"هل سمعتِ الخبر؟ هناك من سيأتي للقرية"
"سمعت عنهم وعلمت أنه من أقرباء عمدة البلدة عند سكةِ الحديد"
"يا ترى هل سيقطن هنا معها؟"
"بل ستذهب هي معه لكن عندما يحين الوقت سيتوجب عليها العودة فلا مفر من هنا، فهذه القرية هي المهد والقبر لسكانها"
ذلك الحديث الذي سار بين سيدتين دفع هايدن لفتح عينيه وابعاد الوسادة عن رأسه فلقد كان مستلقيا عازما على التفكير بهلوساته السابقة لما كان تحت تأثير الشراب.
أي أجل هو امتلك أمورا أكثر أهمية توجب عليه التفكير فيها؛ كذلك الذي يختلس النظر إليه في كل ليلة ومهما ردعه لا يتقاعس عن صنع ثقوب في الباب أو أمر الصفحة الممزقة في مذكرات دوريان والصورة التي اختفت.
فتلك الصفحة التي مُزقت أمرها عجيب ففي الصفحة السابقة كتب دوريان عن عودته من بلاد النمسا والمجر إلى الإمبراطورية الألمانية قاصدا عاصمتها برلين حيث يقطن وهناك في القطار حكى عن لقائه بشابٍ وفتاة لكن باقي تفاصيل اللقاء مفقودة ثم لم يكتب عنهما أبداً ولم يستذكرهما في أي صفحة أخرى....
هايدن قبل وصوله للقرية كان قد ختم المذكرات مرة واحدة وفي كثير من المواضع اختصر الأحداث بلا مبالاة فدوريان رجل ممل تارة يذكر يومه بالتفصيل وتارة يذكره باختصار يجعل القارئ عاجزا عن فهم مقصده...
نهض هايدن وأطل برأسه من النافذة نية رؤية السيدتين واستراق السمع لكنه تفاجأ من الحديقة خاوية لا يوجد فيها سوى عصفوري دوري يقفان على غصن قريب من نافذته "لا بد أنهما ذهبتا"
كاد أن يعود حينها للفراش ويحضا بالهدوء كي يكمل تفكيره لكن نداء مايكل عليه ذكره بعقابه المشين، فها هو سيجر مجددا في طرقات القرية حتى يختاره أحد كي يساعده بالمجان والسبب هو أن عليه التكفير عن ذنوبه. ارتدى هايدن ثيابه وفي طريقه لمح باب غرفة بيرل ولأول مرة لاحظ وجود ثقبين لم ينتبه عليهما سابقا.
اقترب من الثقب وألقى نظرة عبره ليرى سريرها فارغا حينها أدرك أن بيرل ليست من تراقبه كل ليلة بل هناك شخص آخر في هذا البيت...
هو أراد البحث في هذا الأمر لكن مايكل كان له بالمرصاد ولم يدع له من الوقت ما يكفيه إذ عقد معصميه بالحبل ككل مرة وتجول فيه بطرقات القرية ينادي عل أحدهم يحتاج مساعدة وهذه المرة استوقفهم السيد آرنر وهو يمر بعربته طالبا مساعدة من هايدن فاليوم يوم مميز بالنسبة لتلك العائلة.
سلم مايكل الحبل للسيد آرنر الذي أخذ هايدن في عربته قاصدا أرضه وأرضه تلك كانت اكبر من أرض آل بوسارد فلعائلة آرنر ذرية كبيرة، رئيس أسرتهم كان رجلا مسنا يتكئ على عصى وابنائه هم من أداروا الأرض وعمروها ومن أحفاده كانت جورجينا، روميو وأمارا فهؤلاء الثلاثة كانوا أبناء عمومه وجورجينا تكون ابنة خالة روميو وابنة عمه في نفس الوقت.
"يا بني سيزورنا اليوم ضيف مهم لذا طلبتك كي تقدم يد العون وعلمت من روميو أنك تكفر عن ذنبك لذا اجتهد ولا تتكاسل وإذا جعلتني مسرورا لك مني هدية ستُسرُ جيبك" وكزه من مرفقه يغريه بمبلغ من المال فآل بوسارد وبحكم اقتصادهم المتدني لم يكرموا هايدن بالنقود إنما أكرموه بما امتلكوه من طعام.
"حسنا يا سيد فما باليد حيلة، الحكيم قرر وعلينا التنفيذ" سخر هايدن في حديثه.
"خير ما تقول... كدت أنسى، قيل لي أنكَ طبيب فهل هذا صحيح؟"
"أجل إني كذلك"
"إذا أسدي لي معروفا ودعني أعرفك على ابن أخ لي، علك تنفعه"
أوقف السيد آرنر عربته والسيد آرنر كان الأكبر بين اخوته العشرة، إذ تخلل الشيب شعره ورغم سنهِ هو امتلك من زوجته طفلا ظهر أول سنٍ له قبل بضعة أيام. لاقى في طريقه ابنته جورجينا وهي تلاعب أخوتها فوبخها بحجة أن عليها التجهز ثم مر على منزل ودق على بابه مناديا. فتحت له الباب سيدة يافعة ذات حُسن وجمال ورحبت به فهو يكون عمها ثم أدخلتهما وفي غرفة الجلوس قابل هايدن شابا مستلقيا لا يقدر على الحركة.
كان الشاب رجلا يصغر هايدن في السن حاله من حال زوجته والسيد آرنر حكى له قصته إذ كان ذلك الشاب يقود الأبقار عائدا بهم للمزرعة لكن الليل حل عليهم والمصيبة وقعت على رأسه فلا الأبقار عاشت ولا صحته أعانته وسبب استلقائه دون حركة هي عنقه التي كسرت حينها.
"دوريان، انت طبيب لذا ساعده... هو قادر على الحركة انظر" امسك السيد آرنر بيد ابن أخيه يعتصر عليها فإذا بها تهتز وتتحرك "اكتب لنا وصفة تعيد له صحته"
"اسمح لي برؤيته" تقدم دوريان نحو الشاب وحادثه بينما يعاينه سريريا والمعاينة كانت بسيطة إذ قرصه بقسوة من يديه وقدميه وكلما سأله إن كان يشعر به أجابه الشاب بالنفي وعندما عاين ردود فعل مفاصله وعضلاته وجد حركتها مبالغا بها والأهم أنها خارجة عن ارادته.
"أبشر، هل هناك أمل... هل يوجد ما نحن قادرون على فعله؟"
زم هايدن شفتيه صانعا وجها حزينا وقال "إن هذه الحركات مجرد حركات عضلية عشوائية خارجة عن ارادته، وعدم شعوره بالألم يوثق حقيقة اصابته بالشلل الرباعي يا سادة... أنا آسف لكن كل ما بوسعكم فعله هو مداواة قرحة الفراش قبل أن تأكله فها هي واضحة وقريبا ستصل لمرحلتها الثانية"
شاهد هايدن دموع زوجة الشاب والحسرة في وجه السيد آرنر وكل ما تمكن من فعله هو تعليم زوجته كيف تؤجل تطور مراحل القرحة بتبديل طريقة استلقائه من حين لآخر ولأجله حاولوا صنع سريرٍ اكثر راحة لجعل أيامه القادمة أقل قسوة....
خرج هايدن من المنزل محبطا وكما طلب منه السيد آرنر ساعدهم في تجهيزات استقبال ذلك الضيف القادم من البلدة والعجيب في الأمر أن الأهالي علموا بأمر ذلك الضيف مؤخرا فلقد نشر أحد الأحفاد الخبر في طرقات القرية مناديا عليهم كي يحضروا...
لذلك سأل هايدن نفسه كيف علمت السيدتان أسفل نافذته بأمر الضيف قبل الجميع؟
جمعت الطاولات وصنعوا منها مائدة طويلة تكفيهم جميعا فها هم عائلة آرنر صنعوا وليمة وقاموا بدعوة الأهالي.
حضر الأهالي شيئا فشيئا وريثما كان هايدن يحتطب سمع صوتا هامسا يناديه من خلف الحضيرة فترك الفأس وذهب ليتفقد أمر المنادي لكنه صعق لما وجد نفسه مثبتا ضد حائط الحضيرة ولكمة قاسية اصابت وجنته.
"سحقا! لماذا ضربتني يا حقير!" صاح هايدن بمايكل الذي كان الشرر يتطاير من عينيه حاقداً.
"كيف لكَ خيانتي أيها الوغد!"
"خيانة؟! عن أي خيانة تتحدث! حضرتك تجرني كالحمار ليل نهار ولم أمد يدي عليك!"
"أخرس ولا تتحاذق معي! ألم أنبه عليكم ألا تقتربوا من غصن التفاح خاصتي!"
"أيُ غصن تفاح يا مخبول!"
"غصن التفاح خاصتي!"
"أنا لم ألمس أي غصن تفاحٍ حتى! مدام جوان من تجلبه!"
"أنا أقصد غصن التفاح جورجينا خاصتي! كيف لك أن تطعنني في ظهري وتتقدم لطلب يدها من أبيها!"
"أنا لم أجد حياتي في السوق كي أجني على نفسي... أنا والزواج لا نجتمع في جملة مفيدة يا سيد"
"لا تخدعني، قالوا أن هناك رجلا أتى من البلدة سيطلب يد غصن التفاح خاصتي والوحيد الأجنبي هو انت"
"أنا لا ألومك يا مايكل.. البقاء هنا له آثار جانبية كالتي لديك"
حرر هايدن ياقة قميصه من قبضتي مايكل لكن الآخر عاود الإمساك به والصاقه بالحائط "إلى أين تظن نفسك ذاهبا! لم انهي كلامي بعد"
"ألم تلاحظ بعد أني انسان مثلك قادر على الحديث ولست حيوانا كي تعاملني بهذا الشكل يا حيوان؟"
"كف عن الثرثرة وأخبرني هل تعلم من هو القادم؟"
"لا ولا رغبة لي بالتعرف على ذلك الأحمق الذي سيأتي ويأخذ منكم فتاة"
"إذا عليك مساعدتي يا ابن المدينة!"
"لا يا سيد ليس عليَ مساعدتك"
"كم تريد؟"
"عشرون فرنك"
"لا يوجد رجل في القرية يملك هذا المبلغ! خمس فرنكات لا غير"
"خمسة عشر فرنك"
"ست فرنكات!"
"حسنا سأجعلها عشرة فرنكات"
"هل تظن أنك هكذا ساعدتني! ست فرنكات فقط"
"آه من هذا الفقر البائس.. حسنا أعطني ستَ فرنكات"
"سأعطيك إياها لكن كيف ستساعدني؟"
"كنت سأصنع لك خطة تساوي عشرون فرنك لكن الآن سأجعلها تساوي ست فرنكات فحسب لذا لا تنتظر شيئا كبيرا فكل شيء بثمنه"
"أخبرني من أين اكتسبت هذه الحقارة؟"
"إنه سرُ المهنة"
حصل هايدن على فرنكاته الستة وربت على كتف مايكل يخبره بخطته لكن رجلا عجوزا قاطعهما بحضوره وهو يجر ثورا سمينا أسود اللون ومن شدة سواده شعره كان يلمع أسفل أشعة الشمس. تعجب هايدن من أمر هذا العجوز الذي يحادث ثوره ومايكل أخبره أن هذا الهرم يكون كبير عائلة آرنر وهو رجل لن يحب التعامل معه فهو لئيم دنيء النفس.
خرج كلاهما من خلف الحضيرة بعد أن اتفقا ولما ألقى هايدن نظرة على الضيوف شيئا فشيئا تجمعوا، منهم من جاء بثياب عمله ورائحة الروث تفوح من بدنه ومنهم من كلف نفسه ولبس ثيابا ذات ثقوب أقل.
ألقى هايدن حينها نظرة على ما يرتدي وعلى الفور وصل لأنفه رائحة عرقه، هو سيشعر بالخزي إن جلس إلى جوار احدهم بهذا الحال لذا هو استئذن للعودة إلى المنزل والتجهز فهذه أول مرة له في القرية سيحضر مناسبة مهمة كهذه.
عاد أدراجه لمنزل مدام ميلينا وشتم التلة التي بني عليها المنزل فلقد جعلته يلفظ أنفاسه وحالما ولج للمنزل قام بإشعال الفرن إذ ألقى فيه الحطب ووضع في القدر ماءً وانتظره كي يسخن. من المخزن هو استخرج الطشت الخشبي وبقدمه ابعد السجادة في غرفة نومه، ألقى الطشت على الأرض وسكب الماء الذي تطاير البخار منه، تأكد من حرارته بأصابع قدمه ولما وجده مناسبا فك حزامه وتخلص من حمالات بنطاله ثم تجرد من ثيابه ونزل في الماء كي يستحم.
هو دندن منغما يُطرب نفسه وحالما انتهى لبس ملابسا نظيفة واستقر أمام المرآة يجهز وعاء الحلاقة وبخرقة من الجلد قام بحد السكين.
"يا بيرل سنتأخر هكذا ولن نتمكن من رؤية جورجينا في غرفتها قبل أن تنزل"
"كما لو أني تعمدت ذلك، رايتي بنفسك كيف أخرتني الفطائر"
"آه لابد أن إليوت في غرفته، لنأخذه معنا"
تعجبت لورا وفتحت الباب ظنا منها أنها سترى إليوت وفي نفسها هي كانت تريد أخذه معها كي يتسلى مع إخوتها الصغار لكنها عوضا عن رؤية إليوت الصغير هي عثرت على هايدن الكبير يقف أمام المرآة يقوم بالحلاقة.
"سيد دوريان! المعذرة لم اقصد... ظننتُ الغرفة غرفة إليوت، لم أعلم أنك تشغلها"
رمقها هايدن من زاوية عينه وبسلاسة مرر نصل السكين الحاد على وجنته مزيلا كل شعرة زائدة ولم ينطق بشيء إلا بعد أن ابعدها عن جلده ونضفها من الرغوة.
"إنها غرفتي" لمح بيرل تقف خلف لورا ثم سألها "ستذهبين للحقل؟"
"حقل؟ إني قاصدة منزل السيد آرنر!"
عاينها هايدن وقد كانت خرقة القماش البالية معقودة حول شعرها وثوب عمل اصفر ترتديه فيه بقع قديمة والأسواء من هذا أنها كانت حافية القدمين.
"من يراكِ يظنك قاصدة حضيرة الخراف" فرغ هايدن من الحلاقة وغسل وجهه ثم جففه بالمنشفة أمام ناظريهما وبيرل حينها احست بالخزي فهذا الرجل تجهز للوليمة أن اغتسل ولبس ثيابا جديدة أما هي فلقد كانت تقرر النزول بالفعل بثياب عملها.
"ارتدي شيئا آخر إن كان لكِ احترامٍ لصديقتك جورجينا"
"ما الذي تقوله؟ جورجينا نفسها لن تتجهز اكثر من هذا" قالت لورا لكن عزيمتها بالدفاع عن بيرل اندثرت لما تركتها بيرل وعادت لغرفتها تبحث عن ثوب آخر "بيرل ما انتِ فاعلة سنتأخر هكذا!"
"لن يفوت الأوان ابدا عن ارتداء ثوب نظيف" مشط هايدن خصله الذهبية للخلف ولما آمن واقتنع أنه مثالي قام بتلميع حذائه وبيرل عادت إليه تحمل ثوبين، أحدهما أصفر والآخر أزرق "أيهما أفضل؟"
"ولا واحد"
عادت بيرل لغرفتها تبحث عن ثوب آخر وهايدن زلق قدميه في حذائه وذهب لغرفتها مستندا ضد إيطار الباب ولورا تجلس على السرير بثوب بنفسجي اللون كانت تخبأه للمناسبات المهمة.
"بيرل، انظري في صندوق جِهازك القديم قد تجدين فيه ما ينفع"
"كيف نسيتُ امره"
توجهت بيرل لصندوق كان موضوع عند نهاية سريرها وابعدت من فوقه اقمشه كانت تقوم بتطريزها، ادارت المفتاح في القفل وكشفت عن ثروة قومية من الأثواب والأقمشة المطرزة يدويا.
بحثت بين الأقمشة ولورا اطلت برأسها تشاهد ما تملكه بيرل وبينما تلك تبحث هي امسكت بقماشٍ شبه شفاف ولما رفعته صعقت من كونه ثوب نومٍ خاص فعاودت دسه قبل أن يفطن هايدن أمره.
هي كان لها أثواب عديدة الألوان منها الزهري والأحمر وما لفت اهتمام هايدن هو ثوب أزرق قماشه من حرير فأخبرها أن ترتديه، هي أوصدت الباب بوجهه أولا ولما عاودت فتحه كشفت له عن حال الثوب وهو فوقها. كان ثوبا طويلا يصل لفوق كاحلها وأطرافه مطرزة بورود من خرزِ أبيض. خصره كان ضيقا وياقته واسعة كالوادي في نزولها تكشف عن صدرها أما أكمامه كانت فضفاضة ذات طيات متداخلة تصل لمرفقها. هو تعجب لوهلة فهذا التصميم حضري يرتديه أهل المدينة فكيف لقروية أن تملك مثله...
كل شيء كان مثاليا بها إلا خرقة القماش البالية على رأسها "لما لازلت تضعين هذه! رباه"
"لم أقم بتمشيط شعري! أمي ميلينا خرجت منذ الصباح ولم تضفره لي"
تعجب هايدن من أمر هذه الفتاة التي تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما ولازالت لا تجيد صنع ضفيرة لذا وبصفته أخاها الروحي هو سمح لنفسه بأخذ فرشاة شعرها وفك عقده عقدة، عقدة. في البداية اشتكت بيرل من قسوته وهايدن وبخها على حال شعرها الأشعث لكنه في النهاية وبعد أن حل العقد مشطه بسهولة ثم فصله لعدة أجزاء وصنع لها ضفيرتين.
"سيد دوريان من أين تعلمت هذا؟ أكان لك شريكة سرية تقوم بتمشيط شعرها" ضحكت لورا وتقصدت مضايقته.
"بل لي شقيقة تتكاسل عن تمشيط شعرها"
"ماذا؟!"
أفاق على نفسه متأخرا فدوريان وحيد لا يملك أشقاء لذا قال مبررا "كانت أختا روحية لي"
"آه.."
"خذِ امسكِ هذه ولا تفلتيها" أعطا لبيرل ضفيرة صغيرة جانبية كي تمسك بها وضفر هو الجانب الآخر، شعر بعينين تراقبه ولما رفع بصره وجدها بيرل تحدق بانعكاسه على المرآة ولما التقى بصرهما هي أشاحت عينيها عنه.
فرغ هايدن من ضفرِ الجانبين ثم جمعهما مع شعرها الذي قام بلفه وجعله كعكة، بدبابيس الشعر ثبتها لأجلها ولما فرغ سألها عن رأيها إن اعجبها، اكتفت بيرل بالإيماء له ثم فرت من أمامه متحججة بأنها نست ما أعدته من فطائر في المطبخ لكنه بالفعل لمح أنفها الأحمر وعيناها التي أغرقت بستارة من الدموع.
"ما بالها؟"
"آه؟ لا أدري... من الممكن أنها تذكرت ماركو"
"ماركو؟"
"تلك الفتاة فاشلة بتمشيط شعرها بسبب ماركو ذاك فهو من كان يمشط شعرها دائما ويضفره لها"
حدق هايدن بالطريق الذي خرجت منه بيرل حائرا، فها هو يسمع اسم ماركو مجددا، في السابق سمع عنه من فتية القرية لما قالوا أن بيرل هي من قتلته والآن ها هو يسمع من لورا أن ماركو ذاك كان يمشط شعر بيرل دوما.
"بيني وبينك في البداية ظننا أن بيرل تعاملك بجفاء بسبب الغيرة، فها قد عاد حفيد الجدة المحبوب ليأخذ مكانها ففي النهاية هي ليست ابنة ميلينا الفعلية، لكن الآن أظن أن السبب ليس غيرة إنما انت تذكرها بماركو... فلقد كان يكبرها سنا مثلك ويعتني بها بعد أن عاملها بقية اشقائها بجفاء"
همهم هايدن والتفت إلى لورا صديقة بيرل، هو استذكر حديثا سابقا جرى بينه وبين اخته الروحية لذا سأل لورا "هل تجيدين القراءة؟ لدي قصة فرغت منها"
"قصة؟ كنتُ سأود ذلك لكنِ لا أجيد القراءة. أعرها لبيرل فهي تجيد القراءة والكتابة"
"حقا.."
"أجل، هي أيضا تجيد بعضا من الألمانية فلقد زارت برلين بالقطار مع ماركو... لكن أعتقد أن علينا الذهاب الآن فلقد تأخرنا بما فيه الكفاية"
سبقت لورا هايدن الذي ضل واقفا في مكانه، هو تجول ببصره في الغرفة وهذه المرة وقع بصره على صندوق جهاز بيرل الذي نسيته مفتوحا لذا دس يده فيه وبحث ليجد في النهاية ضالته، إذ استخرج ثوبا وبين طيات تنورته كانت الصورة والصفحة مخبأة.
نادت بيرل عليه من الأسفل لذا عاود هايدن اغلاق الصندوق وخبأ الصورة والصفحة في جيبه ثم نزل السلالم راسما على وجهه ابتسامة هادئة "المعذرة إن تأخرت، هلا ذهبنا؟"
خرجوا جميعا وبيرل في جعبتها سلة وضعت فيها فطائر ومرطبان مربى قد صنعته هذا الصباح، وريثما هما تسيران في المقدمة سألت بيرل لورا عن الحديث الذي دار بينهما لما خرجت، فأجابتها الأخرى أنه سألها إن كانت تجيد القراءة، فأخبرتها أن بيرل من تفعل.
تجرعت بيرل حلقها وعلى الفور انتقلت ببصرها إلى هايدن الذي كان يسير في الخلف وبين شفتيه سيجارة يدخنها. هي احست بقلبها يتخبط لذا عاودت النظر أمامها فقد ادركت حينها أن كذبتها على وشك أن تكشف...
وصل الثلاثة لأرض آل آرنر وروميو حالما وقع بصره على بيرل فُتن بجمالها وهم بمحادثتها لكنها سبقته وولجت للمنزل برفقة لورا كي يقابلا جورجينا، أراد روميو اللحاق بها للداخل لكن زوجته أمارا امسكت بمعصمه تحذره من الذهاب خلف تلك المرأة.
وصل ضيوف آل آرنر على متن عربة لا تجرها الأحصنة، ليدرك هايدن أنهم أثرياء فهذه العربات حديثة الاختراع امتلكها الأثرياء ذوي النسب الرفيع فقط. الذي يقودها كان الابن البكر وإلى جواره والده بينما في المقعد الخلفي كانت الأم تجلس إلى جوار ابنتها التي ترتدي الأسود وابنها الذي لم يتجاوز الرابعة عشر.
ثيابهم كانت حسنة ورائحتهم لا تمد لرائحة القرية بصلة ففي اللحظة التي نزلت العائلة فيها وهايدن خمن ثمن الصابون التركي الذي اغتسلوا به وفي نفسه تمنى لو يسرق عربتهم ويفر بها بعيدا عن هذه القرية.
اتخذت العائلة مقعدهم في المائدة وعلامات التقزز كانت بادية على الزوجين وابنائهم فالذين القوا التحية عليهم من القرويين كانت ثيابهم بالية وأيديهم متسخة والمصيبة أن أم العروسة حالها كان يشبه حالهم فلقد خرجت من المطبخ مسرعة بشعرها الأشعث وثوبها الذي تلطخ بصلصة الطماطم التي تبلت بها الدجاج قبل وضعه في الفرن.
"رباه، سعت بلقائك أيضا" قالت والدة الشاب واستخرجت منديلا تلفه بيدها قبل أن تلقي التحية لكن والدة جورجينا أخذتها بالحضن.
"تعالي لأضمك أيضا يا بنيتي"
"لا شكرا، لدي حساسية من القرويين، انظري" تظاهرت الابنة بالسعال ووالدة جورجينا ابتعدت عنها فالمرض شيء مشؤم في قريتهم.
"تفضلوا بالجلوس من فضلكم، سيأتي حكيمنا قريبا"
"كم أنا مسرور برؤيتك يا آرنر، كنت محقا عندما وصفت لي جمال قريتكم لكن عيبها الوحيد أنها بعيدة والوصول لها صعب، المستثمرون لن يكونوا مسرورين بهذا"
"لما؟ صدقني ستفوتهم فرصة كبيرة"
تحدث الاثنان ولم يفهم القرويون من حديثهم شيئا فهذان الاثنان كان لهما رغبات استثمارية في القرية، إذ كان السيد آرنر يريد وصول الماء إليهم وصاحبه أراد شراء الأرض وصنع مجمعات سكنية وإذا سأل احدهم عن العمالة فهو بالطبع سيوظف أهل القرية لديه.
هذا الحديث دار وهايدن نهض من المائدة بحثا عن ركن بعيد ينزوي به كي يقرأ الصفحة التي مزقتها بيرل من مذكرات دوريان تاركا مايكل وخطته التي كان ثمنها ست فرنكات.
اوصد على نفسه باب الحضيرة وجلس على كومة من القشِ لكن الثور أزعجه كما أزعج باقي الحيوانات ولاحظ هادين شدة خوفهم منه فجميع الأبقار تكومت في ركن وتدافعوا.
كان ذلك الثور سمينا أسود اللون ذو قرنين كبيرا الحجم ولحسن الحظ أنه كان معقودا وخلفه تعجب هايدن من وجود جمجمة ثور معلقة في حائط الحضيرة، فالذباب تجمع حول الجمجمة ومن عينيه كانت الديدان تحوم.
"ما هذا الشيء المقرف، من يحتفظ بهذا!" شتم هايدن عائلة آرنر بأكملها واستخرج الصفحة من جيبه يعيد فردها فلقد كومتها بيرل ككرة وجعدتها، كان حبرها والخط فيها مختلفا ومن طريقة دوريان في نضم الكلمات خمن هايدن تخبط مشاعره آنذاك.
إذ حكى دوريان عن عملة نقدية سقطت من يد شابة وتدحرجت في طريقها قاصدة حذائه، حينها سأل نفسه هل هذا هو القدر، فلقد كانت تلك العملة فرنكا سويسريا وهو منذ مدة لم ير شيئا من تلك البلاد التي غادرها بعد زواج والده من امرأة أخرى...
تلك الشابة لحقت بعملتها وتوقفت أمام دوريان الذي تعداها قامة وهيبة. صوتها الذي كان مهتزا بالكاد تمكن دوريان من سماعه ولكنتها الركيكة مكنته من معرفة أنها أجنبية لذا حياها بالرومانشية وهي تعجبت من اتقانه لغتها.
سألته أن يعيد لها عملتها فهي تنوي شراء هدية بها لوالدتها وهو سألها عن اسمها فأطلعته عليه وقد كان اسما انجليزيا عكس مسقط رأسها فما الرابط بين اسم بيرل وبين سويسرا. بالطبع دوريان سألها وهي اخبرته أن هذا هو اسم أم جدتها فلقد لقبت نفسها بذلك بعد زيارتها لإنجلترا ومقابلتها امرأة حسنة الوجه تحمل هذا الاسم.
كانت تلك الفتاة بيرل، يافعة في السابعة عشر، بريئة لا تشبه الذين في سنها وهذا الشيء تجلى على وجهها فلقد أجابت عن جميع اسأله دوريان وهي خجلت من أن تسأله سؤالا واحدا، لذا هو عرض عليها أن تسأله فسألته عن اسمه وحكى لها عن نفسه، إذ كان يبلغ من العمر حينها خمسة وعشرون عاما وقد تخرج حديثا وحصل على لقب طبيب.
دعاها دوريان لتشاركه الغداء لكن صافرة القطار أعلنت عن تحركه وهي بسرعة فرت من أمامه ناسية الفرنك خاصتها في يده، راقبها وهي تصعد مقطورة الطبقة التي كانت أدنى من العاملة حيث الفلاحون هناك مع دجاجاتهم يجلسون وهو صعد مقطورة الطبقة الراقية..
سار دوريان في المقطورة وتجاوز جميع الطبقات وصولا إليها حيث كانت تجلس إلى جوار شاب ذو شعر ذهبي كشعرها تحكي له عن الفرنك الذي ضيعته وفي المقعد كان خمسة أشخاص آخرين يشاركونهم إياه.
وصف دوريان رائحة المقطورة الرديئة ووصف زغب البط الذي كان يتطاير في الهواء والوجوه التي قست عليها الحياة فلقد كانوا خشني الوجه، كبار البنية لكن نحيلي البدن من قلة توفر لقمة تسد جوعهم.
هناك أعاد دوريان لبيرل الفرنك خاصتها وكرر عرضه أن تشاركه غدائه فلقد كان وحيدا بلا مؤنس، بالطبع نهض الشاب ذو الشعر الذهبي حاقدا ينوي تأديب دوريان والذي كانت تناديه بيرل بأخي فكرر هذه المرة دوريان عرضه لكن بأدب أكثر ودعا بيرل وشقيقها الذي كان يدعى ماركو...
اجتمع الثلاثة على مائدة وسط أنظار الجميع المستنكرة فدوريان كان شابا بدا عليه العز والترف في حين أن بيرل وماركو واضح عليهما أنهما اتيا من قرية بعيدة. تبادلوا أطراف الحديث وبيرل في كثير من الأحيان التزمت الصمت، ليس كرها إنما بدافع الحياء فلقد كانت عينا دوريان عليها طوال الوقت لا يرفعها عنها.
هنا علم حينها دوريان أن هذان الاثنان أتيا من مسقط رأسه وأن جدته التي كانت مفطورة الفؤاد على رحيل والده ماتياس أخذت بيرل من اسرتها وجعلتها ابنتا لها كي تؤنس قلبها بها، تبسم دوريان لما حكت له بيرل عن ذلك وأخبرها أن جدته فطينة فلقد أحسنت الاختيار ولو كان مكانها لاختار بيرل أن تكون إلى جواره...
فبيرل امتلكت وجها كان قادرا على أن يشرح صدر دوريان الذي يبس من الوحدة في برلين، ففي طفولته المبكرة كان له أمٌ تغدقه بالحب لكن وبعد أن سقطت ضحية للمرض تزوج والده بأخرى في حين أنه لم يمر على رحيل والدته بضعة أشهر، حينها زوجة أبيه لم ترغب بهذا الصبي البالغ من العمر عشر سنوات وأرسلته بالاتفاق مع زوجها إلى مدرسة داخلية قضى فيها دوريان أغلب عمره وحالما تخرج منها سافر دون اطلاع والده وباشر بدراسة الطب لينقضي من عمره سنوات أخرى بين أربع جدران مجددا.
انتهى الغداء وانتهى معه الوقت الذي تمكن فيه دوريان من رؤية بيرل، فالليل حل والجميع من المفترض أن يكونوا نيام إلا دوريان ضل يفكر ويفكر مع نفسه، كيف يمكنه صناعة وقت يجمعه ببيرل لذا وحالما اشرقت الشمس هو عرض على الأخوين أن يقطنا معه في منزله إلى أن يفرغا من أعمالهما في برلين.
أي أجل توجس ماركو خيفة في البداية، لكن دوريان أخبره أن منزله كبير فيه من الخدم من سيعينهما وألا يقلق من وجوده فهو أغلب الوقت في المستشفى يعمل.
حينها وافق ماركو واستقر الاثنان في منزل دوريان شهرا كاملا وسبب اطالتهما أنهما كلما عزما على الرحيل، ترجاهما دوريان بالبقاء أكثر لكن لكل شيء نهاية...
اختصر دوريان كثيرا من الاحداث التي وقعت في ذلك الشهر فبيرل انسته ولعه بالكتابة، لكنه وتكريما لنفسه ذكر ليلتهم الأخيرة إذ كتب عن بيرل التي كانت تجهز الحقائب وشقيقها الذي عاد برفقته، قد اشترى لها هدية وغلفها لأجلها. وصف دوريان فرحة بيرل بهدية أخيها والحب الذي كان يجمعهما فماركو كان له علم بنفس اخته، إذ اشترى لها ثوبا أزرق اللون ومعه دبابيس شعر فيها خرز أبيض كاللؤلؤ.
شاهدهما دوريان ولم يجد كلمات يصف فيها المودة في عيني ماركو لأخته الصغيرة، لما كان يمشط لها شعرها الأشعث أمام المرآة وبحرص وضع لها الدبابيس الجديدة بعد أن جربت فستانها الأزرق..
كان ماركو أزرق العينين كبيرل وله خصل ذهبية كأخته، فارق السِن بينهما كان كبيرا فلماركو اصبع يزينه خاتم زواج وفي حديث سابق جمع بين ماركو ودوريان، علم دوريان أن زوجته قد فارقت الحياة لما كانت تضع مولودها، فلا زوجته نجت ولا ابنه عاش.
من بعد ذلك الحادث المروع هو جمع مبلغا من المال وسافر بعيدا عن القرية آخذا اخته الصغيرة معه كي تؤنسه في وحدته فلا يفقد صوابه من حجم هول مصيبته...
في تلك الليلة نام ماركو على الأريكة في غرفة المعيشة وبيرل من باب حسن الخلق، همت بلملمه الكؤوس لكن دوريان استوقفها وعرض عليها الخروج للشرفة برفقته، ريثما تنظف الخادمة فوضى سهرتهم.
كانت بيرل حينها صاحية بكامل وعيها فلسانها لم يتذوق قطرة من البورتو ودوريان كذلك فلقد كان رجلا معرضا عن الشراب والتدخين رغم تفشيه بين الأوساط...
بدأ حديثه معها بسؤالها "آمل أن جو برلين قد راق لكِ بيرل"
"إنه جيد، لكنه مختلف عن مسقطِ رأسي"
"افهم من كلامكِ انكِ تفضلين تلك القرية على المدينة هنا"
"لكل مكان محاسنه يا سير دوريان لكن لأصدقك القول، إن لبرلين جوا مختلفا عن هناك" وصف دوريان عيناها التي تنقلت في كل اتجاه إلا جهته وصوتها تخلله نبرة عاطفية كمن تلمح لشيء...
"ما سير هذه، ألم أقل لك سابقا أن تناديني بدوريان فحسب... إني لا احب هذه الرسميات"
"إذا لما لا تناديك الخادمة باسمك؟" كشفت بيرل عن صف أسنانها باسمة.
"هذا موضوع آخر فلا تخلطي الأمور... يمكنك القول أنه عرضٌ خاص بكِ فحسب"
"وما المميز بي كي أناديكَ باسمك مجردا يا سيد دوريان"
"بعد كل ما رأيته منك ولازلتِ تسألين؟" رفع حاجبيه ثم أذن لنفسه بلمس ثنايا كم ثوبها "إن ثوبكِ جميل يليقُ بك، سعيد أني احسنتُ الاختيار"
"ألم يكن ماركو من اختاره؟"
تبسم لها دوريان ولهيب النار في المدفأة من أنار قليلا من عتمة الليل، فالقمر كان محاقا متخفيا لا أثر له، ودوريان لم يكن بحاجة إلى القمر فبيرل بالنسبة له قد انارت عتمة صدره فمنذ مدة ولم يرحب به أحد عند عودته للمنزل أو يشاركه أطراف الحديث...
"بيرل" نطق دوريان جاذبا اهتمام بيرل التي انتقلت ببصرها لحديقة المنزل خجلة، حيث أزهار النرجس كانت مزروعة "أعلم بحبكِ لقريتك تلك لكن أودُ لو تبقين هنا معي في برلين"
"لكن علينا العودة سيد دوريان فأخي..."
"ليس أخاكِ بل انتِ يا بيرل، أريد أن تمكثي هنا معي وإلى جواري"
"سيد دوريان..."
"بيرل، إن كان الخاتم ما يقلقك فلقد اشتريت لك واحد وهو في جيبي، ينتظر موافقتك وإن كان الرابط بيننا ما يؤرقك فبإمكاننا الذهاب وعقد زواجنا حالا"
امسك دوريان بيدي بيرل ودس أصابعه متوغلا بين اصابعها لا يدع لها مفرا منه فكيف له التفريط بها والسماح لها بالذهاب بعد أن وجدها..
"بيرل، لا مجال للتفكير مطولا، فانتِ ذاهبة غدا مع شقيقك بلا رجعة"
"سيد دوريان... المعضلة ليست هذه، فحضرتك شخص جيد لا يعيبك شيء، إني فقط قلقة لا أدري ما رأي أخي"
"حقا يا بيرل، انتِ راضية عني إذا! رباه.. لما لم تقولي ذلك من قبل.. أعني.. رباه! ظننتُ أني الوحيد من يشعر بهذا الحب"
هذا فقط... هذا كان آخر سطر مكتوب في ذلك التاريخ من بعدها لم يذكر دوريان اسم بيرل في أي صفحة من صفحات مذكراته.
زفر هايدن بضيق وألقى برأسه للخلف يفكر بما هو فاعل، فها هي بيرل ظهر أنها تعرف حقيقة انتحاله لشخصية دوريان وشتم نفسه مرارا وتكرارا فكيف لم يستنتج هذا، كيف لم يضع في الحسبان أن أحدا من القرويين قد رأى دوريان من قبل!
"سحقا، اللعنة عليك يا دوريان! أيها الجبان الخسيس بما ورطتني! هل كان علي تمني حياته في ذلك اليوم، ليتني عضضت على لساني ولم أنطق بذلك"
غطا هايدن وجهه لكن ضجة مريبة أيقظته من تفكيره فلقد سمع من يناديه باسم أخي مرارا وتكرارا حتى فتحت بيرل باب الحضيرة ونادت بهمس وجزع كمن خلفه مصيبة "أخي!"
اعتدل هايدن من استلقائه مستنكرا أمر قدومها وبيرل لما رأته تنفست الصعداء أخيرا وعلى الفور امسكت بيده تجره فيفرا هاربين.
"ما الذي يحدث؟!"
"شش! اخفض صوتك فالليل قد حل ألا ترى ذلك" همست تنهره عن الحديث وجعلته يسير خلفها يتبع خطواتها التي كانت تقصد منزل آل آرنر وعلى الفور دقت على الباب دقتين ففتحت جورجينا الباب لها ليجد هايدن حال أهل الدار فوضويا وفي الركن كان مايكل يلعن حظه.
"ما الذي حدث؟"
سؤاله كان بريئا لكنه قفز في مكانه مرتعبا وبكلا يديه تمسك ببيرل لما هزت زمجرة الوحوش سكون الليل ليدرك حينها أن موعد خروجهم قد حل...

.png)
اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة