illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

القصر فوق السُّحب وأسفل القمر الفصل العاشر




الفصل العاشر


كانت ليلة سيدة القصر عسيرة ولم تستيقظ إلا بوقت متأخر، خرجت من غرفتها على امل ان تجد زوجة الحطاب تطبخ لها ولما رأت ان الأواني فارغة ولا أحد في المنزل احست بالضيق فكيف لهم ان يخرجوا دون ترك طعام لها.

فتحت باب الكوخ ونادت على زوجة الحطاب، لكنها لم تكن موجودة في الارجاء لذا عادت الى الداخل وبحثت في الدواليب عما يمكنها اكله ولما لم تجد ما يؤكل، قررت تناول البيض لكن البيض لا يظهر من العدم لذا بثيابها الملكية خرجت من الكوخ تنادي على الدجاج.

"يا دجاجة أعطني بيضة من بيضاتك فانا جائعة!"

مدت يدها الى الدجاجة تامرها الا ان الدجاجة اكملت سيرها تأكل من حشرات الارض.

احست سيدة القصر بالاهانة؛ كما تشائين سآخذ بيضة دون علمك!

اقتربت من قن الدجاج ولما رأت القذارة حوله تذمرت، لكن جوعها كان اشد لذا انحنت وفي حين غفلة من الدجاج سرقت عدة بيضات ثم ركضت مسرعة الى الكوخ والديك يلحق بها نية الانتقام "هشش! هشش! ابتعد عني!" هشته وركلت الهواء بقدمها علها تُخيفه لكنه هو من تمكن من اخافتها لما فرد جناحيه وهم بنقر ساقها لذا لم تجد حلا سوى ايصاد الباب.

وضعتهم في وعاء وكسرت احداها نية اكل ما بداخلها لكنها فزعت من الذي سال على طول يدها فصاحت من شدة تقززها.

في هذه الاثناء ولج إليا الى الكوخ مستعجلا وتعجب لما رأى سيدة القصر ليقول بملل؛ هذه انتِ

"اسمع أيها الفلاح تعال وأعد لي هذه البيضة كما تفعل زوجة الحطاب، فأنا اتضور جوعا"

"هل هذه مزحة سخيفة؟ لستُ في المزاج للتعامل معكِ فأنا مستعجل"

"لقد كان أمراً وليس طلبا يا هذا!"

تقدم إليا منها ونزل إلى مستواها، اخذ خصلة من شعرها يلفها بين اصبعه وقال بسخرية؛ لكن لا أرى قصرك في الأرجاء يا سيدتي.

سحبت سيدة القصر شعرها وهمت بصفعه لكنه امسك معصمها وقال؛ لا يغركِ إيفان المطيع فأنا لستُ مثله وليكن بعملك أن ما صنعتيه بوجهه ليلة أمس لن يمر عليَ مرور الكرام.

لم تُخفي سيدة القصر خوفها الذي تأجج في جوفها ولم ينقذها من هذا الموقف العسير إلا عودة زوجة الحطاب؛ ما الذي تفعلانه..

تبسم إليا وابتعد عن سيدة القصر قائلا؛ لا شيء، كان هناك قملة تسير في شعرها وأبعدتها أليس كذلك يا سيدتي؟

لم تنبس سيدة القصر بحرف ولم تزح عينيها الحذرة من على إليا، راقبته وهو يغادر ولم تشعر إلا بضربة تأتي على كتفها؛ أ هذا هو الذي خنتيِ زوجكِ معه يا خائبة؟

"ماذا؟!"

"لا شيء، لم أقل شيئا يا بنيتي" هزت العجوز رأسها لما تذكرت أن هذا سرٌ خطير قادرٌ على تدمير حياتها وحياه زوجها العجوز.

"انا جائعة!" قالت سيدة القصر فجأة وبقهر تذمرت لدرجة أن الدموع تجمعت في مقلتيها "لم اعرف كيف أشعل هذا الشيء البغيض، كيف لك ان تخرجي دون ان تعدي لي الإفطار!

تعجبت العجوز من هذه الدموع وفي داخلها تبسمت فلو كان لها ابن صغير لفعل الشيء ذاته، لصرخ وبكى من شدة جوعه؛ رأيتكِ استغرقتِ في النوم لذا خرجت لجمع التفاح كي اعد بالدقيق الذي لدي فطيرة، هل تُحبين فطيرة التفاح؟

اومئت سيدة القصر وجففت دموعها التي تثير الشفقة؛ أجل.

مسحت زوجة الحطاب على تفاحة واعطتها لها؛ تناولي هذه بينما اعد لك الطعام.

"شكراً" اخذ سيدة القصر التفاحة وقضمت منها بنهم، تبسمت العجوز وقالت بينما تشعل النار في الحطب؛ هذه أول مرة اسمعُ منكِ شيئاً طيبا يا بُنيتي.

"لما لم توقظيني وقت الفطور؟"

"كنت نائمة بعمق ولم أرد ايقاظك فلابد أنك متعبة بسبب الحمل، يكفيه أنه جعل مزاجك عكرا لأيامٍ عدة"

تذكرت سيدة القصر الليالي الي صرخت فيها أكثر مما نطقت بكلام مفهوم وتنهدت بخجل من اعصابها الحامية "انظري، أنا شخص يتمتع بحس عالي من اداب الحديث لكن ما مررت به لم يكن هينا عليَ لذا اعذري انفلات اعصابي"

"لا عليك" هزت العجوز رأسها بلا بأس.

راقبت سيدة القصر العجوز وهي تنفخ على النار لتتأجج وبعد ان باتت جاهزة وضعت قدرا صغيرا والقت فيه بيضتين ومن بعدها باشرت بتجهيز العجين؛ سيجهز طعامك يا سيدتي العزيزة قريبا فاصبري.

"غالينا، إن اسمي هو غالينا"

"يا له من اسم جميل، بيني وبينكِ لطالما اردت سؤالك لكن كنت محرجة منكِ. لا تحزني يا غالينا سأضع لك على الخبز زبدة وسيكون الذ من البارحة. اعذريني فما تمكنت من شرائه كان القليل"

تذكرت السيدة غالينا امر ذلك الخاتم ثم سألت؛ قولي لي لما زوجك كان غاضبا بسبب الخاتم؟

"آه ذلك الخاتم؟ لطالما اردت بيعه الا انه يقابلني بالرفض دائما"

"لما؟"

"لا يريد ان يضل إصبعي فارغا، دوما ما يثرثر حول انه لم يتمكن من ملئ عنقي ويداي بالمجوهرات ولم يتمكن من ملئ خزانتي بأجمل الثياب" تبسمت زوجة الحطاب بوهن مكملة؛ انه حتى يلوم نفسه لعدم حصولنا على ولد.

"لماذا لم تتركيه وتجدي رجلا قادرا على اعطائك ما تحبين؟"

ضحكت زوجة الحطاب وقالت "لقد تاخر الوقت على هذا" لما تذكرت حياتها معه أكملت؛ لم يتقدم رجل للزواج بي في الحقيقة، فوالدي كان سيء السمعة والعمر تقدم بي كثيرا لذا لم اعد مطمعا للرجال... مرض والدي بعدها بمدة ولم يعد لنا معيل لذا وفي احدى الايام ريثما كنت ابيع الملفوف في سوق القرية عوضا عن ان يطلب مني الملفوف طلب يدي للزواج.

زمت غالينا شفتيها من هذه الرومانسية الرخيصة فعبارة عوضا عن أن يطلب مني الملفوف طلب يدي للزواج اصابتها بالغثيان.

"انه زبون كان يرتاد بسطتي دوما ولم يخيل لي انه قد يتقدم لي فلقد كان في يافعا في بداية شبابه، اذكر انه كان يبلغ حينها السابعة عشر وأنا في التاسعة والعشرين من عمري"

"إن فارق السنِ بينكما كبيرٌ جدا" قالت غالينا متناسية أنها أكبر من القيصر ومن الزوجين أيضا. 

"لقد اصبح رجلا في عمرٍ مبكر" رأت السيدة غالينا ابتسامة ترتسم على شفتي السيدة العجوز وفكرت في حالها لتردف قائلة؛ انا ايضا مثلك، لم يطلب أحد يدي بسبب اخوتي... يمكنك القول انهم مخيفون قليلا لذا لم يتجرأ أحد على الاقتراب من منزلي وكل من فعل كانت نهايته سيئة، إن اخوتي لهم أفكارهم الخاصة حول الناس قائلين أن كل من يقترب من قصرنا نواياه فاسدة"

"يا لها من قصة مثيرة للاهتمام وكيف تقدم لك زوجك إذا؟"

"لم يحضر هو إنما أرسل خادمه ايفان لطلب يدي، يمكنك القول انه واجه اخوتي ولم يخف منهم... حسنا هو ارتعب منهم لكنه كان شجاعا لدرجة ان اخفى خوفه منهم" تأملت السيدة غالينا الخاتم في اصبعها وفركته ليعكس لها هيئة ايفان وهو يسير في سوق البلدة.

"إنه شاب صالح"

"همم؟"

"اقول ان ايفان رجل طيب وحريص على سيدته"

"بالتأكيد عليه ان يكون كذلك وإلا سيغضب عليه سيده"

"أتمنى له كل الخير، علهُ يجدُ فتاة صالحة مثله فتكون زوجة له"

"أليس كذلك" قالت غالينا من تحت أنفاسها بضيق فلقد تعكر مزاجها لما تذكرت أمر تلك المرأة التي ينوي الزواج منها "لا تقلقي عليه هو سيتزوج حالما نصل إلى الديار"

"حقا؟ كم هذا مبهج، أخبريني عنها إن كنت تعلمين"

"منذُ متى والأسياد يهتمون بزيجات الخدم!" خرج صوت غالينا زاجراً دون أن تقصد فها هي تفقد أعصابها مجدداً.

"ها قد عدنا لنقطة البداية، وأنا التي تأملتُ فيك الخير، رباه. متى ستغادرين منزلي كي ارتاح من لسانكِ هذا" تمتمت زوجة الحطاب تحت أنفاسها ورمقت غالينا من زاوية عينها ثم عاودت عجن العجين.

"هل قلتِ شيئا؟"

"لم أقل شيئا يا سيدة غالينا"

"مم" زيفت غالينا ابتسامتها كحال زوجة الحطاب ولما اشاحت كل واحدة برأسها بعيدة عن الأخرى لم تقصرا بصنع تعابير متضايقة.

لم يمضي من الوقت الكثير حتى عاد الحطاب الى منزله ومن خلفه ولج إليا، انتظرت غالينا رؤية ايفان لكنه لم يأتي لذا سألت إليا مخفية اي عاطفة في صوتها؛ أين الآخر؟

استنكر إليا سؤالها ليجيب بسؤال آخر؛ ألم يأتي بعد؟

احست غالينا بتخبط في معدتها وهزت رأسها نافية بعدم قدومه.

"قال ان عنده عملا في سوق البلدة" اجابهم الحطاب.

"آه، إلى أن يأتي تعالوا لنتناول الغداء فلابد انكم تتضورون جوعا"

"اننا كذلك بالتأكيد" قال الحطاب وابتسامة ودودة تعلوا وجهه. اكلت غالينا مما قدم لها لما وضع الطعام وكل تارة تذهب ببصرها نحو النافذة على امل ان ترا إيفان في الافق.

بعد الغداء، غالينا اتخذت مجلسها على الأريكة الصلبة واخفضت رأسها بسبب الأرفف القريبة، كانت الريح شديدة في ذلك اليوم والنوافذ الخشبية تمايلت من جانب لآخر دون توقف. كانت تأمل أن يعود إيفان قبل الغروب وبالفعل دعوتها تحققت لما رأته في الافق يقترب والشمس من فوقه تتستر خلف الغيوم اخذة معها النهار.

احست غالينا بحال بدنها المشدود يرتاح أخيرا كمن خفف عنه الخناق وانتظرت اقترابه أكثر لتبلغ إليا كي يذهب هو ويستقبله بنفسه فهي سيدة ولن تفتح الباب لفلاح بالأخص بعد خصامهما ليلة أمس.

"إيفان! اين كنت كل هذا الوقت؟ لوهلة ظننتُ أنهم عثروا عليك" همس إليا نهاية حديثه وامسك بقميص إيفان يجره ولما لاحظ ما كان يحمله قال؛ ما كل هذا؟!

خرج الحطاب مع زوجته لما سمعا صوت حمار ينهق والكثير من الدجاج، فوجدا حماريين يجران عربة سليمة الهيئة، فيها قفص يحتوي من الدجاج ما يقارب العشرين، ست شوالات من الدقيق والكثير من لوازم المنزل.

"يا بني أخبرني ما كل هذا!" تعجب الحطاب لما سلمه ايفان لجام بقرة سمينة وقال؛ ان هذا كله لكم.

"لكن لما؟!"

"مقابل ضيافتكم الحسنة"

"لكن ان هذا لكثير"

"انما هو قليل صدقاني وسيدتي، اتمنى ان يعوضك هذا عن خاتمك الذي بعتيه لأجل ضيافتنا"

تعجبت السيدة من خاتم من الذهب تتوسطه زمردة كبيرة لم تنفي اعجابها الشديد به واخذته من إيفان برحابة صدر فهي لن ترفضه ابدا؛ شكرا لك يا بُني، لكن من اين لك كل هذا؟

"إن هذه الخيرات مقدمة لكما من سيدتي، ناولتني من نقودها وأبلغتني سراً ان اشتري لكم الكثير كشكرٍ لما بذلتموه من جهد في تحملنا"

التفت الزوجان إلى غالينا التي بدورها كانت مصدومة مما سمعت فهي لم تعر ايفان اي شيء ولم تطلب منه اي طلب، انهالا عليها بالشكر وقبلا يديها بامتنان على الهدايا؛ يا سيدتي المبجلة غالينا لك جزيل الشكر على ما قدمتيه لنا، إن كنتِ تودين البقاء أكثر فمنزلنا المتواضع مفتوح لك دوما.

بعيدا عنهم امسك إليا بذراع ايفان وهمس يسأله؛ أجبني يا إيفان كيف حصلت على كل هذا؟ لا تكذب عليَ فلستُ ساذجاً، فلو كانت تلك المرأة كريمة كما تزعم لتصدقت علينا بخاتم من خواتمها منذ البداية.

"إليا دع ذراعي فهذا ليس الوقت المناسب" همس إيفان يريد اسكاته لكن إليا كان حازما وقال؛ تحدث يا إيفان!

"لقد بعتُ التُفاحة الذهبية، هل هذا ما تريدُ سماعه؟!"

"ماذا فعلت؟! بعت التفاحة الذهبية مقابل هذا فقط! لابد انهم غشوك فالتفاحة تساوي أكثر من هذا"

"انها قرية صغيرة يا إليا فماذا عساي اجني"

"لو صبرت كي نبيعها الى القيصر نفسه! كان سيعطينا سعرا أفضل من بقرة وعشرين دجاجة!"

"اخفض صوتك يا إليا! قد يسمعوننا"

"آه منك ومن عقلك يا ايفان" همس إليا ثم زيف ابتسامة للزوجين وفي داخله كان يندب حظه فلد خسر تلك الهدية النادرة التي كان ينوي بيعها للقيصر والحصول على منزل كبير في العاصمة.

أصر الزوجان على اكرامهم لكن ايفان أبلغهم عن حاجتهم في اكمال طريقهم الذي سيطول أكثر و أكثر إن استمروا على هذا الحال، لم يكن بيد الزوجين حيلة سوى تقبل الوداع وريثما هما يلوحان تبادلا النظرات وامتدحا السيدة كما لو أنها كانت ضيفا خفيفا.

صعد إليا على ظهر فرسه وبملل انتظر غالينا صاحبة السعادة أن ترضى بصعود الفرس فقد كانت تشتكي دون توقف؛ لما لم تجلب لي عربة؟! هل تراني ارتدي ثيابا تُعينني على ركوب الخيل!

"ظننتُ أن النبلاء يجيدون ركوب الخيل"

"أنا اجيد ركوبه! لي ثمانية إخوة لم يقصروا في تعليمي" حدقت بالفرس خاصتها ثم قالت بتردد "لكن فقط لم أمتطي فرسا منذ مدة طويلة"

"ماذا؟" سأل إيفان كونه لم يسمع آخر حديثها فصاحت به؛ إنها غلطتك يا إيفان! لما انت ضيق التفكير عندما يتعلق الأمر برفاهيتي!

"يا امرأة أغلقي هذا الفم البغيض قبل أن اغلقه لك! ألا تفهمين أننا نبعد عن القصر مسافة الشهر ونصف الشهر!"

شهقت غالينا بصدمة من لهجة إليا الحادة معها وحدقت بإيفان تستنصر به وإيفان وبخ ابن خالته. أعانها إيفان على صعود الفرس ثم جلس خلفها والفرس الثالث جره إيفان من لجامه سالكين طريق الديار مجتازين حقول الشعير.

"أخيراً بعضُ الهدوء" تنهد إليا براحة وألقى برأسهِ للخف لا يدري بنظرات غالينا الحاقدة عليه ولما تذكرت سوء لسانها قالت مبررة كي تُسمع إيفان فلا يظنها سيدة دميمة الأخلاق؛ لا تبالغ، إنه مجرد إنفلات عصبي يحدث من حين لآخر وهو امر متوارثٌ لدينا في العائلة لكن طباعنا الأخرى حسنة.

تذكر إيفان اخوتها الثمانية ثم قال؛ لابد أن اعصابكم من نار.

"إن اخوتي جيدون وهم ليسوا على تلك الهيئة طوال الوقت، لهم زمانٌ كانوا فيه يتحدثون ويسيرون بطبيعية"

"هذا ما كنتُ أخشى سؤالكِ إياه، لأني لازلت غير مقتنع كيف لوحوش ضارية مثلهم أن يكونوا اخوتك بالدم"

"لا تقل عنهم وحوشاً ضارية، إنهم جيدون لكن... يمكنك القول انهم غاضبون طوال الوقت لذا هم فقط لا يعودون إلى ما هم عليه"

"غاضبون؟ افهم من كلامك أن غضبهم جعلهم على تلك الهيئة"

"بالطبع! وهل كنت تظنهم بذلك القبحِ دوما!" لم تعرف غالينا كيف تشرح له حالهم وقالت في محاولة واهية؛ عائلتي في السابق كانت على وفاق مع البشر امثالكم وقصرنا لم يكن عاليا فوق السحاب، إني اذكر أوقاتاً كان النبلاء يقصدون قصرنا من بقاع الأرض لكن...

"اخي ماكسيم حكى لي أن جدي تم اغتياله وابي من فرطِ حقده احرق البلاد، قتل ًالكثير منكم ثم قُتل برمحٍ اسود ومن بعدها رُفع قصرنا إلى الأعلى بأمر من عمي قائلا أن لا خير يأتي منكم"

تلك القصة جذبت اهتمام إليا الذي كان ينصتُ بتركيز ثم سأل؛ لكننا لم نسمع عن أي من هذا، كل ما سمعناه هو قصص خيالية عن قصر يطفوا فوق السُحب.

"لقد مر وقت طويل على تلك الحادثة لدرجة أني لا اذكر الكثير. كنتُ صغيرة آنذاك، اخوتي هم من أخبروني بذلك. ثم هم أيضا تعرضوا لغضب حارقٍ جعلهم عالقين في تلك الهيئة سنين طويلة، لقد مررت بالشيء ذاته لما كنتُ صغيرة"

حاولت غالينا التذكر لكن كل شيء كان مشوشاً في رأسها "كل ما أذكره كانت هيئة مُربيتي الإنسية يتم جرها على الأرض من قبل عمي وثيابها ملطخة بدم لم يكن دمها بل كان دما يتدفق بغزارة من معصمي، تلك الضجة التي امتزجت بصراخي كلها تلاشت باللحظة التي شعرتُ فيها بنار تلتهمني ولم استوعب ما حولي إلا لاحقا، ثم علمت من أخي يوليان أن الثواني الحارة تلك كانت ستة اشهر"

"لما؟ ما الذي حدث؟" سأل إليا.

"لقد حاولت مربيتي قطع يدي"

"لما عساها تفعل ذلك؟ إنه لشيء لا يصدقه العقل! كيف لمربية أن تحاول قطع يد فتاة صغيرة"

احست غالينا بالحيرة هل تخبرهما عن السبب أم لا، فهي تذكر بوضوح الوعد الذي قطعته على شقيقها الأكبر ماكسيم، بأنها لن تكشف عن سر العائلة لأي إنسي، فبالشر بطبيعتهم يغلبهم الطمع ويجعلهم يرتكبون جرائم لا تغتفر كحادثة اغتيال جدها ومربيتها التي شرعت بقطع يدها.

ذلك السر هو نفسه الذي جعلهم يأخذون قصرهم فوق السُّحب.

حدقت غالينا بإليا ثم بإيفان وبعد تفكير ليس بالطويل قالت؛ انتما لن تمساني بسوء أليس كذلك؟

"لما عساي اؤذيك يا سيدتي؟" تعجب إيفان من سؤالها.

"أخبرني أيها الفلاح ما الذي بعته في القرية؟"

"ذلك المعتوه باع تفاحتنا الثمينة بسعر زهيد! لقد كانت هدية من غُراب ينطق!"

زفر إيفان بقهر من ابن خالته الذي لا يكتم سرا وقال؛ سيدتي إنها ليست بذلك الشيء القيم، مجرد تفاحة ذهبية بعتها لأتمكن من تعويض الزوجين.

"بل انها اشد قيمة منك يا ايفان! لو بحثت في بقاع الارض عن مثلها لما وجدت"

"إليا انها مجرد تفاحة!"

"ان كنت لا تقدر قيمتها فانا افعل! لما تتصرف دون استشارتي لربما كنت اريد استثمارها!"

"تفاحة ذهبية إذا" بسطت غالينا كف يدها لتظهر تفاحة ذهبية من العدم مقاطعة شجارهما وسألتهما؛ تشبه هذه؟

صُعقا يفركان اعينهما مرارا وتكرارا ليتأكدا ان كانا في حلم ام حقيقة؛ لا اصدق ما تراه عيناي يا ايفان، هل للتو ظهرت تفاحة ذهبية في يدها؟ الم تقل أنك بعتها فما هي فاعلة هنا؟!

"متأكد أني بعتها وقبضتُ ثمنها!" هز ايفان رأسه للجانبين في حين ان إليا قرر صفع نفسه ولما أحس بألم الصفعة أيقن انه في واقع وليس حلم. تعابيرهما التي صنعاها جعلت من غالينا راضية اشد الرضا وقالت بغرور؛ انها ليست تلك التي بعتها، بل انها أفضل بكثير.

القت بواحدة لإليا ثم بالثانية لإيفان لتتملك إليا السعادة كونها أثقل وزنا وأكبر حجما؛ هل هذه لي حقا!

اخذ ايفان قضمه وأحس بحلاوة لا مثيل لها تمر ببراعم لسانه؛ كيف تمكنت من فعل ذلك!

"هذا هو سرُ العائلة، ان كل ما رأته عيناك من خيرات في قصري هي من صنع اسلافي فهم قادرون على صنع الكنوز بلمحة عين"

كادت اذنا إليا ترفرف من جمال ما سمع وبتلهف قال؛ وهل حضرة السيدة المبجلة قادرة على صنع عملات ذهبية؟

"هل تسخر مني؟ أقول لك إني اصنع كنوزا ومجوهرات وانت أيها الفلاح تسألني عن عملة ذهبية!" تعجبت غالينا من سؤاله لكنه بالنهاية مجرد فقير لن يفقه الفن في المجوهرات بل يريد عملات ذهبية لا غير.

هز إليا رأسه نافيا وقال؛ لابد أنك لست قادرة على ذلك، لو كنتِ تستطيعين لفعلتها دون مماطلة.

"أيها الفلاح، رغم أني لم اسامحك بعد على دناءتك معي لكن ليكن بعلمك، ان الكرم هو اسمي الثاني والتسامح صفة من صفاتي لذا سأهبك من الذهب ما يسرك. أعطني ما يسع لأملئه لك ولترى أني قادرة على صنع الكنوز"

بحث إليا عما ينفعه ولم يجد سوى قبعته التي تعلوا رأسه فأخذها وقربها من يديها مخفيا مكره وحيلته.

كانت السيدة غالينا عند وعدها وجمعت كفا يديها ليفيضا بالكثير من العملات الذهبية والمجوهرات الثمينة، لم يصدق إليا منظر الزمرد، الياقوت وكل ما هو نفيس يملئ قبعته حتى كادت تتمزق، عندها توقفت غالينا؛ هل رأيت الآن ما أنا قادرة على فعله.

"لك خالص شكري وامتناني، لطالما أيقنت في داخلي أنك شخص طيب لكن ثرثرتك المستمرة ضايقتني. اغفري لي جميع زلاتي يا صاحبة السعادة"

تبسمت غالينا واحست بمقامها يرتفع أكثر وأكثر فقالت بتعالي؛ سامحتك لكن إياك وتكرار فعلتك. وانت يا إيفان دعني اكرمك واهبك من الذهب أيضا.

"شكراً لك سيدتي لكن لا أملك قبعة كإليا"

"إذا ضع غرفة في جيبك"

أعطت غالينا لإيفان من الذهب ما يملئ به جيبه وتبسمت برضى عن نفسها فها هي تقوم بدور السيدة الطيبة التي تُكرم خدمها.

لم يستطع إيفان الشعور بالسعادة كحال إليا والذنب في داخله تفاقم دون توقف، فها هو يسوق بها إلى كذبة اختلقها لينقذ عائلته من بؤس الفقر وملئ جيوبه بذهب هي صنعته. لم يتحمل إيفان صوت العملات في جيبه وقال؛ يا إليا اسدي لي معروفا، إن هذه العملات الذهبية تثقل عليَ قفطاني فلما لا تضعها في جيبك.

"هل انت جاد؟"

"أجل، ثم ما أنا فاعل بكل هذا الذهب؟ لدي ما يكفي"

"هل تردُ هديتي أيها الفلاح؟!" تعجبت غالينا من قوله ليردف إليا ساخرا منه؛ دعكِ منه يا سيدتي انه هكذا دوما لا يعرف قيمة الذهب.

لاحظ ايفان استياء غالينا من رفضه لهديتها وقال؛ ان كانت سيدتي تود اعطائي ذهبا لخدمتها فلا شكراً، لكن إن كنت مصرة فلي طلب آخر غير الذهب والزمرد.

"ما هو؟" سألته غالينا بفضول تريد ان تعرف ما الأكثر قيمة من الذهب. لربما الكثير من الذهب؟ هي قادرة على صنع الكثير منه دون ان تبالي، فهل يا تُرى هو يرغب بقطعة من حليها؟ لربما يريد قصرها؟

كاد ان ينطق ايفان لكن لسانه عُقد فكيف له أن يخبرها بالحقيقة ثم يطلبَ العفو منها، خوفه على عائلته كان اشد لذا قرر التكتم على رغبته وقال؛ سأطلعك عليه عندما يحين الوقت.

"لقد اصبتني بالحيرة والفضول يا أيها الفلاح، متى سيحين هذا الوقت؟ ثم هل سأكون قادرة على تحقيقه؟"

"هذا ما اتمناه يا سيدتي" تبسم إيفان بوهن وكرغبة منه في تغير الموضوع سألها؛ سمعت زوجة الحطاب تُناديك بغالينا لما كانت تودعك فهل هذا اسمُ حضرتك؟"

"ألم اخبرك باسمي آنذاك؟"

"مع الأسف لم تفعلي، لم تسنح الفرصة ابدا" توقف قليلا ثم جرب نطق اسمها "غالينا"

لم تُخفي غالينا اعجابها باسمها عندما نطق به ولما استمرت الرحلة حتى قطعوا معبرا كان الشجر يزين جانبيه، هي أذنت لنفسها أن تعيد ظهرها للخلف حيث صدره ثم رأسها، لتنعم غالينا برحلة من نوع آخر. فما الضرر من استعمال خادم للقيام ببعض التجارب العاطفية؟ هي شعرت ببدنهِ يتصلب ومن النظر إلى يديه أدركت كم كان مشدودا من هول ما يمر به من موقف.

رفعت غالينا بصرها إلى الأعلى حيث تقاسيم وجهه كانت واضحة لها وهمست "إيفان"

"أجل سيدتي" قال محتفظا بوتيرة صوت متزنة، راقبت غالينا تفاحة آدم وهي ترتفع وتهبط من شدة ارتباكه فماذا عساه يفعل أو يقول وهي زوجة ملكهِ المستقبلية.

إن التفكير بها بشكل غير لائق يعد جريمة جزاءها هو خسارة رأسه ثم كيف عساه يكف عن ذلك وهي أحيانا بقصد أو بغير قصد تفتز الكثير من الاحاسيس بداخله، الناضجة منها والعاطفية.

"ألن تخبرني بما ستبوح لي به عندما ذلك يحين الوقت؟" قالت والفضول اشعلها بينما إليا كان قد سبقهما في المسير.

"مارسي الصبر قليلا بعد يا سيدتي"

"لقد مارستُ من الصبر الكثير حتى هذه اللحظة، إن كنت لا تريد فلا تقلها. ليس وكأنني مستميتة لتحقيق امنيتك"

رأت غالينا زاوية شفتي إيفان ترتفع رغم محاولاته الكثيرة لكتمها، تأكد إيفان من إليا بعيدا بما فيه الكفاية عنهما ثم دنى قُرب شعرها وهمس ريثما عيناه مثبتة على الطريق أمامه؛ بالمناسبة لقد قبلتُ اعتذاركِ سيدتي.

عقدت غالينا حاجبيها بحيرة من قوله ولما تذكرت ما تجرأت على فعله ليلة أمس تصلب بدنها واعتدلت في جلستها من شدة شعورها بالحرج.

"فلاحٌ دنيء" تمتمت.

عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz