سقوط بيرل طريحة الفراش، مدة شهرين في النهاية لم يكن بالشيء الجيد بالنسبة لهايدن، فلقد وقع على كاهله انجاز اعمالها، إذ كان محتم عليه جلب الحليب من دار آل غلور وحمل علفٍ للغنم خاصتهم على ظهره.
لم يكن هو من يحلب البقرة، إنما واحدة من أخوات بيرل من كانت تحلب البقرة دولي وتعطيه من حليبها.
في تلك الأثناء وريثما كان ينتظرها تجول بعينيه في أرجاء الحضيرة، فإذا به يلمح جمجمة كلب معلقة على الحائط الخشبي وكم كانت عفنة إذ تجمع حولها الذباب ومن عينيها خرج الدود. مظهرها كان مقرفا ورائحتها أشد سوءا.
"ألم تجدوا شيئا لتعليقه أفضل من تلك الجمجمة؟ ثم أخبريني آل آرنر لهم جمجمة أيضا معلقة فهل هذا امر متعارفٌ عليه عندكم هنا؟" سأل هايدن واخت بيرل انتقلت ببصرها نحو جمجمة الكلب التي يقصدها.
"إنها ارث عائلي وهي هنا من قبل أن أولد" أبلغته سيترين والتقطت الدلو التالي كي تملئه بالحليب.
"إن لكم ذوقا عجيبا يا أهالي القرية" زم هايدن شفتيه ثم انتقل ببصره لسيترين التي كانت تختلف عن اختها، إذ لها شعر أصهب كالزنجبيل ومن النمش الكثير في وجهها
"بالمناسبة، انتِ لم تسأليني أبداً عن حال اختك بالرغم من معرفتكِ امر اصابتها"
فرغت سيترين من حلب البقرة، ثم نهضت واخذته حيث يخزنون العلف لتعطيه حصته "تحب الدردشة كثيرا يا حفيد الجدة" التقطت شوكة من تل العلف أخرجت مجموعة لتلقي بها بالشوال الذي سيحمله على ظهره "أليس عدم سؤالي أفضل من قول يا ليتك تركتها تموت؟"
ارتفع حاجبا هايدن من صدمته بما تقوله فتبسمت الشابة بشماتة وقالت "رأيت، اخبرتك أن قولي هذا لن يسُرك"
"لما؟ لماذا قد يتمنى أحدٌ الهلاك لأخته؟"
"على مشيئة الحكيم أن تحدث... كان يتوجب على اختي الموت مرات عديدة لكنها دوما ما كانت تنجو وعوضا عنها يموت آخرون... تماما كما حدث مع ماركو"
ختمت سيترين حديثها بأن فرغت من عملها وأعانته على حمل العلف فوق ظهره وبكلا يديه رفع دلوي الحليب "إني سعيدة بنجاتك يا حفيد الجدة فعلى الأقل، لأول مرة لا يموت أحدٌ بسببها"
أراد هايدن أن يستفسر أكثر لكن سيترين ولت ذاهبة كي تنهي عملها ولم يكن بوسع هايدن سوى العودة للمنزل حيث تنتظره تلك الشمطاء عمته وطوال الطريق هو كان يفكر بحديث تلك الأخت عن اختها الكبيرة.
إلا أن مهمة هايدن لم تنتهِ على خير، فلقد انزلق من يده دلو واندلق الحليب، ولما ظن أنه قادر على الرعي اضاع الخراف ولم يعرف كيف يعيدهم للحضيرة عند حلول المساء، فانتهى به الأمر محتاجا للمساعدة ونيكو ساعده برفقه ثلاثة من كلابه والكلب -ذهبي- كان برفقتهم يقودون القطيع.
بالطبع جوان انتهزت كل فرصة لتوبيخه، تذكره انه مجرد فاشل لا يفلح في عمل شيء، فجلب الحليب والرعي لم تكن مهامه الوحيدة، إذ توجب عليه أيضا الاعتناء بحديقة المنزل واحضار الماء من البئر..
ومن حين لآخر، كان يتم النداء عليه من قبل بعض الأهالي، طالبين المساعدة وقبل ان يتسنى له الوقت للرفض كانت مدام ميلينا، توافق نيابة عنه وترسله قائلة ان بمساعدتهم لبعضهم البعض ستبقى الروابط بينهم متينة.
كل هذا كان بكفة وبالكفة الأخرى حقيقة أن عليه غسل الثياب في يوم الغسيل "إن هذا لكثير علي! ظهري قد فلق نصفين وما تفعلينه بحقي لظلم يا مدام!" صاح هايدن يناضل لدفع طغيان تلك الشريرة، وبيده ضرب على المائدة، فقفز الصحن وكوب الحليب الذي كان سيهم إليوت بشربه.
"كف عن الجدال وتحمل عواقب قراراتك! لو لم تؤكد بغبائك على ضرورة ابقاء تلك المدللة في الفراش مدة شهرين لما كان سيحدث أي من هذا" تخصرت جوان وقدمها لم تتوقف عن هزها.
"أي نعم خسرنا شخصا لكن هذا لا يعني انه يتوجب عليَ القيام بكل المهام وحدي! يا مدام افهميني! انت لا يمكنك ارسالي لهناك وجميعهن نساء! ذهابكِ انتِ أولى من ذهابي! كيف سيكون منظري وأنا أغسل الثياب معهن!"
زفرت جوان بضجر من إلحاح هايدن الذي يقف امامها وبين يديه سلة فيها ثيابهم المتسخة، انزلت السكين والحبل موقفة عملية صنع قلائد من الفلفل والباذنجان كي تجففها تحت اشعة الشمس وصاحت به مستغلة غياب والدتها.
"أنا اذهب يا منعدم التربية! ألا ترى أني أنظف هذا المنزل العفن واطبخ في اليوم مرتين، كي اسد به جوعكم يا ملاعين! كل شخص في هذا المنزل له عمله ولا أحد هنا سيقوم بما وكل إليك! ان كنت تريد ارتداء ثياب قذرة فانت حر بذلك، لكن امي لن ترتدي الا الثياب النظيفة لذا يستحسن بك الحراك حالا فلو كففت عن التذمر لأنهيت عملك منذ زمن!"
وهكذا طردت جوان هايدن من المنزل شر طرده، لينتهي به الأمر يسير مع سلة الغسيل متجها نحو البحيرة ونساء القرية منهن من استنكرت مجيئه معهن ومنهن من راق لها الأمر لدرجة أن ضحكت على حاله.
لكن هناك مجموعة حسدت هايدن على الموقف الذي وقع به ألا وهم فتية القرية، الذين كانوا يختلسون النظر من الأعلى ويشتمون هايدن الجالس على الضفة وعلى كلا جانبيه نساء القرية يقمن بغسيل الثياب.
وما جعله في موقف يحسد عليه هو أن بعضا منهن اعتبرت هايدن ابنا لها ولم تمانع رفع ثوبها كاشفة عن ساقيها كي تجلس القرفصاء قرب الضفة.
"يا ولد ليس هكذا، إن استمررت على هذا الحال فلن تنتهي.. انظر للخالة وتعلم منها"
زم هايدن شفتيه يستحي من النظر الى تلك الخالة فياقتها واسعة كشفت عن الخط في صدرها ولما رأت الخالة أنه لا يكاد يفلح دفعته من كتفه واخذت من الثياب تريه كيف يغسلها جيدا.
وهاتان اللتان تدعوان نفسهما بلقب الخالة كن أصغر سناً من هايدن فهما لم تتجاوزا التاسعة والعشرين بعد...
"لا اصدقُ أن هناك رجلا بيننا في يوم الغسيل... لا بد أن إصابة بيرل ليست بالمزحة"
"متى سيذهب كي نتمكن من النزول والسباحة في البحيرة؟ نترك المنزل كي نأخذ راحتنا هنا فنجد رجلا مزعجا آخر"
تحدثت لورا وجورجينا فيما بينهما وبجانبهما كانت أمارا، التي تغلي من الغيض، فهذا الرجل ترك بيرل لترتاح في الفراش وغسل ثياب المنزل عوضا عنها، في حين أن زوجها بعيد النظر لا يكلف نفسه عناء مساعدتها وكم كانت متأكدة أنها حتى لو كسرت قدمها لن يغادر فرن الزجاج خاصته.
"تلك الحقيرة مرتاحة في سريرها في حين أن الجميع يعمل... اقسم أني غدا سأقلع عن العمل وليتدبر روميو الملعون نفسه"
وهكذا انقضى يوم هايدن، الذي توجب عليه نشر الغسيل تحت اشعة شمس الظهيرة الساطعة وفي المساء بعد ان اعاد الغنم للحضيرة بمساعدة نيكو مجددا، انتهى به الحال ينزل الغسيل ويقوم بطيه كي يعيد الثياب لأماكنها وآخر غرفة قام بالمرور عليها كانت غرفة بيرل.
"بيرل س.."
كان باب غرفتها مفتوحا بالفعل، لذا ولج للداخل ووجدها تغط في نوم عميق وما بحوزتها من ابرة وخيط قد سقطوا في حضنها أما عن صينية غدائها فلقد كانت موضوعة على المنضدة إلى جوار سريرها بأطباقها الفارغة.
"من يراكِ نائمة هكذا لظن أنك قضيتي الأسبوع الماضي تعملين فيه بلا انقطاع" بصوت منخفض تمتم.
وضع هايدن ثيابها في خزانتها، ثم اقترب منها واخذ ما بحوزتها من ابرة وخيط ليضعهم جانبا فلا تؤذي نفسها خلال نومها، أما عن النافذة، فلقد اغلقها ثم تأمل حالها الهادئ واستذكر المهام التي كانت ملقاة على عاتقها.
تنجزها وحدها دون طلب العون من أحد. ولم يخيل له أبدا أن دلوي الحليب والعلف الذي تحمله على ظهرها كل صباح، ثقيل ومنهك لتلك الدرجة فهي كانت تسير به وتسبقه كما لو أنه خفيف.
خطر لذهنه حديث اختها عنها وتساءل عن مقصدها وريثما هو منغمس في التفكير لم يشعر بأن وجهه كان قريبا منها ولما أمعن النظر بها حثته نفسه على فعل شيء لو كانت بيرل مستيقظة لصفعته حينها..
لذا وبحكم أنها نائمة بسلام، كالجميلة النائمة في القصص التراثية دنى من وجهها فقبل شفتيها، لكن بيرل لم تستيقظ كما حدث في القصة، إنما اكملت نومها وهايدن غادر غرفتها واوصد بابها بعد أن قام بتغطيتها جيدا.
لكن كانت هناك فكرة أفسدت عليه لحظته ألا وهي حقيقة أن بيرل، كانت لتوافق على تلك القبلة لو كان الماكث أمامها دوريان باومن بشحمه ولحمه وليس رجلا هاربا بالكاد هي تعرف عنه شيئا...
توالت الأيام ومهام هايدن لم تقل ابدا، انما كثرت وبات القرويون معتادون على رؤيته يسير بينهم بل وحفظوا اماكن تواجده، وفي صباح أحد الأيام، بينما كان هايدن يجمع البيض من أسفل الدجاج، نادى عليه صبي يطلب منه العون فلقد اصيب صاحبه بحادث، وجرح عميق مزق جلد يده.
ترك هايدن سلة البيض ونادى على إليوت أن يكمل عمله عوضا عنه ثم لحق بالصبي حتى وجد ذلك الفتى التي اغرقت الدماء يده كاملة.
كان يرتجف من شدة الرعب لا يدري ما يفعل واصحابه خائفون فقال هايدن "يا ولد تعال معي لأنظفه لك ولأضمده"
اومئ الفتى وسار خلف هايدن خطوتين، لكنه أغمي عليه من شدة الصدمة، فانتهى الأمر بهايدن يحمله عائدا به لدار مدام ميلينا، حيث نظف له جرحه وضمد يده ثم اوصاه ألا يدع الضمادات تتسخ وقبل ان يعيده لمنزله، استخرج زجاجة دواء كان قد اشتراها من طبيب البلدة وقدمه للصبي بملعقة قائلا انه سيخفف عليه الألم ويمنع حدوث أي التهاب..
أرسل هايدن الصبي واوصاه ان يمر عليه بعد يومين، كي يرى حال جرحه، لكن الصبي لم يعد في الموعد المحدد ولما خرج هايدن للبحث عنه وجده في دار السيد بينيت مساعد حكيم البلدة وهو يعمل في الحديقة.
"يا ولد! لما لم تمر عليَ كما اتفقنا، كنتُ في انتظارك"
انتفض الولد حالما رأى الطبيب دوريان وترك ما بحوزته من ادوات الزراعة وفر هاربا للداخل، في تلك الاثناء خرج السيد بينيت من داره ولما رأى هايدن ألقى عليه التحية "يا لها من صدفة يا سيد باومن، أخبرني ما سبب زيارتك المفاجأة... هل تحتاج الجدة لمساعدة؟"
"لا بل اتيت قاصدا ذلك الصبي الذي فر للداخل، هناك جرح في يده ومن المفترض ان يمر عليَ قبل ثلاث أيام كي اغير له ضماده"
"آه انت تعني حفيدي العزيز، لا تقلق يا سيد باومن لقد تكفل الحكيم بعلاج يده لذا لم يعد هناك حاجة لحضرتك"
"عالجه؟! عن أي علاج تتحدث، ذلك الجرح سيستغرق شهرا ونصف حتى يعود لحاله القديم"
"ألم اخبركَ ألا تقلق؟ الحكيم له طرقه الخاصة وقد مسح يد حفيدي بتراب مبارك سيعيد يده الى ما كانت عليه"
صعق هايدن مما قاله هذا العجوز الخرف، وجادله أن التراب لن يزيد إلا الوضع سوءا، لكن السيد بينيت لم يستمع وحذره من التدخل...
عاد هايدن ادراجه للمنزل مستسلما وبعد مدة من الزمن، قصده رجل لا يكف عن هرش بدنه مستنجدا به، في البداية توجس هايدن منه خيفة، لكن وبعد ان سأله تبين أن هذا الرجل قد مر على مقربة من نبات القريص، الذي يعشعش بغزارة في أنحاء الغابة. وهذا النبات المزعج مر هايدن من قربه في احدى المرات وهو ذاهب ليوم الغسيل.
ابلغه هايدن بما يتوجب عليه فعله وطلب منه العودة في اليوم التالي، لكن الرجل لم يعد ولما سأل هايدن عن عنوانه اوصله مايكل إليه.
دق هايدن باب ذلك الرجل ففتحت زوجته الباب تسأل "تفضل؟"
"منزل السيد إيليم أليس كذلك؟ اخبريه ان حفيد مدام ميلينا قد اتى لزيارته" انزل هايدن قبعته والزوجة ذهبت لإخبار زوجها ثم عادت إليه تسمح له بالدخول.
اخفض هايدن رأسه بسبب سقف دارهم المنخفض، وسار برفقتها نحو غرفة الجلوس، حيث كان زوجها يمكث وسائر جسده مغطى ببقع حمراء وعند كل بقعة تجمعت اكياس مائية.
"ما هذا الذي اصابك! كيف وصل الحال بك إلى هذا في يوم وليلة!"
"يا حضرة الطبيب تريث وتمهل، سوف أشرح لك ما حدث" رفع السيد إيليم يده كي يخفف على هايدن وقد لمح في يده اثار حرق.
"بعد خروجي من عندك أخبرني جاري بضرورة الذهاب لحضرة الحكيم، كي يراني... ولحسن الحظ ان حضرته قام بمداواتي، فلقد أخبرني أنى لمست شياطانا في الغابة.. لذا وضع ملعقته من الفضة الخالصة فوق اللهب وحيثما توجد بقع حمراء وضعها كي ينهي مس الشيطان... اما هذه الاكياس الغريبة فهي بقايا الشيطان تخرج من جلدي لذا اوصاني ان افجرها بدبوس كلما ظهرت واحدة"
رف جفنا هايدن غير قادر على أن يصدق حرفا مما يتلفظ به هذا السيد، في تلك اللحظة تمنى لو يقوم بضرب رأسه حتى يموت ولا يسمع هكذا ترهات لكن على الحياة ان تستمر وهايدن لم يكن بالشجاعة الكافية لقتل نفسه.
لذا هو جادل السيد إيليم وناقشه بان ما يفعله لن يزيد إلا من تدهور حالته لكن الرجل لم يستمع وحذره من التدخل...
بعد تلك الحادثة ببضعة أيام، قصدت سيدةٌ دار مدام ميلينا، لزيارة بيرل ولتقديم الطعام لهم فلقد اعدت الكثير واحبت مشاركته معهم.
اجتمعت مدام ميلينا مع ابنتها جوان والسيدة، في مائدة واحدة وهايدن كان رابعهم وبينما هن يتحدثن فيما بينهن، انتقلت السيدة بحديثها لهايدن وسألته إن كان له خبرة عن حمل النساء فهي متزوجة منذ أربع سنوات ولم ترزق بطفل ابدا.
اراد هايدن فتح فمه وسؤالها لكن مدام ميلينا قاطعته قائلة "يا ميري ألم اوصيك ان تربطي ريش ديك بفرو خروف وتضعيه تحت وسادتك قبل ان تهمي بزوجك ويهم بكِ؟ ما بالك لا تنصتين الي.. هل ترين حفيدي هذا؟ لم يكن ليأتي والده لهذه الدنيا لو لم افعل الأمر ذاته مع زوجي"
"لقد فعلت كما اوصيتني مرات كثيرة لكن لا فائدة"
"إذا ان التوقيت خاطئ، عليك فعلها قبل حلول المساء، قبل ان تنزل الشياطين من الجبل" تدخلت جوان بثقة كما لو أنها وجدت حل المعضلة.
"لقد فعلتها مرات عديدة بالوقت الذي اختاره الحكيم لي" تنهدت السيدة ميري.
"لربما تعاشرين زوجك في الاتجاه الخاطئ، على سريرك ان يقابل الشمال ورؤوسكم في ناحية الجنوب" اوصتها الجدة.
"سيدة ميري، هلا سمحتي لي بسؤالكِ شيئا" قاطعهم هايدن هذه المرة قبل ان يصل الحال بهاتين تعليمها كيف تعاشر زوجها من الصفر "كيف حال تغذيتك؟ أراكِ هزيلة البدن"
"آه.. يا بني، في الحقيقة لم يعد لي مزاج بتناول الطعام بعد أن اجهضتُ العام الماضي" اغرقت عيناها بالدموع لما تذكرت بطنها الذي انتفخ اخيرا وحلمها الذي كاد ان يتحقق لكنه تلاشى حالما وجدت بين ساقيها كثيرا من الدماء.
"كيف ومتى حدث هذا؟"
"لقد كنت في الحقل يا بني احمل على ظهري حجارة لنعيد ترميم حضيرة الخراف مع زوجي"
"ما رأيك إذا لو تتناولين من الطعام حتى تشبعي وتقلعي عن اجهاد نفسك سيدة ميري؟" حاول هايدن اخذ الامور بأبسط شكل ممكن، فإن لم توفق بالحمل حينها فسيبحث معها عن اسباب أخرى لكن توصيته البسيطة، لاقت رفضا شديدا من مدام ميلينا وعمته، التي قالت له ألا يتدخل فهو لا علم له ولا خبرة..
"اسمعي يا ميري اذهبي للحكيم وعنده بالتأكيد ستجدين حلا لمصيبتك" هذه كانت توصية مدام ميلينا الاخيرة لتلك السيدة وبعد بضعة أيام وصل لهايدن خبر عن ذلك الصبي الذي ازدادت حالته سوءا، فيده تلك انتفخت وتورمت من الالتهاب الشديد ثم سقط في فراشه محموما.
جادل هايدن والد الصبي، بأن عليه نقل ابنه لطبيب البلدة كي يداويه والشيء الوحيد الذي ظل والده يردده هو ان الحكيم اعلم بحال ابنه وهو من سيداويه، لذا لم يجد هايدن حلا سوى ان يقصد دار الحكيم عازما على مناقشته فيقلع عن افعاله التي تؤذي هؤلاء الناس ولا تشفيهم.
اقترب هايدن من كوخه الذي بني في أطراف القرية وقد كان كوخا صغيرا مكونا من طابقين وسقفه بالكاد قادرٌ تحمل العواصف. أما عن نوافذه فقد كانت قديمة ومن مكانه أمكنه رؤية بيوت العنكبوت قد عشعشت فيها ومن أغصان الشجرة كانت أجراس تتدلى معقودة بدمى من القش أثارت الريبة في نفس هايدن...
عزم على طرق الباب لكنه كان مفتوحا بالفعل لذلك أذن لنفسه بالدخول ولو لم يعرف أن فيه رجلا يسكنه لظنه من البيوت المهجورة في أطرافِ القرية. سار هايدن بخطى حذرة وحرص على الاحتفاظ بهدوئه لكنه قفز من مكانه فزعا لما وصله صوت صياحِ امرأة يأتي من السلالم المؤدية للسرداب.
نزل هايدن السلالم عازما على كشف دجلِ ذلك المدعو بالحكيم واختلس النظر عبر الجزء الصغير الذي كان جزء صغير منه مفتوحا فإذا به يرى العجائب.
إذ كان سقف السرداب تتدلى منه حبال سوداء، معقود بها فروة خروف وفي نهايتها لفائف ورقية. في الزاوية قرب الموقد كانت ألسنة اللهب تلتهم الحطب والحكيم قد نحر عنقَ عجل ثم شق صدره وانتزع قلبه بيده العارية وذلك القلب قام بعصره وما سال منه من دم قدمه في وعاء للسيدة ميري كي تشربه.
كانت السيدة مذعورة لكنها تجرعت الدم مرغمة نفسها على انهائه كاملا والحبل السري الخاص بذلك العجل الذي ولد حديثا وجره من تحت والدته انتزعه وأبلغها أن ترفع ثوبها كي تكشف بطنها وهناك قام بلفه يربطه بإحكام.
"البدر غدا سيكون مكتملا وهذه هي فرصتك الأخيرة لكن انصتي لوصيتي جيدا يا ميري، إياكِ والاقتراب من زوجكِ قبل منتصفِ الليل فهل فهمتي؟"
"نعم حضرة الحكيم لقد فهمتك وثق أني سأنفذُ ما قلته بالحرف"
راقبهما هايدن وعقله كان عاجزا عن التفكير بشيء سوي من هول صدمته، ثم فجأة سقط اثنان من الحبال السوداء المعقودة بفرو خروف أرضا فالتفت الحكيم نحو الباب وهايدن على الفور اختبأ خلفه فلا يراه.
"يبدوا أن الشياطين ستتمكن من اثنين من أهالي القرية هذه الليلة" اقترب الحكيم والتقط لفافتي الورق يكشف عن اسمهما ثم أخبر ميري أن تعود لمنزلها قبل حلول المساء.
في تلك الاثناء كان هايدن قد فر هاربا بالفعل، ركض بكل ما يملك عائدا للمنزل والخوف يعتريه يفكر بما قاله الحكيم عن احتمالية موت اثنين هذه الليلة.
"إن ذلك الرجل لدجال مجنون!"
بالكاد تمكن هايدن من النوم في تلك الليلة، وريثما هو يتقلب في سريره مغطيا بدنه كاملا بالغطاء، فلا يراه من يتجسس عليه كل ليلة، دوى صوت تفجر أفزعه ثم على الفور لحق به صوت زمجرة الوحوش.
انتفض هايدن ودس وجهه في الوسادة يدعو لنفسه بالخلاص من هذا السجن المروع وفي الصباح ريثما هو يحمل على ظهره علفا للخراف وجد الأهالي مجتمعين عند الحقل فذهب باتجاههم ليرى ما الذي جمعهم وحالما وصل، وقع العلف من على ظهره واندلق دلوا الحليب..
"ليجلب احدكم شيئا فنلفهما به ونأخذهما للمحرقة، قبل ان تجتمع الشياطين وتمس قريتنا بسوء"
ابلغهم السيد آرنر والد جورجينا والحزن بادي عليه فحفيد السيد بينيت قد مزقته الوحوش في الليل والى جواره يمكث ابن اخته إيليم
"ك... كيف حدث هذا" توجه هايدن بسؤاله للسيد آرنر، فأخبره ان هذا كان واضحا من البداية، فالمرض الذي لازمهما لم يكن الا مسا شيطانيا وكل مس نهايته ان يغوي عقل صاحبه ويتحكم به فيجره للسير مضحيا بنفسه للوحوش.
تبعثرت انفاس هايدن، وهو يرى الأهالي، قد قاموا بتغطية بدنهما بالقماش، ثم قاموا بجرهما نحو المحرقة وحديث الحكيم من اليوم الماضي راوده فهو قال أن اثنان سيموتان بالفعل..
"كيف تمكن من معرفة ذلك.."
لم يتمكن حينها هايدن من مشاهدة المزيد فعاد ادراجه للمنزل مستعجلا ولم يبالِ بمدام جوان التي صاحت به تسأله عن الحليب والعلف.
"يا مصيبة حياتي! انزل على الفور فلازالت الخراف في الحضيرة تنتظرك!"
وبخته جوان وعزمت على اللحاق به كي تجره من اذنه، لكن مدام ميلينا اوقفتها قائلة أن عليهما تطهير المنزل خشية ان يتسلل المرض لمنزلهم ويهلك فردا منهم أيضا فموت اثنين بالمرض نذير شؤم وبالتأكيد سيقوم الأهالي بحملة تطهير...
سار هايدن بخطى وهنة نحو غرفته وبيرل لمحته يمر في الممر، فنادت عليه تسأله عن سبب صياح اختها جوان في الأسفل، تجاهلها هايدن فلم يعد به طاقة للحديث واوصد باب غرفته على نفسه، ثم جلس على الأرض بجانب سريره وجذب ساقيه يحتضنهما وقد دس رأسه فلا يرى أحد ولا يراه أحد.
احست بيرل بالقلق ولمحت إليوت في الممر يركض نحو غرفة هايدن فنادت عليه "إليوت تعال لهنا حالا!"
ارتبك إليوت لا يعلم ماذا يفعل فبيرل مريضة واوصته جدته بتنفيذ كل ما تقول، فولج لغرفتها يسألها ماذا تريد فأمسكت بمعصمه تقربه إليها "أخبرني بالذي حصل يا إليوت، ما بها والدتك تصرخ عليه"
تجرع الصبي حلقه لا يدري ما يفعل ولما حاول التكتم احكمت بيرل على معصمه بقسوة وهددته من بين أسنانها تجبره على الحديث "تحدث حالا يا ولد ولا تدعي الغباء معي، فأنا أعلم أنك تعرف كل شيء"


اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة