illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

حدث ذات مرة في سانتا كولوما الفصل الرابع



دق شديد على باب دار غارسيا ضايق كارمن، التي كانت جالسة في غرفة المعيشة وبين يديها وشاح  عكفت على تطريزه مدة شهر كامل، كي تخيط تلك الأغصان التي حطت عليها عصافير الدُّوري وفي مناقيرها بتلات أزهار التفاح...

وضعته جانبا، وألقت على كتفيها وشاحا بنيا يخفي ياقة ثوبها الواسعة، نزلت السلالم المؤدية للباب وادارت مقبضه لتكشف عن رجل غريب؛ ضخم البنية، طويل القامة، مما جعل كارمن ترفع بصرها للأعلى كي ترى وجهه الذي كان شديدا قاسي الملامح فسألته "نعم يا سنيور؟"

"هل هذا هو دار السنيور خوليان غارسيا؟" سألها وصوته الثقيل كاد أن يبث الرعب في جوفها إلا أنها تخصرت وباشرت بهز قدمها.

"انتظر، دعني اخمن أتيت لهدف سامي وهو طلب يد ابنته الكبيرة كارمن"

"بالضبط يا سنيورة هذا ما أتيت لأجله"

"ولك جوابي، انت مرفوض"

همت باغلاق الباب لكنه سارع بوضع قدمه يردعها فكيف له ان يخسر فرصته قبل ان يحاول حتى "سنيورة! انتظري نحن لم نتحدث بعد!"

"لا يوجد لدينا بنات للزواج يا سنيور" دهست على قدمه بكعبها ولما سحب قدمه متألما، هي اوصدت الباب وتركته عائدة أدراجها لغرفة المعيشة.




 فهذه هي المرة الثالثة في هذا الاسبوع الذي يتقدم فيها رجل لطلب يدها..

"كارمن، هل فتحتي الباب؟" سألت ليلي حالما رأت اختها في غرفة المعيشة، فلقد عزمت على الخروج للقاء الرجل الذي ارسله عشيقها ميغيل.

"لقد فعلت"

"ومن كان الطارق؟" سألت مستنكرة لربما قصد دارهم شخص آخر.

"مجرد معتوه آخر فقد صوابه وآتى لطلب يدي، لكن اخبرته انه مرفوض فلقد سئمت من استقبال الضيوف"


"ماذا فعلتي! كارمن هل فقدتي صوابك! كيف لكِ أن تطردي الرجل هكذا! أين ذهبت أخلاقك!" صاحت ليلي بقهر من اختها ذات المشاعر المتلبدة..

"لما أستقبله في حين أني سأرفضه بالفعل؟" سألتها كارمن كما لو أن ما فعلته لشيء بسيط.

"ما أدراك لربما راق لك! لم تعطيه فرصة حتى!" ألقت ليلي ذراعيها في الهواء وسارت في أرجاء الغرفة ذهابا وإيابا، فإن استمرت اختها على هذا الحال هي ستخسر أموالها قريبا "انتظري عندك، لربما انتِ تعلمين وافعالك هذه لتأديبي!"

"ليس لدي نية لتضيع وقتي مع هؤلاء الرجال، واخفضي صوتك قبل ان تسمعك امي وتأتي!"

همست كارمن بين اسنانها، تحذر اختها من رفع صوتها اكثر لكن الوالدة قد اتت بالفعل لترى سبب صياحهن "ما بكما تصرخان، اخفضا صوتكما حالا فهذه ليست اخلاق المرأة النبيلة، ثم من كان ذلك الطارق؟"

حركت كارمن رأسها لاختها ان تبتلع لسانها ولا تنطق بحرف، لكن ليلي قررت استفزازها وحكت لأمها ما فعلته شقيقتها الكبيرة، عسى ولعل أن تدرك خطأها إلا أن قرصة الأذن الصغيرة انقلبت إلى شجار شرس، فالوالدة ابلغت زوجها وخوليان غضب غضبا شديدا وانتهى به الحال يضرب باب غرفة والدته حيث تختبأ كارمن..

"افتحي يا مصيبة حياتي الباب حالا! كيف لكِ ان تطردي ضيفا أتى لمنزلي بهذه الطريقة! ألا أخلاق لديك!"

لم تجب كارمن انما اغلقت اذنيها بكلا يديها وألقت رأسها في حضن جدتها تحتمي بها فهي تعلم ان والدها لن يقترب منها طالما أن والدته هنا.

"توقف يا خوليان عن الصياح! رأسي بات يؤلمني!" زجرته الجدة تنهره عن الصياح اكثر.

"فقط سلميها لي يا أمي كي اعيد تربيتها! يا جاحدة كوني شاكرة ان هناك من دق باب المنزل يطلب يدك بعد ان اخفتي الجميع! ألا تدركين هكذا انك تضرين بسمعة اختك التي ستصبح حرم رامون قريبا! ماذا سيقول الناس عنا حينها! بل ماذا سيقول الكونت ان وصله خبر عن افعالك المشينة!" احتقن وجه سنيور خوليان والدم الذي يجري داخله بات حاميا من شدة غضبه.

"عزيزي من فضلك هون عليك، الامر لا يستحق... سوف يغلبك المرض هكذا"

حاولت زوجته مراضاته ولما هدأ أخيرا اخذته لغرفته، في تلك الاثناء ادارت كارمن القفل بالمفتاح فلقد انتهت الحفلة وكادت ان تخرج إلا ان والدتها ظهرت في وجهها وعلى الفور ضربت كتفها بقسوة ثم امسكت بمعصمها تهزه.

"هل انت راضية! جعلتي والدك غاضبا عليك! صدقيني ان اصابه مكروه فلن تلومي إلا نفسك"

"ألم احذركم من لمس حفيدتي! اتركيها ولا تعاقبيها، أنا من سيوبخها!" صاحت الجدة من مكانها وبحثت عن عكازها تهم بالنهوض كي تنقذ حفيدتها.

"أمي إن هذه الفتاة مهما علمتها لا تفهم شيئا! ثم والدك كان محقا، عليك ضبط افعالك والتوقف! فماذا سيقول الكونت عنا إذا وصله الخبر! هل تريدين ان تدسي وجوهنا بالطين!"

"لقد قلت كفى! الى خارج غرفتي حالا! آه.. آه قلبي! قلبي!"

فزعت والدة كارمن وأرادت تفقد حال الجدة لكنها طردتها وبعد ان خرجت اخبرت الجدة كارمن ان تعيد اقفال الباب بالمفتاح قبل ان يقفز لهم غول آخر ويفسد عليها يومها...

"آخ رأسي لقد اصبتموني بالصداع" وضعت يدها على جبينها تشتم اللحظة التي اتت فيها للمكوث عند ابنها. ألقت رأسها بتعب على وسادتها وانتقلت ببصرها لحفيدتها.

رغم انتقاد الجميع لها وغضب والديها عليها إلا أن الجدة آمنت بأن كارمن بريئة من كل ما يتهمونها به ولربما هذا عائد لحبها الشديد، فمن بين جميع احفادها العشرين هي وهبت قلبها لكارمن، حفيدتها التي عرضت عليها المكوث في دارهم فاعتنت بها ولم تتركها للخدم كما فعل ابنائها السابقون.

وحبها لكارمن ليس حديثا العهد إنما قديما فمنذ اللحظة الأولى التي حملتها بين ذراعيها وهي أيقنت ان هذه الطفلة ستكون خليفتها من بعدها وياللعجب، كارمن حقا نسخة الجدة خلقا وهيئة.

"جدتي هل انت بخير؟" اقتربت كارمن وجلست على جانب الفراش.

"هل انا بخير؟ وتسألين عن حالي الآن بعد جعلتي من غرفتي مهرجانا!" التقطت عكازها وضربت به كتف كارمن فضحكت الأخرى وسكبت لها كوب ماء.

"تفضلي، لابد أن حلقك بات جافا من بعد هذا الصياح"

"فطينة انتِ كجدتك تماما" التقطت الجدة الكوب النحاسي تتجرع مافيه ثم سألتها عن سبب خلافها مع أسرتها هذه المرة.

زمت كارمن شفتيها فها هي ستعيد سرد القصة مجددا وفي تلك الاثناء، بعيدا عن منزل آل غارسيا وتحديدا داخل حانة في أطراف البلدة، كانت ضجة الرجال عالية.





فمنهم الذي يغني فرحا من شدة ثمالته، ومنهم الذي يصيح مناديا باسم المرأة التي قلبت حياته رأسا على عقب، وفي طاولة بعيدة عن الضجة كان ميغيل مجتمعا مع اصحابه العشرة والبؤس بادي عليهم.

فلقد تمت اهانتهم بمهارة ولم يحصلوا الا على القليل من المال "انا يتم طردي شر طردة هكذا، لم تضع حتى اعتبارا لي ولم تخف مني!" هتف احدهم وهو الذي قصد دار غارسيا هذا المساء.

"كن ممتنا انها وفرت عليك عناء الاهانة، لقد اسمعتني الفاظا لم يخيل لي أن اسمعها في حياتي" قال مانويل فمنذ تلك التجربة وثقته بنفسه تداعت.

"أظن انها تسخر منا" قال آخر كان ممن قصدوا دار غارسيا.

أما ميغيل ضحك على حالهم، فهؤلاء الأشداء ذوي الخبرة انتهى بهم الامر مكتوفي الأيدي أمام لسان ابنة عمه كارمن "يا رفاق ألا تخجلون من أنفسكم، كيف سمحتم لها ان تمسح بكرامتكم البلاط"

"اغلق فمك يا ميغيل جميعنا نعلم حالك مع ابنة عمك تلك، انك حتى تخاف ان تنطق امامها بحرف" زجره احدهم.

"بالطبع سأحذر منها فهي ليست بعاقلة! ألا تذكرون المرة التي اتيت لكم بيد ضريرة؟ تلك المرأة غرزت شوكة الطعام فيها لمجرد أني ابكيت اختها!" اشتكى ميغيل مدافعا عن نفسه واحتضن يده فلقد تذكر ألمه في ذلك اليوم.

اشتد الخلاف بينهم، فهذا يصيح بذاك وهذا يسخر من ذاك، حتى وصل بهم الحال أن نهض اشدهم قوة وعزم على تحطيم كرسيه لكن انضمام رجل اليهم اوقفهم فهم لم يتوقعوا مجيئه أبدا.

"يا محاسن الصدف، أراكم مجتمعين كالأيام الخوالي، فما الموضوع الشيق الذي لم شملكم" أذن رامون لنفسه بالتدخل وجذب كرسيا ليجلس إلى جوار ميغيل وقدماه ألقى بها على الطاولة.

"ما هذه الجلسة، اتظن نفسك سيد المكان؟" اعترض احدهم فأجابه رامون أن أومئ موافقا فوالده صاحب هذه الحانة وجميع املاك والده ستنتقل له عما قريب لذا هو بالفعل سيد المكان.

رأى رامون التوتر والضيق بادي عليهم فقال "لا تقلقوا، فلي خبر بالمكيدة التي تمكرون بها، مانويل حكى لي كل شيء"

"أيها الوغد!" تعرض مانويل لوابل من الشتائم وميغيل لم ينبس بحرف، فهذا الجالس الى جواره سيتزوج بعشيقته قريبا وهو لا يملك الجرأة لمجادلته.

"إذا يا ميغيل كم عرضت ابنة عمك عليهم؟" ألقى رامون بذراعه على كتف ميغيل

"أ.. أنا؟"

"لا تدعي البرائة وقل لي، فأنا لن افسد عليك لعبتكم انما سازيد من حماسكم واعرض عليكم المزيد"

ألقى صرة نقود ولما فتحها مانويل كاد ان يفقد وعيه من اللون الجميل فهذه لم تكن مجرد عملات عادية إنما عملات ذهبية..

"هل حقا ما تقول يا رامون!"

"وهل كذبت عليكم في يوم؟"

"لكن قل ما غايتك فهذا مبلغ كبير"

"إني أرفه عن نفسي ليس إلا، هل هذا تفسير كافي لكم"

"إنك حقا طائش عديم المبدأ كما يقولون"

"سامحتك هذه المرة لأن مزاجي جيد، لكنك لن تفلت في المرة المقبلة والآن دعوني اقم بتغير قواعد لعبتنا" اخذ رامون صرة الذهب من امامهم بعد ان جذب اهتمامهم "لن تذهبوا لها بنية الزواج مجددا إنما ستذهبون لها بنية الحب عديم القيود" اعتدل رامون في جلسته واقترب منهم بظهره "لكن من يلمس منها شعرة فليعتبر نفسه ميتا، أما عن الفائز فهو الذي سيتمكن من جعلها تبكي حزنا"

أومئ الرجال له موافقين على الشروط الجديدة، فأن يكونو مجرد عشاق أهون من أن يطلبوا يدها من أبيها.

"والآن أخبروني عن آخر المستجدات"

"انتهى بهم الامر جميعا كمانويل"

"من التالي الذي سيذهب؟"

"أنا"

"إذا انتظر ثلاث اسابيع ثم دق بابهم، فإن استمررتم على هذا الحال ستكشف امركم، انها فطينة فلا تستهينوا بها" اخبرهم رامون وفي نيته جعل لعبتهم تنجح فهو متشوق لرؤية دموع كارمن.

وبعد انقضاء ليلتهم الحافلة تلك ومرور اسبوع، حدثت مصيبة لم تكن بالحسبان؛ ألا وهي زيارة الكونت وعائلته لدار غارسيا وفي جعبتهم هدايا كثيرة على شرف الزوجة المستقبلية.

وزيارتهم كانت بنية مناقشة السنيور خوليان حول تفاصيل الامسية التي سيعلنان فيها عن الخطوبة وكم كان الحديث شيقا..

لكن ليليان لم تكن متشوقة أبداً، انما مفطورة الفؤاد وهي ترى والدها يتجول بصحبة الكونت في الحديقة ويتحدثان حول ترتيبات تلك الامسية التي سيكون موعدها قريبا.

فعشيقها ميغيل مهما حاولت معه إلا أن خوفه معنه من محادثة أبيها لذا لم يكن بيدها حيلة سوى مواساة قلبها بزيارته والارتماء في احضانه من حين لآخر..

"يا بنيتي اين ول عقلك شاردا" انتقلت ليلي ببصرها للكونتيسة وارغمت نفسها على الابتسام "لقد تخيلت لوهلة حياتي من بعد الزفاف"

"آه يا عزيزتي كم انتِ لطيفة، متأكدة من ابني متشوق لهذا مثلك تماما، انتما حقا مناسبان لبعضكما أليس كذلك يا .... أين ذهب رامون؟"

بحثت الكونتيسة عن ابنها فاخبرتها المربية أنه سألها قبل قليل عن مكان الخلاء..

"آه من ذلك الشقي" همست الكونتيسة لنفسها فلقد فهمت تصرف ابنها بشكل خاطئ، إذ ظنت انه فقد رباط جأشه بسبب ياقة ثوب ليلي الواسعة والتي كشفت من تفاصيلها الكثير، فلقد لاحظت الكونتيسة حجم ما تملكه ليلي من مفاتن أيضا..

وبالطبع هي عاينتهما جيدا لأجل ابنها، فكل تارة هي القت نظرة خاطفة لما يوجد اسفل عنق ليلي في حين أن السنيورة غارسيا والمربية كانت تعابير الرضى تعلوهما.

فالثوب كان فكرة السنيورة غارسيا واختيارها كان له اسباب سامية، منها استهداف جانب رامون الضعيف وربطه الى الأبد بابنتها.

لكن رامون في الواقع استغل انشغالهم وأذن لنفسه بالتجول في المنزل، ليس عبثا إنما أراد إيجاد كارمن، فهي لم تنزل لاستقبالهم.

في البداية ظنها خرجت لكنه أعدل عن رأيه لما لمحها تراقبهم من نافذة الطابق الثالث..

تسلق رامون سلالم بيتهم الضيقة قاصدا الطابق  الثالث وقد عثر عليها أخيرا، تقف في نهاية الممر مستندة ضد الحائط، تراقبهم عبر النافذة.

"ما به الوحش منزوي بعيدا عن الجميع"

"هل حقا تجولت في منزلنا؟ كنت اظنك قليل الحياء في السابق لكنه تبين لي انك لا تملك منه ذرة"

"هل تصدقين لو قلت لكِ أني اشتقت للسانك هذا"

استند بظهره ضد النافذة إلى جوارها وجمع ذراعيه خلف ظهره، يحدق بها وابتسامة لعوب قد ارتسمت على شفتيه "ما خطبكِ؟ انتظري، دعيني أخمن إن فؤادك مفطور لأني سأتزوج بغيرك"


"إنه مفطور اجل" قالت وقد اعتدلت من وقفتها متقدمة نحوه كي تنهي المسافة بينهما ورامون تعابيره قد تبدلت إلى أخرى مرتبكة من شدة قربها "لأن رجلا مثلك دخل دارنا"

ابتعدت عنه وهمت بالرحيل لكنها تذكرت شيئا فالتفتت إليه "أنا لازلت مصرة على حديثي السابق، انت ستتصرف كابن جيد وستنهي هذه المهزلة قبل الخطوبة التي يخطط لها والدانا"

"ولما عساي افعل ذلك، ألم تري بعينك ما يحدث في الأسفل. زواجي من اختك اقترب يا كارمن، لذا يستحسن بكِ أن تجيبي سؤالي"

"وما هو سؤالك يا سنيور"

"ما بك تناطحين لإيقاف زواجي من اختك؟ اخبريني الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة يا كارمن"

"كما اخبرتك سابقا، لا انا ولا اختي نتشرف بك كفرد من العائلة"

اخبرته كارمن بما لديها وابتعدت من أمامه منهية الحديث دون ان تسمح له باضافة شيء كما لو انه مجرد صبي صغير يتعرض للتأديب من قبل والدته...








عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz