illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

القرية خلف سكة الحديد الفصل السابع


  


انهمر المطر بشدة دون توقفٍ، يُدلي بخيراتهِ على المروجِ الخضراء، وقعهُ كان شديدًا على الأسقفِ والنوافذ لدرجةِ أنّه أخاف الفتى الصغير إليوت، الذي يبلغُ من العمرِ إحدى عشر عاما "أمي!" صاح مستنجدا بوالدته من تحت مائدة غرفةِ الجلوس والمدفأةُ بجانبهِ تلتهمُ الحطب دافعة الدخان عبر الأنبوب الممتدّ إلى الحائط.

نزلت والدته جوان عبر الدرجات مسرعة، فللتو تذكرت الثياب المعلقة في الخارج "إليوت أُخرج من تحت الطاولة وساعدني!" زجرته فهي لم تصدّق أن الجو تحسن إلا وعاد المطر، بقي إليوت مكانهُ يرفضُ الخروج من صوت المطر والأجراس التي تعبَثُ بها الرياح، خرجت جوان كي تجمع الثياب لكن المنظر أمامها أصابها بالصدمة.

"تنحّي جانبًا يا جوان!" فتحت الجدة بوابة السّور الخشبي ليعبر شابان بلحى وشوارب يسندان هايدن أو بمعنى أصح -دوريان- الذي عجز عن الوقوف على قدميه وذراعاه ملقية على كتفيهما، لم يظن هايدن أبدًا أن هذه اللحظة التي ستطأ فيها قدمهُ القرية ستكون بهذا الشكل الدرامي.

استوقفتهم الجدة عند وصولهم أمام الشرفة وصاحت بهم خوفًا ممّا قد يكون عالقا بهم "لا تُدخلوا إلى منزلي أي عفريتٍ خبيثٍ أو روح!" وبشكلٍ ملفتٍ لا يمكن تفويته ردّدوا جميعًا.

"يا أرضُ خذي كل ما لكِ من علينا، خذي كل ما لكِ من علينا، خذي كل ما لكِ من علينا" ثم كعرضٍ استعراضي لا مثيل له، قفزوا إلى الشرفة بقفزة واحدة وتدافعوا خلف الجدة إلى داخل المنزل، بينما هايدن أصابهُ الدوارُ من قفزتهما، وأدار رأسهُ إلى الخلف يستنجدُ بأي عاقلٍ يخلّصه "أنقذوني!"

نادت الجدة ونزعت وشاحها الذي تبلل "خذوهُ إلى غرفةِ الضيوف!" وقالت "إليوت تعال وساعدهم" ارتبك إليوت ولم يُفضّلِ الخروج خوفًا من الضجّة لكن بضربة واحدة من قَدمِ جدته انتفض وهو يُنفّذ أمرها "حاضر جدتي!" ركضَ مسرعًا كي يمد يد العون.

"أمي ما الذي يحدثُ هنا؟!" أمسكت جوان بمعصم والدتها التي عزمت الذهاب إلى المطبخِ بهمة عالية وذراعين حازمتين كالبطة "ذاهبة لغلي الماء، يُستحسنُ بك يا ابنتي أن تُقلِّلي الكلام وتجَهّزي الممسحة والدلو" أشارت الجدّة بسبابتها إلى المدخل لترى جوان أفواجا من القرويات ذواتِ الأعين الفضولية والآذان المتعطشة لسماعِ الأخبار الساخنة قبل برودتها، فها هو حفيد ميلينا، ابن ماتياس قد عاد أخيرا بعد غياب دام ثلاثين عاما، بالطبع موضوعٌ مشوقٌ للحديث عنهُ خلال الثلاثين سنةِ المقبلة.

تهافتت السّيداتُ ونادينَ على الصّبية بالإسراعِ فحقائبُ دوريان المفتوحة وثيابهُ التي تطير من كلُ صوب بحوزتهم، ثلاثُ سيدات، الواحدة تلو الأخرى وقفن وردّدْن الجملة "يا أرضُ خذي كلَ ما لكِ من علينا، خذي كلَ ما لكِ من علينا، خذي كل ما لكِ من علينا" قفزن قفزة واحدة والصبية قفزوا واحدًا تلو الآخر إلا صغير كان يحملُ حقيبةً أكبر من حجمهِ، قفز أجل لكن الحقيبة انفتحت به وتعثر ليسقط هو والثيابُ فوق الطين "يا للمصيبة"

ومن بين الأقدام جمعت هرة برتقالية اللون تدعى -غريتا- صغارها وفرت بهم إلى ركن بعيد، علا صوت السّيدات، كلّ واحدة تُدلي برأيهِا حول حال دوريان ويتناقشن حول أنواعٍ لا مثيل لها من الوصفات التي سيطهونها له، فقالت هذه كرشة الخروف ستعيد له صحّتهُ وقالت الأخرى لا بل الفلفل! لدي عقدُ فلفل سيجعلهُ يرقص، وقالت الثالثة: لا هذا ولا ذاك! وصفةُ جدّتي هي التي سترده سليما.

فردت عليها واحدة "وأقول لما توفيت جدتك بعمر مبكر"

"ما الذي تعنيه؟!"

تجادلن فيما بينهن وكل واحدة رأت أن وصفتها أكثر كفاءة وملاءمة من الأخرى، وقد ملأن المطبخ الصغير على الجدّة ميلينا التي تنتظرُ الماء وتشاركهن الجدال "بِن أشعلِ المدفأة!" نادت الجدّة بنفاذِ صبر وكررت السيدات قولها من فمٍ إلى أذن، يوصلن الطلب الى الغرفة حتى قالت جدة هرمة، تقفُ عند مدخلِ غرفة الضيوفِ، متشوقة لرؤيةِ هذا الشاب الوسيم "ميلينا تقول أنزعوا ثيابه!"

ارتبك بِن ولم يعرف ما يفعله، ألقى نظرة متسائلة إلى نيكو الذي يُسندُ هايدن معه وظَهرُ هايدن يوشكُ على الانفلاقِ إلى نصفين بسببِ فارقِ الطول بينهما.

 قال نيكو "سمعتَ ما قالتهُ الجدة" وألقى بطانية على السرير ليجلساهُ بحالهِ المبلل ويشد بِن قميص هايدن ينتزعهُ من داخل بنطاله، شهقَ هايدن في اللحظة التي أخرجَ فيها رأسهُ من القميص وشهقت السيدة عند الباب متبسمة بشدة، دحرج هايدن عينيهِ إلى الخلف وأرادَ الارتماء على السرير كي يُدفئ نفسه.

وبّختهم السيدة العجوز "شدوا البنطال سوف يمرض!" وباقي السّيدات تهافتن لرؤية ضيفهم الجديد

"اوه انظري إليه"

"هل هو بخير؟"

" انظري إلى وجهه يبدوا أنهُ سيُغشى عليه يا لهُ من ضعيف"

" لابد أنهم لا يأكلون بشكل جيد في المدينة"

"ماذا تظن نفسك فاعلا؟!" صاح هايدن بنيكو الذي رفع قدميه يريد انتزاعَ الحذاء "دعوني وشأني أيها المجانين! أخرجوني من هنا! أعيدوني إلى بيتي! السجن أحبُ إليَّ من هذا!"

رفس هايدن بقدميه وأطرافهُ ترتجفُ من البرد لدرجة تصبغِ شفتيه بالأُرجواني "لقد فقد عقله، أمسك به قبل أن أُبرحه ضربًا!" حاول نيكو تثبيتهُ بينما بِن أمسك بساقيه وألقى ثقل جسدهِ المكتنز في قبضتيه فلا يأتي بيد هايدن سوى التخبط والنعيق كغراب ينتف ريشه.

دافعت الجدة السيّدات اللواتي تزاحمهن عليه حتى وصلت أخيرًا إلى هايدن، وقالت "أنا جدته!" وهي تحمل بيدها طِشتٌ ضخمٌ من المعدن "ما الذي تفعلونهُ بهِ؟! أكادُ أسمعُ صوت أسنانه!" انحنت لدفعِ السّجاد بعيدا وأنزلت الطشت قربَ المدفأة، نادت الجدة على السيدة فلود "أحضري الماء!" ثم أحاطت هايدن بالغطاءِ تفركُ على ظهرهِ والضيفات يتفرّجن برحابةِ صدر.

"ها هو!" دخلت السيدة فلود وبذراعين قويتين حملت قدرًا وأفرغتهُ كاملاً في الدلو، تجرّع هايدن حلقهُ من البخارِ الذي يتصاعد وهو يجزمُ بأنهم قرّروا سلقهُ عوضًا عن الدجاج "لا، لا أنا بخير، دعوني فحسب!"

قالت له الجدّة "يا بني أنت ستمرض على هذا الوضعِ هيا أنزل"

حرّك هايدن رأسه رافضا فما كان منهم سوى إجبارهُ وإنزالهُ في الماء السّاخن يُخرجون البرد من عظامه كما يزعمون، رفع رأسه يلهثُ من سخونة الماء ولم يشعر إلا ِبالجدة ميلينا تسكب الماء على رأسه تُكملُ عملية سلقه.

ولجَ مايكل بجزمتيهِ المشبعة بالطّين إلى منزلِ الجدّة، ولما رأت جوان المنظر اشتدّت غضبا وكاد البخارُ يخرجُ من أذنيها فللتو مسحت الممرِّ "مايكل(!) اذهب وأنزع حذاءك حالاً!" فما كان منه إلّا أن فعل ما طلبتُه منه وعاد أدراجهُ ليصنع الكثير من آثار الطين "لا، لا! آه من هذه المصيبةِ التي حلت علينا!" ضربت الخالة جوان على رأسها من هذا الذي جاء إلى منزلهم وقلب كل شيء رأساً على عقبٍ.

سار مايكل بجوربيه اللذان فاحت رائحتهما وبرز منهما أُصبعُ قدمهِ الكبير ذو الظفر القذر، حكّ بطنهُ وتبعَ الضجّة نية مراقبة المدعو دوريان فحدسهُ لا يثقُ بابن المدينة ذاك، خاطب النسوة قائلا "أفسحوا الطريق يا سيدات!" سار من بينهن ووصلَ إلى الغرفة يرى دوريان الماكث في الطشت ببنطاله يرتجف وجدتهُ تصبُ الماء الساخن عليه.

"جدتي ميلينا، دعي هذه المهمة لي ولا تتعبي نفسك" تقدمَ وأخذ منها الوعاء، تبسّمت الجدة وأفسحت الطريق له وقبل خروجها أوصت شابا يدعى روميو بأن يُحرّكَ الخشبَ في المدفأة كي يشتعلَ جيداً ثم أغلقت الباب خلفها تأخذُ ضيفاتها إلى غرفةِ الجلوس.

مع إغلاقِ الجدة الباب تبسّم مايكل ببطء وأمال رأسهُ وهو يُحدّقُ بفرخِ الدجاجة هايدن بين يديه، رفع هايدن نظرهُ إلى مايكل ثم صديقيه فأدرك حينها أنه في مأزق.

في غرفة الجلوس بين أحاديث السّيدات المتطايرة في سماء الغرفة الدافئة، تحركت بيرل ذهاباً وإياباً دون أن تفرغ يداها للحظة، فالأحاديثُ الشّيقة والفضائح عزّزت رغبتهن باستهلاكِ كل حلوى موجودة في منزل الجدة، كل واحدة أعينها تتسعُ متشوقة لتحكي أخبارًا لم يسبقِ لأحدٍ أن قالها غيرها، بدأت أحاديثهن الشيقة عن دخول دوريان وكل واحدة شرحتْ ما مرّت به من أفكارٍ ثم انتقلت الموجة آخذة أبعادً أخرى فبِتنَ يتبادلن أخبارًا عن أساطير المدن خلف الجبال.

" سمعتُ أنهم هناك يعيشون في المدينة بعلب صغيرة"

"هل تذكرون ما حكته ابنة مويل عن المدينة بعد زيارتها؟ تقول أنهم لايعرفون بعضهم البعض هناك"

"أجل، لقد قالت أنهم لا يفعلون شيئا سوى الخروجِ صباحاً لجمعِ المال والعودة ليلاً ليأخذوا استراحة قبل العودة للعمل في الصّباحِ التالي"

"سمعتُ أن الرجال هناك أعينهم زائغة، ينظرون إلى نساءِ غير زوجاتهم"

"يجبُ فقعُ عيني ذلك الخسيس."

"أيضًا سمعتُ أن للزوجين عشيقين خارج إطارِ الزواج، أتُصَدّقن هذا الكلام؟"

"يا ويلتي من هذه المصيبة!"

هتفت جدةٌ تكبرهم جميعاً في السن، ظهرها منحني وتكادُ شفتيها تغمسُ داخلَ فمها من تقدم عمرها "أرسلوني إلى هناك!" ضحكت والجميعُ شاركها الضّحك.

"لمَ تُتعبين نفسكِ بالذهابِ إلى هناك؟ أُهديكِ ابني لتتزوجيه" ربتت سيدة بجانبها على يدها والشيبُ تخلل شعرها، وهزّت الجدةُ رأسها رافضة وحركت يدها التي فيها رعشةٌ بسيطة "إن ابنك عجوزٌ وجاف بينما أنا زهرةُ ربيع"

انتقلت عينا صانعة الفتن فيهن إلى الجدة ميلينا ثم أفصحت عما يجول في خاطرها "جدة ميلينا أخبرينا لما عاد حفيدك الآن وهو في السابق تجاهل جميع الرسائل التي أرسلناها، أذكر أنه سبب لك كثيرا من المتاعب برفضه العودة للقرية" خيّم الصّمت بعد سؤالها وكل الأنظار انتقلت إلى ميلينا التي تُحرِّك حبات السكر في فنجانها.

خرج الشبان الثلاثة من الغرفة يتبادلون النظرات فيما بينهم فلا أحد سواهم يدري بالذي فعلوه بدوريان في الداخل، رغبوا بمجالسة أمهاتهم وجدّاتهم لكن الجدة ميلينا زجرت بهم ترفضُ وجودهم هم وشواربهم الكبيرة هذه.

تحفّظَ مايكل بالبقاء قريباً، كي يَحرسَ الأرجاءَ من أيِ حركةٍ دنيئةٍ قد يَرتكبها ذلك الشيطان وأمسكت بهِ الجدّة قبل مغادرتهِ إلى الشّرفة مع الفتية "مايكل بني، كيف حالهُ؟"

"لا تخافي عليهِ جدتيِ تركناه نائما كالثور"

" شكرًا لك مايكل، أنا ممتنة لك حقًّا"

"لا تقولي ذلك جدتي" ربتت ميلينا على كتفهِ برضى "سأوصي لكم بأشهى الطعام" ولجت إلى المطبخِ ترى بيرل وجوان يتنقلن من ركن إلى آخر كما لو أن عُرسًا يُقام. حدّقت الجدّة ببيرل التي تذهب هنا وهناك ولا يوجدُ في عيني ميلينا سوى الودِ والمحبة، فبيرل طفلةٌ كبرت بين يدي هذهِ الأُمِ ذات الفؤادِ المفطور لتكون بديلة عن ابنها ماتياس الذي غادر إلى المدينة ليلتقي بعشيقته ويكون هناك أسرة معها.

ولبيرل عائلة ذات ذرية مكونة من ثلاثِ بنين وثمانِ بنات، لذا لم يجدوا مانعًا من إعطاء بيرل، الفتاة التي كان ترتيبها التاسع بين اخوتها إلى الجدّةِ ميلينا.

"بيرل" غيَّرت ميلينا نبرتها إلى وتيرة حازمة "أجل أمّي؟" توقفت بيرل عما تفعلهُ واستدارت لتعيرَ الجدة كامل اهتمامها "خذي من الكعكِ لمايكل والبقية، فهم قاموا بالاعتناء به اعتناءً جيّدا"

"بالتأكيدِ أمي" خرجت بيرل وفي يدها صينية ودخل بعدها إليوت بوجهِ باكٍ يشكي إلى والدتهِ من عُنفِ الصِبية فقد أخذوا ألعابهُ ولم يُبقوا لهُ شيئًا "إليوت، ابتعد من تحت قدماي الآن، المنزل كلهُ على رأسي" أبعدتهُ جوان عن طريقها ونظّمت الفناجين في الصينية.

"أريد ألعابي لكنها في غرفة الضيوفِ! أمي خذيها لأجلي!" شدّ تنورة ثوبها مرارًا حتى كادَ الماءُ المغليُ يندلقُ عليها "إليوت!" تبدّلت تعابير وجه إليوت وانفتح صمامُ الدموع في عينيه يبكي بصياحٍ يكرّرُ جملة "أريد ألعابي!"

عودة بيرل إلى المطبخِ كانت منفذًا لا يعوضُ لجوان لذا أخذت كل ما بيدِ بيرل وقالت آمرة "بيرل، اجلبي لإليوت ألعابهُ التي يريدها من غرفةِ الضيوف"

"كيف لي دخولها وذلك الشابُ فيها؟!لا أريدُ إشاعات فالخالة أميليا هنا ولن ترحمني، ستقول لأمي نويلا التي ستوبخني أشد التوبيخ، إنّه ابن اخيك يا عمتي جوان، أنت أولى بهذهِ المهمة"

كادت أن تفلت لكن جوان جرّتها من معصمها وقالت من بين أسنانها "لا أطيق النّظرَ إلى وجههِ! ثم أليست والدتي ميلينا هي أمكِ الروحية؟ اعتبري دوريان أخاك الكبير والآن قومي بما أمرتكِ به" أفلتتها بعد أن تركت أثرا في معصمِ بيرل.

تضايقت بيرل من عصبيّة الخالة جوان وابنها الذي بكاؤه لا ينخفض، لم يأتِ بيدها سوى مسايرتهِ وتنفيذِ ما يريد فقد سمعتْ من حديثِ مايكل والجدة أنهُ نائمٌ كالثور ولن يستيقظ. مشت بيرل بخفّة دون لفتِ انتباهِ أحدٍ، حفاظًا على مستقبلٍ مزدهرٍ دون فضائحٍ، ففمُ الواحدة منهن فيه أسنان حادّة تأكلها هي ومستقبلها كتحلية بالأخص خالتها أميليا والتي لها سوابق.

كالفضيحة التي ابتدعتها عن فتاة تدعى جورجينا، مدعية أنها قابلت مايكل في إحدى ليالي الاثنين وجورجينا في الحقيقة فرت من المنزل مع باقي الفتيات تلك الليلة إلى منزل عائلة فلود والتقين بآنا التي عوقبت من قبل والدها ومُنعت من الخروج والاحتفال مع البقية بسبب أنها نسيت إغلاق بوابة الحضيرة وفرت البقرات إلى مزرعة العجوز مير مفسدة مزروعاته.

دفعت بيرل الباب برويّة خشية إيقاظهِ كما لو أنها تتسللُ إلى غُرفةِ والدها في نومه لسرقة بعض الفرنكات وبحثت عن ألعابِ إليوت، رفعت ملاءة عن صندوق خشبي وفتحتْه تكشفُ عما يحتويهِ من ألعاب.

جمعتْ عدّة لعبٍ خشبية ومجموعة الحصى التي يحبها إليوت ثم استدارت تهم بالخروج لكن العينان المنصبة عليها، أرعبتها لدرجة أنّها عادت بضع خطوات وهبطت فوق غطاء الصّندوق تجلس عليه.

"لا، ستصيبني مصيبةٌ بالتأكيد" قالتها وهي مُمْسكة بأذنها اليسرى تهزها ثلاث مراتٍ ثم ضربت بقدمها الحافية على الأرض ثلاث مرات كذلك كي تبطل المصيبة فالفزعُ في الظلام نذير شؤمٍ لديهم.

"لابد أنك تمزحين"

رأتهُ يُحملقُ بها فشعرت لوهلة أن ما قامت به هو أغربٌ شيء على وجهِ الخليقة، أحكمتْ على ما بيدها متهربة من النبس بحرف وهمت بالرحيل لكن صوتهُ الذي هلك من الصياح خرج مبحوحاً وثقيلاً.

"انتظري عندك" أزاحَ الأغطية واعتدل يهم بالجلوس، دقّ ناقوس الخطر في رأس بيرل لذا مكثت في مكانها تراقب بتوجس كل حركة منه بشكل أثار الريبة في نفس هايدن وفسر تصرفها بأنه مجرد حياء عذراء سخيف. مدّ يدهُ داخل جيب ِسترته المعلقة خلف الباب واستخرج الخرقة التي قدمت له فيها الطعام "هذه لك"

أخذتها بيرل منه وأدركت للتو أنها نستها في كوخ مايكل، لحسن الحظ أنه اخفاها ولو لم يفعل لكان يتم توبيخها الآن على تسللها لهناك "شكرا لكَ... أخي" قالت تذكر نفسها بأنه الآن يعتبر أخاها.

"أخي؟" استنكر هذا اللقب ولوهلة انتابه الخوف من أن يكون لدوريان أشقاء حقا. حينها سيكون حديث العرافة عن تلك الفتاة التي ستستهوي دوريان مثيرا للاشمئزاز. أومئت بيرل له بالموافقة وقالت في محاولة واهية لجمع جملة مفيدة "نحن إخوة الآن... هذا ما قالته عمتي"

"انتِ من ذهبتِ لإخبار تلك المدام؟"

"مدام؟"

"أجل، تلك الجدة"

"تعني أمي ميلينا؟" أومئ لها هايدن فأومئت بالمثل وتراجعت بعيدا عنه تبحث عن مهرب.

"انتظري... هل كانت تعلم أني سآتي؟"

كادت أن تجيبه لكن نداء جوان أنقذها لتخرج دون إضافة المزيد تاركة إياه في حيرة من أمره عن سبب خوفها الغير مبرر منه. بحث هايدن عن مقتنيات دوريان كي يعاود قراءة المذكرة وبينما هو يبحث في الحقائب الموضوعة ولجت الجدة ميلينا.

"دوريان عزيزي انت مستيقظ"

"آه.. نعم؟" لم يعرف هايدن ما يضيف، فهو لم يجرّب شعور أن يكون لهُ جدةٌ من قبل، ولم يعرف كيف يتوجّبُ عليه الحديثُ معها بحكمِ جهله بالعلاقة التي تجمعها مع حفيدها دوريان "مرحبًا جدتي؟" نطقَ يُجرّبُ وقع الكلمة على لسانه.

تبسمت ميلينا بوهن ومسحت على خصل شعره الذهبية بلون القمح وقت الحصاد، أغمضت عينيها لوهلة تخرسُ جائحة ذهنها ثم قالت "لم أصدق خبر عودتك للوهلة الأولى بُني، لدي الكثير مما أود سؤالك عنه لكن أعرف أنه ليس الوقت المناسب لذا سأكتفي بقول. مرحبا بعودتك إلى المنزل يا دوريان"

شعر هايدن حينها بصوتها الذي أصبح يحملُ معهُ ألم السنين "شكرا لك.."

"ها قد عدت الآن إلى ديارك، صدقني سيعجبك المكان هنا وستحبه، ستلبسُ مما نلبسُ وتأكل مما نأكل وتعمل ما نعمل" عددت له الجدة ميلينا "واثقة أنك ستتمثل بطباعنا بسهولة فبالنهاية جذورك ممتدة إلى هنا، إلى هذا المنزل"

أومئ هايدن فلم يكن يملكُ خياراً آخر "بالطبع... سيكون ذلك من دواع سروري لكن هناك معضلة واحدة" عاد أدراجه نحو السرير وتمدد عليه منهكا يفركُ جبينه "مدام ميلينا، هل من الممكن أن اجتاز فقرة اللقاء مع الذين في الخارج؟ إني متعب حقا فقد كان الطريق طويلا وما مررت به هنا لم يكن هينا" تمتم وصوته تخلله الخمول.

"بالطبع يا بُني ولا تنسى إذ احتجت لشيء نادي علينا فحسب، عمتك واختك ستكونان مسرورتان بخدمتك"

اكتفى هايدن بالهمهمة ورفع الغطاء على وجهه كإشارة بأن عليها المغادرة وبعد أن اوصدت الباب خلفها أنزل الغطاء عنه وحدق بسقف الغرفة يفكر..

"بماذا ورطتُ نفسي"




عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz