illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

لا تخبروا زوجتي؛ الفصل الثاني





 كانت ميرا بيلا، قد حملت على عاتقها مجاورة صديقة لها، اصيب صغيرها بالحمى ولما حل الليل، أدركت أنها تأخرت بشدة وأن شقيقها لن يكون مسرورا البتة، فهي استأذنته ساعتين وقد انقضت أربع ساعات دون ان تشعر. 

 

وكيف لها أن تحس بمسؤولية متابعة الساعة ولم يوجد ساعة قريبة من مرمى بصرها، في منزل صديقتها؟ لذا هي غادرت بخطى مهرولة إلا أن صديقتها استوقفتها، عند عتبة الباب تنادي "بيلا، يا بيلا تريثي ولا تستعجلي، لورينزو سيوصلك"  

 

"لا حاجة لتشغيل محرك السيارة فسوف أصل للمنزل بسرعة"  

 

"إن لم نشغل محركها فما فائدة مدخراتي التي صرفتها عليها؟ سيأتي حالا فلا تفكري بالرحيل" حذرتها من ان تقوم بالفرار، فلبيلا كثير من التصرفات الصبيانية لم تتخطاها وإن تجاوزت العشرين من عمرها. مشت كاترينا بترنح للجانبين ويد لها أسفل بطنها الذي سبقها، خشية ان يصيب شيئا فيتأذى من بداخله.  

 

ولجت لغرفة المعيشة، حيث زوجها غارقٌ في الأريكة التي كان عمر الاسفنج فيها، مماثلا لعمر الجالس عليها، فهي هدية زواجهما وقد خرجت من دار امه حيث استعملت لسنوات عديدة في فناء المنزل. 

 

كان لورينزو يحتضن المذياع قرب أذنه، في انتظار ان يلتقط الاشارة فيكمل الاستماع لمسلسله المفضل، الذي يذاع كل ليلة خميس في هذه الساعة من الليل. نادت عليه مرتين وفي الثالثة هي انحنت لترفع زوجي جواربه، التي نزعها عند دخوله وما اثار غيضها هو بقاءه بثياب العمل.  

 

لذا وبغيض هي صاحت "انهض حالا فالمرأة تنتظرك في الخارج! 

 

"دعيها تغادر، ما حاجتي لتوصيلها؟ هي دوما ما تأتي وتعود لمنزلها دون أن يصيبها مكروه 

"كيف لي ارسالها في هذه الساعة المتأخرة بمفردها؟! إن عادت بهذا الشكل فلن يرضى شقيقها بأن تزورني مجددا وأنا احتاجها بشدة، لذا انهض ولا تجادلني أكثر، فأعصابي تالفة وأطرافي ترتجف!"  

 

ضربته على كتفه تحثه على الحراك، فهي منذ أن علمت بوجود فرد جديد يتكون داخل بطنها واعصابها حامية، لا ترضى بأي نوع من أنواع النقاش وهذا العرض حصري فقط لزوجها وابنائها الأربع، في حين أن بقية اصدقائها وجيرانها تتحلى معهم بأخلاق عالية وصبر متين. 

 

"أقول لكِ برنامجي على المذياع وانا انتظره منذ بداية الاسبوع! انها الحلقة الاخيرة وعليَ معرفة ما سيحدث مع توم وكلبه!"  

 

اعترض زوجها مطالبا بحقوقه، لكن النظرة على وجهها وجلدها الذي تصبغ بالأحمر من شدة غضبها، كلها كانت اشارات تفيد بأن عليه الفرار وألا يريها وجهه، لذا وبخطوات مكرهة هو غادر المنزل بحوزته مفتاح سيارته ومن خلفه طار حذاء زوجته. 

 

"هيا كي أردكِ لداركِ" قال لورينزو على مضض وانزلق لمقعد السائق ومن الجهة الأخرى انزلقت بيلا دون النطق بحرف، فهي قد سمعت جدالهما كله من بدايته وحتى نهايته، لدرجة أنها اوصت نفسها بأن تقلل الزيارات لمنزل صديقتها، كي لا تكون عبأ إذ أنها شعرت بخجل شديد 

 

"شك.." هي عزمت على شكره، لكن لسانها لجم حالما ألقى المذياع لها وأخبرها ان تقلب جيدا، بحثا عن المحطة التي تذيع برنامجه. أشعل المحرك وكم كان صاخبا قذر الرائحة، فلقد انبعث من السيارة دخان اسود، أفسد رائحة ثمار شجرة البرتقال التي كانت مزروعة قرب المنزل، وعن طريق السيارة فرت هرة كانت قد امنت نفسها للعبور. 

 

ظن لورينزو أن هذا أصعب شيء من الممكن أن يمر به واستعاد اتزان اعصابه لما عادت الاشارة، لكن برقا فلق السماء لنصفين قطع عليه راحته، فالأمطار باشرت بالهطول دون وضع أي اعتبار لشهر تموز. 

 

"يا للعجب، كيف لها أن تمطر بهذه الغزارة في هذا الوقت من السنة" قالت بيلا وفي نيتها ترطيب الجو الجاف بينهما لكن بلا فائدة فلورينزو كان جافا خلقا ولسانا.  

 

استرقت بيلا النظر لزوج صديقتها كل تارة تسأل نفسها، متى ستبوح له بالحقيقة وتصارحه، فمزاجه لم يكن باللين ابدا مع انقطاع الاشارة وحالما وصل للالتفاتة هي قالت مستعجلة دون أن تدع له فرصة للتفكير "نحو اليمين انعطف!"  

 

فزع من يدها التي امتدت امام بصره، تعي عن رؤية ما يوجد امامه فانعطف على الفور وبعد قليل هو سألها "ألم يكن منزلكِ في الاتجاه الآخر؟"  

 

"لدي عمل مهم في مكتب البريد ولا مجال لتأخير أكثر 

"مكتب بريد؟ وفي هذه الساعة من الليل؟"  

"لدي شخص اعرفه هناك وهو الآن هناك بالتأكيد يعمل على تنظيم المخزن"  

 

انتقل ببصره لها والشك بادي عليه، فاستخرجت ظرفا يحوي رسالة من حقيبتها تنوي ارساله للعاصمة، قطب لورينزو حاجبيه مستنكرا وحالما فطن نيتها، هو فضل البقاء صامتا فماذا عساه يفعل؟ هل يتدخل بأمر رسالتها التي تنوي ارسالها لشقيقها، الذي هجر البلدة ام يشعر بالضيق ان عليه الان المرور على محطتين؟ كل هذا بكفة وفي الكفة الاخرى، حقيقة انه ان استمر على هذا الوضع، فسيفوت برنامجه المفضل ولن يعلم ماذا سيصيب كلب توم. 

 

اوقف لورينزو سيارته على مقربة من محطة القطار وألقى نظرة الى حجرة مكتب البريد، لازالت مصابيحها مضاءة، اراد اخبارها ان تستعجل ولا تطيل الغياب، إلا ان صوت ايصاد الباب هو ما قابله فعاود التزام الصمت، يندب حظه على تفويته برنامجه المفضل وقد اقسم في داخله أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي يخدم فيها صديقات زوجته 

 

ركضت بيلا نحو شباك المكتب، غير إبهة بثيابها التي ابتلت وضربت على الزجاج، تنادي صديقا لها أن يأتي مسرعا كي يأخذ منها رسالتها وعلى جانبها كان الموظف الذي يعمل في قطع التذاكر، جالسا خلف الشباك يقيم اتصالا هاتفيا وأمامه رجل يحمل حقائبه.  

 

وضع موظف المحطة يده على السماعة واعتدل من كرسيه ليلقي نظرة، على تلك التي فقدت صوابها وقصدت البريد في هكذا ساعة من الليل "إنه مقفل يا امرأة ألا ترين؟" 

 

لم تعرهما بيلا أي اهتمام واستمرت بالضرب، حتى خرج اليها شاب يافع قد نبتت شواربه حديثا وثيابه لم تكن ثياب موظف انما ثيابا عادية "بيلا؟ 

 

زلقت بيلا الظرف بسرعة أسفل النافذة وقالت "ادخله حالا ولا تجعل الموظف يراه"  

 

"ماذا؟! كيف لي أن افعل شيئا كهذا! سأطرد من عملي بسببك"  

 

لم تضيع بيلا ثانية اخرى وزلقت مبلغا ماليا من أسفل الشباك وحالما رأى الشاب الورقة الجميلة، تبسم رغما عنه وقال "بالطبع سأدخلها دون أن يعلم بأمرها أحد، أليس كذلك؟"  

 

توجه الشاب ببصره نحو موظف المحطة، الذي نظف حلقه وعاود الحديث في الهاتف. دست بيلا يدها في جيبها لتستخرج ورقة أخرى وزلقتها أسفل شباك الموظف العجوز، في البداية تظاهر بعدم الاهتمام لكنه وبخفة يد سحبها ليدسها في جيبه واستكمل عمله. 

 

"انتظري هنا يا بيلا كي نملأ هذه البيانات" 

"وهل هي شيء ضروري؟" 

"بالطبع، لن يقوموا بتحريك هذا الظرف طالما لا يحمل بيانات" 

 

أومئت بيلا وباشرت بتدوين بياناتها وقد أذنت لها أذنها أن تستمع للحديث الذي دار بين المسافر صاحب الحقائب والموظف "سيد دي كارلو يؤسفني قول هذا لكن فندق الجنة لا يملك غرفا متاحة أيضا... دعني أجرب الاتصال بفندق آخر" قال الموظف بأسف وبحث في دليل الهاتف عن رقم فندق آخر وزلق قرص الهاتف على الرقم المطلوب منتظرا ردهم. 

 

رفعت بيلا بصرها لذلك المسافر الذي يبحث عن فندق ليقيم به وقد كان رجلا ذو ثياب نظيفة تفوح منه ومن ملابسه رائحة الصابون، لم تتمكن من الامعان به أكثر إذ ان صاحبها اخذ منها ورقة البيانات وبشكل غير شرعي استعمل توقيع وختم المسؤول عن البريد في البلدة، ثم قال "ها قد انتهينا، يمكنك المغادرة الآن وبالك مرتاح" 

 

أومئت بيلا ثم عاودت استراق النظر لذلك المسافر والموظف الذي أبلغه أن الفندق لا يجيب على الهاتف بسبب سوء حالة الطقس ونصحه بأن يقصده شخصيا ويسأل عن الحجوزات. 

 

"إلى اللقاء بيل" ودعها صاحبها وهي عادت أدراجها للسيارة بخطى بطيئة، كي تعرف على الأقل ماذا سيحل بذلك المسافر. نزلت الدرجات الثلاثة ومشت تحت المطر، أرادت المضي قدما لكن رغبة غير مألوفة دفعتها لتلفت خلفها فوجدت ذلك المسافر يقف تحت سقيفة خشية الابتلال بماء المطر، يبحث عن أي سيارة أجرة من الممكن أن توصله. 

 

لكن تطلعاته مستحيلة فهذه البلدة صغيرة ومقطوعة، لذا لا يوجد فيها كثير من السيارات وثقافة سيارة الأجرة لم تصل إليهم بعد.. 

 

استجمعت بيلا شجاعتها ونطقت بصوت عالي لا يحجبه صوت المطر "هل يوجد من سيأتي لأخذك؟" 

 

انتبه المسافر إليها، في البداية أراد تجاهل أمرها فمن المحتمل أن تنصب عليه وتسرق ماله لكن الأمطار الغزيرة وهذه الساعة المتأخرة من الليل، دفعته للتخلي عن مخاوفه وقال "إني انتظر قدوم أي سيارة كانت" 

 

"لن تجد واحدة في هذه الساعة وبالأخص في هكذا جو، لما لا تأتي معنا وسنوصلك لوجهتك" 

 

تنهد المسافر بقلة حيلة، إذ أن الظروف اجبرته ليوافق على عرضها وقصد سيارة لورينزو، الذي كان مشغولا بقراءة تعليمات المذياع للمرة العاشرة من شدة ملله، اعتدل حالما انفتحت باب السيارة وانزلقت بيلا في المقعد الأمامي. كاد أن ينطق لكنه فزع عندما فتح الباب الخلفي وألقي على قماش مقاعده الخلفية حقيبتا سفر مبتلة ثم أنزلق رجل غريب وجلس. 

 

لجم لسان لورينزو وحملق ببيلا ثم بالمسافر، لاحظ المسافر وجود خطب ما فقالت بيلا مبررة "لقد قصدت مكتب البريد وأرسلتُ الرسالة" 

 

"وهل مع كل رسالة ترسل تهدي البلدية رجلا؟" 

"لا... نحن فقط سنوصله لوجهته فلا يوجد سيارة لتقله والفندق لا يرد على الهاتف" 

"سنوصله؟" 

"نعم" 

"إني اعتذر إن كنتُ اثقلتُ على حضرتك يا سيد" 

 

انضم المسافر إلى حديثهم متأسفا وقد كان صوته أجشا فيه بحة محببة للأذن ولكنته لكنة أهل العاصمة "ولو لم أكن مضطرا لما رغبت إطلاقا في أن أثقل عليك" 

 

رطب لورينزو حلقه إذ أن لسانه عقد من فصاحة هذا المسافر وأدبه في الحديث لذا لم يكن بوسعه سوى الرضى وتوصيله نحو وجهته التي لم تكن بالبعيدة إذ أوقف سيارته أمام الفندق المعني وقال "هذا هو الفندق الذي قصدته سيد دي كارلو" 

 

"إني حقا ممتن وقد كانت فرصة طيبة للتعرف على حضرتك" أومئ السيد دي كارلو وفتح باب السيارة ليترجل منها ويسحب حقيبتيه معه، هز رأسه بشكر ورفع قبعته ثم قصد الفندق ودفع بابه كي يلج إليه. 

 

"إنه حقا رجل مهذب" قال لورينزو متعجبا من هذه الصدفة التي جعلته يلتقي به ثم أدار المقود كي يبتعد، أومئت بيلا بالموافقة ودون شعور منها هي أرادت القاء نظرة أخيرة على ذلك السيد فالتفتت خلفها. 

 

تعجبت من رؤيته قد خرج مجددا حاملا حقائبه ليقف تحت المطر، بحث السيد دي كارلو عن السيارة ولما أدرك انهما رحلا تنهد بقلة حيلة فالفندق أي نعم هاتفه معطل لكن لا غرف شاغرة فيه. 

 

"لورينزو، استدر فها هو ذاك قد خرج مع حقائبه" وكزته كي يعود أدراجه فأدار المقود واستقر بسيارته أمام السيد دي كارلو. أنزل لورينزو النافذة وسأله "ماذا جرى؟" 

 

"لا يملكون غرفا شاغرة مع الأسف... أعرف أني اثقلت على حضرتك لكن هلا اوصلتني لفندق آخر إن كنت تعرف واحدا؟" 

"إذا انتَ لا تملكُ حجزا، لما لم تقل ذلك من البداية، لو اخبرتنا لأخذتك إلى نزل آل لا روس" 

"وهل يوجد فيه غرف شاغرة؟" 

"بالطبع يوجد، تملكون غرفا شاغرة أليس كذلك بيلا؟ 

 

انضمت بيلا إلى الحديث "بالطبع، إنه نزلٌ تديره عائلتي فتعال لنأخذك إليه" عرضت عليه ولم يكن بيد السيد دي كارلو خيار آخر سوى الموافقة والذهاب معهما نحو ذلك النزل المزعوم.  

 

"سيد دي كارلو بلا مؤاخذة لكن ما سبب مجيء رجل محترم مثلك لهذه البلدة المنقطعة؟" 

"أتيتُ قاصدا رؤية صديق لي، يدعى جوليان ترنتينو" 

"جوليان ترنتينو؟ ابن السيدة صوفيا؟ لكنه ميت وقد استلمت والدته جثمانه قبل خمسة أيام" 

"وصلني خبر نقل جثمانه لمسقط رأسه لذا أتيت" 

"لكنه توفي في العاصمة فكيف لك أن تعرف متأخرا ألم تكونا على وفاق؟" سألت بيلا. 

"لم أكن في العاصمة حينها، لقد غادرتها لأجل رحلة عمل 

"وماذا تعمل؟" سأل لورينزو مجددا بلا خجل فالسيد يبدوا ثريا. 

"أعمل جزارا" 

 

علت الدهشة وجهي بيلا ولورينزو فهما لم يخيل لهما أبدا أن هذا الرجل ذو الهندام الأنيق يعمل في مجال اللحوم. لم تدم رحلتهم طويلا إذ أن لورينزو أوقف سيارته أمام نزل عائلة لا روس القابع في أطراف البلدة ثم غادر دون توديع لائق ففي البادئ أعطى لورينزو مقاما للسيد دي كارلو لكن بعد معرفته عن حقيقته لم يعد له أي احترام. 

 

"تفضل سيد دي كارلو، هذا هو نزلُ اسرتي"  

 

رفع السيد دي كارلو بصره للأعلى محدقا ولم يكن بالكبير كالنزل في المدن، إنما ميسور الحال له أربع طوابق فحسب. 

 

أدارت بيلا المقبض ودفعت الباب ليرن الجرس المعلق في الأعلى، كانت البسمة تعلوها فها هي قد عثرت على نزيل لأجل أخيها، لكن ابتسامتها هبطت واختفت، حالما رأت ساعة تطير محلقة نحوها بسرعة، فتفادتها وجرت النزيل عن طريقها فأكملت الساعة للخارج وتحطمت لأشلاء أسفل المطر. 

 

"في أي بالوعة اختفيتِ يا مصيبة حياتي!" التقط شقيقها هذه المرة تمثالا نحاسيا ألقاه، فغضبه عليها أعماه عن إدراك كم كانت التمثال ذو زوايا مدببة. 

 

"رباه! ارحمنا يا آدم! احضرت لك نزيلا فلا تخزنا أمامه!" ابتعدت بيلا عن طريق التمثال. 

"ماذا! هل... هل هذا نزيل؟ اه ايها السيد المحترم، مرحبا بك في نزلنا المتواضع!"  

 

تخلى صاحب النزل والذي يكون شقيقها الأكبر، عن فكرة القاء حذائه وعاود انتعاله خلسة خلف مكتبة ليقول مرحبا "تفضل! تفضل من فضلك ولأجد لك غرفة على الفور كي ترتاح بها فلا بد أن يومك كان منهكا 

 

فتح دفتر السجلات وقلب بحثا عن صفحة فارغة، فدون عليها تاريخ اليوم واستخرج صندوقا زجاجيا يحوي في داخله على مفاتيح الغرف "اختيارك لنا كان موفقا يا حضرة السيد، إذ يتوفر لدينا في كل غرفة حمام منفصل ويوجد خدمة غسيل الثياب، فلا تحمل هم ثيابك، يمكنك ان تضعها في السلة المخصصة وسيتم غسلها 

 

 تقدم السيد دي كارلو مقتربا من المكتب وجميع الأعين منصبة عليه، فهو أول زبون يمر عليهم منذ ثلاثة أيام متتالية. التقط القلم الذي وضعه صاحب النزل وقبل أن يدون أسمه رفع بصره وسأل بجدية كما لو أن حياته تعتمد على هذا "هل يوجد عشاء؟ 

 

"عشاء؟ آه... بالطبع يوجد، لدينا..." خرج آدم من خلف مكتبه وألقى نظرة سريعة على ما يوجد في المطبخ وقبل أن يفحص ما في القدر اعتمد على أنفه وقال انهم لديهم مرقة فاصولياء لهذه الليلة. 

 

"لا مانع لدي، أتمنى ان اجدها ساخنة بعد أن انتهي من الاغتسال" دون دي كارلو اسمه الكامل ووقع أسفله وبعد ان تأكد صاحب النزل من حصوله على نقوده نادى على الصبي ان يدله لغرفته. 

 

"لكنك أخبرتني أن امسح الأرضية.." 

"هششت! يا ولد دع ما بيدك واحمل حقيبة السيد دي كارلو إلى غرفته ولا تنزل إلا وفي حوزتك ثيابه المبللة هل فهمت؟!" 

"حاضر!" تذمر الصبي وأخذ الحقيبة ليقول ككل مرة "اتبعني من هنا حضرة السيد" 

أرشده الصبي نحو السلالم وباشر بصعودها ليتبعه السيد دي كارلو وفي كل خطوة كان حذاءه الأنيق يبصق الماء. 

 

"وانتِ؟ ما هذه الابتسامة على وجهك؟ ألم تسمعي الرجل؟ يريد مرقة الفاصولياء ساخنة فتحركِ وإلا لن تري قرشا واحدا" 

 

دحرجت بيلا عينيها بغيض من هذا الأخ الذي سلط كمدير فوق رأسها وتذمرت "دعني أغير ثيابي على الأقل!" 

 

"تحركِ إذا فلا وقت لدينا!" وهذه المرة هو بالفعل نزع حذائه وألقاه عليها فركضت لتصعد نحو غرفتها وتبدل ثيابها على الفور. 

 

تأكدت بيلا من النزول قبل النزيل وولجت للمطبخ، عقدت المئزر حول خصورها ووجدت شقيقها آدم أمام الموقد ورائحة شيء محترق كانت تفوح، فصاحت به وضربته على ظهره كي تطرده من المطبخ فلا يدخل مجددا 

 

"لقد أحرقها!" تذمرت من بلادته في المطبخ ومن تحت أنفاسها قالت "لا عجب أن زوجته هجرته" 

 

استخرجت قدرا آخر أصغر حجما وأنقذت فيه ما تبقى من مرقة الفاصولياء، أشعلت نار الموقد وحرصت على جعلها أقل من هادئة وريثما هي تسخن، بحثت في الدواليب عما تقدمه إلى جوار المرقة والتقطت بصلا فالأرفف كانت فارغة. 

 

 عملت بيلا على تجهيز صينية العشاء، بينما المسجل خاصتها يعيد لها أحداث مسرحية مفضلة لديها ومن شدة حبها لتلك المسرحية، هي كانت تسبق الممثلين وتردد جملهم قبل أن يتلفظوا بها. 

 

"بيلا، يا بيلا استعجلي فلقد أتى!" 

"حاضر!" 

 

سكبت له المرقة في وعاء ونظمت عشاءه في صينية لتهم بالخروج، لكنها توقفت أمام المرآة ولمحت شعرها فوضويا فلملمته وأعادت ترتيبه وهذا النشاط، كان روتينيا في حياة بيلا فهي دوما ما حرصت على الظهور بمظهر لا يمسُ سمعة نُزلهم بضرر.  

 

ولجت للاستقبال ومن هناك تقدمت نحو ركن قريب من النافذة، فيه أربع طاولات والسيد دي كارلو كان جالسا قرب النافذة، يعاين حالة الطقس المتدهورة في الخارج بعد أن قام بتبديل ثيابه لأخرى. 

 

فذلك القميص الأسود حل محله آخر ذو لون أخضر ولم يعتني بتنظيم أزراره، إذ ترك أول زر مفتوح، وهذه الأريحية كانت متضاربة مع حمالات بنطاله المشدودة. لم يكن النزل ولا تصميمه محل اهتمام بالنسبة له، فعيناه لم تبتعد أبدا عن النافذة، من أمامه صوت قطرات المطر تضرب الزجاج ومن خلفه المذياع ينقل أخبارا عاجلة عن حادثة قتل متعمد هزت أرجاء العاصمة. 

 

"ها هو العشاء" وضعت بيلا الصينية على الطاولة، حينها ابعد السيد دي كارلو نظره عن النافذة وانتقل ببصره لبيلا، التي تمكنت أخيرا من رؤيته تحت ضوء المصابيح بوضوح. 

 

إذ كان رجلا ثلاثينيا ذو تعابير عادية ولم تكن بيلا لتفكر عكس ذلك، فعيناه ناعسة ذات زاوية مائلة للأسفل ولونها داكن، لم يثر الحماس في نفسها أو الرعب. الشيء الوحيد الذي جذب اهتمامها فيه هو فوضوية شعره الرطب. 

 


حينها اصيبت بيلا بالحيرة، فإن كان هذا السيد عاديا بشدة بدأ من مظهره وحتى وظيفته الغير مثيرة للاهتمام، ما بها قد تعنت الحديث إليه في محطة القطار؟  

 

"شكرا جزيلا" 

 

"على الرحب" أرادت سؤاله عن إن كان يرغب بشيء آخر، لكن الأخبار لجمت فؤادها إذ صدمت من الأسرة التي لقيت حتفها، فقط بسبب تورط والدهم مع عصابة شهيرة.  

 

"كم هذا فضيع... من عساه يقتل امرأة وأولادهما الثلاثة بدم بارد؟" قطبت بيلا حاجبيها والحزن تملكها "إن الدهس على نملة أو هش هرة مارة يفطر الفؤاد ويحرم لذة النوم فكيف لهؤلاء أن يناموا قريري العين؟" 

 

"أليس كذلك سيد دي كارلو؟" 

 

انتقلت بيلا ببصرها نحو السيد دي كارلو فوجدته يحدق بها بالفعل وبابتسامة هادئة اجابها "معكِ حق"







 

عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz