الفصل التاسع
اتى صباح اليوم التالي وسيدة القصر لم ترضا ان تشاركهم الطعام كعادتها، خرج إيفان وإليا للعمل والحطاب كان مسرورا بهما، هو لم يملك ابنا يعينه في العمل فتقدمه بالسن والعرجة في مشيته سببت له هما تفاقم حجمه حتى بات اثقل من الجبل. جاورهما في طريقهما للاحتطاب وتمنى لو امتلك شرابا وطعاما لذيذاً كي يسقيهما؛ إني خجل اشد الخجل منكما.
هز إليا رأسه للجانبين متظاهرا بالرضا لكن في نفسه تمنى لو يتقاضى أجرا على ما يبذلهُ من مجهود، شتم إيفان تحت أنفاسه فهو يبقيه بعيدا عن العودة إلى قصر القيصر واستلام جائزته.
"لأُصارحكما القول، إني حزين على السيدة التي بصحبتكما، المسكينة ترصد بها اللصوص وسلبوها عربتها وأملاكها وها أنتم الان بعيدون عن ارضكم مسافة شهر ونصف الشهر. أي أجل لسانها ثقيل لكن أعذرها فكيف لمن نام طوال حياته على فراش مريح أن يرضا بفراش قاسي يؤلم الظهر"
"لا تشفق على حالها بل أشفق على حالنا نحن الموكلون بالاهتمام بها وخدمتها"
تذمر إليا ثم تذكر الكذبة التي لفقها بمهارة، فلقد أخبرهم أن تلك المرأة تكون زوجة سيدهم الموقر وهو نبيل ابن نبيل، يحمل لقب بارون لكنه خسيس قد هجر زوجته في تجارة وبعد ان استقر، طالبها في رسالة ان تأتي الى العاصمة وتقطن معه.
السيدة رفضت الذهاب اشد الرفض حبا في تراب موطنها، فقطع عنها النفقة عقابا لعصيانها ولما ضاق بها الامر ذرعا واستنفذت أموالها، دعت عليه دعوة ان يصاب بحادث لا يقوم منه سليما وبالفعل وصلها خبر حادثه واصابته البليغة، ثم زين رسالته أنه مشتاق لوجودها إلى جوارهٍ في أيامه الأخيرة.
هي لم ترفض طلبه وأصرت على الذهاب بموكب كامل نية التشمت به إلا ان فعلتها استدرجت قطاع طرق نهبوا ثروتها وسفكوا دماء خدمها ولم يتبقا لها أحد غيرهما.
كان إليا مسرورا بكذبته التي لفقها في ليلتهم الأولى عند الزوجين، إلا أنه وبسبب جهله لم يفلح بالحسابات فكيف تكون حاملا في شهرها الثالث وزوجها لم يقربها منذ سنة أو أكثر.
لم يعلم حينها أنه ترك دليلا غير مقصود يدين سيدة القصر ويكشف حقيقة خيانتها لزوجها. بالطبع هذه كانت أفكار زوجة الحطاب، فلقد فكرت يوما وليلة بهذه الأحجية حتى توصلت لهذا الاستنتاج ومنذ ذلك الحين هي قطعت وعدا على نفسها بعدم إفشاء السر الخطير خشية الوقوع في مصيبة فهؤلاء الأغنياء لا يأتي منهم خير.
عودة إلى الحاضر، بيعهم لهذا اليوم كان مبشرا والحطاب مدحهما، فلقد اعتبرهما جالبين للبركة ولما عادوا الى الكوخ، تعجبوا من الدخان الذي يتصاعد من المدفأة والرائحة الشهية، التي جذبت أنوفهم واستهوت بطونهم.
فتح الحطاب باب بيته و وجد زوجته تعجن العجين وفي القدر حساء لم يكن بحساءِ الملفوف فقد كان حساءَ دجاج والشاهد عليه كانت بقايا الريش المتناثرة في الأرجاء؛ عجبا يا زوجتي من حال هذا الطعام الشهي، أي بركة هذه التي حلت على منزلنا.
"مسرورة انه اعجبكم. لقد اتيتم في الوقت المناسب، لن يستغرق الكثير لذا اصبروا"
كان حال إليا كحال الحطاب مسرورا بالطعام إلا ايفان الذي كان مسرورا برؤية سيدة القصر تجلس على كرسي قرب الموقد، تراقب زوجة الحطاب اثناء خبزها للخبز.
خصلها الداكنة فرت من تحت الوشاح الذي كان ملقيا على رأسها متبعة التقاليد ولها وجنة محمرة بسبب يدها التي كلما شعرت بالتعب بدلت بين ساقيها وعاودت اسناد وجنتها على كف يدها في محاولة واهية لممارسة الصبر.
رمقت سيدة القصر هؤلاء الرجال الثلاثة ومطت شفتها بملل تعاود مشاهدة مراسم بسط العجين ومده؛ هذه الطريقة تعلمتها من جدتي، كانت دوما ما تجلسني بجانبها كي تحرص على تعليمي هذا الإرث العائلي.
"مم" همهمت سيدة القصر تتظاهر بالإهتمام بهذه الأمور القروية وفي داخلها هي لم تفهم حرفا واحدا كونها لم تدخل المطبخ في حياتها ولم تكلف نفسها عناء التفكير بالطعام الذي يُقدم لها ثلاث مرات في اليوم.
اتخذ إليا والحطاب مجلسا لهما ثم ناديا على إيفان الذي بقيت عيناه معلقة على سيدته المبجلة، التي بدت كما لو انها حديثة الزواج تجاور والدتها في القانون لتتعلم صنع الخبز لزوجها العزيز وبالطبع ذلك الزوج هو ايفان.
"سيدتي، من الجيد رؤيتك"
رمقته سيدة القصر من طرف عينها ولم تشغل بالها بالرد عليه بل اكتفت بانتظار عشاءها ان يجهز وإليا من ركنه كان يراقب إيفان بعدم رضى.
لما فرغت زوجة الحطاب سكبت لكل واحد منهم الحساء في وعاء "تفضلي يا بنيتي هذه لك" ثم أشارت لهم على الخبز مسرورة؛ انه ساخن لذا تناولوه بتمهل.
هبط الجميع واتخذوا مجلسا، إلتفو حول قدر الحساء الذي كان يتوسطهم والنار على مقربة منهم إلا سيدة القصر، فضلت البقاء على كرسيها محافظة على اداب المائدة و وعاء حسائها كان مستقرا بين كفي يديها.
التفت إيفان لها، يرى ان كانت مسرورة بطعامها هذه المرة ولما رأى عيناها معلقة بصحن الخبز الساخن أدرك أنها لم تحضا بواحدة، انتقا لأجلها أكبر خبزة وعرضها عليها دون النهوض من مكانه؛ تفضلي يا سيدتي، إنها قطعة جيدة.
ارتبكت سيدة القصر واعتصرت قبضتها، ليس من حيائها إنما من يد إيفان المتسخة، فمن الحقل إلى الطعام اتى دون الاهتمام بتعاليم النظافة. أجبرت نفسها على قبولها منه وقالت تكتم تعابير تقززها؛ لما كلفت نفسك...
حملقت بالخبزة ثم من الجهة التي لم يلمسها هي قطعت لنفسها برؤوس اصابعها، قضمتها بقهر فهي ليست معتادة على تناول الطعام بيديها ولما ظنت أن هذه الليلة لن تسوء أكثر صُعقت من صوتهم وهم يرتشفون الحساء الساخن بتقطع.
وقعت عيناها على الحطاب وهو يرتشف من الوعاء حتى استقرت قطعة من اللحم ملفوفة بالعظم ضد فمه فالتقمها بشفتيه وامتصها بتلذذ ليبصقها بعد ذلك في وعائه مجددا ويكمل حسائه ولما فرغ مص شعر شاربه الذي تسلل إلى داخل فمه من شدة طوله.
لمحها تبحلق به فتبسم لها وقال؛ آمل أن العشاء نال استحسانكِ هذه المرة.
أحب الحطاب امتلاء منزله وتخيل لو ان له ابنا، كان سيكون بعمر ايفان او أكبر منه وكان سيملئ عليه المنزل بزوجة وأبناء وريثما هو سارح في مخيلته انتبه على أصبع زوجته فارغا فسألها؛ أخبريني ما بال اصبعك فارغ؟
"اه؟ لابد أني نسيت ارتدائه فقد نزعته لما كنت اعجن الخبز، ثم ما هذا الحديث ونحن نأكل الان؟ أخبروني عن بيعكم اكان مرضيا؟" وكزت زوجها كي لا يكثر من السؤال.
"بالطبع سيكون مرضي، أخبريني أ ظهر واحد يحمل الحطب ام ثلاثة ظهور أفضل؟"
"إن هذا لخبر مفرح... اه ان نار الموقد تكاد تخمد، يا إليا لما لا تقطع لنا بعض الحطب فهذا لن يكفي للفجر"
"إني منهك لكن لا تقلقي إيفان سيذهب ويجلب الكثير" ربت إليا على كتف إيفان ثم عاد بظهره إلى الخلف يريح بدنه ومع كل حركة تأكد من اصدار آهات تخبر الجميع أنه منهك.
"بالتأكيد" قال إيفان مرغما فإليا لم يدع له مجالاً للرفض.
أشعل إيفان لنفسه فانوسا وقبل ان يخرج سمع الحطاب يسأل زوجته مجددا عن خاتمها فهو لم يجده قرب الموقد كما قالت. ذهب ايفان الى المخزن خلف الكوخ وباشر بفلق الحطب الى نصفين او أكثر، ذلك الصوت المزعج والنور المتسلل الى غرفتها ضايقها ففتحت النافذة الخشبية لتجد إيفان يلوح بالفأس ثم يفلقه الى نصفين من اول مرة.
"سيدتي! آمل أن الصوت لم يزعجك"
"كيف له أن لا يزعجني وانت تقطع الحطب قرب نافذتي"
"سامحيني يا سيدتي، لأجلك سأحاول ان انتهي بسرعة"
"لا تستعجل فتقطع اصبعك عن طريق الخطأ"
"إني ماهر بهذا ولن يصيبني مكروه"
"مم" همهمت سيدة القصر ثم اراحت ذقنها على كف يدها تراقبه ريثما يعمل؛ أخبرني ايها الفلاح ما هذا العمل الذي تقومون به ولا تعودون الا بعد المساء.
"جمع الخشب تقصدين"
"اجل هذا"
"لا افهم مقصد سؤالك يا سيدتي ان كنت تقصدين لما التأخر فان قطعه وجمعه ثم بيعه يستغرق وقتا اما ان كان سؤالك لتعلمي متى سنغادر فإن كنت ترغبين فبإمكاننا الرحيل غدا"
"ما بالك لست راضيا عن الرحيل؟ الم تسدد دينك المزعوم لهم ايها الفلاح وتجلب المال؟"
"إني أفكر بدجاجاته، لو كسبنا أكثر اليوم لكنت اشتريت له من الدجاج ما يسد حاجته"
القى ايفان نظرة على قن الدجاج الذي عمروه ببعض الخشب والمسامير ثم أكمل؛ ايضا إني حزين على حاله الوحيد لا يملك ابنا يحمل عنه التعب.
"ان زوجته لا تكف عن الحديث عن موضوع الابن ذاك، لقد جلبت لي صندوقا يحوي ما خاطته لابنها لكنه لم يأتي ابدا، ارادت اعطائي منهم لأجل ابني المزعوم ولم تدع لي مجالا لرفضهم لذا قلت ان اجعلها لأبنائك انت"
"ماذا؟!"
"ما بك متعجب هكذا؟ الا تنوي الحصول على ابناء؟"
اومئ ايفان لها ثم قال؛ ومن عساه لا يرغب بذلك.
"هذا جيد، إذا كل ما ينقصك ايجاد امرأة"
قالت سيدة القصر وبأصابعها فركت على زينة وشاح رأسها، كان مرفقاها مستندا على طوب إيطار النافذة وظهرها ممتداً الى الخلف.
لم تنتبه إلى إيفان الذي انفصل عن الواقع مستذكرا تخيلاته عن وقت تشاطره فيه سيدة القصر نفس الوسادة وسقف واحد يجمعه بها "إنها موجودة لا حاجة للبحث عنها"
"حقا! لا تبدوا كرجل يعرف من النساء أحدا" قالت مستنكرة فهي كانت تنتظر منه إجابة مثل سيدتي المبجلة بعد رؤيتي لحضرتك لم يعد لنساء الأرض قيمة في نفسي.
غرورها في نفسها كان شديدا وحتى لو لم يكن إيفان زوجها هي ارادته واقعا لها لا يمجد غيرها، الامر ذاته كانت تنتظره من إليا والزوجين كذلك توقعاتها كانت عالية حول القيصر وخدمه فهي موقنة أنها تستحقُ التقديس.
"كيف يبدوا الرجال الذين يعرفون النساء؟"
"لا أدري، لكنهم مختلفون.. يشبهون أخي تماما، إن له طريقة أخرى في الحديث" قالت سيدة القصر بحيرة وهي تستذكر شقيقها الذي كان يمتلك معارفَ كثيرة من النساء.
"لا أود تخيل الطريقة التي يتحدث بها اخوتك" هز إيفان رأسه لا يريد تذكر اخوتها الذين لم يتهاونوا بحرقه، عاود فلق الحطب ظنا منه أنها سوف تتخلى عن الجملة التي نطق بها عن طريق الخطأ لكنها اصابته بالصدمة لما سألته؛ هل هي أجمل مني؟
حدق إيفان بها وخلف وجهها الغير مهتم، كان يوجد آخر يكتاد يحترقُ في مكانه من الغيض "إنها جميلة"
"أجملُ مني!"
عقد لسان إيفان وهز رأسه لا يعرف كيف ينجوا من هذا المأزق؛ إنها تعجبني..
"تحبها؟!" قطبت سيدة القصر حاجبيها بعدم رضى.
"اعتقدُ ذلك"
"تعتقدُ ذلك؟"
أومئ إيفان بنعم في حين أن سيدة القصر استذكرت ما قرأته في الكتب، عن شخصيات راودها ذلك الشعور المدعو بالحب وشعرت بالحسد تجاه إيفان، فكيف له وهو مجرد فلاح أن يشعر بذلك الشيء المسمى بالحب وهي لم تشعر به بعد "هل هي فلاحة مثلك؟"
"لا، فيدها لازالت ناعمة من النعيم التي هي به"
"يا ترى هل ضربت رأسها؟ أعني كيف لها الزواج من رجل مثلك بلا مؤاخذة"
"لا أدري"
"لا تدري؟" لم يجب إيفان وسيدة القصر لم تلح بالسؤال لما رأت تعابيره تبدلت إلى أخرى حزينة وفي نفسها تعجبت؛ أ يحبها لهذه الدرجة؟
راقبته وهدوء الليل كان ثالثهما، استذكرت سيدة القصر تلك القصص التي روتها جدتها لها، عن رجال ذوي مرتبة أدنى احبو من غير مقامهم نساءً، أي أجل جدتها لم تكمل القصة بحكم أنها قابلت ملك الموت لكنها دوما ما كانت تحذرها من الاقتراب ممن هم أدنى مكانة منها.
إلا أن سيدة القصر وجدث بفضل بحثها عن نهاية تلك العلاقات في الكتب. إذ كانوا رجالا خاضعين لرغبات هؤلاء النسوة ومن شدة قباحة ما يفعلون في الاسطبل سرا أو السراديب، هي اخفت الكتاب تحت ثوبها واخذته لغرفتها، خوفا من أن يمسك بها أحد من اخوتها وهي تقرأ شيئاً مُشينا كهذا، غير مدركة المعنى الحقيقي وراء تحذيرات جدتها.
ليراودها سؤال لم تفكر به قبلا، ما الذي أوصل كتابا كهذا إلى مكتبة قصرهم؟ ثم تبعه سؤال آخر ألا وهو، هل يعقل أن إيفان فعل شيئا كهذا مع تلك المرأة التي يحبها؟ فإيفان يملك ذلك الوجه الساذج عكس معارفها من ذوي النفوذ، فقد كانت ترى حالهم وحال من يحيطهم من الخدم، خدمهم كانوا خاضعين ذليلين لرغبات أسيادهم غير قادرين على النطق بحرف، في حين أن اصحاب النفوذ اعناقهم مرفوعة إلى أعالي السماء.
انزلت السيدة بصرها الى هدية زواجها في اصبعها وعاودت الدعك على اللؤلؤة علها ترى ذلك القيصر لكنه كالمرة السابقة ظهرت هيئة ايفان.
انتابتها الحيرة من حال هذا الخاتم ثم بشرود قالت؛ إني لا افهم النساء أمثال تلك العجوز، كيف لها ان تكتفي بما ليس له قيمة.
"لم افهم مقصدك"
"إني اتحدث عن زوجة الحطاب ذاك وخاتمها الذي في اصبعها، لا أدري كيف تعتز به وهو ليس بذهب او فضة حتى، الم ترى ما اشترته لما قامت ببيعه؟"
توقف ايفان مندهشا مما سمعه وسألها؛ هل باعت زوجة الحطاب خاتمها لجلب الطعام؟
"اجل وخير ما فعلت، على الاقل اشبعت نفسها وزوجها كذلك ضيوفها"
شعر ايفان بالخزي من نفسه فزوجة الحطاب باعت خاتم زواجها الثمين لأجل اطعام ضيوفها وهو لم يكلف نفسه بيع اي من ممتلكاته لسد حاجتهم وفضل القيام بأعمال لا تجلب فائدة تذكر.
"ما بك قد تبدل حال وجهك ايها الفلاح؟"
"لما لم تخبريني من قبل؟"
"لم يكن خبرا ذا قيمة كي اوصله لك ايها الفلاح، ثم ألم ترها كيف تكتمت على الأمر؟ إنها لا تريد أن يعرف أحد وأظن السبب عائد لكونها لا تريد تصديق أن قيمة خاتمها مجرد دجاجة وشوال طحين" قهقهت كما لو أنها قالت افضل نكتة على الإطلاق.
هز ايفان رأسه بقهر من سيدته التي لا يهمها شيء وما الذي كان ينتظره منها على اي حال فهي لن ترى قيمةً في خاتم بسيط كما لن تنظر إلى إيفان فهو لن يطول ابداً استحسانها.
"ايها الفلاح!" انزعجت سيدة القصر لما لم يجبها ايفان؛ يا ايفان! ما بالك لا ترد؟ اكل هذا الحزن تملكك لمجرد بيعها لخاتم رخيص.
"سيدتي المبجلة" كسر ايفان صمته وقال؛ ان ذلك الذي تقولين عنه رديء بالنسبة لها اشد قيمة من كنوز قصرك كلها.
احست سيدة القصر بإهانة شديدة، فمن هو كي يقارن قصرها البديع بذلك الخاتم الفالصو. بعد رؤيته قصرها البهي وبعد كل ما قدمته من خيرات له هو يتجرأ عليها. غضبها تفاقم ولم تشعر بنفسها إلا وصوت حاد يخرج من يدها لما أنزلتها على وجنته بقسوة وخاتمها خلف اثرا داميا في وجهه.
شهقت سيدة القصر بفزع ولما أرادت تدارك الوضع غادر إيفان تاركا إياها وحدها.
شعرت بالذنب أجل لكن كبريائها منعها من إنزال نفسها إلى مستواه والاعتذار منه فهي بالنهاية سيدة قامت بتأديب خادم زوجها.
استدارت الى الحجرة، التي كان لقب زنزانة يليق بها أكثر من غرفة، لا يوجد صوت سوى صوتها في حين ان الجميع يمكث خلف الباب متنعما بدفأ النار وذلك الدفأ لم يكن مطمعا لها بل كانت تطمع لشيء اخر.
صُعق الجميع من الجرح الذي اخذ وجنة إيفان بالكامل والضجة التي احدثوها وصلت إلى مسامعها، استمروا بسؤاله عن سبب الجرح وإيفان كذب عليهم قائلا إنه خُدش بغصن مدبب ريثما كان يقطعُ الخشب.
الصقت سيدة القصر أذنها ضد الباب تستمع إليهم حتى اللحظة التي عم الصمت فيها لتدرك أنهم خلدوا للنوم؛ يا تُرى كيف حال وجهه؟
بقيت تدور وتدور حول نفسها وقلبها لا يكف عن القلق إلى أن قررت التحلي بالشجاعة وأدارت مقبض الباب بحذر خشية أن توقظ أحدهم.
كانت نار الموقد تلتهم الحطب دون كلل أو ملل وشخير الزوجان تارة يعلو تارة ويهبط أما إيفان وإليا على الأرض يتشاطران نفس الوسادة أو من المفترض ذلك فلقد اخذ إليا الوسادة لنفسه.
جثت سيدة القصر على ركبتيها كي تنزل لمستوى إيفان الذي كان ظهره يواليها. اقتربت منه خلسة وقد كانت معتادة على ذلك من أيام قصرها وخصل شعرها المتمردة انسدلت لتسقط على عنق إيفان وكتفه مدغدغة إياه.
شعرت بالخزي من نفسها كونها لم تتمالك اعصابها وهذه العادة السيئة كانت وصمة عار في عائلتها، فجميعهم غير قادرين على تمالك أنفسهم في لحظات الغضب.
"أنا آسفة" خرجت الكلمات من بين شفتيها قرب أذنه والحزن تملكها على ما أصابه "لم أكن اقصد" بحذر أبعدت شعره عن وجنته، ثم من دون قصد أنزلت يدها على كتفه تنظر إلى الجرح في وجنته.
لما سمعت سيدة القصر حركة الحطاب يكاد يصحوا زحفت لغرفتها موصده الباب بسرعة سامحة لإيفان بفتح عينيه وجمع أنفاسه أخيرا فلقد حبسها بصعوبة شديدة.
"رباه!"
تمتم من صدمته وجر الوسادة من إليا كي يدس وجهه فيها من شدة قباحة تخيلاته الغير أخلاقية في تلك اللحظة.


اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة