illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

القرية خلف سكة الحديد الفصل الثالث


 


 في هذه الليلة البائسة ربحت صوفيا، فلقد صنعت فجوة بين ابنتها وزوجها وها هي كلوديا، تشارك والدتها السّرير ودموعها يبست على وجنتيها، بينما دورثي ودينيس أبقتهما تحت جناحها أما جون، فقد خرجَ من المنزل في جنح الليل لا تعرفُ وِجهته.

خيّم الهدوء على البيت، لا يوجد ضوء ولا صوت، فقد انتهى الشّجار والجيرانُ ارتاحوا من ضجتهم أخيرًا. تسلل ضوء القمر عبر النافذة ذات الستائر البالية وأنار قليلا من غرفة هايدن الضيقة، حيث لا يوجد فيها سوى سريره والكثير من الكتب العائدة إلى أيام علمه وعزه.

 كانت أصابعه مجتمعة خلف رأسه، يستذكر أحلامه التي بخُست قيمتها مع حال البلد المتدهور، فالغني فاحشُ الثراء، والفقير خاوي المعدة. تبسم هايدن متذكرًا الطبيب الذي عمل عنده منذُ أن كان في التاسعة من عمره ولازال يفعل، إلا أن الطبيب ستينر اضطر للسفر قبل شهرين لزيارة ابنته ومنذُ ذلك الحين، هايدن كان يعملُ في متجر جون.

كان السيد ستينر والذي يعود لجذور ألمانية خير معلم لهايدن، فهو من علمه القراءة والكتابة باللغة الرومانشية وأصر على إضافة الألمانية إلى قاموسه وجعله يتقنها، ليتمكن من مطالعة آخر الأخبار في كافة العلوم وتعلم منه كثيرا عن مهنة الطب، حتى وصل السيد ستينر لمرحلة أن يترك عيادته أمانة عند هايدن، الذي يقوم بأعمال تمريضية وأحيانا يصف دواء.

 فهايدن قبل تعرفه على السيد ستينر كان صبيا غير قادر على القراءة والكتابة بسبب ارتفاع كلفة المدارس وعوضا عن التعليم أرسلته والدته لسوق العمل كباقي الصبية من طبقتهم.

وعندما لا يكون العمل محور الحديث، كان السيد ستينر يحكي لهايدن حول تطور العلم في ألمانيا، يناقشه في الفلسفة وبفضل توجيهات السيد ستينر شعرَ هايدن أنه أمسى من البشرِ القلائل المختارين، ذوي العلم الذين غُسّلوا من أوساخِ الجهل المزيّن بأجراس التقاليد، ومنذ اللحظة التي تفتحت آفاقه كما يدعي، ضاقت به العيشة فبات يمقت ويحتقر ذَوي الفهم الضئيل. 

ومن الذين يحتقرهم هو جون زوج شقيقته، الرجل البسيط ذو القلب الحالم وإذا أراد وصفه، فجون رجل عديم الفكر ذو عقل بدائيٍّ، يجعل مهمته الأسمى في الحياة العائلة والتكاثر ويا له من محظوظ، فقد حصل على كلوديا واستغل رغبتها البدائية كذلك بتكوين عائلة والتكاثر. فشقيقته عاطفية حالها من حال باقي النساء ولطالما كانت تسعى للحصول على عائلة طيبة.

"متى سأحلُ مصيبتي هذه وأعمل كوظف حكومي؟ قدمت طلبا وجميعهم تركوني معلقا" فرّك جبينه وهو يحدّث نفسه، اعتدل من استلقائه وحدّق بغرفته الكئيبة، ثم دحرج عيناه عندما تذكر كلام جون له لما قرر اسداء نصيحة له وقال -متى ستتزوجُ وتستقرُّ عاطفيًا؟ الزواج سيجعلك متزنًا، فالرجل العازب يختلفُ عن المتزوج-

سخر هايدن من سذاجة جون وسخرَ من مؤسسة الزواج، في نظره الزواج ما هو إلا حبل مشنقة، يعقده القانون حول رقبة اثنين لم يرغبا سوى بإفراغ ما تراكم بداخلهما من شهوة، كأيّ حيوانٍ في بيئته الطبيعية، كي يجبرهما على انشاء عائلة سخيفة فالسيد ستينر كان نابغًا بتعليمه هذه البديهيات الحيوانية.

خرج هايدن من ضجّة عقله بفضلِ حصاة أُلقِيت على نافذته، تصلبت عضلاته وشعَر بأنّ الدّماء تجف من أطرافه لذا نهض وفتح النافذة ليلقي نظرة. لوح له صديقه تحت نور القمر في منتصف الزقاق "هايدن!" وناداه بهمس خافت لكن كان صوته عاليًا بما فيه الكفاية ليصلَ إليه.

 أشار هايدن له بالتزام الصّمت ثم أغلق نافذته. أخرج ثيابه من تحت سريره وارتداها على عجل، انتشل حقيبته ثم ترك الغرفة وتحت الغطاء وسادته في محاولة صبيانية لخداع والدته. أنار طريقه إلى صديقه مستعينًا بشعلة قداحته ثم أطفئها وقال "ألم أقل لك لا ترمِ الحصى مجدّدًا توم؟ بأي مال سأصلح نافذتي إذ انكسرت" همس هايدن وضرب كتف توم ثم باشر بارتداء معطفه ليحمي نفسه من نسيم الليل البارد.

"سأدفع لك ثمنها فلما القلق؟" قال توم بلكنة ركيكة فهو كان فرنسيا ابن فرنسي ووالده من التجار الذين قصدوا سويسرا نية التجارة "آمل أنك بصحة جيدة يا مساعد الطبيب فهذه الليلة ستكون حافلة" غمز توم ووكز هايدن بمرفقه، تشكّلت ابتسامة هايدن ببطء وأمال رأسه يُمعن النظر في صديقه العزيز الذي جلبَ لهُ أخبارًا ستُفرحُ جيبه وتفيد توم بذات الوقت.

لم يضيِّع الصديقان الوقت وسارا بخفة، متسترين تحت ظلال الليل نحو وِجهتما في ضواحي لا حياة فيها، ضرب توم على باب خشبي، يدْعو الحارس لفتحِ الباب ثم انزلق غطاء حديدي في منتصفِ البابّ، يكشفُ عن عينين داكنتين "هذان انتما" تعرّفَ عليهما الحارس وقام بفك الأقفال، سامحا لهما بالتفضل حيث الهتافات عالية والنقودُ تتحدث.

ولجَ الصديقان إلى النادي السِّري، والذي كان مكتظا على غير عادته، فالرجال يهتفون ويلقون أموال الرهان على المتصارعينِ في الحلبة، حيث اللكماتٌ لا تعرف الرحمة والحبال تَقطعُ جميع السُبلَ للهرب. استخرج توم علبة سجائره المعدنية، ووضع واحدة في فمهِ والأخرى ناولها لهايدن الذي التقطها بين شفتيه.

 "جيدٌ أن لدينا صديقًا يمتلكُ نقود السجائر" تحدث هايدن والسيجارة بين شفتيه يحرص على عدم اسقاطها ثم بحث عن ثالثهما والذي يدعى دانيل. لم يدم بحثه طويلا فقد عثرا عليه، كالعادة يحاول التغزل بالسّيدة التي تعملُ بتوزيع الشراب "بجدية يا دانيال؟ ألن تمل من ملاحقة النساء الأكبر منكَ سناً؟"

فزع دانيل من مجيء توم وهايدن خلفه فقال بعد أن فرت السيدة هاربة من إلحاحه وملاحقته المزعجة "إنها استراتيجية يا صاحبي، التي في سني لها أحلام عن الزواج والتي اكبر مني لا طموح مستقبلية لها، فقط بضع تجارب تضيفها لسجل حياتها"

"حقا؟ وهل رضيت بك أيها الوسيم؟" مازحه هايدن.

"كيف لها أن ترفضني وأنا لديّ أجمل معطفٍ ممزّق؟" ضحك دانيل على نفسه كونها لم ترض بالنظر إليه من الأساس وسحب أنفه.

"كم مرة قلتُ لكَ أن تعطيني إياه؟ تعرف أن أمي خياطة" أمسك هايدن بمعطف دانيل الممزّقِ ذو الرقع يتفحصه، حدق دانيل بهايدن وفي جوف فمه سؤال يستحي من طرحه. ففطن توم وتبسم بجانبية مصرحا "بالمناسبة علمتُ أن كلوديا هي من تخيطُ الأزرار"

"حقا؟ لم أكن اعلم ذلك" تحدث دانيال يدعي عدم معرفة هذه التفاصيل وفي داخله رغبة حوَّل سماع أخبارها.

"أنسى الأمر" حطم هايدن آمال دانيل بقطع سبيله بصرامة متخفية تحت تعابير هادئة، فهو كان له علمٌ سابق بحب صديقه لأخته، لكنه لم يعرف بعد عن سبب الفراق بينهما. كل ما يذكره أن كلوديا عادت للمنزل في إحدى الأيام وخدها عليه علامة يد والدته.

تنهد دانيل ووضع وجنته على كفِ يده "آه من تلك المرأة التي أحبطت معنوياتي، احتاج نقودا تنسيني حزني" قال دانيل ممازحًا، يخفّفُ حدّة صديقهِ الذي ثار لأجلِ شقيقتهِ الكبرى.

"أجل يا صاحبي، ستفوز الليلة وسنحصلُ على أموال ترينا العجائب"

"لماذا تحشرُ أنفك في الحصصِ وانت وغدٌ ثري، يا رجل إن والدكَ تاجرٌ يا توم!" أشار دانيل ليحصل على سيجارة أيضا.

"لأن دادي" قال توم كلمة والدي بالإنجليزية "ذلك التاجر الثري الذي تتحدثُ عنه بخيل لا يعطيني ما اشتهي" مرر توم السيجارة لصاحبه وأشعلها بولاعة هايدن.

"ربما لأنك تسرف أموالك بالشرب ونساء الطبقة الراقية؟ لو امتلكتُ -دادي- ثريًّا مثلك لاستفدتُ منه وأدخلت نفسي في وظيفة حكومية كي اضمن تقاعدي" نفثَ هايدن دخانه لينضم إلى الغمامة التي تطفوا فوق رؤوسهم.

لمح هايدن صديق السد ستينر يقف على مقربة منهم برفقة أصحابه وضرب على ذراع توم "توم بسرعة أعرني سترتك" أراد توم سؤاله لكن هايدن لم يدع له متسعا من الوقت وجرده من سترته وخطف علبة سجائره. تقدم هايدن نحو ذلك الرجل صاحب الهالة الثرية مُدعيا امتلاكه للحال الميسور واندمج معه في الحديث، يذكره بالوظيفة التي طلبها منه مسبقا. لم يتوسل هايدن بل إدعى أنه عثر على وظيفة أفضل في وسيلة مدروسة لإجباره على قبوله فهو لن يفوت ذلك المكتب في دائرة الصحة.

"إلى أين ذهب هايدن؟"

"ذهب للعق حذاء ذلك السيد المحترم لكن بطريقة أنيقة"

"توم لما لا تعرض على والدك أن يوظف هايدن؟ إنه شاب ذكي حقاً، له فهم في الحساب والصحة، يجيد الألمانية والرومانشية وها هو يتحدث بالفرنسية مع ذلك الرجل "

"لا داعي لذلك، ففي النهاية على كل شخص أن يبقى في مكانه يا دانيل ولا يتطلع لما هو أعلى منه، كي لا تنكسر عنقه" نفث توم الدخان ثم صاح على هايدن عندما حان دوره وتم الإعلان عن اسمه.

وضع هايدن وصديقاه نقود الرهان بعد أن حصل على دوره، ثم تجرّد من ثيابه وصعد إلى الحلبة مع هتاف صديقيه يشجعانه فهو عملتهما الرابحة. فرّك هايدن يديه ثم حرّك كتفيه بليونة يحدّقُ بخصمهِ الذي صعد، والذي كان رجلاً أصلع الرأس ذو لحية، وما لفت اهتمام هايدن عضلاته التي يتفاخرُ بها أمام الجماهير، لكن الاستعراض لم يدم طويلا فالحكم دقّ الجرس واندفع هايدن نحوه كالكلب الشرس يحرمه من فرصة الرد عليه.

أي أجل حصل هايدن على عدة لكمات في معدته لكنه كان الغالب إذ أسقط خصمه بضررٍ شديد بعد تقصيه جهازه العصبي ومفاصله، رفع ذراعيه عاليا مغترا بانتصاره المتوقع وجاب الحلبة ينادي بمجيئ من هو ند له والرهاناتُ عليه ارتفعت فهو مصارعٌ معروف في هذا النادي "سأحصل على ستِّ فتيات يا صاح!" ابتهج دانيال وهو يجمعُ المال مع توم، ثمّ أخذ توم ورقة نقدية ومسحها على كتف هايدن المتعرق "هذا هو شعورُ الفوز يا صاح!" أخذ هايدن الورقة من توم ومسح وجهه مستمتعًا.

رنّ الجرس وصاح الحكم يعلن عن هوية المتصارعِ الجديد لهذه الليلة -جوزيف- والذي كان رجلا لم يره هايدن في الحلبة قط، فهو يعرفهم جميعًا وذاق طعم لكماتهم، والجماهير أيضا حالهم كحال هايدن لم يعرفوه ولم يراهن عليه الكثير، إنما ارتفع هتافهم باسم هايدن أنه سيقضي عليه، عاد جوزيف إلى أخيه عند الحبال قبل أن يدق الجرس وقام بحركة أدهشت هذا المكان الفاسد بأكمله، فلقد قام بالدعاء...

"من الذي جلب هذا الطاهر إلى هنا؟!" علا صوت ضحكاتهم.

"هايدن برويةٍ عليه ذلك الصالح فقد تُخسف الحلبة بك!"

لم يبالِ جوزيف بهم وأكمل دعواته وتوسلاته بالفوز فالأموال التي سيربحها ستنقذُ والدته التي نهش المرض جسدها ولمّا أنهيا الدعاء، شجّعه شقيقه "ستفوز وسنحصلُ على الدواء، أنت رجل صالح ولن يَخيب أملك" أومأ جوزيف له وملأ صدره بالهواء ثم التفت إلى خصمه هايدن الشهير.

تبسّم هايدن ساخرا ومع صوت الجرس سارا بشكل دائري حول بعضهما "مرحبا بكَ يا جوزيف، دعني أعرفكَ على نفسي فأنا أدعى هايدن كاميرون وأعدك أني سأكون آخر شخصٍ تراه في حياتك" بصق هايدن وجمع قبضتيه باستعداد.

تجاهلَ جوزيف سخرية هايدن وترقب أي حركة منه "لا أعرفُ لمَ التكبر في حين أنك لم تفز بعد"

"ما أقوله يدعى واقع فهل تعرف عنه شيئا؟" انَقَضَّ هايدن على جوزيف يمنعه من الفرار لكن الآخر أدهشه لما انخفض معانقا خصره، يتفادى اللكمات وبكامل قوته لكم جانبه ولما هم هايدن بالرد، صعق من سرعة جوزيف في اسقاطه كما لو أنه يتوقع حركاته من قبل أن يفكر بها.

اشتد غضب هايدن ونهض يصارعه بلا تهاون كأنه عدوٌ ينتقمُ منه، وفي الواقع هايدن صارعه جسيدًا، ليُثبتَ أنه الأعلى فكريًّا لكنه انتهى به الحال متشبثًا بالحبال ووجهه متورّم، سقطتْ عزيمة الجماهير وهم يرون خسارة هايدن أمام هذا الغريب "هايدن ما الذي تفعله عندك انهض وقم بتأديبه!" رفعه دانيل من أسفل ذراعيه لكنه لم يستجب أنما كان يُجمعُ أنفاسه منهكًا والدماء تسيل من أنفه الذي لم يعد يشعرُ به، أراد هايدن رفع أصابعه لكنها سقطت جانبه وداخله يغلي، كونه يرى ذلك الرجل -جوزيف- ذو الفكر البدائي انتصر عليه.

"لم يَصدر من كاميرون أيّة حركة!" قال الحكم بعد انتظاره هايدن، وعندما استمر الأمر أعلنوا خسارة هايدن، "الفائز هو جوزيف!" قفز شقيقه فرحًا وجمع أموال الرهان الكثيرة في الحقيبة أمام ناظري دانيال وتوم، راقب هايدن تحرك جوزيف وغضبه كان كالنار الحارقة التقمه فنهض على قدميه يسعى للانتقام، لحق بجوزيف متربصا وركله من ظهره مسقطا إياه من السلالم.

 سقط جوزيف وانهار دفاعه عندها فقط تمكن هايدن منه وأنهال عليه بالضرب دون رحمة، أراد جوزيف مقاومته لكنه وقع تحت لكمات هايدن. حاولوا إبعاد هايدن لكن غضبه أعماه ولم يشعر إلا بتوم ودانيال يجرَّانه بعيدا وجوزيف وجههُ لم يعد قابلاً للتّعرفِ عليه، جثا شقيقه عنده وهزه لكن أنفاسه الرجل بالكاد خرجت...

رفع هايدن رأسه يحاول استيعاب ما حدث لكن دانيال وتوم كانا يهربان به وبالنقود التي سرقاها قبل أن يتم إمساكهم بتهمة القتل "إذا مات جوزيف فقد انتهى أمرنا" دفع دانيال الباب وخرج ثلاثتهم، ظنوا أنهم سيفرُّون هاربين لكن الليلة أصرَّت على أن تزداد سوءًا، إذ تجمد هايدن في مكانه عند رؤية والدته صوفيا، وهي تحمل مصباحًا بيدها وجون يقف إلى جوارها.

تبعثرت كلماته ولم يعرف حتى كيف يناديها بأمي، بينما هي الأخرى تُوقف لسانها عن الحراك لمّا رأت وجه ابنها، سمعوا صوت الرجال من الداخل وفي مقدمتهم شقيق جوزيف الذي يرغب في الانتقام فقال توم "لنحصل على جدالٍ عائلي لاحقًا!" أطفأت صوفيا المصباح وتخفّوا بعيدًا عن الأنظار، لكنهم جميعًا سمعوا التهديد الواضح الذي صدح في الشارع..

"أُقسم لك يا هايدن أنك لن ترى يوم راحة وسأجعل الشرطة تريك أيامًا سوداء! سأجعل آخر وجه تراه هو وجه جوزيف يا ابن العاهرة!"

أمسكتْ صوفيا برأسها من هول المصيبة التي حلت عليهم، وخلفها هايدن يُحدق بجون الذي وَشي به، تمكنوا من التسلّل وطردت صوفيا صديقي هايدن بحذائها تعدهما أنها إذا رأتهما مجددًا ستَقلب حياتهما رأسًا على عقب.

أدخَلت صوفيا ابنها العزيز إلى المنزل بالدفع والشتم، حيث كان البيت كله مستيقظا يترقب عودتهم، تقابلت عَيْنَا هايدن بخاصة كلوديا لكنها أشاحتها تعبر له عن خيبة أملها به "أنت جننت يا هايدن، أنت حقًّا جُننت! كيف لك أن تفعل هذا بي؟! أنظر إلى وجهك بالكاد استطيع التعرّف عليك! هل انت مجرم؟! لقد قتلت شقيق ذلك الشاب(!)" احتدّ صوتها وأغلق الجيران آذانهم فها هم يصيحون مجدداً.

رفع هايدن رأسه يتوعّد جون الجالس براحة فقد حصل الآخر على انتقامه من رأسي الأفعى، أفسد عليهما راحتهما كما أفسدوا عليه علاقته بزوجته.

"لكنه لم يَمت!"

"وهل انتظره حتى يموت؟(!) لِمَ تفعل هذا أخبرني لمَ تفعل هذا؟! ألم أملأ معدتك وأُلبسك أحسن الثياب؟! ما الذي تريده أكثر من ذلك يا هايدن(!)" صاحت صوفيا والقهر يغلفُ صوتها.

"أريدُ الخلاص(!)" صاح بوجه والدته واهتزت أطرافه من شدّة غضبه ليُكمل "أريدُ الخلاص من هذه العيشة العفنة، أُنظري إليّ! إلى غرفتي! إلى المنزل! أُنظري إلى العمل ذو الأجر المتدني الذي أعمل به!" أشار على صدره

 "أنا استحق أكثر من هذا! لا يجبُ أن تكون عيشتي هكذا! لم أعد أريد النوم والاستيقاظ على بكاء الأطفال والخلافات! ثم أنا هناك انفس عن غضبي! بكل ضربة أُفرغ بها رغبة انتقامي من الدنيا وبنفس الوقت أحصل على المال!"

أخرج من جيبه قرشا بالكاد يوفر له الماء "هذا هو شرطُ الدنيا لأعيش براحة، المال!" لم تصدق صوفيا ما تسمعه والبؤس تشكّل على وجهِ هايدن اليائس.

"إلى من اتحدث؟ بئسا يا سيد ستينر علمتني، ثم جعلتني مثقفا محاطا بالأغبياء وها أنا الآن سأدخلُ السجن" تسارعت أنفاسه عندما أبعدَتْ صوفيا نظرها عنه وأصابعها تعبث بعُقدها. 

"أنا أتحدثُ إليكِ أمي، أُنظري إلي!" لم تقو صوفيا على النظر إليه، فانتقل غضبه لجون ينوي ضربه "كلهُ بسببكَ أنت! وشيت بي! كل شيء كان سيمر على خير لولا وجودك! اقسم أن حياتي كانت أفضل من قبل دخولك ودخول ذريتك العفنة إلى منزلي!"

لكن كلوديا وقفت حاجزا أمامه قائلة "الذنب ليس ذنب جون بل ذنبك أنت! أنظر إلى الذي فعلته بنفسك!"

"لأجلب لكِ المال! كي اخرجكِ من هذه الزريبة! انجبتِ ولدان والثالث في الطريق! من أين سنصرف عليك وعلى أولادك هاه؟! كالساقطة لا تكفين عن فتح ساقيك له" صاح هايدن بشقيقته لكنها اخرسته بصفعة في اكثر جانب يؤلمه في وجهه.

 "اكتم صوتك يا هايدن قبل أن ادس حذائي في فمك وأعيد تربيتك فعلى ما يبدوا أمي فشلت في ذلك!"

"يا حقيرة إنه يؤلم! إلى من اتحدث... بالتأكيد ستختارين زوجكِ ذو الفكر المتدني وتستمعي إليه عوضًا عنّي أنا، أنت تشبهيه، ما هي مشكلتك على أي حال؟ متزوجة لا تفعل شيئا سوى إنجاب الأطفال!"

“الزم حدودك يا ولد ولا تحادث زوجتي بهذا اللسان القذر! إن كنت ذكيًّا كما تدعي فلمَ أوصلتَ نفسك إلى هذا الحال؟ أفق واخرج من عالمك الضّيق هايدن، فالغبي الوحيد هنا هو أنت!" تقدم جون نية تأدبيه.

"آه انظروا من يتحدث، صانعُ الأحذية" سخر هايدن وكاد أن يُكمل، لكن صوفيا قاطعته وبلهجة حازمة قالت "أنت ستذهب للمكوثِ عند جدتك يا هايدن، انقلع من وجهي حالا فلم أعد أريد رؤيتك! مع شروق الشمس ستنزلُ إلى المحطة وسنحجزُ تذكرة ذهابك"

تجمد هايدن وشعرَ بأن الحياة سُلبت منه، أراد الاعتراض لكن والدته كانت أقوى منه "يستحسن بكَ أن تجمع حاجياتك، دينيس تعال لتكتبَ لي الرسالة" حاضر جدتي.

أغلقت صوفيا باب غرفتها خلفها وكذلك جون أغلق باب غرفته برفقة زوجته وبقي هايدن كشماعة الثياب يقف في منتصف غرفة الجلوس لا يصدق ما حل به. 



عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz