مطر تلك الليلة الخارج عن المألوف استمر في الهطول بلا توقف مطفيا طابعا يقبض القلب بالأخص في نزل آل لا روس، الذي كانت جدرانه مزينة بورق حائط أخضر داكن الدرجة.
ارتفع مستوى البؤس في تلك الليلة، اذ ضرب الرعد ولحق به البرق مضيئا كل شيء لآحه، حتى السيد دي كارلو الذي ولج لغرفته واوصد بابها خلفه. نزع عن كتفيه حمالات سرواله وفك أزرار قميصه، ثم تبعه سرواله وحفظا على القماش من أن يتخذ هيئة غير لائقة، قام بتعليقها في دولاب الثياب وارتدى مكانها منامته التي كانت تملئها خطوط زرقاء.
كعادته فرش اسنانه مرتين ومشط شعره ثلاث مرات في ذات الاتجاه، كي يعين نفسه على الشعور بالنعاس، لكن الامور لم تتوقف عند هذا الحد، بل ونفض السيد دي كارلو الغطاء وضرب الوسادة، كي تتخذ الوضع الذي يناسب عنقه وكنهاية لهذا الروتين النظامي، نفخ على الشمعة داخل المصباح جانب سريره وعزم على النوم رغم صياح جيرانه في الغرفة المجاورة، لكن بصيص نور في الغرفة دفعه لفتح عينيه. إذ ان صياحهم ببعضهم وتلك الشتائم السوقية والاغراض التي تلقى، لم تضايقه انما ضايقه ذلك النور المنبعث من ثقب في كلا الحائطين، على يمين سريره وعلى شماله.
"إن العيوب في هذا النزل تفوق توقعاتي حقا"
تفقد الثقب على يمينه من باب الفضول، عسى ولعل أن يدس فيه ورقة خشية ان تتسلل الحشرات لغرفته، فوجده مطلا على غرفة الزوجين اللذان لم يتوقفا عن الصياح ببعضهما البعض، لدرجة ان السيدة المحترمة تهورت والتقطت مزهرية النزل ملقية إياها على السيد زوجها.
ابعد السيد دي كارلو عينيه عن الثقب وانتقل للآخر الذي كان متواجدا على شماله، فوجده يطل على غرفة فارغة، ليس من الاثاث انما من ساكنها، ومن المنامة الملقية على السرير والمعطف النسائي المعلق جانب الباب فطن كونها امرأة.
وجارته ظهر أنها ميرا بيلا التي ولجت لغرفتها والتعب قد طغى على ملامحها إذ انها من شدة نعاسها بالكاد رفعت قدميها خلال مشيها.
توقفت قرب سريرها وبنفس واحد رفعت ثوبها ليكشف عن ساقيها صعودا لفخذيها وما يوجد فوقه، فأشاح السيد دي كارلو بصره عنها وعاد لسريره كي يستلقي عليه، وضع الغطاء فوقه ومسح عليه يضمن عدم كرمشته وفي رأسه سؤال واحد.
من كان يقطن في هذه الغرفة ذات الموقع الاستراتيجي قبله؟
لم يجد دي كارلو جوابا وهو لم يكن ليضحي بساعات نومه، لذا استخرج من حقيبته الشخصية غطاء للعين وهكذا أخيرا ختم ليلته الحافلة، لكن قبل ان يغط في نوم عميق رفع غطاء عينه يتفقد الثقب على شماله فوجد انه لم يعد هناك ضوء ينبعث منه..
في صباح اليوم التالي انفتحت بابا الطابق الثاني، من الباب الأول خرج الزوجان من ليلة أمس متشابكا الأيدي والسعادة تغمرهما، لا يكفان عن التغزل ببعضهما ومن الباب الثاني، خرج السيد دي كارلو بثياب غير رسمية تليق بصيف هذه البلدة.
مضى الزوجان في الممر الضيق نحو الدرج ودي كارلو من خلفها يسير وقبل نزوله الدرج، هو التفت برأسه يلقي نظرة على الباب الثالث الذي لم يفتح..
قصد في طريقه طاولته من ليلة أمس، كي يحظى بوجبة الافطار وعند مكتب الاستقبال وجد المدير آدم، مع اخته ميرا بيلا وثالثهما امرأة مُسنة ذات ظهر منحني وجلد مترهل في عنقها وذراعيها والنقاش الذي دار بينهم، بدا حادا من علو وتيرة صوت آدم في الحديث.
"أنا لن اغادر مكتبي ونزلي كي اوصلك لمكتب البريد فتسألي عن ابن الملعونة ذاك"
"اضبط لسانك فأنا اكون والدته وإن كان شقيقك ألفيو ابن ملعونة فانت أيضا ابن ملعونة!"
"إن كلمتي واحدة يا أمي، أنا لن اوصلك لهناك وانت لن ترسلي للحقير ذاك شيئا! حذرتكما مرات عديدة من ذكر اسمه او محاولة الوصول اليه وها انتما مجددا تكسران كلمتي لأجله!" ضرب بيده على مكتبه بكل ما امتلك من قوة وصياحه قد جذب انظار ضيوف النزل جميعا. انتفضت بيلا ووالدتها وكم كرهت بيلا بطش هذا الأخ الظالم بهما فحدقت به بعينين حاقدة.
"انت لا يمكنك حرمان.."
"اخرسي!"
"أنا لن اخرس! إن ألفيو أخي وانت لا يمكنك منعي عنه!"
"إذا اذهبي له هيا، خذي امتعتك وغادري للمكوث عنده فكلمتي واضحة وقد كررتها مرات عدة، إن علمتُ فيكما من تواصل مع الملعون ذاك فأنا لن ابقيه تحت سقف منزلي!"
قضمت بيلا باطن شفتها وبقيت في مكانها واقفة، لا يسعها فعل شيء سوى الاعتصار بكامل قبضتها على تنورة ثوبها، فها هو شقيقها آدم يعرض عليها ما لا تستطيع فعله، ألا وهو مغادرة البلدة. فهي ليست بالمقتدرة ماديا وآدم بالطبع لن يعيرها قرشا واحدا للقاء ألفيو ذاك.
وعن لما لا تطلب من ألفيو المال كي تسافر وتقطن معه، فالسبب يعود الى أن ألفيو الذي تحارب شقيقها لأجله لم يرد على رسائلها ابدا، مهما أرسلت إليه وتوسلته ان يكاتبها.
جلس آدم بتعب على كرسيه وفرك على جبينه، فالغضب يصيبه بالدوار وهو يكره ان يصاب بنوبة غضب. تنهدت والدتهما بقلة حيلة وقررت أن تنسحب من هذا الشجار الذي سيدمر ما تبقى من هذه الأسرة المفككة.
فهي وإن بدت وحيدة للناظر إلا أنها تمتلك سبعة أولاد، ثلاث بنات وأربعة من البنين، اكبرهن قد وافتها المنية في سنين طفولتها المبكرة والثانية أرملة لرجل عُرف عنه افراطه بالشرب ذو يد حامية تضرب من يأتي في طريقها، تقطن في بلدة بعيدة عنهم، أي نعم أرسلت كلا ابنتيها للمكوث عند جدتهما بعد الجنازة لكنها نفسها اعرضت عن العودة، بسبب رجل قد وقعت في حبه له نفس عادات زوجها الراحل وقد انجبت منه ثلاثة أولاد.
أما ابنتها الثالثة فهي ميرا بيلا الماكثة تحت يدها ومن أبنائها؛ فأكبرهم هو آدم صاحب هذا النزل الذي يقطنون ويعملون فيه لإعماره وجعله يزدهر، من بعده يأتي ألفيو ذلك الابن العاق، الذي أغوى زوجة شقيقه الأكبر، فهربت معه تاركة لزوجها ابنها الرضيع ليتكفل به ويتدبر امره.
ومن بعد ألفيو يوجد ابن آخر لتلك الأم لكنه كان شديد الكره للبلدة ولأسرته التي ولازالت اسرة فقيرة كثيرة الديون، لذا هو غادرهم بحثا عن حياة أفضل وقد حالفه الحظ بالفعل، إذ عمل تحت يد تاجر مسن ومن بعد وفاته تزوج من ابنته، التي لم تتجاوز الخامسة عشرة حينها وتصرف بأموالها، لكنها ولحسن حظها أنه كان رجلا محبا لها، فاعتنى بها وأكرمها فلم تذق من بعد وفاة أبيها الفقر ولا البرد.
وذاك الابن لم يهجر أسرته كما فعل ألفيو، إذ أنه وبعد أن رزق بولد أحس بالحنين لأسرته وعاد إليهم مشتاقا، فبات يزورهم من حين لآخر وفي الأشهر التي لا يزورهم فيها، يرسل بالبريد لكل فرد منهم، صغيرهم وكبيرهم مبلغا يسد احتياجاته.
وأصغر هؤلاء الأخوة كان شابا يافعا شديد الحُسن والطيب، فكان أقربهم لقلب والدتهم لكن مرض التهاب المجاري البولية غلبه وأفسد عليه كليتيه فمات في يوم مولده الرابع عشر...
لذا ورغم عدد اخوتها الكثير، إلا أن بيلا لم تمتلك من يعتني بها وبوالدتها سوى آدم وآدم لم يملك شقيقا يعتمد عليه سوى بيلا، التي قررت البقاء الى جواره والاعتناء بذلك الرضيع الذي ألقته زوجته خلفها وفرت هاربة.
"بيلا، انظري ها هم النزلاء ينتظرون وموعد افطارهم قد حان لذا استعجلي وضعي في اطباقهم ما اعدته امي" قال آدم لشقيقته أمرا وبيلا لم يكن بوسعها سوى العودة لعملها وتقديم الطعام لهم.
وضعت الصحون أمام الزوجين واتجهت لطاولة دي كارلو مستقبلة إياه بعبارة روتينية تقدمها للجميع، لكنها راقت للسيد بشكل هي لم تتوقعه "صباح الخير سير دي كارلو" سكبت له في كأسه الماء وسألته إن كان يرغب بعصير برتقال.
"هل يوجد غيره؟"
"أنه المتواجد على لائحة طعام اليوم"
"حسنا إذا، من فضلك إن أمكن"
تبسمت من طريقته اللبقة في الحديث وسكبت له في كأسه حتى امتلئ، سمحت لنفسها بالرحيل بعد أن فرغت لكنه استوقفها قائلا "لو سمحتِ سيدة لا روس"
"تفضل"
"أود سؤالك عن مكان المقبرة التي دفن بها صاحبي فإني أنوي زيارته"
"وإن وصفتها لك فلن تجدها فالطرقات هنا صعبة على الغرباء"
تأكدت بيلا من الساعة التي كان البندول فيها يتمايل بلا توقف وعرضت عليه "إن تمكنت من ممارسة الصبر لنصف ساعة فسأدلك بنفسي"
"سأحرص على فعل ذلك إذا" رفع حاجبيه وأومئ برأسه مرحبا بالفكرة.
غادرت بيلا جانبه لقضاء ما تبقى من أعمالها وقبل أن تصعد لتبدل ثيابها، جمعت الأطباق وذهبت بهم للمطبخ كي تغسلهم وبينما هي تفعل دخلت عليها والدتها وعلى وجهها علامات التساؤل "بيلا من ذاك النزيل هناك، متى سجل دخوله؟ فإني قد تعجبت عندما رأيت ثيابا جديدة لغسلها"
"قد سجل دخوله وحصل على مفتاحه في وقت متأخر من ليلة أمس، اظنك كنتِ نائمة حينها"
"ومن أين هو؟ يبدوا رجلا أفنديا"
"إنه كذلك بالفعل ولن تصدقي ذلك، إنه صديق لجوليان ترنتينو، أتى الى البلدة لزيارة قبر صاحبه فلقد توفي ونقل قبل أن يراه"
"جوليان ترنتينو؟ ذلك المنحوس الذي لم يسر في جنازته أحد سوى معارف والدته الراحلة؟ كم كانت جنازة مخزية وسريعة"
"مع الأسف، عاشت والدته وحيدة ومات وحيدة ونفس المصير لحق بابنها"
"دعكِ من الموتى وأخبريني عن الأحياء، هل هو متزوج؟"
"ماذا؟"
التفتت بيلا لوالدتها التي كانت بشوشة الوجه فدحرجت عينيها بيأس من فضول أمها وحبها لجمع معلومات الأحوال الشخصية خاصة الزبائن وبالأخص الرجال طويلي القامة منهم "ما بكِ تتذمرين، ما أنا فاعلة بصداقته مع جوليان ذاك، قولي لي ما ينفعني عن عمله وحياته"
"لا علم لي عن زواجه ولم أر في اصبعه خاتما لكنه يعمل جزارا في العاصمة وله متجر قصابة"
"جزار؟ ذلك الميسيو المحترم كما يقول الفرنسيون جزار؟ بئسا، أين كان عندما تم توزيع الحظوظ في هذه الدنيا. لكن صدقا يا بيلا ثيابه وجلسته لا توحي أبدا أنه جزار"
"لا علم لي بذلك يا أمي" همهمت بيلا وجففت يديها بعد أن فرغت، تهم بالاستعداد للخروج لكن والدتها استوقفتها "ما بك مستعجلة؟ انت ذاهبة لتلك المدرسة؟"
"نعم إني ذاهبة" ابتسامة مفتونة ارتسمت على شفتي بيلا حالما ذكرت والدتها اسم المدرسة، لم تعجب والدتها ابدا لذا هي اكتفت بأن اوصتها بما تحتاجه من السوق عند عودتها وتركتها كي ترتدي ثوبا يليق بتلك المدرسة التي تحبها بيلا او بمعنى آخر تحب من يعمل فيها...
"سير دي كارلو، هل تأخرت على حضرتك؟"
"إطلاقا"
"إذا هلا تحركنا؟"
"بالطبع"
خرج كلاهما بخطى متجاورة وثالثهما كان ابن أخيها فيليب، الذي قام بتشغيل سيارة ابيه كرجل بالغ وهو كان بالفعل يخطوا خطواته نحو عالم البالغين، إذ أن صوته قد تبدل الشهر الماضي وشعر ذقنه بات أكثر خشونة من ذي قبل "الى المدرسة ككل مرة يا بيلا؟"
"تقريبا، ثم ما بيلا هذه يا ولد نادني بعمتي" جلست بيلا في الخلف الى جوار سير دي كارلو وقالت "إن حضرتك محظوظ فها قد تسنت لك الفرصة لترى البلدة في النهار سير دي كارلو"
"رومان"
"المعذرة؟"
"إن اسمي هو رومان"
رف جفنا بيلا وهي تحدق بالسير دي كارلو وهو لم يبعد نظره من عليها ومن المقعد الأمامي قطب ابن اخيها حاجبيه باستنكار لما يحدث بين هذا الرجل من العاصمة وعمته.
"لكن أذكر ان اسم حضرتك في السجل هو نيكولو دي كارلو"
"إني أفضل اسم رومان على اسم نيكولو"
اومئت بيلا وقضمت باطن شفتها، فهي لم تعرف بما تجيب وما تضيف، فأشاحت بصرها عنه وحكت له عن طرقات بلدتهم وعن سكانها والسير رومان كان خير مستمع لما تحكيه له، إذ تأكدت من سرد أشهر قصص الجيران وأكثر حوادث البلدة تداولا، كالعم بيبيت الذي ضربه البرق وهو نائم تحت شجرة أو عن الخالة خوليانا التي سرقت ابنتها جميع ثروتها وفرت هاربة..
وهذه الثرثرة التي لا تعرف التوقف، عادة ملازمة لبيلا التي دوما ما تحاول الحفاظ على لسانها داخل فمها أمام الآخرين، لكنها وباللحظة التي تأتيها الفرصة تنطلق دون فرامل وبشكل لا إرادي، رغم انها وفي كل مرة تقطع وعدا على نفسها بانها ستكون المرة الاخيرة التي تثرثر بها من كثرة المصائب التي تقع فيها.
كالمرة التي وشت لخالتها أمر زوجها، الذي يخونها عن طريق الخطأ أو المرة التي افشت سر صديقتها التي تزوجت سرا دون علم والديها..
"تلك هي المدرسة التي اقصدها بعد فراغي من العمل الصباحي في النزل"
"تعملين كمعلمة فيها؟"
"معلمة؟ آه لا، يا ليتني كنت كذلك لكن لستُ معلمة. إني فقط اقصدها كعمل تطوعي، فعدد الطلاب كثير ولا يعمل فيها سوى المعلم ماتيو"
ابتسامة خفية ارتسمت على شفتها لما ذكرت اسمه والنظرة في عينيها تبدلت لأخرى مفتونة فلقد لمحته وهو واقف عند باب المدرسة، يستقبل طلابه الذين أحيانا ما يأتون طلبا لتعلم بعض من القراءة والكتابة وقلة قليلة من يصبر الى أن يتعلم الحساب.
كانت بيلا باسمة ورأسها استدار لتبقى عيناها معلقة خلفها ممعنة النظر ولو بطيف منه والى جوارها رومان قد تبددت ابتسامته وعادت تضاريس وجهه لحالها من قبل أن يلتقي ببيلا.
"إن المعلم ماتيو لرجل محترم والجميع هنا يشهد له بذلك ولو طالت مدة مكوثك هنا فحقا عليك لقائه وتبادل أطراف الحديث معه" طالت اصابع بيلا شعرها في حديثها ثم هبطت لتنورة ثوبها وقدماها اللتان تحركتا بعشوائية في كل مكان، كل تلك كانت علامات تشي للجميع عن شغفها السري به.
وهو لم يكن سرا فالجميع يعلم بأمرها والمعلم ماتيو بنفسه يعلم ما تمر به بيلا من مشاعر.
"ها هي المقبرة سير رومان"
توقف ابن آدم بالسيارة وفضل البقاء فيها كي يدخن سيجارته بينما تكمل عمته وظيفة المرشد السياحي التي تقمصتها، إذ اوصلته بنفسها للقبر ووقفت وقفة حزن فإلى جوار جوليان تمكث والدته.
"إن كنت ستسأل عن المرمر فبناءه لم يكتمل بعد مع الأسف"
"سأحرص على صنع قبر يليق به قبل مغادرتي"
"إنه لكرم منك ولو كانت والدته على قيد الحياة لأغرقت عيناها بالدموع بسبب امتلاك ابنها صديقا طيبا مثلك"
"لقد كان من القلة المقربين إلي هناك... بالنظر إليه وهو تحت التراب، أدركت كم أني بتُ وحيدا"
امتدت يد بيلا لتمسح على ذراع سير رومان كي تواسيه فمعالم الحزن قد بدت عليه، سألته أن يحكي لها في المستقبل عن الوقت الذي جمعه بصديقه المقرب، ثم أبلغته أن موعد رحيلها قد حان فالمدرسة بانتظارها ولم يكن بوسعها التأخر أكثر من ذلك.
غادرت بيلا المقبرة مع ابن أخيها، دون سير رومان الذي أصر على البقاء وهناك في المدرسة هي اجتمعت مع عشيقها السري وراقبته بينما يدرس طلابه، لمح طيفها وتبسم فبادلته الابتسام وبعد انتهاء يومه الدراسي، جاورها في الجلوس تحت شجرة قديمة نبتت في فناء ساحة اللعب.
"ظننتكِ لن تحضري اليوم"
"وهل فوتُ يوما دراسيا من قبل حتى أفوت هذا"
اخفض ماتيو بصره من شدة خجله وفرك يديه المجتمعة في حضنه، شعر بقربها الشديد منه فابتعد في جلسته سامحا للهواء بالمرور بينهما "ماتيو" لفظت بيلا اسمه مشتكية من تصرفه.
"نعم؟"
ملئت بيلا المسافة بينهما ولاصقت كتفها بكتفه ثم دست اصابعها في خاصته "هل صارحت والدتك؟"
"بخصوص ماذا؟" سأل مرتبكا من قربها.
"بخصوص زواجنا! ألم تقطع وعدا بأنك ستفاتحها بالأمر"
"لكنها لن ترضى"
"ماذا؟"
"أعني إنها مشغولة هذه الأيام وليست متفرغة لإقامة زفاف"
"ألست ابنها الوحيد؟ لا يوجد أم لن تتفرغ لتزويج ابنها الذي سيدخل الثلاثين العام المقبل، يا ماتيو فاتحها بالأمر، فلست أنوي أن ألد طفلي الأول ووالده قد تخلل الشيب شعره"
"بيلا ... لكنها.."
"لكنها ماذا يا ماتيو؟"
"تعرفين أنها لن توافق على زواجي منكِ"
"لكنك انتَ الذي ستتزوج وليس هي، ثم ألم تزوج خالتك ابنها من المرأة التي أحبها فما المانع من زواجنا إذا؟"
"إن خالتي مختلفة عن أمي يا بيلا وانت تعرفين هذا جيدا"
تنهد ماتيو بقلة حيلة وعيناه طافت المكان حوله خائفا وحالما لمح طيف والدته يقترب، هو ابتعد عن بيلا ونهض كي يستقبلها مرحبا. حدقت بيلا بيدها الفارغة إذ أنه ألقى يدها بسرعة كمن يشعر بالخزي منها، ثم شاهدتهما من بعيد وأمكنها رؤية النظرة المشمئزة على وجه والدته.
"ألا حياء لكِ؟ جعلتي ابني يتأخر عن موعد غداءه لأجل أن تختلي به! ألا منزل لك لتعودي إليه بعد انتهاء عملك؟!" صاحت والدته بها وماتيو لم يملك الشجاعة ليدافع عن بيلا ويمنع بطش والدته عنها.
"تحرك أمامي يا ولد فانت معاقب الليلة! سأجعلك تحلم بلعق الملعقة!" دفعته من كتفه كي يتحرك ثم ضمت ذراعه لصدرها وأخذته للمنزل خشية عليه من النساء اللواتي يرغبن بخطف ابنها المسكين واخذه منها.
عادت بيلا للنزل سيرا على الأقدام وحلمها بالزواج من ماتيو، قد مسحته والدته بممحاة جافة ككل مرة. دفعت الباب والجرس المعلق رن معلنا عن قدومها. لم يرفع آدم رأسه عن الجريدة، لعدم امتلاكه أملا برؤية نزيل جديد وبيلا مررت اصبعها على حافة النافذة المغبرة، قررت حينها أن تبدأ أعمالها بمسح الغبار عن الأخشاب ولما فرغت من الطابق الأول ولجت لغرف النزلاء تبدل الشراشف.
كان المسجل يعمل دون توقف، يسمعها شريطا ذو قصة حب من القصص التي تتمنى عيشها قبل أن تموت وكعادتها كانت تردد الجمل قبل الممثلين لحفظها هذه الأحداث عن ظهر الغيب.
ولجت لغرفة سير رومان وقد تعجبت من رؤيتها نظيفة ولا ذرة غبار فيها والشراشف التي ستبدلها قد تم تبديلها بالفعل والقديمة تنتظرها على الكرسي "إنها المرة الأولى التي أجد فيها نزيلا شديد النظام هكذا"
"إنه حقا رجل محترم لا تشوبه شائبة"
اغلقت باب غرفته خلفها ليعمها ظلام دامس كالظلام في المقبرة، إلا في نقطة قد أنارها مصباح ذو شمعة صغيرة، التهمت النار فتيلها دون توقف.
والمصباح ذاك لم يكن بالنظيف، إذ أن تراب القبر قد لآحه دون قصد، بسبب سير رومان الذي دس المجرف في التراب، يحفر القبر لدرجة أن نصف جسده قد غط في حفرة صنعها بنفسه.
دفع غرته عن جبينه المتعرق بمرفقه ثم بقوة ضرب المجرفة، يدسها لكن هذه المرة قد توقفت بسبب خشب صلب أسفلها "ها أنت ذا" ابعد ما تبقى من التراب بيديه حتى كشف عن التابوت ودون احترام لكرامة الميت، قام بفتحه كاشفا عنه جثته التي تعفنت وعشعش فيها الدود.
قطب سير رومان حاجبيه وجعد أنفه من قبح الرائحة، أشاح رأسه يمنع ذاته من التقيؤ، فلقد بات يتذوق طعم العصير داخل فمه. عاود النظر لما تبقى من صاحبه وفك أزرار قميصه كاشفا عن صدره.
بحث سير رومان داخل شوال عدة الزراعة التي اشتراها ساطورا وبثلاث ضربات هشم عظام صدره، في المرة التالية التقط مقصا كبيرا، مختصا في تقطيع اللحم. دسه لأسفل جلده وباشر بقص كل ما يعترض طريقه، نزولا للأسفل كاشفا عن الغشاء الرقيق الذي غلف جميع أمعاء صاحبه.
طمس سير رومان يده وبالأخرى حاول ابعاد الأحشاء عن طريقه وفي مكان قرب ظهره إلى جوار الكلية اليمنى عثر على ضالته واستخرج كيسا أسود اللون.
"شكرا لحفاظك على الأمانة يا صاحبي" قالها سير رومان بتعابير لم تكن تنم لا عن الحزن ولا الشماتة. اخرج نفسه من الحفرة وعاود طمرها وحالما فرغ التقط الكيس وحقيبة كتفه ثم سار في طريقه قاصدا بئرا قديما، عثر عليه بينما كان يتجول في النهار كي يغتسل عنده.
نزع ثيابه وألقاها في البئر ومن مائه أغتسل كي يزيل عن بدنه تلك الرائحة وبينما هو يفرك خلف أذنه تساءل بحيرة "يا ترى ماذا يوجد على العشاء الليلة؟"

.png)
السير موقعه استراتيجي في الغرفه😭
ردحذفمن زود ما وقع لها أعطاها اسمه😭😭
ردحذفاوككك كان قصده جزار بشري حنون الله يستر منه 😭😭
ردحذف