تهديد كارمن كان واضحا والمهلة التي أعطته ليفكر كانت ثلاث أيام، وجب عليه فيها التصرف وإيقاف كل شيء قبل أن يتخذ منحنى رسمي، إلا أن رامون لم يفعل فأنتهى به الأمر يراقص ليلي أمام أعين الضيوف في الهواء الطلق.
إذ أن حفلة الخطوبة أقيمت في حديقة قصر الكونت وعلى شرف رامون، أعدت وليمة أسرت الحضور ولم يكن ليليق بهم أقل من ذلك، فجميع أقربائه كانوا من ذوي الدماء النبيلة.
"رباه، دموعكِ هذه بللت ثوبي فهلا توقفت، من يراكِ يقول أني أعذبك لا أراقصك" همس رامون لخطيبته ليلي يوبخها والأخرى لم تكن قادرة على تمالك دموعها لذا دست وجهها في كتفه، والحضور اعتبره تعبيرا لطيفا عن الحب بينهما، فلقد شاع خبر الطفولة التي جمعت الاثنين والسنيور غارسيا كان فخورا بذلك.
فلقد أخبر الجميع أنه لمح في عيني رامون بريقا منذ الصغر، إذ كان دوما ما يبحث عن ليلي للعب معها وهذا في الواقع كذب وتدليس فرامون لم يبحث عنها للعب إنما بحث عنها لتطبيق حيله ومكائده المريضة عليها.
"إرحميني يا امرأة"
تنهد رامون بملل منها ثم انتقل ببصره لكارمن، التي كانت تجلس إلى جوار جدتها، لا تفعل شيئا سوى أكل ما يوجد أمامها وقد أنهت كعكة كاملة بنفسها، فتناول الطعام كان النشاط الوحيد المسوح لها بفعله إذ حذرها والدها من التحرك انشا واحدا من جوار الجدة.
"لنتوقف هنا فلم يعد لدي أي مزاج للتعامل معك"
أوقف رامون الرقصة وحررها أخيرا. همت ليلي بالذهاب الى عشيقها ميغيل الجالس، الجالس يراقبها بلا حول ولا قوة، لكن الضيوف لم يدعوا لها فرصة إنما أخذوها للحديث والدردشة عن زوجها المستقبلي.
فرامون كان مادة جيدة للنميمة حوله، فأين سيجتمع الوجه الحسن مع الخلق الدنيء؟ لقد كان حالة نادرة لا تحدث إلا مرة في العمر.
"على رسلك فلم يتبقى للضيوف طعام"
مر رامون قرب كرسي كارمن وهمس قرب اذنها بصوت لن يسمعه غيرها ثم تظاهر بأخذ طبق وأشار لها أن تلحق به. ألقت كارمن نظرة لجدتها وعرضت عليها ان تضع لها في طبقها من الطعام المزيد، فلما وافقت الجدة أخذت كارمن طبقها وذهبت لتقف إلى جوار رامون الذي تظاهر بمليء صحنه وقال "آمل أن الكعك أعجبكِ"
"هل ناديتني لقول هذا؟"
"ألم تنهيه كاملا؟ انتِ أولى بهذا السؤال"
"إن كنتَ غير راضيا فأجعلهم يعدون في المرة القادمة المزيد"
دحرج رامون عينيه وتنهد مغتاضا من إدعائها السذاجة فعرض عليها اقتراحا طائشا "اسمعي، ما رأيك لو نرقص لكن ليس هنا انما في مكان آخر لن يرانا فيه أحد"
ارتفع حاجبا كارمن من طلبه هذا ووضعت في صحن جدتها بعضا من الطعام "بل ما رأيك لو أنهي على حياتك في هذه اللحظة؟ لقد استهلكت ما يكفي من الهواء حتى يومنا هذا، تراقص اختي ثم تطلب مني الرقص؟"
"ماذا عساي أفعل إن كانت اختك حرمتني لذة الرقص؟ لم تتوقف عن النواح"
"رامون، انك تحفر قبركَ بيديك فهل تدرك ذلك؟"
"لازلت غاضبة مني بسبب عدم إلغاء الخطوبة؟ ماذا عساي أفعل وأبي من قرر"
"أراك رجلا مطيعا تخاف عصيان والدك، هل تحاول خداعي أم ماذا؟"
"لما تظنين أني لا اخشاه؟"
انتقلت ببصرها له فوجدته يحدق بها وكم كان ثوبه الأصفر متناسقا مع عينيه ذات الخضرة. أرادت كارمن تكذيبه لكن الماكث أمامها هي تعرفه وتعرف كم هو خائب لا يجيد الكذب..
تنهدت بقلة حيلة من عجزه عن اقناع والده ورامون في داخله تفاءل فها هي تريه تعابير أخرى غير الغضب.
رأى في عينيها التفهم ولأن الجميع حاضر هي واسته بأن وكزت مرفقها بمرفقه فتبسم رامون ومن تحت الطاولة بعيدا عن انظار الجميع هو ضرب قدمه بخاصتها..
"كارمن، بما أننا على وافق لأول مرة منذ طويلة فأجيبِ سؤالي ولا تراوغي، لما ترفضين زواجي من اختك" خرج صوت رامون هذه المرة مختلفا، لا خبث فيه ولا مكيدة إنما صوت هادئ أجش قادر على جعل أذان النساء تذوب.
"ليلي لا تريدك" اجابته هي الأخرى بوتيرة هادئة لا غل فيها ولا غضب، مما جعل رامون يتمادى بأن التفت نحوها بكامل بدنه يناقشها.
"لا اسألك عن رغبتها إنما رغبتك انت يا كارمن"
"إن رغبتي هي رغبتها يا رامون" انزلت بصرها للطبق بين يديها.
"هذا فقط؟ هذا هو جوابكِ؟" اعترض رامون لا يخيل له أن هذا هو سببها فحسب.
"أجل، ولما عساي أرغب بشيء غير ذلك" اجابته مقتبسة طريقته السابقة في حديثه حول أبيه.
"لما تحبين جعل الأمور أصعب... آه من هذا المكان المزدحم، لا استطيع رفع صوتي حتى ولا محادثتك بحرية كما يحلو لي" اشتكى رامون ونفس عن غضبه بان التفت ببدنه عنها للناحية الأخرى.
أراد استكمال النقاش لكن اخاه قاطعه وهمس قرب أذنه أن والده يستدعيه فما كان لرامون فعل شيء سوى تنفيذ رغبة والده.
حدقت كارمن برامون وهو يسير مبتعدا الى جوار أخيه، تعجبت حينها من سرعة الوقت وهو يمضي فرامون ذاك الذي كان اقصر قامة واقل حيلة منها أمسى شخصا يفوقها طولا وحيلة.
لكن ما جعلها تصاب بالذهول هي حقيقة انها قد حضرت حفل خطوبة يجمع ذلك الصبي الشقي بإختها الصغيرة..
لتدرك حينها ان العمر تقدم بها حقا، فأغلب الضيوف من اصحاب رامون وليلي صنع أسرة واطفالا وكارمن تعرفهم جميعا وتكبرهم سنا...
لأول مرة تنهدت كارمن بحسرة على نفسها فعاودت التحديق بظهر رامون وهو يسير مبتعدا للمرة الأخيرة وتعجبت عندما استدار برأسه يلقي عليها نظرة هو الآخر.
اشاحت كارمن ببصرها عنه وعادت ادراجها لتجلس الى جوار جدتها، قبل ان تنطق بعذر يتستر على تأخرها غافلتها والدتها ان اتت فجأة وقرصتها بعيدا عن أنظار الجميع.
"اخبريني حالا، ما حاجة ابن الكونت، لما حادثك طويلا هكذا"
"لا حاجة له عندي" اجابتها كارمن باختصار.
"كيف لا حاجة له عندك وهو كان ينظر إلى فمكِ كلما نطقتِ بشيء"
اتسعت عينا كارمن من شدة صدمتها لكنها تداركت الأمر وقالت "امي لا اعلم بالذي تتحدثين عنه"
"اسمعي يا كارمن، هذا الرجل سيكون زوج أختك فتأدبي معه بل ولا تقتربي منه، لا ينقصنا مصيبة أخرى هل فهمتي؟"
"فهمت" اكتفت كارمن بقول ذلك وحالما انصرفت والدتها من جوارها قربت كأسها لجدتها "حتى الرمق الأخير من فضلك"
"رباه، لما أحضرونا لو تركونا في المنزل، على الأقل كنت سأغط في نوم عميق أفضل من مشاهدة الخطوبة المملة هذه"
سكبت الجدة لحفيدتها ثم رفعت الزجاجة لفمها تتجرع ما فيها، علها تفقد وعيها وينقضي الوقت أو لربما تموت، لكنها أقلعت عن فكرة الموت لما لمحت هيئة كارمن الحزينة وبحثت عن يدها كي تربت عليها.
"كم تمنيت لو كانت انتِ يا كارمن، متى سأشهد زواجك؟ أخشى الموت قبل أن أرى فرحتك"
"فرحتي؟ فرحتي ولت وانقضت منذ زمن بعيد" قالت كارمن بيأس واراحت وجنتها على كف يدها.
"يا بنيتي، الذي ذهب قد ذهب ومن بقي عليه اكمال طريقه... انظري لنفسكِ لازلت زهرة فاتنة في ريعان شبابها. ها هي اختك سوف تذهب ومن بعدها والداك... ثقي بي فالوحدة موحشة ولولا العائلة التي صنعتها مع جدك لشربت سما وانهيت حياتي"
"جدتي؟ ... "
"لا أقول هذا لتشفقي علي، فلم يعد هناك ما يستدعي الشفقة... إني مجرد عجوز لم يتبقى من عمرها الكثير لكن أقول هذا كي تنتهزي الفرصة وتنقذي نفسك من الموت وحيدة... آسفة لقول هذا لكن لن يتبقى لك أحد ليعتني بكِ في كبركِ إن بقيتي على هذا الحال. لذا كفي عن صنع العداوات يا ابنتي وابحثي عن الرفقة" اخذت الجدة يد كارمن تقبلها ففزعت الأخرى وغطت يدها كي لا تفعل ذلك.
"جدتي لا"
"كارمن، لا تسلكي الطريق الذي سلكته من قبلك... عديني أنكِ ستكفين عن اغضاب والديك وإذا قصد دارنا رجل يطلب يدكِ أعطيه فرصة ولا ترديه"
امتنعت كارمن عن الرد لكن مع اصرار جدتها هي توجب عليها ان تعدها ولو كانت مكرهة.
تجرعت كارمن ما في كأسها، تردع نفسها عن الوقوع فريسة لعواطف عديمة الفائدة ولما انتهت الأمسية وأراحت رأسها على الوسادة إلى جوار جدتها هي عجزت عن النوم.
فكيف لها أن تنام وعيناها لا تكف عن تأمل تجاعيد جدتها والتفكير بالحديث الذي بدأته هذا المساء، فجدتها في العادة لا تفتح موضوع الزواج وإن أبدت رأيها، فدوما ما تحذر الجميع منه مدعية أنه شطر من الجحيم لكنها ولأول مرة توصيها بهذا...
هي فكرت لوهلة أن جدتها قالت ما قالته كي تتجنب مشاكلها مع أسرتها ولا تتخلف عن باقي أقرانها إلا أن الصدق في عيني جدتها أرعبها..
فلقد ذاقت كارمن من الوحدة، الشيء المرير في قعر دارها ثم كان كارلوس ملاذها، إلا أن الآخر لما رحل وتركها، هي عادت لوحدتها المعتمة ولم تجد النور إلا في ليليان، لكن ها هي الأخرى موعد رحيلها سيقترب فمن سيتبقى لها؟ ومع من ستقضي أيامها عندما يشيب شعرها وتتساقط أسنانها...
نهضت كارمن من سرير جدتها وقصدت غرفتها، فتحت خزانتها والتقطت قميصا لكارلوس. هي ضمته لصدرها بيد وبيدها الأخرى قربت كمه لوجنتها مشتاقة ليده الدافئة.
لكن تلك اليد الدافئة لم تشعر بها وتلك الثياب بقيت ثيابا لا جسد يرتديها.
"انتَ لن تعود وأنا سأستمر في التقدم بالعمر وحدي" همست وصوتها انكسر في نهاية جملتها.
تلك الكلمة -وحدي- سرقت منها راحتها ففي نهاية كل يوم بعد أن يخلد الجميع لأسرتهم ويغطون في نوم عميق هي تتذكر حقيقة وحدتها الموحشة.
وهذا الشعور كان يراودها منذ الطفولة في الحقيقة ولم تنجو منه إلا بعد لقائها بكارلوس، فلقد تحررت منه خمس سنوات متتالية وبعد أن رحل زوجها عاودت تلك الهواجس مهاجمتها تحرمها من لذة الحياة.
سارت كارمن نحو نافذتها جاعلة من ساعات الليل مسودة كي تراجع فيها قرارات حياتها، وهناك غيرها أيضا من جعل من هذه الليلة مسودة للمراجعة، فتلك العصبة من رجال البلدة قد اجتمعوا مجددا في طاولتهم المعتادة داخل الحانة وعلى رأسهم كان ميغيل..
ظن ميغيل أنه سيتمكن من جعل نفسه ينسى هيئة عشيقته وهي تراقص رامون إلا أن رامون انظم إليهم وجلس إلى جوار ميغيل رغما عنه مجددا "لا تنسوا اتفاقنا، بعد ثلاث اسابيع من الان سيدق احدكم باب دار غارسيا مجددا"
"رامون؟ ما بك اتيت أليس من المفترض أنك متعب بعد تلك الأمسية"
"لا داعي لتأجيل اجتماعي بكم بسبب حفل خطوبة"
"إن كان هذا رأيك، باولو من وقع عليه الاختيار وهو من سيذهب"
"هي ستطرده على الفور، إن استمررنا على هذا الحال فلن ننجز شيئا على الإطلاق... علينا التفكير أولا" قال رامون والضيق تملكه فالوقت يمر ويداه لازالت خاوية.
"وبماذا نفكر؟" سأل احدهم.
"علينا التفكير بذوق كارمن في الرجال أولا" اجابه مانويل.
"كارمن لها ذوق في الرجال؟ هي لها ذوق في الثيران فحسب" سخر رامون وعاد بظهره للخلف.
"لو لم يكن لها ذوق بالرجال لما تزوجت، هي أرملة ليست بعزباء إن كنتم نسيتم ذلك"
"لقد أجبرت على ذلك الزواج" قال رامون واثقا من معلوماته.
"راجع معلوماتك يا ابن العمدة، فكارمن كانت شديدة الولع بزوجها" قال ميغيل ثم تجرع من شرابه الكثير.
"إنها لمزحة سخيفة"
"إنها ليست بمزحة يا سنيور، ثم هل تشكك بي وأنا أكون ابن عمها؟ دعني أنور بصيرتك اكثر واحكي لك عن الحب الذي جمعهما أربع سنوات سرا، فهما كانا يتقابلان دون علم أحد ولما كشف عمي أمرهما تزوج بها الاستاذ"
لجم لسان رامون حينها ونبش في ذكرياته عن وقت كان الحب باديا على كارمن إلا أنه لم يجد شيئا فهما إن اجتمعا كان الشجار ثالثهما..
"إن احبت زوجها كما تزعم يا ميغيل إذا فنحن قادرون على خداعها، لكن ما الذي امتلكه زوجها ولم نمتلكه نحن؟" ابتهج باولو فها هو على مقربة من ايجاد طريقة تجعله يربح ويظفر بالعملات الذهبية.
تجرع ميغيل الكثير من الشراب ثم مسح فمه بكمه قائلا "السر ليس في الاستاذ إنما في كارمن، لقد كانت يائسة مستميتة للحب منذ الصغر وكان ذلك باديا عليها فلقد كانت تسرق ألعاب اختها وأيضا تحاول سرقة أصدقائها إلا أنها فشلت في ذلك فما كان منها سوى سرقة استاذ ليلي"
أفشى ميغيل أسرار العائلة بسبب افراطه في الشرب "اظن اني اعرف الحل، ليلعب احدكم معها دور العاشق الولهان وليخبرها انها اجمل من اختها"
"توقف عن الهراء يا ميغيل" قاطعه رامون وغضبه اشتد..
"إني اخبركم بالحل، صدقوني هي مجرد حمقاء، ذات حقد وغيرة شديدة... ان قال لها احدكم انها اجمل من اختها فستنزل جاثية وستلعق جزمتي..."
لم يكمل ميغيل جملته فلقد ثار عليه رامون وابرحه ضربا مفسدا عليهم اجتماعهم.
وبعد ثلاث أسابيع، إدعى باولو ولعه الشديد بكارمن فدق باب بيتها مرات عدة وظهر لها في السوق، مختلقا صدفا كاذبة وفي كل مرة التقيا فيها أسمعها كلاما حلوا قد كتبه في كف يده.
كانت ليلي من المشجعين والخادمة ماريا لم تجد سببا كي ترفض حث كارمن على القبول به، وفي النهاية بعد ملاحقة دامت اسبوعين ونصف اسبوع، توقفت كارمن مكتوفة اليدين في شارع البلدة، حيث باولو كان جاثيا على ركبته امامها وفي يده وردة حمراء يدعوها للخروج معه في نزهة.
"انت لن تمل أليس كذلك؟"
"وهل العاقل قادر على أن يمل منكِ؟"
"حسنا، انهض على قدميك يا سنيور حالا"
"سأنهض إن وافقتي فقط يا سنيورتي الحلوة"
"أنا موافقة فانهض ولا تغضبني اكثر"
"هل حقا ما تقولين؟!"
"اجل والان انهض حالا!"
"اه يا سنيورة كارمن! إني غير قادر على وصف سعادتي، اخبريني ما الذي دفعك للموافقة؟ هل وقعتي في غرامي؟"
"كف عن كونك دبقا ولا لست واقعة لك إنما لدي اسبابي الخاصة"
"فقط؟! ألم تقل كارمن شيئا آخر؟!" هتف الرجال ومنهم من ضرب على المائدة متعجبا، فكارمن قد وافقت أخيرا على أحدهم.
"لا... إني نفسي متعجب لكن رباه اخيرا! فلقد تعبت.. زوجتي لم احاول جاهدا هكذا لمراضاتها في حياتي والان ما رأيك يا سنيور رامون هل استحق الجائزة؟ .... سنيور رامون هل انت منصت؟"
انتقل الرجال ببصرهم لرامون الذي كان جالسا بل مفترشا على الكرسي الخشبي، قدمه الملقية على ركبته يهزها دون توقف، ولأول مرة شاهدوه وهو يقضم اظفره من شدة غيضه، فكيف لكارمن ان توافق على الخروج مع باولو في موعد بعد اسبوعين فحسب!
"قل لي يا باولو هل كانت كارمن محمومة؟" سأله رامون غير قادر على التصديق.
"لا، إنما كانت في صحة جيدة"
"إذا قل، هل بدى عليها آثار التعذيب؟" كرر رامون السؤال.
"على الاطلاق" هز باولو رأسه لا يفهم سبب إلحاح رامون بالسؤال.
"اذا كيف لها ان توافق على الخروج معك!"
"لربما اعجبت بي، هل تتخيلون كارمن تلك التي كانت تخيف الجميع في النهاية وافقت على الخروج معي"
"مستحيل، لابد أن شيئا اصابها!" هتف رامون مغتاظا.
"يا سنيور، باولو بعظمة لسانه قال أنها كانت بصحة جيدة" تدخل مانويل ينوي فض النزاع.
"دعوه، لابد انه لم يتجاوز الصدمة بعد فتلك الشرسة التي جعلته يتبول في سرواله ستخرج في موعد غرامي غدا" سخر احدهم وقد كان من العصبة التي رافقها رامون في صباه.
"ذلك الصبي لم يكن أنا! هل فهمت ام تريد مني ضربك حتى تفهم؟!"
"تمهل، على رسلك يا سنيور انها مجرد لعبة فلما الغضب!"
نهض رامون من مكانه غاضبا وسار ذهابا وإيابا في الحانة ثم التفت إلى باولو قائلا "غدا انت لن تذهب بها للبساتين عند البئر القديم!"
"ماذا؟! وأين عساي اذهب! ثم ألا تفهم أني اخترت ذلك المكان كمكافئة، فعلى الأقل سأرفع تنورتها وادخل بين ساقيها، لم أفلق ظهري والهث خلفها كالكلب لينتهي بي الامر امسك بيدها فحسب"
"اضبط لسانك قبل ان اقتلعه! لقد قلت لك انك لن تذهب بها لهناك وحذرتكم من ان تلمسوا شعرة واحدة من رأسها!" بحث رامون عن تبرير مقنع لما رأى النظرة المنزعجة على وجوه الرجال وقال "إنها اخت خطيبتي الآن وأي شيء سيمس سمعتها سيمس سمعة الكونت نفسه فهل فهمتم مقدار الخطر؟!"
"وإلى أين تقترح أن اذهب بها؟"
"غدا سأصطحب ليلي للمنزل، إذ ستقيم أمي نزهة وانت ستحضر مع كارمن"
"لكن بصفتي من سأحضر مع كارمن؟"
"ألست خطيبها المستقبلي؟ إن والدها موافق عليك بالفعل فلا تقلق، سأرسل لك خادمي ليبلغك بالخطة فإني ذاهب الآن"
وضع رامون على رأسه قبعته ذات الريشة وخرج من الحانة غاضبا وفي نيته العودة لداره كي ينتشل سيفه ويقطع أي شيء يظهر في وجهه، إلا أن قدماه أخذته في طريق آخر ليجد نفسه واقفا أمام حديقة آل غارسيا.
رفع رامون بصره للأعلى باحثا عن نافذة غرفة كارمن فوجدها ونور شمعتها مضيء ليدرك أنها لم تنم بعد فتمتم قائلا؛
"آخ منك ومن ذوقك العفن في الرجال... باولو! من بين الجميع توافقين على باولو ذاك! سحقا لك.... لو كنت أمامي الآن لقطعتك إربا بيدي هاتين!"


اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة