illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

القصر فوق السُّحب وأسفل القمر الفصل الثاني عشر




الفصل الثاني عشر

خبر عودتهما الى الديار كان عيدا وعلى شرفهما اقيمت الأفراح، وليمة تليق ببطلين مثلهما لكن إليا لم يكن معجبا بالاحتفال الرخيص والطعام الرديء في طبقه، أما ايفان غفل عن فخذ الدجاجة خاصته فإذا بكلبه يسرقه من طبقه لتختصم معه بقية الكلاب على تلك اللقمة البسيطة.

"ما بكم تتقاتلون، خذوا بقدر ما تحبون" قدم ايفان لهم الخمس دجاجات المشوية في الطبق الرئيسي امام اعين اقربائه ولم ينتبه ان احدُ اشقائه كان سيهم باقتلاع الجناح والتلذذ به.

غضب اكبرهم فقد اخذ ايفان طعاما كان سيشبع ابنائه الخمسة وهم بتوبيخ اخيه لكن زوجته اوقفته، فايفان معروف عنه بينهم انه ابله بليد الفكر لذا خشيت ان يحرمهم من الهدايا بسبب زوجها، فعند عودته وهبهم كل ممتلكاته التي جناها، المواشي التي طالب بها والمؤن اقتسموها فيما بينهم، حتى حصته من صندوق الذهب فتحه لهم وأخبرهم ان يأخذوا بقدر ما تهوى أنفسهم إلا خاتمه الذي في اصبعه، ابقاه لنفسه.

رغم حصولهم على الكثير الا ان الاخوة بقيت اعينهم منصبة على ذلك الخاتم راغبين بالحصول عليه، فقد علموا انه ثمين ولو لم يكن كذلك لما استخلصه لنفسه.

"يا ايفان، لمالا تعيرني الخاتم، سيكون مناسبا مع القفطان"

اقترح اخوه الأوسط راغبا بالحصول على الخاتم كي يضيفه الى القفطان والجزمة التي حصل عليها. انزل ايفان يده ساحبا إياها لنفسه دون التلفظ بشيء، عسى ان يفهمه شقيقه لكن الاخر شعر بالضيق وهتف قائلا؛ ما بلك لئيم لا تود مشاركتي الخاتم، كما لو انني لن اعيده.

"اخاف ان يضيع من يدك"

"وهل تراني معتوها كي يضيع مني؟"

"توقفوا عن الجدال، ماذا تركتم للصغار كي يفعلوا اذ كنتم تتجادلون هكذا!"

فصلت بينهما والدتهما، وضعت في منتصف المائدة سلة فيها من الخبز الكثير وبلمحة عين اختفى كل ما فيها، فلقد امتدت ايدي الجميع كبيرهم وصغيرهم ولم يتركوا لها شيء. هذا كان حال هذه العائلة الكبيرة وحتى بعد ان زوجت أبنائها، عادوا اليها مع ذرياتهم وهي لم تكن تمانع فلقد احبت المكوث بين أبنائها واحفادها.

"أمي" همس ايفان لوالدته ومد لها الخبزة التي ضفر بها لتقول كلها رضى عنه؛ يا بني الحبيب لم يذهب الحزن عني الا بعد عودتك، كم كنت مهمومة برحيلك قلقة على حالي، فمن عساه يذكرني غيرك.

مع كل كلمة نطقتها أبنائها السبعة كانوا يحدقون بغيض، أي اجل ايفان ابله لا يعتمد عليه إلا انه كان الأقرب الى امهم. التي لطالما كانت تجد عذرا لمصائبه ولم تكن تتقاعس عن حفظ حصته من الطعام والشراب، حتى عند الطبخ من بينهم جميعا هي كانت دوما تعد ما يهواه ايفان.

ظنوا انهم سيرتاحون لما رأوه فاشلاً قليل الحيلة، إلا انهم صُدموا بازدياد تعلقِ والدتهم به وكلما احبته أكثر كلما زادوا الخناق حول عنقه حتى ظهر لهم بحرفة تافهة، ألا وهي إيجاد كل ما هو ضائع. تأكد اخوته من السخرية منه في كل فرصة لكن هذه المرة احبه الأقارب والقرية بأكملها فمن غيره كان يركض بحثا عن مقتنياتهم الثمينة.

اسم إيفان ذاع صيته في شوارع العاصمة أيضاً ولما تقاطع طريقه مع تاجر أجنبي كان قد أضاع طبشوراً عزيزاً على قلبهِ مُدعيا أنه سِحري، تبرعَ إيفان بالمساعدة ومقابل صنيعه أعطاهُ التاجر قُصاصة ورقٍ تُلبي له جميع طلباته.

اخوته لم يرتاحوا من وجوده الا بعد دخوله السجن، اذ كانوا خلف دموع حزنهم راضين عن رحيله فهو بالنسبة لهم كان مجرد عائق لا خير منه، لكن فرحتهم لم تدم طويلا فقد عاد إليهم كبطل وآه كيف سيجعلون والدتهم تنظر إليهم الآن، بالنهاية هم لم يقدموا لها ذهبا ولا اسما نبيلا تورثه للأجيال القادمة كما فعل إيفان. لذا وبينما الجميع مسرور، كان غيضهم ينهش أجسادهم لدرجة انهم تمنوا لو قُتل في طريقه ولم يعد.

"شكرا لك يا عمي ايفان، أخيرا سيقتنع ابي بشراء حذاء لي! ولن يقول انه لا يملك من المال ما يكفي" قال أحد الاحفاد مسرورا بعمه ولم يعلم حينها ان جملته كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، فقد فجر براكينا داخل نفوس اعمامه السبعة.

"انظر يا بني كيف أدخلت السعادة الى نفوس هؤلاء الصغار، يا ليت ميخائيل هنا متأكدة انه سيكون فخورا بك"

شخر اكبرهم ساخرا لكن تصرفه جذب اهتمام الجميع من بينهم والدته وقال مبرراً؛ هل انتِ متأكدة من قول هذا امام ابي؟ كنوز الأرض بالتأكيد لن تعوضه عن ابنه الذي فقده.

تجرع السيد سيرجي شرابه بثقل عند جلب سيرة ميخائيل وغمامة رمادية حطت فوق رأسه ليشعر ايفان عندها بالفشل فهو لم يتمكن من جعل والده يتخطى واقعة فقدانه لابنه. كتمت والدتهم سخطها عليهم فأخواتها هنا ولا تريد كشف خيبة أبنائها ولا بؤس زوجها امامهن، فتكون محطا للسخرية لذا غيرت محور الحديث قائلة؛ يا بني ايفان، بما أنك عدت لنا سالما معافى ولم يعد هناك ما يعيقك دعني ازوجك.

اختنق ايفان في لقمة علقت في حلقه ولم يخلصه منها سوى جرعة كبيرة من الشراب، زوجات اخوته كن خير مستمعات وتساءلن فيما بينهن عمن قد ترضى به؛ وهل هناك واحدة؟

"لا املك الآن لكن متأكدة ان ابني لن يكون محلا للرفض وكيف لهن رفضه بعد ان أمسى دوقا ابن دوق"

عاد طيف السيدة غالينا الى رأس ايفان، كم كان يود لو تكون هي عروسة المستقبل الا انها كانت بجوار القيصر ولم تعد متاحة بعد الان. كان الحديث شيقا فكلهم كانوا يتناشقون حول تلك الفتاة كذلك وضعوا لها معايراً فكيف لهم ان يناسبوا من غير النبلاء بعد ان أمسوا نبلاء.

منهم من أصر ان تكون جميلة ومنهم من أصر على ان تكون ذات ثروة، فالفقيرة ستطمع بمالهم بالتأكيد ومنهم من قال ان هذا كله لكثير على ايفان، فمن هو ليستحق فتاة بهذا الجمال وهو نصيبه كان مع امرأة لديها حول في عينها.

وكلما سألوا ايفان عن رأيه اكتفى بقول؛ الذي ترونه مناسبا.

عيدهم انتهى بفقدان اغلب القرويين وعيهم فهم لم تكن لديهم مناسبة ليشربوا ولم يكن لديهم من الشراب الفاخر ما يدعوا للتباهي لكن بعد ان اتتهم الخيرات ورفعت عنهم الضرائب من يقدر على حرمانهم بعد الان..

قرر الإخوة السبعة المكوث في دار والدهم مع زوجاتهم وابنائهم ومن لم يجد سريراً افترش على الأرض، متناسين امر والدهم سيرجي الذي أفرط بالشرب حتى نسي كيفية المشي وزوجته لما رأت حالته ندبت حظها وبصقت عليه؛ يا خيبتي ويا غلطة حياتي.. ايفان ادخل والدك وإن لم تستطع فاتركه في العراء ذلك العجوز عديم الفائدة.

"ابي، يا ابي تعال لنعد الى المنزل"

"أكون عديم العقل ان عدت الى وكر الكلاب ذاك" راودته الحازوقة وقرر ان يوقفها بشرب المزيد لكن الكوب كان فارغا لذا اكتفى بوضع رأسه على المائدة ومحاولة النوم.

"يا ابي ان الليل بارد وستضربني في الصباح إن علمت أني لم ادخلك"

"أجل انا سأبرحك ضربا علك تتعلم كيف تطيع والدك"

تنهد ايفان من حال والده وجاهد لجعله ينهض من على كرسيه؛ لما انت دوما ما تُتعبني يا إيفان، لا تطيع أوامر والدك وتوقع نفسك في المصائب... أتدري لو لم تعد الى المنزل كنت سأشنق نفسي وانهي حياتي... ما فائدة كوني أبا أن لم أستطع دفع الموت عن ابنائي...

لم يعر ايفان اهتماما لأحاديث والده عديمة المعنى بحكم ثمالته وأخذه الى غرفة الجلوس التي باتت غرفته الجديدة، فزوجته طردته والقت خلفه وسادة بالية وغطاء ممزق؛ هيا أبي لم يتبقى الكثير.

مدد ايفان والده على سريره ثم انزعه حذائه الموحل تحت انظار سيرجي ليقول بوهن؛ لا اريد النوم... سوف يأتي مجددا ويلومني!

"من؟"

"شقيقك ميخائيل.. سينظر إليَ بعينيه الجاحظة ويسألني لما قتلته، لكن لم أفعل لقد كنت مجبرا، إما انت أو هو و والدتك ارادتك بين ذراعيها"

كانت تلك الحادثة سببا يضاف الى قائمة طويلة، دفعت الاخوة لكره شقيقهم الأصغر ففي وقت مضى عليه الكثير، لما لم يملك ايفان من الادراك ما يجعله قادرا على التميز، دفع إيفان صديقا له في البئر نية المزاح ولم يعلم حينها انه سيسقط حقا.. ظن انها لعبة فذلك الفتى دوما ما كان يخيف إيفان بدفعه نحو البئر ولما قرر إيفان رد المزحة حدث ما لم يكن في الحسبان.

تذكر ايفان مناداته لصديقه الذي لم يرد ابدا ولما رأى الشمس تغرب عاد الى المنزل جريا والخوف يعتريه خشية ان تعاقبه امه.

انتشر خبر اختفاء الفتى، والداه كانا يبحثان عنه في كل مكان وايفان لم ينطق بحرفٍ ولم يخرج من المنزل ابدا. كلما سألوه عن ذلك الفتى هز كتفيه مُدعيا عدم المعرفة ويا ليته ابقى فمه مغلقا ولم يفصح عن فعلته لشقيقه ميخائيل فكيف لصبي بذلك السن كتمان سر ثقيل يكاد يفلق كاهله لنصفين.

لم تمر الليلة الثالثة إلا وعثروا على جثة الصبي وما كان يتناقله الأهالي انه شوهد اخر مرة قرب بيت عائلة سيرجي لذا كانت أصابع الاتهام تكاد توجه الى ايفان لولا ان تدخل ميخائيل الذي زعم ان الجريمة من صنيعه.

صُعق الجميع وتفشى الرعب في القرية، فكيف لشاب كان يسير بينهم ويأكل من طعامهم أن يهم بإغراق صبي لم يتجاوز التاسعة من عُمره، ذلك الرعب الذي انتشر لم يكن ليخمد إلا بإراقة دم القاتل وهذا كان اتفاق الأهالي فالدم لا يُمسح إلى بالدم.

كان ذلك اليوم اسودا بالنسبة لسيرجي وكم توسل ميخائيل كي ينطق بالحقيقة، فابنه كان بجواره في الحقل ذلك النهار لكن ميخائيل اصر على كونه الفاعل وحضي بعقاب من جنس عمله، الا وهو الغرق... والذي ألقاه في البئر كان والده، وخلال سقوطه في البئر كُسر عنقه فمات قبل أن يغرق..

حدق سيرجي بيديه التي ربطت رأس ابنه بشوال ثم عقدت يديه وقدميه كي لا ينجوا من مصيره، يسأل ذاته كيف امكنه فعلها آنذاك.

كان الندم متجليا عليه ففي ذلك اليوم وبعد تنفيذه للحكم وجد رسالة في جيب معطفه، تركها له ميخائيل يبلغه بانه فعل فعلته ليحمي ايفان الصغير وترجاه أن لا يسخط عليه. لهذا لم يكن ايفان محببا الى قلب والده ولا اخوته، فغبائه قد سلبهم من كان عزيزا عليهم ومهما فعل إيفان هو لم يتمكن من تكفير ذنبه الغير متعمد.

"يا ليتني مُت قبل ذلك" تمتم سيرجي ثم رفع بصره إلى ابنه إيفان وبثمالة قال "يا ليت الشيطان منعني عن والدتك تلك الليلة المشؤمة ولم تولد"

احس إيفان بالإختناق ليدرك أن قبضتا والده وجدت عنقه وقال "أبي!.. أبي!"

"جعلت مني مجرما يا ولد! انت من كان عليه الموت وليس ابني العزيز ميخائيل!"

تبدل لون وجه إيفان وضرب كتف والده ثم لطمه على وجهه يريد دفعه عنه لكن لا قدرة له على والده والذي كان مكتنز البدن قوي اليدين.

"أب..أبي .." انقطع صوت إيفان وانتفض بدنه يتوسل والده ليهبه من الهواء القليل.

"فانيا يا بُني أين وضعت.. سيرجي!" فزعت والدة إيفان لما رأت زوجها السكير يحاول قتل ابنه فنزعت خُفها وضربته على رأسه "دعه أيها المجنون! رباه!"

ضربت والدة إيفان زوجها وبصعوبة خلصت ابنها منه "انت لن تنام تحت هذا السقف لا الليلة ولا في أي ليلة! اخرج من هنا أيها العجوز البائس!" طردته خارج المنزل ولم تبالي بحاله لما تعثر وسقط وجهه في الوحل. اوصدت الباب خلفها وعادت إلى ابنها الثمين "هل انت بخير يا بُني؟"

لم يتوقف إيفان عن السُّعال يحاول تدارك الهواء و والدته لم تدع له فرصة إلا وعانقته رغما عنه "ذلك الوغد الملعون كيف سولت له نفسه إيذاء ابني الصغير"

"جدتي، لماذا جدي في الخارج؟" سأل رومان الذي اتى خلف جدته فقد نزل على صوت صياح جده الذي كان في الخارج الثمل يشتم إيفان ويضرب على الباب دون توقف.

"ما الذي كُنا ننتظره... ما بالك تسأل يا رومان، ها قد عاد عمكَ إيفان مع مصائبه مجددا" قال أوليغ الذي كان والد رومان وشقيق إيفان الذي يكبره بست سنوات.

"لا علاقة لعمه يا أوليغ إنما والدك انت لم يترك عاداته البائسة! اذهبوا للنوم ولا أريد سماع صوت أحدٍ منكم وإلا مصيركم سيكون كوالدكم السكير!"

"وهل ستطردين إيفان إذا ما اصدر صوتاً كذلك؟"

"أوليغ أغلق فمك قبل أن ادخل فيه أقدم جزمة عندي!"

شعر أوليغ بالحرج من حديث امه معه أمام ابنه رومان وصاح به "ما بك تنظرُ إلي إيها الغبي؟ هيا اصعد لغرفتك!" ركل أوليغ رومان كي يختفي من أمام ناظره وقبل أن يغادر ألقى نظرة حقد لشقيقه إيفان متوعدا إياه.

"سأذهب للنوم كذلك أمي" قرر إيفان الفرار وترك والدته والخلود للنوم لكن الغرف كانت مكتظة باخوته وابنائهم وعن طريق الخطأ سمع حديثهم عنه.

"هل حقا عاد؟! أفٍ منه ومن حضوره الذي لا خير منه! بسببه طُرد والدكم طردة الكلاب وأمي اهانتني أمام ابني! ما بال القيصر ابقاه حيا؟!" صاح أوليغ وضرب الحائط بقبضة حاقدة.

"ها قد عادت مشاكلنا بسببه، انظروا للسن الذي وصل إليه أهلنا ولازال شجارهما بسبب إيفان، ألم تفهم أمي بعد أن العلة ليست بأبي إنما بابنها الذي تعتزُ به"

"كم ابغضه ذلك المعتوه، بعد كل ما فعل لازال الحظ الى جواره بل وتريد والدتي تزويجه من نبيلة أيضا!"

"دعك من هذا يا بوريس فالولد قد حضي برضى امي مجددا ومن عساه الان يقف في وجهه"

"يظن انه تفضل علينا بكل تلك الهدايا، بل انه مدين لنا! الا يكفيه تدنيس وجهنا بالتراب مرات عديدة"

تظاهر إيفان بعدم سماعه لحرف ومثل ان ظهره يؤلمه من جر والده و ولج الى الغرفة؛ كم أود النوم.. ما بالكم لم تناموا بعد؟

"اخبرنا كيف ننام وصياح أمي وأبي أيقظنا، وبالطبع الفضل يعود لك" قال بوريس بضجر واضطجع على ظره.

"إنه حال أبي المعتاد" بحث ايفان عن مكان للنوم لكن كل ركن كان مشغولا والغرفة المجاورة والدته ونساء العائلة شغلنها "كيف سأنام وسريري ينام فيه اربعة؟"

"يا اخي العزيز انهم ينامون في مكانك منذ ذهابك الى السجن ولا اريد ايقاظ ابنائي فهم متعبون من التجول في شوارع العاصمة"

"لم اكن اعرف ان ابنائك يعملون يا اوليغ، ما هي مهنتهم؟"

"انهم اربعة نشالين محترفين.. لا تعطني هذه النظرة فبينما كان يأتيك الطعام مجانا في السجن كان علينا العمل ليل نهار لأجل لقمة العيش"

"يا ايفان لما تقف في مكانك كالأبله وانت ترى حال الغرفة؟ اذهب وافترش في غرفة المعيشة مكان أبي بعد أن تسببت في طرده"

"أغلق فمك قبل أن يتسبب بطردنا نحن كذلك ويأخذ الغرفة بما فيها" ضحكوا فيما بينهم وإيفان كان قد سئم منهم لذا قال "إن في الغرفة نصيب لي مثلكم، وما بالكم انتم؟! لكل واحد منكم بيت وزوجة ثم تأتون للمنزل كأنكم ملوك وتدعون ابنائكم يأخذون ما ليس لهم!"

صُعق الإخوة من رد شقيقهم الأصغر ومن كان منهم مُستلقيا اعتدل من هول ما سمع "ما الذي تقوله يا عقل الجرادة؟! هل تطردنا من منزلنا؟! إن لأولادنا حقُ في المنزل اكثر منك! أين كنت أنت وما الذي جنيته لإطعام هذه العائلة!"

"ابي هذا ليس وقتك!" وكز رومان والده أوليغ قبل أن يتهور في الحديث اكثر فيخسروا ثروتهم التي كسبوها قبل قليل.

"ما الذي جنيتهُ لإطعام هذه العائلة؟!" صاح إيفان بوجه أوليغ ليتصادم جبين الشقيقين مع فارق السن بينهما وكالثور الهائج تناطحا "أنا من وهبتك لقب الدوق يا منعدم الضمير! لقد اعطيتك واعطيت ابنائك الكثير!"

"وهل تنظرُ إلى لُقمتي؟!"

"صرفت علينا القليل والآن تريد منا تقديسك؟! بئسا لك ولنقودك!" صاح بوريس من عنده.

عُقد لسانُ إيفان لما انقلبت الطاولة عليه ليظهر بدور الأخ السيء، لقد كانوا عصبة ولم يملك إيفان طاقة لمجابهتهم لذا وككل مرة انسحب من أمامهم وفر من الغرفة ليسمع احاديثهم خلفه "احسنت يا أوليغ، سوف يذهب ليخبر أمي!"

"دعه فهذا هو الشيء الوحيد الذي يُجيده منذُ أن كان صغيراً"

هبط إيفان السلالم ليلج إلى غرفة الجلوس ومن شدة غضبه ضرب المائدة يود لو يحطمها فيشفي غليله ومع كل ثانية تمضي، شعوره بالإختناق اشتد ففر هاربا من المنزل وكما قال اخوته كان هذا الشيء الوحيد الذي يجيده بحق.

دوما ما يتم مضايقة إيفان وحله الوحيد كان الاختباء خلف ظهر ميخائيل، لم يتمكن ابداً من مواجهة أصحابه وتلك الدفعة الشيطانية عند البئر كانت مجردَ حل فاشل لجعل صاحبه يكفُ عن إيذائه.

عندما رأى إيفان نتائج فعلته هو فر هاربا ولما تحمل ميخائيل ذنبه هو هرب مجددا لكن تلك المرة هو أدرك حجم خسارته حينها، فلم يعد هناك ظهر ليختبأ خلفه من غضب والده ومن أخوته.

وكلما استعمل حقه الطبيعي باستخلاص والدته لنفسه، اشتد بطشهم عليه كما لو أنهم هم فقط من خسروا أخا لهم.. لقد خسرَ إيفان أحب إخوته لقلبه والذي كان بمثابة والده، ليبقى من بعد رحيله وحيدا، ضيق النفسِ، في أرضٍ شاسعة لا يكاد يرى نهايتها.

من بعد ميخائيل توالت خسارات إيفان كعُقد لؤلؤ تساقطت حباته دون تريث، فلا برضا والده حضي ولا عطف اخوته السبعة.

خسر من عمره أعواما في سجنِ القيصر، لما امتهن هواية إيجاد كل ما هو مفقود ولما بات رجلا قادراً على تربية لحية كباقي الرجال، كُسر كبريائه بخسارته المرأة التي احب وخسارته تلك كانت مُخزية، فلقد سلمها بيده لزوجها كالأبله نية شراء فاهية عائلته.

"أخي ما بكَ تجعلني ادفع الثمن دون تريث" اشتكى إيفان وفي مقلتيه تشكلت ستارة من الدموع "انت من اجبرتني على الاعتراف آنذاك، أخبرتني أن كل شيء سيكون على ما يرام" جلس بتعبٍ على قارعة الطريق و وجنتهُ اراحها على كفِ يده.

"لكن لما لا شيء يسير على ما يُرامٍ كما قُلت"

"لقد كذبتَ عليَ" كاد الحزن أن يغمره لكنه شعر بشيء رطب يضرب ساعده فإذا به كلبه المُسن يُجاوره. حدق بوجه كلبه الذي يُحدق به بدوره ومن بعد صمت سأل إيفان؛ ما الذي احضرك إلى هنا هل اتيت خلفي؟

حافظ الكلب على تعابيره الهادئة ليكمل إيفان؛ هل تريدُ أن نصيد فأراً؟

ارتفعت أذنا الكلب لما سمع كلمة فأر وذيله اهتز دون توقف من شدة تحمسه. اخذه إيفان يحك له اسفل فكه بمداعبة ثم سأله اكثر سؤال وجيه من الممكن أن يُطرح.

"يا تُرى أين أخطأت لأمُر بليلة سيئة كهذه؟"

سأل نفسه وقد نسيَ كذبتهُ التي فرقت بين غالينا وإخوتها. 

عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz