
"حضرة السيد المحترم"
تلفظت بيلا بقهر وإنهاك مما اصابها "من فضلك وجودنا هنا لم يكن سوى صدفة وهذان أكون زوجة خالهما، قد جرجرتهما من المنزل دون علم والديهم وعلي إعادتهما سالميين وإلا سيقومون بنتف شعر رأسي، فهم مجانين" تحدثت بوهن وهزت رأسها بقلة حيلة بينما ترتشف ماء قد حل فيه مساعد رجل الاستخبارات لأجلها السكر.
عاينها الموظف وعاين وجهها الذي انقشع اللون منه، فوجد فيها المرأة الصادقة لكن ما أثار ريبته هو حال فاليريا الهلعة من أن تكشف ودانيلو الذي يحاول الظهور بمظهر الصلابة فلا يتم اكتشاف كيس المسحوق الأبيض في جيبه.
"أيوجد لديكم من يقلكم للمنزل؟ قريب؟ عم؟ خال؟"
هز الثلاثة رؤوسهم فتنهد بقلة حيلة ونهض من مقعده ليلتقط مفاتيح سيارته ومعطفه "تعالوا لأعيدكم إذا"
"لا!" صاحت فاليريا فرمقها دانيلو بعتاب كي تصمت ولا تعقد بل ولم يكتفي بالنظرات بل قام بقرصها لتلتوي في مقعدها وتبرر قائلة"أعني... أبي سيغضب إن علم بتوصيل رجل غريب لنا وخالي لن يغفر لنا وسنعاقب على فعلتنا ولن نتمكن حينها من التسكع بعد الآن"
"أنا لن أكرر كلامي مرتين، هيا تحركوا" أشار لهم باصبعه ليلحقوا به، فنهضت بيلا وعانقت ذراع فاليريا كي تواسيها وتخفف من هلعها وعلى كتف دانيلو ربتت، لتقول لهما بينما ينزلان السلالم "لا تقلقا سأخبرهم أن الخروج فكرتي ولن أدع نيكولو يوبخكما"
توقف موظف الاستخبارات وتيبست قدمه لبرهة، لكنه اكمل نزول السلالم كأنه لم يسمع شيئا وفتح لأجلهم باب السيارة ليجلسوا في الخلف وإنزلق أمام المقود ليباشر القيادة. عاينهم من المرآة؛ فوجد بيلا قد جعلت فاليريا تريح رأسها على كتفها، بينما دانيلو ملتصق بالنافذة يبحلق بالطرقات ولم يخرج يده أبدا من جيبه كمن يخفي فيها شيئا.
"ألن تقولوا لي العنوان؟"
"آه، من فضلك أنزلنا في المركز فإني أعرف الطريق من هناك" اقترحت فاليريا.
"أقلعي عن العناد وليقل أحدكم العنوان"
حينها قررت بيلا إطلاعه على العنوان ودانيلو في نفسه شتم زوجة خاله وتمنى لو يصيبها نيزك من السماء، فيحرقها ويخلصهم منها ومن غبائها، وليحمي ما في جعبته من مسحون باهض الثمن، قرر البقاء صامتا عسى ولعل أن تمضي هذه الليلة على خير ويبدأ بمزاولة التجارة خاصته لاحقا.
"هنا؟"
"نعم حضرة السيد هنا، شكرا لك على توصيلنا فقد اتعبناك معنا"
"لا بأس"
"نحن لن يمسنا شيء مما حدث مساء اليوم أليس كذلك؟"
"إنكم شهود وكنتم رهائن لذا لابد من ورود اسمكم في التقرير"
ترجلوا من السيارة وهو رابعهم، فتعجبوا من أمره ليبلغهم بكل طبيعية "تأخر الوقت لذا بالتأكيد يتوجب علي مقابلتة عائلتكم، فلا يكشروا أسنانهم عليكم، ألم تكوني خائفة من والدك أيتها الصغيرة؟" ربت على رأسها وهكذا أجبرهم على الرضوخ وتسلقوا السلالم أمامه، قاصدين شقة عمتهم صوفي والمصيبة أن فاليريا قامت بعد الأحذية المجتمعة لتدرك أن العائلة كلها ماكثة في الداخل تنتظرهم.
وهكذا رنت بيلا الجرس، على أتم استعداد لمواجهة ساعة الحساب وفتحت الباب فايوليت، وقد اتخذت الصف الأول في توبيخهم قبل أن يأتي دور خالاتها اللاتي تدافعن هن وأزواجهن كي يطبق كل واحد منهم عقابا قبل الآخر لكنهم تسمروا حالما وقعت أعينهم على الرجل الطويل الواقف خلفهم.
تهامست كارلينا وكارولينا فيما بينهما وبيانكا شحب وجهها أما صوفيا التي ظهرت بعدهم قد انسحب اللون من وجهها، فبات شديد الصفرة وأغرقت عيناها بالدموع "ليوناردو" تمتمت باسمه وغطت فمها بيديها فها هي قد رأته بعد انقطاع دام طويلا، بحثت في تعابيره عن أي شوق لها فوجدته جامد التعابير كما لو أنه ينظر لأجنبية وليس لوالدته.
وبسبب وقوفهم في الممر قرر نيكولو النهوض من مكانه أخيرا وفي نيته توبيخهم لكنه هو الآخر تعجب من قدوم ليوناردو الذي سألهم كالأجنبي عنهم "هل تسمحون لي بالدخول؟"
"بالطبع يا بني، تفضل! أهذا سؤال تسأله؟!"
دخل الثلاثة أولا ثم تبعهم ليوناردو الذي نزع حذائه أمام عتبة الباب وزلق قدميه في خف قدمته له خالته داريا "تفضل ليو" حادثته بود، فاكتفى أن أومئ لها ثم ولج لغرفة الجلوس فهو يعرف كل جانب وكل شبر من هذا المنزل الذي كبر فيه وتلقى تعليمه.
بالطبع توجب على ليوناردو شرح ما حدث، فبالتأكيد هم سيفزعون عندما يجلب أفراد عائلتهم الضائعين موظف يعمل في المخابرات، فلم يفصح عن الكثير ولم يبخل عليهم أيضا فأخبرهم بما يتوجب عليهم معرفته ثم أستأذن خاله نيكولو أن يحادثه على إنفراد، فخرج الاثنان للشرفة وأوصد نيكولو خلفه الباب الزجاجي ليتأمل ابن اخته العزيز؛ الذي قرر شق طريق مختلف عن طريق أهله وعائلته.
"اجبني بإيجاز، هل لك يد بما حدث مساء اليوم؟" سأل ليوناردو مستجوبا ولقد أدرك جهل بيلا بحقيقة عملهم لذا تجنب سؤاله أمامها.
"بماذا؟" ارتشف نيكولو من القهوة.
"إن مظهر الرجل الساذج لا يليق بك حقا" رد ببغض شديد.
"دعني إذا أعيد صياغة سؤالي" أنزل نيكولو فنجانه "بأي حادث من حوادث اليوم تشتبه بي؟"
تبسم ليوناردو بغيض من نيكولو الماهر في المراوغة وقرر حينها الاحتفاظ بما يملكه من معلومات سرية لنفسه، فمن يقف إلى جواره ويحتسي القهوة لمجرم وهو أول من يتوجب عليه زجه في السجن كي يتعفن.
"أرى أنك تزوجت وصنعت عائلة، مجددا"
"لقد فعلت، تمنيت حينها لو أنك لبيت دعوتي وحضرتَ الزفاف لكنك معرض عن الاحتكاك بنا حتى في المناسبات المهمة"
"زفاف خالتي كارولينا الذي تفضلت فيه وقررت قتل مساعد الأب كانت مناسبة كافية بالنسبة لي"
"من قال لك أن تتصرف كفتى شقي وتختلس النظر لأعمال خالك حينها؟"
"وماذا عن زوجتك؟ أسترد عليها بنفس الرد إن اكتشفت أمرك؟"
سأله ليوناردو باحتقار كما لو أن الذي أمامه أدنى خلق الرب مكانة واكثرهم وضاعة "إني أشفق عليها، امرأة ساذجة بالتأكيد ستصدق بماكر مثلك إن كنت تمثل أمامها دور الرجل المؤمن المحافظ"
"تماما كخالتك بيانكا، إنك تشبهها حقا. لكنِ سعيد لأنك تراني بلباس المؤمن المحافظ، إن هذا لإطراء احب سماعه فمن منا لا يريد أن يعيش مؤمنا تقيا"
"انك رجل مريض حقا"
"أجدك مهموما يا ليو، فأنت لا تتحدث بقلة احترام إلا عندما تضيق الدنيا بك "
دحرج ليو عينيه بضجر واستخفاف فأكمل نيكولو الذي سحب الدخان من سيجارته ثم نفثه ببطء وبسكينة "وضالتك التي تبحث عنه قد ترك روما نهار الثلاثاء وسافر بالعبارة لويلز لا الولايات المتحدة" اكمل نيكولو التدخين وكم كان ليو مغتاضا من خاله الذي غمز له"إني أهبك معلومة ما كنت لتحصل عليها إلا بعد يوم كامل من تعذيبي"
"إني لا أحتاج مساعدة من مجرم مثلك!"
"معك حق في هذا، أغفر لي فمودتي لك جعلت من لساني يزل"
امتدت يد نيكولو لكتف ليو ثم ارتفعت لوجهه فربت على وجنته وبود حادثه "شكرا لزيارتك رغم علمك بالمكان الذي ستأتي إليه، فأنت لست بالساذج وتوقفك هنا ليس بالصدفة"
"هلا توقفت عن التظاهر بأنك تعلم كل شيء عني؟ انت لست أبا لي ولست خالا لي حتى! لست سوى دخيل حشرك جدي بيننا وجعلك تقوم مقام كلب الحراسة علينا"
تريث نيكولو في رده وابتسامة باهتة ارتسمت على محياه "أعلمت الآن لما ستحصل على المعلومات مني بعد يوم واحد من تعذيبي؟ هذا لأنك فطين بي وتعرف كيف ستضربني يا ليو" لم يرفع يده عنه بل قربه منه ليضمه كوداع وهمس في أذنه "عندما ستذهب لويلز، لا تنسي ابقاء سكين في جوربك ويفضل أن تكون خاصة الفاكهة فستحتاجها هناك" ربت على ظهره ثم ابتعد عنه قبل أن يفور ليوناردو غضبانا منه "والآن سأقوم بتدخين سيجارتي لذا اخرج هيا ولا تنسى تقبيل والدتك قبل مغادرتك"
حرك يده ليصرفه عنه، فخرج ليوناردو وصفع باب الشرفة خلفه تاركا نيكولو ليدخن سجارته، متأملا هطول الثلج والذي هاج وعصف، مغطيا من معالم المدينة الكثير. بينما سيجارته في أوج الريح، لازالت مشتعلة والحمرة في معالم وجهه برزت من شدة البرد.
أطلق نيكولو سراح ما حبسه في جوفه من دخان وفرت معه تنهيدة حملت معها جزءا من التعب، فألقى برأسه للأسفل وبكلا مرفقيه استند على سياج الشرفة، تارة يتأمل منطقته وتارة يتأمل خفه المنزلي في قدميه. وعما يوجد في رأسه؛ فقد كانت عاصفة أشد قسوة من هذه وصفيرها عالي لا يصمت أبدا.
وجد ليناردو والدته صوفيا قائمة في انتظار أن تراه مجددا لكنه كسر أملها بقوله "سأغادر"
"ليوناردو أبقى الليلة في المنزل"
"لدي عمل"
اجتازها وسار في الردهة لكن والدته امسكت بيده، فوقف مكتوف اليدين وأذن لها بأن تعانقه لتودعه، دون أن يبادلها العناق ومن جانبهما مرت بيلا التي نزعت معطفها وقصدت المطبخ حيث زوجها ماكث في البرد يدخن.
ولم يحدث كما توقعت، فلم يسمع الولدان؛ فاليريا ودانيلو، توبيخا بسببها بل وعاد كل لبيته لذا ذهبت لنيكولو ،كي يعودا أيضا للمنزل وهناك فلتسمع منه توبيخا وليس أمام شقيقات زوجها. فركت يديها بتوتر من بشاعة السيناريوهات التي تدور في عقلها ولما قررت فتح الباب أخيرا، وصلها صوت نيكولو "إني أدخن الآن فلا تأتي"
استنكرت بيلا حاله فمنعُها من الاقتراب منه ريثما يسمم نفسه بسيجارة ليست من عاداته، فنادت باسمه "رومان لما ل..." لكنه قاطعها مكررا لكن بوتيرة أشد "لقد قلت إني أدخن الآن فلا تأتي!"
حرك يده ليصرفها كما صرف ليوناردو من قبلها "أعدك أنك ستسمعين مني توبيخا شديد اللهجة على فعلتك، لكن الآن أغلقي الباب وعودي للمنزل" حادثها وظهره مواجه لها، فأغلقت بيلا الباب خشية منه وتراجعت تهم بالرحيل وتركه ليحترق مع ذاته، فهو يخونها ويذهب للبقاء لدى عشيقته اليوم بأكمله ثم يعود لها ممثلا دور الزوج المهتم بزوجته، فيوبخها كيفما شاء. هكذا فكرت بيلا.
امسكت بمقبض الباب بأنفاس مهتاجة ولوهلة هي تعجبت من حال فؤادها الملتهب على سبب كهذا، فهل هي الآن مغتاضة من ذهابه لعشيقته أم مغتاضة من صرفه لها دون سؤالها عن حالها والتخفيف من روعها، فما عاشته هذا المساء لم يكن بهين عليها.
فبيد هناك شقيقها الذي صرف طرفه عنها وتجاهل رسائلها، بل وانتقل دون أن يكلف نفسه عناء إبلاغها، فظلت ترسل لغريب دون أن تعلم. وباليد الآخرى هناك يوجد ما تعرضت له من تجربة مروعة ومهما حاولت وصفها، هي لم تجد التعبير المناسب، إذ أن عقلها خانها وكيف يصوغ لها عبارات عن الموت وهي لم تجربه قبلا...
عزمت على المغادرة ومخاصمته، فقد أعطت لنفسها الحق وألبسته دور الظالم المستبد لكنها التفتت برأسها إليه قبل رحيلها، فتبددت فكرتها لما وجدته لا يقدر على الوقوف باتزان.
فقد كان نيكولو يبدل بين ثقل قدميه، وظهره تارة معتدل وتارة آخرى مائل ولم تفهم بيلا وضعه إلا لما رأت اصابعه تجري في شعره محكما عليه القبضة وسيجارة تلو الأخرى استنفذ، وما يقوم به من طقوس ذكرتها بشقيقها آدم؛ الذي كان ينزوي عنها وعن والدتها بعد كل شجار يخوضونه ولا يكثر من عادة التدخين إلا في ليالي عسيرة كهذه.
تذكرت إلحاح والدتها عليها حينها للذهاب والاعتذار من أخيها في هكذا مواقف، لكن كبريائها وحقدها عليه منعها، لذا دوما ما كانت تتركه ليحترق في نار نفسه وفي إحدى ليلة هي قررت الصياح به، فكيف يكف عن غلق النقاش في وجهها وطردها كما لو أن لا أهمية لها ولرأيها.
فدخلت على آدم في إحدى المرات لتجده منكبا على وجهه ولم تعلم بإنهيار شقيقها إلا من كتفيه الذابلين واختضاض بدنه حينها لتدرك أنه يختض من ألم دموعه التي تنهمر...
لتقف بيلا أمام نقطة مهمة في حياتها الجديدة الآن، فإما أن تضع كبريائها جانبا وتجاور نيكولو في ليلته العصيبة، وأما أن تذهب وتلبسه ثوب الظالم ثم تجبره على الاعتذار منها بعد مخاصمته.
فكرت بيلا وفكرت لكن عاطفتها الأنثوية غلبت عقلها وبدنها، فوجدت ذاتها تعود إليه مستعجلة كما لو أن الثواني هذه هي التي تسقرر مستقبل زواجها، ففتحت باب الشرفة مجددا وقبل أن ينطق نيكولو كي يصرفها حاوطته بذراعيها تضمه من الخلف.
"ميرا" قال نيكولو متذمرا من عنادها وبيده الحرة اعتصر على معدن سياج الشرفة "لما انتِ لا تنصتين لما أقول؟ أوليس لكلامي أذن تَسمع في هذه العائلة؟!" زجرها لكن بيلا بقيت مصرة على عناقه، عوضا عن فتح فمها والرد عليه، فهي تعلم أن لسانها سيزيد من الطين بلة.
"ميرا" كرر نيكولو لما وجدها مصرة فتنهد بقلة حيلة ويأس منها، إذ لم يتبقى به طاقة تكفيها أو تكفي هذه العائلة "ميرا هيا اذهبي"
"الجو بارد، ألا ترين الثلج يهطل؟ هيا أدخلي"
"إن كان باردا فادخل انتَ أيضا" ترجته.
"رباه! ألا يمكن للمرء تدخين سيجارته براحة؟!"
اتكئ بكلا يديه على سياج الشرفة ولما شعر بقبضتها تشتد حوله وارتعاش بدنها من برودة الليل، زفر بضيق وألقى برأسه للخلف مغمض العينين وكل ما في صدره من بؤس قد وهنت ظلمته لما سمعها تنطق باسمه "رومان"
"رومان إن الطقس بارد وإني ارتعش" اشتكت وقد وجد صدق قولها في أناملها التي اشتدت حمرتها وأظافرها التي تبدلت للأزرق "لنذهب للمنزل" ترجته أن يقلع عن ضيقه ويفهم تحاملها وتحملها البرد لأجله، فهي لم تكن من محيبي فصل الشتاء ولم تكن تطيقه من الأساس.
فوضع يده موضع يدها مستسلما وأردف بقلة حيلة "لنذهب"
عادا لمنزلهما ولم يتبادلا الكثير من الأحاديث، فكل منهما وضع رأسه على جانبه من الوسادة وتظاهر بالنوم، لتنقضي الليلة هكذا لكن في اليوم الذي يليه قرر نيكولو المبادرة فوبخ بيلا على فعلتها، أولا لخروجها دون إبلاغه وثانيا لجرجرة الولدين معها وبالطبع، حصل الولدان على نصيبهما من الغضب، فإن كانت بيلا جاهلة بحقيقة الأسرة فهما يعرفان ومن واجبهما التصرف بحكمة، فلولا رحمة الرب التي نزلت عليهم من السماء في تلك الليلة لما علموا عنهم خبرا.
لكن الشجار البسيط بينهم لم ينتهي عند هذا الحد، إذ أن غمامة سوداء حلت على الأسرة بأكملها؛ فبات الكبار يلومون بعضهم ويبخون بعضهم بعضا، فوالدا فاليريا قد شب شجار بينهما وبين أدرينا والدة دانيلو، لكن مهما دائرت الدوائر فبالنهاية اصابع الإتهام وجهت لبيلا ومن بعد بيلا تعرض نيكولو للوم، فهو الذي قرر إدخالها للعائلة من الأساس.
كم كان أسبوعا شاقا جربت فيه بيلا لأول مرة الخلافات العائلية والخلافات الزوجية، فبكت في بعض الأيام ودافعت عن نفسها في بعض الأيام، لكن مرور الوقت واستمرار الأقرباء في زيارة بعضهم بعضا جنبهم القطيعة والهجران، لذا تمكنوا من الاجتماع في بدايات شهر يناير وقاموا بنزهة، لكنها لم تكن نزهة ربيعية بل ثلجية إذ أن صبيان العائلة قد أخذوا أحذيتهم وزلاجاتهم للاستمتاع بالثلج الذي علا فقطع الطرق وأجبر الحكومة على إعطاء إجازة في انحاء العاصمة.
فمنهم الذي لعب بكرات الثلج مع الأولاد في المتنزه ومنهم من الذي شارك زلاجته، فنزلوا من المنحدر والصبية الكبار ممن أجاد التزلج على الجليد، مضى في البحيرة المتجمدة.
وكبار العائلة من الجيل الأول كانوا على مقربة يشاهدون مكتفين بما لديهم، إلا بيلا كم كانت صعبة الانضباط في مكانها، فالطفل في داخلها أراد الذهاب للعلب ولما وجدها نيكولو لا تطيق الجلوس، أذن لها بالذهاب لكنه تورط لأن بيلا جرجرته معها ونادت على أبناء كارلينا كي يعيروها زلاجة خشبية.
"ميرا... ميرا إن منظرنا سيكون مخزيا"
"وهذا هو المطلوب"
"ميرا هناك معضلة، إن كلانا طويلا القامة فكيف سنجلس على هذه؟"
"آخ منك يا رومان كم أنت كثير التذمر، اجلس خلفي وارفع قدميك"
أجلسته خلفها وبصعوبة حثت الزلاجة على الأنزلاق، فنادى نيكولو على ابن أخته كي يقوم بدفعهما ولأنه صغير هزيل البنية، اجتمع ابناء كارلينا الخمسة لدفعهما بلا كلل أو ملل ولما انزلقا لحقوا بهما، ففرصة اللعب مع خالهم لن تعوض.
أي نعم قد استمتعا بالتزلج وتشاجروا بكرات الثلج مع البقية لكن فاليريا وفايلويت الماكثتان إلى جوار والدتهما كارولينا، كانتا شديدتا التحسر وكم تمنتى لو تنزلان فتلعبان مع الجميع.
"أين هي أمي لتراها، لابد أن عظامها انقلبت في قبرها الآن من الصرع"
"ألا أخلاق وآداب لها؟ ألا تخشى ارتفاع تنورتها وانكشاف ساقيها؟"
"انظري كيف جرجرت أخانا خلفها، إذ رآنا أحد الآن من المنطقة فسيلتهم الخزي وجوهنا"
تناقشت الأخوات فيما بينهن، إلا صوفيا وأدرينا، فصوفيا مهمومة بابنها الذي يأبى الحديث معها وأدرينا مشغولة بزوجها السقيم لذا لم يخرج في النزهة معهم.
"المهم أن السنيور مستمتع" قاطعتهن السنيورة كانتارا، شقيقة لورينزو وقد مكثت في مكانها، تتأمل أخاها لورينزو الذي ذهب ليعين سيده على الوقوف، إذ دفنه الأولاد تحت الثلج وفيتو مع ريكاردو ودانيلو في البحيرة يتزلجون وبالمرة يتغزلون ببعض الحسناوات.
"صحيح، أين هو فيتو هل رأيتموه؟" سألت داريا ورفعت منظارا ذو عصى لتبحث عن خطيبها، فوجدته مجاورا لفتاة يافعة يعينها على التزلج ويعلمها لكن -مقصوفة الرقبة- كما لقبتها داريا اسقطت نفسها على حبيبها فوقعت على صدره مبتدعة مشهدا رومانسيا يثير الغثيان في النفس.
"الملعون!" هبت داريا من مكانها وبخطى باطشة ولت لتجره من أذنه وبالمرة لتقتل تلك الجرادة القبيحة والتي مع الأسف شقراء شديدة الجمال من النوع الذي يفتن خطيبها.
وقد تركت النزهة هذه أثرا طيبا، إذ وهبتم ذكريات ممتعة لتذكرها لاحقا وكم تمنت بيلا حينها ألا تنتهي هذه اللحظات، التي لا تكف فيها عن اللعب والضحك لكن لكل شيء سعيد نهاية. إذ صارحها نيكولو بحتمية سفره وأنه سيستقل قطار الأربعاء، أي بعد يوم من الآن ولما سألته بيلا عن السبب قال "إنه العمل يا عزيزتي"
"وما هذا العمل الذي يجبرك على السفر؟ إنك جزار ولست وزيرا كي تضطر للسفر!"
جادلته كي يقلع عن السفر لكنه أصر وفي الليل بعد أن ولجت لشقتها، سمعت ما دار بين الأب وابنه من حديث في سلالم البناية "إنك مسافر إذا"
"يجب عليَّ ذلك ولا أدري كم من الوقت سأستغرق، لذا أطع لورينزو أباك الروحي ولا تعصي أمره وأقرص أذن دانيلو إن توجب الأمر، فحاله في الآونة الأخيرة لا يعجبني"
"حسنا، حسنا" كرر ريكاردو بتملل من توصيات والده، التي حفظها فهو يقول الشيء ذاته في كل مرة "لكن قل لي، هل مقصدك هو تلك السنيورة؟"
"نعم، لقد سافرت هي لهناك وسأذهب للقائها"
"هل انت متأكد مما ستفعله؟"
"لابد من ذلك"
ابعدت بيلا أذنها عن الباب وبيدها غطت فمها من هول ما سمعت، ويا ليتها لم تكتشف أمره، إذ أن الحرقة لجمت فؤادها والضيق تملكها، فهبت للحمام وأوصدت الباب على نفسها كي تجهش بالبكاء، دون أن يكتشف أمرها أحد. وفي تلك الليلة هجرت بيلا فراش زوجها ونامت على الأريكة ولما سألها نيكولو عن السبب، أخبرته أنها ما عادت مرتاحة فيه وتقصدت أيضا عدم الاستيقاظ في موعد سفره، فودعها بقبلة أثناء تمثيلها النوم وأغلق الباب خلفه قاصدا محطة القطار.
بقيت بيلا من بعده وحيدة في المنزل ولأنها امرأة قد خدش كبريائها بقسوة، عاندت حزنها واصرت على الاستمتاع بوقتها في غيابه، فباتت كثيرة الخروج ولم تترك مكانا في روما لم تزره والتي جرجرتها معها كانت فاليريا، التي حاولت قدر الامكان اخفاء استمتاعها بوقتها.
وفي إحدى المرات؛ لمحتهما بيانكا تدخلان لمركز تصفيف الشعر ورغبت باللحاق بهما كي توبخهما لكثرة تسكعهما وامتناعهما عن مد يد العون في التنظيف لكنها ارتطمت عن طريق الخطأ بفتاة شابة وحالما أدركت الشابة هويتها نادتها.
"بيانكا، يا بيانكا انتظري"
"ماذا هناك؟"
"هل تذكرين لما سألتني في المرة السابقة عن الكيس الذي وجدته أمام عتبة بابي مرسلا لحضرتك؟"
"نعم؟ لما هل تكرر الأمر ووصلك بريد باسمي؟"
"نعم،لقد وصلتني رسالة هذه المرة فتفضلي، كنت سأمر على منزلك لأجلبها لك"
"شكرا لك يا عزيزتي وإعذريني فإني مستعجلة لكن أوصلي سلامي لجدتك وأخبريها أني سآتي لزيارتكم مع أختي نهاية هذا الأسبوع"
"سأفعل وسنكون بانتظاركما، نهارا سعيدا"
ودعتها بيانكا ثم انزوت لركن في زقاق لن يراها فيه أحد وفتحت الرسالة لتجد عبارة كتبت بخط أنيق؛ قابليني فوق جسر البحيرة تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أعرف أنكِ قادرة على ذلك فكلب الحراسة خاصتكم قد غادر العاصمة أخيرا.

.png)
المومنتات بين رومان وبيلا🦋🦋🦋✨
ردحذف+ ليوناردو ما ارتحت له ابدًا قلبي قرصني منه+ وكمان بيانكا والرسائل الي تجيها مشكوك بوضعها💀💀
Everything on fire ❤️🔥❤️🔥❤️🔥
ردحذفانتظر الفصل الجاي على احر من الجمر 😭🤍
ردحذفكلامك هذا يخليني ابدا بالفصل الجاي من اليوم 🙈😂
حذف