كم كان يوم ما قبل الزفاف حافلا فالعائلتان كانتا على قدم وساق لاتمام التجهيزات، فأقرباء غارسيا وصلوا للبلدة كذلك أقرباء دي لا سييرفا قد حظروا أيضا، وفي ذلك اليوم فتحت أبواب القصر مستقبلة من أهالي البلدة متطوعين كي يشغلوا دور الخدم بأجور وفيرة...
في دار غارسيا كان صياح الوالدة بالخدم مسموعا، فكل تارة تقف عربة أمام دارهم ويتفضل قريب بالدخول إليهم ومن كثرة عددهم غرفة كارمن لم تعد شخصية فلقد ولجت عمتها مع حقائبها وابنائها الأربع كي تمكث هذا المساء معها.
تنهدت كارمن عندما أيقنت أن لا سبيل للعزلة فما كان منها سوى تقديم يد العون لأسرتها وثوبها الأسود يعلوها في حين ان اختها ووالديها نزعوا الأسود قبل ان تنقضي أيام الحداد...
ومكان كارمن في العمل كان المطبخ، جنبا إلى جنب مع والدة ماريا إذ كانت كارمن تغسل الأواني وتلمع الأكواب على الفور كي يضيفوا بها الأسرة الكبيرة ولم تهدأ وتيرة العمل ابدا بل انما وصل ذروته وقت الغداء وفي وقت العشاء..
لكن كارمن تنفست الصعداء أخيرا عندما خلد الجميع للنوم وبقي لها تلال من الأطباق والأكواب، إذ كانت تجلس على معقد خشبي أمام طشت فيه ماء حامي ومن جانب تدخل الاناء القذر فتخرجه من الجانب الآخر نظيفا.
"أوه، سنيورة كارمن لم تخلدي للنوم بعد؟" تعجبت ماريا حالما ولجت للمطبخ ورأت السنيورة لازالت معتكفة أمام الطشت، تغسل الأواني ووالدتها في الجانب الآخر تقوم بعجن عجين خبز صباح الغد...
"كيف لي النوم وإلقاء هذا الحمل عليكما؟ إني حقا ممتنة للمجهود الذي بذلتماه اليوم، فلقد رفعتما وجوهنا أمام ضيوفنا" شكرتهما كارمن "لكما مني مكافأة ستعجبكما وستمحو التعب"
"هذا كرم منك يا سنيورة" تبسمت الطباخة ريثما تكمل عجن العجين بيدين قوية من حديد "كنت اتمنى لو حضر هذا الكم في زفافك، الآن وبعد ان بات لي فرصة للمقارنة يمكنني القول انك لم تكونِ محظوظة يا سنيورة"
"بعد هذا اليوم الحافل، إني ممتنة أن الضيوف حينها عددهم كان قليلا" قالت كارمن وكلما انزلق كم ثوبها هي رفعته للأعلى "ثم لقد كان موعد الزفاف مفاجئا لذا لم يتمكن الكثير من الحضور"
"أمي! هل هذا حديث يقال في هكذا وقت!" اشتكت ماريا من والدتها.
"لا بأس معي يا ماريا"
"سنيورة كارمن أي نعم هذا شيء لا يقال، لكن كنت سعيدة عندما عدتي للمنزل وها انا الآن سعيدة ان ليلي ستذهب فبصراحة، لست ممنونة بالعمل عندها. انها مدللة تغتنم أي فرصة للصراخ بنا فقط لأنها سنيوريتا الدار"
رفعت الطباخة العجين وعاودت ضربه بالمائدة ثم غطته ليختمر وباشرت بصنع مجموعة أخرى "اخبرتني ماريا بالذي فعلته تلك المدللة البارحة، كيف لها ان تمد يدها على سنيورة اكبر منها، لو كنتِ شديدة معها سنيورة كارمن وعلمتيها مكانتها لما تطاولت عليكِ"
زمت كارمن شفتيها والحزن بدى عليها فلازال قلبها مفطورا من شدة خيبتها.
"لكن ذلك كان متوقعا، فوالداك سمحا لها بكل شيء فظنت نفسها قادرة على التجرأ عليك... كم احقد عليها ستتزوج رغما عن أنف والدها وخسارته الكبيرة"
"أمي انه ليس الوقت المناسب للخوض في هذا"
"دعيني انفس عن غضبي يا فتاة! يكفيني اني ماكثة هنا اليوم بطوله فقط اعد لهم طعاما ليطفحوه! هل تعلمين يا سنيورة هذه أول مرة سأقولها، اتمنى لو يخونها زوجها ويذهب خلف غيرها"
"أمي!"
"دعيه يخونها كي تدركَ خطأها فكيف لها ان تصفع اختها وتقلل من احترام جدتها لاجل تلك العائلة الملعونة!"
احتد الشجار بين الأم وابنتها أما كارمن فلقد كانت مهمومة بسبب اختها وكلما تذكرت انها استمعت لها ووافقت على حديثها المهين للجدة احست بالخزي اكثر..
فلقد ادركت كارمن انها تخلت عن جميع مبادئها كي تري ليلي حبها الخالص لها، ذلك الحب الذي شكك به الجميع هي ارادت اثباته ولو على حساب كرامتها.
وها هي الآن قد خسرت جدتها وخسرت كرامتها.
ومجددا ليلي لها نقطة وكارمن صفر كالعادة...
ليلتهم في المطبخ كانت طويلة ولم ينتهي العمل إلا قبل ساعات الفجر الأخيرة فلقد انهكن ولم يعد بمقدورهن البقاء مستيقظات اكثر...
ولحسن حظهن ان يوم الزفاف قد حل أخيرا فلم يعد هناك حمل ثقيل عليهن إذ سيذهب الجميع وسيظل المنزل فارغا...
وهذا ما حدث تماما، قصد الأهالي قصر الكونت في المساء ومن ظمنهم آل غارسيا الذي كان الفخر يزين وجوههم..
وفي غرفة كارمن كانت ماريا تحكم إغلاق مشد السنيورة بينما كارمن قامت بتعديل دبابيس شعرها.
"سنيورة هل انت متأكدة من ارتداء الأسود في زفاف شقيقتك؟" سألت ماريا، غير متأكدة من قرار كارمن.
"إن حداد آل غارسيا قائم ولو رفضته أسرتي التي تلهث خلف الحسب والنسب" اضافت كارمن الدبوس الاخير.
"سنيورة، من فضلك اطيعيهم كي تكسبي ودهم"
"ماريا، أنا لن أبتغي ود من لا يحترمون قيمي، إن كنت بائسة لرضاهم في يوم، فتلك زلة ولن تتكرر"
لكن حديثهما قوطع بدخول ليلي "أختي العزيزة" تبسمت ليلي لما رأت كارمن ترتدي الأسود "أراكِ تتجهزين لحضور الزفاف"
التفتت كارمن نحو شقيقتها بعد أن فرغت من أرتداء ثوبها "أجل لقد فعلت، هل أعجبك؟" تقدمت كارمن نحو باب غرفتها كي تخرج برفقة ماريا لكن ليلي بقيت واقفة في وجهها تمنعها.
انتقلت كارمن ببصرها نحو عيني شقيقتها التي كانت ترمقها بتعالي "ألن تدعيني أمر، سنيوريتا ليلي؟"
"لن أفعل يا سنيورة فانت لستِ مدعوة وهذه هي رغبة الكونتيسة"
"رغبة الكونتيسة؟ أم رغبتك انتِ يا اختي؟"
"لتعلمي أنها رغبتنا جميعا والآن أنا ذاهبة لبيت زوجي فالوداع يا اختي العزيزة، آمل ألا نتقابل مجددا"
قبلت ليلي وجنة كارمن ثم نزلت السلالم ورافقت والدتها ومربيتها اللتان كانتا ينتظرانها في الأسفل.
سمعت كارمن صوت باب المنزل وهو يوصد لتوقن أنهم ذهبوا ولم يبقى أحد سواها في المنزل فقالت والجمود بادي على ملامحها "ماريا، انتِ عليك فكُ المشد الآن فكما ترين لم يعد هناك زفاف نذهب إليه"
"ح.. حاضر سنيورة" اقتربت ماريا وفكت عنها رباط قطعة ثوبها العلوية لتكشف عن المشد وتباشر بحل عقده..
"ماريا"
"نعم سنيورة؟"
"ما بالكِ تذرفين الدموع؟"
رفعت ماريا بصرها لكارمن بعينان فائضة بالدموع توشك على البكاء، فما حدث بين الاختين لشيء يفلق الحجر لنصفين من شدة ألمه.
"سنيورة كارمن، ما بالكِ انتِ لا تذرفين الدموع؟"
"دموعي كلها جفت في يوم رحيل زوجي... حالما تنتهين احضري عدة التطريز كي انهي ذلك الوشاح"
"هل ستعملين على تلك الهدية حقا؟"
"أجل وأنوي ارساله لها حالما انتهي"
تبسمت كارمن والخوف انتاب ماريا، لكن لم يكن بوسعها شيء سوى تنفيذ الأوامر وحالما فرغت من مساعدة كارمن في نزع ثوبها، هي لحقت بها بعدة التطريز نحو شرفة الحديقة..
أما عن قصر دي لا سييرفا، انشغلت الأسرة بإحياء الأمسية وحينما وصلت ليلي، اخذتها الكونتيسة للغرفة التي ستكون ملكا لها وحالما وقع بصر الشابة على الفراش، هي تبسمت بحياء فأخيرا سيختلي بها رامون داخل هذه الجدران الأربعة، وستكون زوجته المصونة أمام الجميع..
فهو سيهبها لقب الكونتيسة باللحظة التي سيفرق بين ساقيها على هذا الفراش..
خلصها الخدم من ثيابها على الفور وألبسوها ثوبها الأبيض أخيرا أمام ناظري والدتها التي اغرقت عيناها بالدموع وقالت "آه ليليان، كم أنا مسرورة بك... ها قد كبرتي، كم يؤلمني أني سأعود للمنزل الليلة بدونك"
"أمي، من فضلك لا تقولي هذا، ستجعليني أبكي أيضا" اغرقت عينا ليلي بالدموع هي الأخرى لكنها لم تكن دموع حزن إنما دموع فرحة فها هي ستحقق مبتغاها أخيرا.
"يا ترى كيف سيكون وجه رامون عندما يراني؟"
"سيكون مفتونا بهذا الجمال يا بنيتي"
"وأنا متأكدة من ذلك"
أيدتهما الكونتيسة وارتشفت من النبيذ الذي سكبته الخادمة لها وتخمينهن لم يكن في محله، إذ كان رداء رامون الاصفر المزين بالأحمر بات لعبة بين افواه كلابه الأربعة، وباقي ثياب زفافه مزقها رامون لأشلاء، مستعينا بسيفه المفضل، فماذا عساه يفعل وقد انتهى به الأمر حبيسا في غرفته.
"سنيور رامون، يا سنيور رامون!" نداء مانويل من خلف الباب جذب اهتمامه فركض مسرعا والتصق بالباب يوبخ مساعده.
"لما لا ترفع صوتك اكثر كي يأتي أبي يا مانويل؟"
"سامحني يا سنيور"
"إذا تحدث، هل حضرت؟"
"يؤسفني قول ذلك يا سنيور لكن شقيقك منعني عن تنفيذ ما طلبته مني إذ وكلني بمهمة البحث عن خاتمه" فرك مانويل يديه ببعضها.
"ما الذي تتفوه به يا مانويل! دفعت لك من المال الكثير فقط لتخبرني عن قدوم كارمن!"
"قلت الشيء ذاته للسنيور الصغير لكنه دفع مبلغا يفوق ما دفعته قائلا أن خاتمه أهم"
"آه منك يا مانويل!" ضرب رامون على الباب بقهر ثم هدده أنه إذ لم يذهب ويسأل عن مجيئها فسوف يجلسه على أرفع سيف من سيوفه ويحرص على اخراجه من حلقه.
انتاب الرعب مانويل وهذه المرة نفذ ما أمره رامون به لكن مع بعض التأخير فلقد توقف مرة عند مائدة الطعام ثم توقف مرة متغزلا بامرأة جميلة لمحها في طريقه.
وفي النهاية قصد أخيرا غرفة السنيور وأبلغه بعدم حضورها فعزم على الذهاب لرؤيتها بنفسه، خوفا عليها من بطش والدها، فلربما قام بتعنيفها مجددا.
التقط رامون قبعته السوداء ذات الريشة ودس سيفه في غمده وعندما فتح نافذته وهم بالوصول لفرع الشجرة نادى عليه مانويل يسأل عنه "سنيور؟ يا سنيور أين اختفى صوتك لما تجيب؟ سنيور؟"
اختلس مانويل النظر عبر ثقب قفل الباب وصعق من رؤيته لغرفة السنيور فارغة وستائر النافذة تتراقص مع النسيم "سحقا.."
صعق مانويل وبقي واقفا بعجز في مكانه فلم يخيل له أن سنيور رامون سيفر هاربا من حبسه وتجرع حلقه فما هو بمجيب للكونت إن سأله عن ابنه، لذا وبحكمة هو قرر أن يختفي أيضا قبل أن يطير رأسه.
وفي طريقه تأكد أن يدعو على سينيور رامون دعوة مظلوم فإذا بالسنيور يتعثر خلال سيره داخل الاسطبل.
فتح الباب لفرسه العزيز مستخرجا إياه وعلى الفور امتطاه واكمل فراره من الجهة الصعبة، إذ اجتاز المزرعة نحو اطراف المدينة ومن هناك قصد في وجهته دار غارسيا.
حث رامون فرسه على الاسراع وفي رأسه مخاوف كثيرة ولم تتوقف ابدا حتى مع وصوله لبابهم. قفز رامون من على فرسه وضرب على الباب مناديا بصوت جهوري أرعب سكان المنزل..
اذ انتفضت ماريا وكارمن في مكانهن "من الطارق في هذا الوقت من الليل؟"
"سأذهب لأرى من يا سنيورة وسأبلغك بالخبر" نهضت ماريا وقصدت باب الدار لتعلم من الطارق وتطرده، لكن الحال انتهى بها وهي متمسكة بثيابه تناضل لايقافه "حضرة السنيور توقف! لا يمكنك الدخول عنوة هكذا!"
"كارمن!"
نادى رامون عليها وكارمن من صدمتها بحضوره هي اقتربت من مدخل الحديقة فإذا بها تجد رامون داخل منزلها يبحث عنها "رامون!"
"سامحيني سنيورة، حاولت ايقافه"
"كارمن، انت سالمة معافاة! لم يمسكِ والدكِ بسوء أليس كذلك؟" تقدم رامون نحوها مفلتا من يدي ماريا بسهولة فتنهدت كارمن واشارت لماريا ان تذهب وتأذن لهما بالحديث على انفراد في غرفة المعيشة.
اومئت ماريا بطاعة واوصدت الباب خلفها لكن والدتها ظهرت امامها والصقت اذنها بالباب كي تستمع ما يدور بينهما من حوار فأخيرا هناك بعض الإثارة في هذا المنزل..
"انت فقدت صوابك بقدومك لهنا! زفافك مع اختي يقام في هذه اللحظة فهل انت مدرك فعلتك!"
"عندما علمتُ بامتناعك عن الحضور خشيت عليك فأتيت لكِ مسرعا!"
"ما كان عليك ذلك وإن اصابني مكروه فلست بحاجة إليك يا عديم المبدأ!"
"انا عديم المبدأ؟!"
"وبوجهين أيضا! بئسا لي لدفاعي عنك في يوم فانت لا تستحق! محتال دنيء!" صاحت به ورامون على الفور احتقن وجهه بخزي، لظنه أنها كشفت أمر لعبته السخيفة مع الرجال.
"أنا آسف لم اقصد إرسالهم لدارك... ما كان علي الاتفاق معهم من الاساس"
"ما الذي تتحدث عنه؟! من ارسلت الى داري؟!"
"انتظري.. عن أي موضوع نتحدث إذا؟"
"عن غلطتك مع اختي!" بكلا يديها انهالت عليه، وامسكت ياقته محكمة قبضتها "كيف لك ان تفعل فعلتك الحقيرة معها وتورطها هاه! ألم اخبرك انها لا تريدك ولا ترغب بك! بل وبكل بجاحة تمر علي لاحقا وتسمعني بعض الكلام المعسول وتحاول تقبيلي!"
رفع رامون كلا يديه وقال بلا حول ولا قوة أمام جنونها "لا افهم حرفا مما تقولين، ماذا فعلت باختك وعن أي غلطة تتحدثين!"
"عن غلطتك معها في الاسطبل! هذا ما اتحدث عنه فكف عن التظاهر بالبرائة"
"آه... عن هذا تتحدثين، اسمعي انا آسف عما فعلتُ بها حسنا؟ ما كنتُ ادري أنها طفلة بكائة ستذهب وتشتكي لاختها على الفور"
اتسعت عينا كارمن من شدة صدمتها ودفعته فوقع على الأريكة ودون اظهار اي رحمة هي ضربته "اقسم انك وغد! لا بل حقير! انا سأريق دمك بيدي هاتين!"
"أنا آسف! أقسم لك بكل ما هو عزيز أني آسف!"
"وما أنا فاعلة بأسفك عندما ستحمل اختي بطفلك!" صاحت به وبكلا يديها اعتصرت على عنقه تخنقه "لن تخرج من هنا حيا ابدا ايها الحقير! سادفنك بيدي هاتين وسادع الكلام تتبول على قبرك!"
احمر رامون من تجمع الدم في وجهه وقد كان يجاهد للحصول على الهواء فتلك الأرملة المجنونة صعدت عليه بل والتقطت وسادة وهمت بخنقه بها تود قتله.
ضرب على ذراعها يستوقفها وبشق الأنفس خلص رأسه من تحت الوسادة وقال "طفل؟ بماذا تهذين يا كارمن لم اكن اعرف ان المرأة عندما تسقط من على ظهر الفرس تحمل بطفل!"
"ماذا؟!"
لهث رامون أنفاسه وتوسلها أن ترحمه من هذا الجنون الذي هي به "أنا آسف أني اوقعت اختك من على ظهر الفرس متعمدا، لكن اظمن لك انها لن تحمل بطفل ابدا من هكذا حادث"
"ما الذي تتفوه به! هل تسخر مني!"
"بالطبع ساسخر منك! آه منكن يا معشر النساء وصل بكن الحال ان تحملن بطفل لمجرد السقوط من على ظهر فرس! اخبريني ما التالي؟ تعرفن جنسه إذا رفسكن ثور؟"
اتكئ رامون على مرفقيه، مسندا جسده ليعتدل قليلا من استلقائه وكان له قدم على الأرض وأخرى على الأريكة، بينما كارمن تجلس عليه والحيرة تملكتها، تنهد رامون بقلة حيلة وحاول تنوير بصيرتها اكثر "اتحدث عن حادثة الاسطبل التي توبخيني لأجلها، فلقد امتطيت الفرس مع اختك، كانت تثرثر كثيرا فوكزت الفرس كي يسرع ويخيفها ولم اعلم حينها انها ستسقط من عليه... أليس هذا ما نتحدث عنه؟"
رف جفنا كارمن ومال رأسها للجانب تحاول استيعاب ما يقول، فكيف عساه يحكي لها عن حادث تافه كهذا وهي تخبره انه خدع اختها الحمقاء وولج بين ساقيها.
"رامون، هل نحن حقا نتحدث عن الشيء ذاته؟"
"اخبريني انتِ اولا ما الذي تتحدثين عنه وأعدك انني لن أخيب أملك"
"كنتُ اتحدث عن خداعك ليلي وكيف قمت بتدنيس طهارتها بنجاستك تلك ولطخت شرفها منتهكا عفتها في تلك النزهة، ثم ببجاحة اتيت لي وخدعتني ببعض من كلامك المعسول"
"هل تصدقين، للتو علمتُ اني فعلتُ كل هذا منك. شكرا لك لتنوير بصيرتي واطلاعي بمدى الشر الذي وصلت إليه... هل فقدتي صوابك! رباه! يا كارمن انطقي حالا هل انت اختبار لصبري!"
افزعها بصياحه عليها وامسك بكلا ذراعيها يعتصر عليهما "بئسا لي وللساني الذي قرر الافصاح لك عن رغبته بك! ستجعليني اندم اني قلت لك يا ليتني كنت زوجك! مرة في المئة عام قررت ان انطق فتلفق علي تهمة ملعونة"
"ولما قد اصدقك واكذب اختي! بالتأكيد ستكذب كي تفر بجلدك من جريمتك" تخلصت من يديه على ذراعيها ونهضت من عليه.
"انا حقا لست مدركا بعد كيف اني اتيت خائفا عليك من بطش والدك ثم انتهى بي الحال خائف على نفسي من شركِ" سأل رامون نفسه بحيرة، لا يدري كيف يقنعها انه مظلوم تم الافتراء عليه.
"اسمعيني يا كارمن، انا لم اضع يدي على اختك أبدا ولا أنوي ذلك إنما لي نية بوضع يدي عليك"
رمقته من زاوية عينها فقال "إني صادق بهذا... آه منكِ اقسم اني تعبت! اسمعيني يا امرأة فلقد سئمت وعلى ما يبدوا فالأمر سوف يطول ولن ينتهي، وصبري ليس طويلا مثلكن!"
"ألم أسئلكِ في يوم مولد اختك إن كنتِ ستحضرين واخبرتكِ أن لك مني مفاجأة؟ لقد كنتُ أنوي طلبَ يدكِ انتِ لا اختكِ لكن أبي من دون علمي ذهب وقال اسم اختك لوالدك لا اسمك انتِ"
رفعت كارمن كلا حاجبيها وتخصرت تهز قدمها فدحرج رامون عينيه وفي داخله تبسم فها هي الشمطاء داخلها ستخرج للعلن..
"لما لم تخبرني أنه سوء فهم إذا عندما ذهبت إليك في نهار اليوم التالي أدعوك أن توقف الزفاف؟"
زم رامون شفتيه وأشاح بصره عنها واصابعه دسها في شعره يعبث به "أردتُ رؤيتك وانتِ تغارين علي"
"ماذا؟!" رفعت صوتها عليه فرفع صوته هو الآخر "أردتُ رؤيتك وانتِ تغارين علي حسنا! ما ذنبي إن اغوتني رغبتي برؤيتك وانتِ تدفعين بي بعيدا عن اختك كي تستخلصيني لنفسك!"
"استخلصك لنفسي؟" اكتفت كارمن بهز رأسها ثم قصدت إبريق الماء وسكبت لنفسها كي تشرب وتبل ريقها الذي جف أمام ناظر رامون الذي انتظرها ان تنطق بشيء.
فصراخها أهون من صمتها...
جلست على كرسي الأريكة قرب المدفأة حيث النار التهمت الحطب بنهم ولم تفعل شيئا سوى مراقبة النار واراحة رأسها على كف يدها.
"كارمن... يا كارمن" نادى عليها بصوت هادئ منخفض الوتيرة، وفي ندائه نطق اسمها، كصبي يترجى أمه ان تنظر إليه.
"ممم؟" اكتفت بالهمهمة ثم انتقلت بعينيها إليه وقد رأى هالات التعب متجلية على وجهها المنهك، فلقد كانت كارمن على غير عادتها في استقبال ضيوفها، ترتدي ثوب نومها وشعرها الداكن منسدل وقد وصل لمنتصف ظهرها.
"ألن تقولي شيئا؟"
"ماذا تريدني أن اقول؟" فركت جبينها بانهاك.
"لقد اخبرتك بحقيقة حادثة الاسطبل وقلتُ لكِ اني قصدت دارك لطلب يدك لا اختك فهل حقا لن تقولي شيئا؟"
"لم يعد هناك فائدة من الحديث يا رامون" ابلغته بتعب واراحت ظهرها على الكرسي، انتقلت ببصرها للهيب المدفأة وعيناها التي كانت تشع بالغضب باتت باهتة من حزنها "يتوجب عليكَ الرحيل فهناك زفافٌ ينتظرك"
"ألم اخبركِ توا أني لا أريد اختكِ إنما أريدك انتِ!" اقترب من الكرسي ومن شدة عاطفته الضعيفة تجاهها هو جثى راكعا واعتصر على يدها يستحلفها ان تفكر بعقلها "كارمن، ماذا عساي افعل اكثر من هذا، اخبريني... لربما غفلت عن شيئ... لربما تريدين شيئا آخر كي تقتنعي بما أقول!"
"وإن فعلت مئة شيء لترضيني، لن انظر اليك بعد ان اصبحت زوجا لأختي... فلقد فات الأوان يا رامون"


اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة