illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

القصر فوق السُّحب وأٍسفل القمر الفصل الثامن

 





الفصل الثامن

حل صباح يوم جديد، معلنا عن انتهاء عاصفة منعت القرويين من أداء أعمالهم وأول ما فعله الحطاب كان الخروج لتفقد دجاجاته معه ايفان وإليا. طعامهم كان بسيطا، مجرد عدة بيضات مسلوقة لا شيء يجاورها فهما لم يملكا بقرة تدر لهما الحليب ولا مال يكفي لشراء العلف حتى.

"يا حضرة السيدة الوقورة الن تخرجي فالطعام حاضر وسيبرد"

نادت زوجة الحطاب عليها وبالفعل خرجت سيدة القصر لما ايقنت ان طعامها لن يأتي الى سريرها كما اعتادت، ولجت الى حيث يفترشون على الأرض في غرفة جلوس ضيقة ولم يكن يعرف حالها اكانت غرفة جلوس ام مطبخ، فالأواني موضوعة على الأرفف، أسفلهم طوب مصبوب، موضوع عليه بعض الاقمشة لتكون في الظهيرة أريكة وفي المساء سريرا للزوجين.

"اين هو طعام الإفطار وأين المائدة؟ حسنا لأسأل هذه المرة عن شيء بسيط اكثر، أين الأطباق والملاعق؟"

اتاها الجواب بالبيضة المسلوقة التي تحملها زوجة الحطاب بيدها.

"ما هذا؟"

"انه فطورك يا بنيتي"

"ماذا يوجد معها؟ لما أرى بيضتين فحسب؟"

تبادل صاحبا المنزل النظرات المرتبكة فيما بينهما فهذه المرأة تستمر بالشكوى، يكفيها أنها لم تدعهم ينامون براحة كذلك تنتقد دون تردد البضع لقيمات الموجودة عندهما لتذكرهما بفقرهما الشديد.

"هل ستظلين واقفة تحملقين بالطعام؟ لا يوجد غير هذا وإن كنت جائعة تريدين المزيد حركِ قدميك وقومي ببيع خاتم من خواتمك" قال إليا بضيق منها وفي نفسه عيناه كانت على مجوهراتها التي تغمر كل جزء منها.

كاد إيفان أن يختنق بلقمته و وكز إليا على حديثه ليرمقه بحدة فقال إليا؛ ما بال هذه النظرة السخيفة؟ إن ما أقوله لَعينُ المنطق. إنها لا تكف عن التذمر، تريد منا سريرا وطعاما كثيرا لكنها لا ترى أنه لا يوجد مال لتوفيره!

"سيدتي، سامحيه فهو لا يقصد كلمة مما قال. إن حضرتك جائعة بالتأكيد لذا لكِ حصتي من الطعام" عرض ايفان عليها فهو لم يضعها في فمه بعد وتمنى أن لا تعير إليا من اهتمامها الكثير لكنها بالفعل وضعته في رأسها وتعابير انزعاجها كانت واضحة.

"اعطيها لذلك الجائع وأكرمه، أخبرني متى تنوي الرحيل فقد بقينا هنا بما فيه الكفاية"

"سيدتي لقد قطعت وعدا على الحطاب بمساعدته على تعمير الحديقة" تحدث ايفان فقد اتفق هو وإليا على مساعدة الحطاب وزوجته كذلك الاحتطاب لأجله فهما لا يملكان نقودا لرد الجميل.

اشتدت قبضتا سيدة القصر وبحاجب مرفوع قالت؛ حسنا إذا، ناديني عندما تنوي المغادرة

اوصدت سيدة القصر باب الغرفة تاركة إياهم لتنزوي مع جوعها بصمت. حكت زوجة الحطاب شعرها بحيرة ثم قالت؛ لم تأكل ما وضعته من طعام لها حتى.

"دعك منها يا جدة وأكرميني أنا بالمزيد فلا أمانع تنظيف ما تبقى" أخذ إليا حصة السيدة وزلقهم إلى بلعومه واحدة تلو الأخرى.

لم يضيع ايفان وإليا الوقت، فحالما فرغا من الطعام خرجا لمعاونة الحطاب في تعمير قن الدجاج وترميم الحديقة التي فسد زرعها وسيدة القصر في غرفتها تستمع الى أحاديثهم عبر النافذة ولم تكن مواضيع شيقة ذات فائدة فلقد أسمتها أحاديث الزريبة لعدم حديثهم عن شيء سوى الزراعة والابقار.

ترقبت سيدة القصر حلول المساء وبكل جوارحها دعت أن تذهب الشمس بلا رجعة، لعل ضمير إيفان المعطوب يعمل ويدرك أن عليه الاستعجال بأخذها إلى القيصر، كي تعيش هناك في القصر حيث تستحق بعيدا عن هذا الكوخ الذي تفشى فيه العفن. كم كانت مسرورة بعودتهم لما حل الليل وهمت بسؤالهم عن موعد الرحيل لكن رائحة عرقهم نخرت أنفها حتى ظنت أن رأسها قد ثُقب.

"مساء الخير يا سيدتي، ا هناك ما تودين قوله"

"اجل... اذهبوا وخذوا حماما فقد احترق انفي من بشاعة رائحتكم!" اوصدت باب غرفتها قبل أن يقترب منها خطوة إضافية ليشعر إيفان بالخزي من نفسه ويتفقد رائحته؛ هل حقا تفوح مني رائحة نتنة يا إليا؟

"يا إيفان كف عن الاستماع لتلك المرأة ولا تبالي برأيها، أن وجهها الجميل ذاك الذي اعجبك لا يقدر على تغطية بشاعة لسانها. اقسم أني لا احتمل المرأة التي تثرثر"

عاود إيفان شم رائحته فلا أحد من عائلته يهتم بهذه السطحيات، حتى أمه لم تنتقد رائحته يوما وهو لم يكن يعلم أنها بسبب ذريتها الكثيرة من الذكور وزوجها الذي كان انتن منهم رائحة، ماتت حاسة شمها ولم يعد هناك فرق بالنسبة لها بين رائحة أبنائها وبين رائحة روث البقر.

"إيفان تعال واجلس معنا" نادى إليا الذي جلس ثم مال على جانبه مستلقيا يحك شعره ريثما يتسامر مع الحطاب وزوجته كانت عند الموقد تعد نفس الحساء، ألا وهو حساء الملفوف.

استأذن إيفان من زوجة الحطاب بهمس يسألها عن مكان يغتسل فيه، فجهزت لأجله ماءً ساخنا ثم اخبرته عن ركن في مزرعتهم يوجد فيه حوض من الخشب يستحمون فيه. لو كان المنزل منزل إيفان لوضع الحوض في منتصف غرفة الجلوس قرب النار ولسكب الماء على رأسه يغتسل كأي قروي عادي لكن وبحكم أنهما مجرد ضيفان تحمل إيفان الاغتسال في العراء.



وضع إيفان دلو الماء الساخن على مقربة من الحوض الذي جلس فيه وبوعاء صغير سكب الماء على شعره وعلى سائر بدنه يشطفه بسرعة ولا فكرة في رأسه تدور سوى أن عليه التخلص من رائحته النتنة كي ترضى عنه سيدة القصر.

كان صوت الماء في هذه الساعة المتأخرة من الليل شيئا قد استنكرته سيدة القصر وبحكم أن غرفتها مواجهة للمزرعة، فتحت النافذة الخشبية بدافع الفضول فإذا بها ترى ظهر إيفان مكشوفا بالكامل لها.

فزعت مما رأته وجثت راكعة على الفور منزلة رأسها خشية أن يلمحها، بحذر رفعت رأسها شيئا فشيئا كي تراه، تجرعت حلقها الذي لاحظت كونه جف بشكل لم تعهده ودقات قلبها كانت في تسارع دون تريث فلأول مرة هي ترى شيئا كهذا.

في تلك الليلة لما عثرت على إيفان مغشيا عليه، خدمها من نظفوا وجهه وبدنه من أثر الدخان ثم ألبسوه أحسن الثياب، من بعد هذا كله هي تفضلت لغرفته.

اندلعت في داخلها ابواق الحرب، فقد كانت الطبول تدق بين شيطان يحثها على المشاهدة وبين ضمير يستحلفها أن تغلق النافذة وتكف عن انتهاك خصوصيته، لكن الغلبة كانت لفطرتها الأنثوية التي أججها الشيطان وبكل حواسها اليقظة استرقت النظر إليه، ولو لم يكن بجانبه فانوس لما أمكنها ملاحظة تقاسيم ظهره النحيل.

لم تشعر بذاتها وهي تقضم اظفرها ولم تهتم بألم ركبتيها، التي أعلنت افلاسها من المدة التي بقيت فيها راكعة قرب النافذة، لكن الهدوء تبدل وفر هاربا باللحظة التي أعلن بها إيفان انتهائه مقرراً النهوض من الحوض.

اتسعت عينا سيدة القصر وانزلت رأسها بسرعة لتلصق ظهرها بحائط الغرفة وتوصد فمها بيدها خشية اصدار أي صوت. صدرها لم يهدأ ابداً ورأسها كان يوبخها اشد التوبيخ لكن ومن بين الفوضى هي انزلت يدها وابتسامة لا تعرف معناها كانت مرتسمة على شفتيها فلقد رأت ما يوجد أسفل ظهره.

تارة قضمت اظفرها وتارة كورت وجنتيها بكلا يديها فلقد كان هذا أكثر شيء شقي فعلته في حياتها؛ كم أنا سيئة.. اخوتي لن يكونوا مسرورين ابدا.

"سيدتي؟"

كتمت سيدة القصر أنفاسها على الفور لما سمعت نداء إيفان وظله الذي تسلل عبر النافذة منعكسا على الأرض راقبته بتوجس، لعبتها الصغيرة انقلبت إلى نقمة وصوت إيفان البعيد بات قريبا؛ سيدتي ما الذي تفعلينه عندك؟

رفعت سيدة القصر بصرها إلى الأعلى فإذا برأس إيفان ممتد عبر النافذة وقطرة ماء طائشة انسابت من خصلته الشقراء لتقع على جبينها مبللة إياه؛ المعذرة فلم اجفف شعري جيدا.

ابتعد إيفان عن النافذة وسارع بتجفيف شعره بخرقة القماش، في تلك الاثناء جمعت سيدة القصر قوتها واجبرت ذاتها على النهوض فمن الخوف انقلبت قدماها الى خيط من حرير لا يقوى على حملها.

"أيها الفلاح هذا انت... ا.. اخبرني ما بالك تمد رأسك وتسترق النظر إلى غرفتي" هبطت عيناها على الفور إلى ما يوجد أسفل عنقه وقد كانت الثياب التي ألبسها خدمها له في ليلته الأولى في قصرها.

"لقد قلقتُ عليكَ يا سيدتي واستعجلت بتفقد الغرفة"

عُقد لسان سيدة القيصر واكتفت بالهمهمة، شعر إيفان بعدم رضاها فبرر قائلا؛ كانت نافذة غرفتك مفتوحة على غير العادة، كذلك بدت الغرفة فارغة... سيدتي متى فتحتِ النافذة؟

سألها وفي داخله سؤال آخر لا يستطيع طرحه ألا وهو هل رأيتني وأنا استحم...

"ماذا؟... لقد كانت مفتوحة منذ مدة، اجل فالجو كان بارد لذا فتحت النافذة"

"الجو بارد لذا فتحتِ النافذة!" كتم إيفان ابتسامته وأومئ برأسه دون التوغل في هذا الموضوع أكثر.

"لقد أخطأت.. كنت أعني أن الجو كان ساخنا بعض الشيء"

"لا عليك"

أنزل إيفان بصره إلى الأسفل واصابعه لا تكف عن العبث بحافة قميصه الفضفاض، عقله في هذه الاثناء توقف، وكيف له أن يعمل في حضرة سيدة القصر لذا وبكل بدائية اتبع اوامر عقله أن ضرب التربة برأس حذائه مرات عديدة فقد كان عاجزا عن النظر إليها ريثما تحدق به فعيناها كانتا شيئاً هو لا يستطيع مجابهته.

"أيها الفلاح" تحدثت سيدة القصر وإيفان اختلس النظر إليها من أسفل حاجبيه فلقد شغل نفسه بالأعشاب الطويلة أسفل النافذة؛ أجل سيدتي؟

"ما سبب عدم رحيلنا بعد؟ لا افهم لما نطيل عندهما وهما لا يملكان ما يوفر لنا المسكن المريح"

"سيدتي المبجلة" ابتدأ إيفان حديثه كي يخفف من غضبها؛ لقد فتحا لنا باب دارهما عندما لم يقبل بنا أحد وشاركانا مشربهما ومأكلهما وهما بالكاد يملكان ما يأكلان.

"لازلت لا أرى اننا مدينون لهم بشيء فلا الطعام يرضي ولا المفرش، لقد رأيت بنفسك تلك الحشرة التي تجرأت على لمس ساقي" رفعت السيدة وشاحها واضعة إياه على شعرها لما تذكرت تلك اللحظة المهينة.

"سيدتي، كما ترين فالحديقة لازال سورها غير سوي ومخزون حطبهما لا يكفي، إنه رجل مسن يعرجُ في كل خطوة لذا أمهليني من الوقت كي أعينه في بيع البعض"

"تمهل عندك، لما ترى نفسك مدينا لهم ولا تجد حالك مدينا لي، قدمتُ لك في قصري ما لم تكن لتراه حتى في أحلامك، زوجة سيدك المستقبلية هي أنا، لذا حق عليك ان تستمع لي وتطيع امري عندما اخبرك أني لن اجلس هنا أكثر"

لم يأتها رده فسألته؛ ما بك لا تنطق؟ الم يعجبك ما قلته.

"اجل، لم يعجبني البتة"

زفرت سيدة القصر بضيق وكادت ان تكمل لكن زوجة الحطاب قاطعتهما ان نادت عليه بان العشاء جاهز.

"إني قادم"

التفت الى سيدته وعرض عليها المجيء، فوافقت لا تملك خيارا اخر ولما رأت انه حساء ملفوف لا يوجد فيه ملفوف حتى، اشتد غضبها وقالت بحنق؛ يا ترى هل نقعتي الورق في الماء؟ رباه!

اوصدت الباب خلفها، كانت مكسورة القلب على اللقمة التي لا تكاد ترضيها وهكذا انقضت ليلتها الثانية بدموع حارة لا تكف عن الانهمار من مقلتيها.

عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz