الفصل الثالث
"بالطبع، نُجربُ حظنا في رؤية عائلتنا"
شخر إليا من شدة ضحكه؛ يبدوا أن تناولك للحم الضأن جعلك تظن أنك قادرٌ على خداع القيصر. لكن إليا لم يحصل على ردٍ ولما تفقد إيفان وجده غاطا في نوم عميق وشخير مزعج تسلل عبر أنفه؛ لقد نمت.. لأفعل المثل أيضا.
غط هو الآخر في نوم عميق ومن فتحتي أنفه هرب صوت شخيره ليسمع الاثنان الأحصنة معزوفة لا مثيل لها. فتح إيفان عينيه بعد مدة طويلة فالماء الساخن وتلك اللوفة كان لهما تأثير عجيب عليه ولما رأى ان الليل قد حل نهض من مكانه وبحث في جيوبه عن ضالته.
"إليا، يا إليا استيقظ. ألم تكن تتطلعٌ لرؤية خطيبتك"
"ماذا؟" تمتم إليا بنعاس.
"نحن سنخرج يا صاحبي"
استخرج إيفان قصاصة الورق التي استعادها من القيصر وهمس لها بما يريده منها، هكذا وبشكل سحري، مر نسيم لم يكن موجودا من قبل آخذا الورقة معه لتنزلق من بين بابي النافذة الموصده وتسبح في تمايل نحو الحراس، الذين تركوا حراسة الاسطبل وانشغلوا بالشرب واللهو.
مرت القصاصة من بين ارجلهم ومن خلفهم حتى وصلت الى الحارس المعني حيث وضع المفتاح فوق المائدة وريثما هم يغنون بثمالة تبدلت هيئة الورقة لتنقلب الى حال قطة ورقية تسير على الاربع امام اعينهم ثم خذت المفتاح معها وعادت ادراجها الى الاسطبل محمولة فوق النسيم.
"لا تقل لي انها تلك القصاصة مجددا! اننا لم نرى خيرا منذ ان اقتنيتها!"
"صهه!" نهره إيفان عن اصدار صوت وقرب اذنه من النافذة يستمع الى المفتاح قد ولج في القفل، ثم اللحظة التالية وصل اليه صوت (تليك) معلنا عن انفتاح القفل.
دفع النسيم بابي النافذة من العدم وعادت القصاصة لتستقر في يدِ صاحبها إيفان؛ احسنتِ يا قصاصة الورق والآن يا إليا اتقفز انت اولا ام انا؟
"لا، لن اتبعك في هذا، لقد استمعت اليك قبل سبع سنوات وكلانا نعرف ما حصل بعدها. إني رجل حكيم ولن أقع في نفس الخطأ مرتين!"
"كما تشاء إذا" قفز إيفان من النافذة وحط فوق العشب نية الذهاب لكن إليا استوقفه مناديا.
"امسك بيدي!"
"هذا هو صديقي العزيز، الان اريني الطريق يا قصاصة الورق" نفخ إيفان على قصاصة الورق لتطير امامهما مرشدة اياهما الى المخرج وبالفعل تمكنا من التسلل، فالحراس لم يكونوا بوعيهم بعد براميل الشراب التي افرغوها داخل معدتهم. غيرت القصاصة اتجاهها فجأة نحو كومة الرجال الثملين وحطت على قفطان احدهم ليدرك إيفان حينها ما تخبره ان يفعل؛ إليا لنأخذ ثيابهم.
"ماذا؟!"
"لما تُصر على عدم فهمي من المرة الاولى؟" سبقه إيفان الى الحارس وبعد تأكده من درجة ثمالته عن طريق صفعه ثلاث مرات، جرده من رداء الحرس الاحمر وسلبه القبعة الكبيرة وإليا فعل المثل إذ حاول تجريد رجل كبير البنية من ردائه.
"عزيزتي هل هذه انت؟"
ارعب الرجل إليا بسؤاله ولما بحث عن إيفان ليساعده وجد انه قد ذهب بالفعل فحاول مسايرته لحين استخراج كمه من يده؛ اجل عزيزي، دعني اساعدك في نزع ملابسك
-عزيزتي اخبريني لماذا تركتي شاربيك يصلان الى هذا الحد؟ انك تشبهين امي بشكل مزعج هكذا.
"كم انت بغيض تحب ازعاجي يا عزيزي"
حاول إليا الحفاظ على رباط جأشه بصنع قهقهة انثوية حتى تمكن من انزاعه الرداء كاملا وهم بالهرب لكن الحارس استوقفه ممسكا اياه من معصمه.
"هل ستغادرين دون اعطائي قبلة تدفئني في هذا البرد"
"ايها الوغد! تهينني ثم تطلب مني قبلة؟!"
تحدث إليا هذه المرة دون جعل صوته رقيقا والحارس استفاق فزعا من هذا الصوت فلم يجد إليا حلا سوى ضربه على رأسه وبالفعل ضربه ثم فر هاربا تاركا الحارس يشعر بالحيرة مما اصابه ولما رأى زميله الماكث جانبه يضحك في حلمه قرر انه من ضربه فرد الصاع صاعين.
سارع إليا بارتداء الرداء و وضع القبعة ريثما يركض حتى وصل الى إيفان وبخطوات منضمة سارا نحو البوابة الرئيسية كما لو انهما من حراس القصر؛ قفا عندكما!
استوقفهما المراقب على البوابة مقربا الفانوس من هيئتهما ولما اتضح له انهما من الحراس سمح لهما بالخروج، حافظ الاثنان على خطواتهما الرزينة لكن بعد ان قطعا شوطا من الطريق تاركين القصر خلفهما ضحكا لنجاح خطة إيفان؛ لنكمل طريقنا ولا نتوقف هنا!
"امهلني دقيقة لأشعر بجمال هذه اللحظة!"
رفع إليا بصره الى الأعلى ثم قفز في الهواء سعيدا لحريته التي حرم منها والمدينة التي كانت نقمة في نظره سابقا باتت نعمة. ظل يضحك بعلو صوته في الطريق حيث لا اثر لسواه فالليل قد حل والجميع ذهب لكن بالطبع لم تتركه تلك العجوز يلهوا كما يشاء، بل فتحت نافذتها وصاحت به جالبة سيرة سلالته السابعة بسوء.
"فانيا ما الذي تفعله؟"
"اني اجمع الزهور"
"ارى ذلك لكن لما؟"
"لأجل امي بالتأكيد، ستُسر مرتين الليلة. الأولى برؤيتنا والثانية عند رؤية الأقحوان"
"انها لفكرة حسنة، فانيا ما بالك تفكر جيدا في الآونة الاخيرة؟ دعك من هذا واجمع لي معك باقة اهديها لخطيبتي فبالتأكيد هي تحلم بي الآن"
جمع إيفان ازهار الاقحوان مع عشبها لتكون أبشع باقة قد يراها أحد لكن في عيني إيفان كانت جميلة تذكره بوالدته. سار الاثنان نحو أطراف العاصمة حيث المزارع امتدت والبيوت تفرقت. حمل النسيم صوت محاصيل الشعير ورائحة التراب الذي افتقداه فكلاهما من القرية وكلاهما ارتبطا بالدم فإيفان يكون ابن خالة إليا. رفعت ثلاثة كلاب اذانها ثم رؤوسها لما وصلتهم رائحة مألوفة وقبل ان يدركا ما يحدث وجدا الكلاب الثلاثة قد احاطتهما تنبح وذيولها لا تتوقف عن الحراك من شدة فرحتها بعودة صديق عزيز لها؛ اخفضوا اصواتكم، صهه قبل أن توقظوا الجميع!
لكن ضجة الكلاب ايقظت ساكني المنزل بالفعل إذ أُشعلت الفوانيس وخرج رجل شاب طويل اللحية غزير الشعر متسائلا عن هوية القادم، فثياب الحرس اثارت ريبته ولما تعرف عليهما صاح يوقظ كل من لم يستيقظ.
"إنه إيفان وإليا! لقد عاد إيفان وإليا!"
استيقظت البيوت المجاورة وكان الترحيب دافئا اعاد الحنين الى قلبيهما الذي كاد ان يموت قبل بدنهما، اكتظ منزل عائلة إيفان بالعائلة والأقرباء وقدموا كل ما امتلكوا من طعام وشراب على شرف عودتهما، إذ ارتفعت الكؤوس كأصواتهم التي لم تكف عن الغناء وتناثر الطعام، فقد دسوا اصابعهم القذرة في الاطباق وهربت بقايا الطعام من افواههم خلال غنائهم. التهم إيفان وإليا كل ما وضع امامهما والذي لم ينزل في حلقهما يسروا له الانزلاق بشراب الشعير.
"خذا المزيد!"
هز إيفان رأسه كونه لم يعد قادرا على التهام المزيد ونادى على والدته مع بعض الفتات المتطاير من فمه؛ امي، خذي هذه فإنها لك.
"ان عودتك احب الى قلبي من هذه الزهور"
اخذتها من يده وفي حين غفلة منه القتها من النافذة لتسقط متناثرة عند معزة كانت مربوطة ولما رات الازهار فرحت بالطعام الذي سقط عليها من السماء. فأن تملئ معدة معزة أهون من أن تُزين بها البيت.
"اشكرك يا امي لكن جاد هذه المرة اخفضوا اصواتكم ولا تنشروا خبر عودتنا فالقيصر لن يكون مسرورا بما سيسمع"
"لن يعلم احد بعودتك يا بني" قالت وهي في اشد الرضى على حديثها لكن دخول أحد القرويين المفاجئ فرحا بعودة ايفان جعلتها تبتلع لسانها وتعطي ابنها ابتسامة ودودة؛ لقد عدت يا ايفان! كم انا مسرور بعودتك و الاجمل من ذلك انك ترتدي ثوب رجال القيصر! يا له من خبر سعيد! اخبرني هل ذهبت خلف المال ونسيت احبتك؟ لا تنسى ذكر اسمي ومحاسني عند القصير
اخذ العجوز براس ايفان داخل ذراعه الهرمة، ريثما يضحك وايفان بدوره متعجب فهذا الرجل كان يكرهه اشد الكره بل وفرح لما جر ايفان الى السجن، ولم يكن الامر شخصيا فهو في العادة يكره جميع صبية القرية ويدعوا في كل ليلة ان يظهر غول ويأكلهم على العشاء.
"اه صحيح، اين هي عزيزتي تاتيانا؟ اني لا أراها بينكم" سأل إليا عن حال خطيبته فقد كان متشوقا لرؤيتها منذ ان عاد له أمل الحرية من سجن القيصر.
"إنها تجاور ابنها فلقد اصيب بالحمى"
قال شقيق إيفان الاكبر وحزن خيم عليهم لكن إليا لم يكن مباليا بل لم يستوعب من الجملة ان لها ابنا بل كرر سؤاله واصر على رؤيتها فعرض ابن خاله اصطحابه.
"لقد عادت الروح الى بدني بعودتك يا فانيا"
اخذت والدته بيده فرحة وقد كانت أُما تحمل كل المقاييس التاريخية، خشونة بدنها وصلابتها مكنتها من جر ابنها جرة اسقطته في حضنها وكم تملكها الحزن لما رأته هزيل الحال، فارغ البطن بل وسمحت لنفسها بالنواح تندب حظ ابنها الذي اسقطه في السجون، وبكل اخلاص دعت على القيصر دعوة تهد سقف بيته على راسه، لكن ابنها اوقفها فذلك الملك لو ذُكر اسمه في اقصى الجنوب لعلم ولزجهم في السجن؛ انظروا الى حال ابني، حرموه من المأكل والمشرب وحرموه من حضن امه الحبيبة. اخذوه مني عِجلا واعادوه لي عظمة لا تشبع الكلب حتى! ابناء الجيران تزوجوا وكثرت ذرياتهم وازدهرت محاصيلهم وانا ابني بات مقطوع النسل تبصق في وجهه العنزة!
ضربت على ظهره بيدها المكتنزة وكل ضربة جعلت ايفان يشعر بجوزة ترقص داخل جمجمته ثم ضمته الى صدرها ضمة، منعت الهواء من ايجاد فتحتي انفه وتغذية رئتيه.
"ماما!" صاح ايفان يحرر راسه، لاهثتا انفاسه عندها اتى والده من الحقل مندهشا لا يصدق عودة ابنه سلاما معافى بل ظن ان ابنه الذي جلب له الخبر يهذي من الخمر. .
"ابي!" فرح ايفان برؤية والده وخرج من حضن والدته مستعجلا للترحيب بوالده لكن الاخر قابله بصفعة قوية اسقطته ارضا لتنزل كؤوس الشراب ويتوقف الجميع عن الاكل من صدمة المنظر.
"ابي؟.."
تجرع ايفان حلقه لما رأى نفس خيبة الامل تعلوا وجه والده ليدرك مجددا انه لم يحسن صنعا لذا اخفض رأسه وهمس؛ انا اسف يا ابي..
"ما انا فاعل بأسفك أخبرني؟!"
صاح والده به بعلو صوته ولم يملك ايفان سوى التراجع زحفا عن والده خوفا منه وبوهن ذهب خلف والدته يختبأ منه حتى بعد أن اصبح رجلا في العشرين من عمره.
"حذرتك عشرات المرات بل مئات المرات ومنعتك من التعامل مع ذلك البارون الوضيع الذي لا خير منه!"
"اردت مساعدتك في قضاء دينك، كل ما فعلته كان لجعلك راضيا عني"
همس وتمسك بثوب والدته من الخلف وكادت والدته ان تتحدث لتفض الخلاف فكل اخوتها هنا ولا تريد منه ان يخزيها ويخزي ابنها امام اقربائه.
"تجعلني راضيا؟ وهل ابدوا لك راضيا؟! هل رأيت في حياتك ابا يرضى عن اختفاء ابنه في السجن لا يعلم ان كان حيا ام ميتا؟! الهي لما اخذت مني ولدا فطينا وابقيت لي هذا الابله الذي يوقع نفسه في المصائب كل مرة؟ اقسم اني سأموت ناقص عمر بسبب هذا الولد!"
حث ساقه للحراك ليسير بعرجة نحو مائدة الطعام واشار لابنته ان تصب له من الشراب، صمت غير مريح حل ليكسره والد ايفان بسؤال حاول جاهدا فيه ان لا يبدو فضوليا حول حال ابنه؛ ما بك ترتدي هذه الثياب؟
"لقد وكل القيصر لي مهمة، يمكنك القول اني اعمل عنده الان لذا اتيت لرؤيتكم قبل رحيلي مجددا"
"ماذا تعني بذلك؟" سأله والده وقبضته على كأسه اشتدت فلا خير يأتي من ذلك القيصر.
"ألن تبقى معنى يا بُني؟!"
"آسف يا أمي، لن ابقا معكم في الوقت الراهن لكن القيصر وعدني أنني إذا وُفقتُ بتحقيق مطالبه فسيعفو عني وعن إليا كذلك سيمن علينا بالخير الوفير"
"هل قال ذلك حقاً؟!" احب اخوته ما قصه عليهم إيفان شقيقهم الاصغر بالخيرات التي سيهبها القيصر لهم إذا وفق بتنفيذ طلبه وبطمع حثوه على المضي والنجاح كي يجلب الثراء لهم إذ قال احدهم؛ عليك تنفيذ طلبات القيصر وجلب تلك الخيرات، إنك ملزم بذلك بعد ان سببت لنا الكثير من الأذى بفعلتك الأخيرة. انهم بسببكَ يسخرون مني ويقولون ان اخاك الصغير سرق من القيصر.
"اسف يا اخي"
رغبتهم بمعيشة افضل جعلت الاخوة الثمانية بل الأقرباء كلهم يُصرون ويلقون بمسؤولية العيشة الكريمة على عاتقيه وذموه إذا لم يفلح، فسيكون عاراً عليهم كما امسى عاراً عليهم بسرقته من الملكِ ودخوله السجن لكن كل تلك الاحاديث لم تعجب والد إيفان الذي بضربة من يده على المائدة اخرسهم، فلقد كان رجلا طويل اللحية ابيض الشعر وقور الهيئة قصير القامة.
فبجانب عمره، كانت مواقفه العادلة تشفع له امام الأهالي وترفعه مكانة وشأنا بينهم. رغم قسوته على ابنائه وبالأخص ايفان الذي اصابت بلاهته والده بالأرق، فلقد اراده رجلا شديد الموقف، ماهر الصنعة إلا ان ايفان كان كل شيء عكس ذلك، كان معتوها يسير خلف اهوائه واوامر الناس دون ان يسأل لما.
تذكر اليوم الذي حذر إيفان من البارون والبحث عن ذلك التمثال، لكن ابنه صاحب دماغ الجرادة تجاهل كل ذلك وببلاهة ساعد البارون، لما نضم له بضع كلمات مؤثرة عن اهمية التمثال وانه ارث عائلي من جد جده، ملقيا ذاته في التهلكة.
"طالما انك لم تقل ما هي المهمة الموكلة اليك فيبدوا انها خطيرة اكثر من كونها سرية" قال سيرجي فهو يعرف ابنه حق المعرفة فإذا رآه يفرك يديه وعيناه لا تستقر في نقطة، يدرك حينها ان في جعبته مصيبة ومن شدة خوف ايفان من غضب والده عليه ابقاها لنفسه بل وزينها ببعض الاكاذيب.
"اسف يا ابي لن استطيع الافصاح عنها لكن قادر على الافصاح بالقليل، انه كنز فشل في العثور عليه فرسان القيصر لذا قرر ارسالي لعلمه بمهارتي في تقفي الامور الضائعة"
ضحك اخوته عليه واكبرهم حرك يده بلا مبالاة بعدما اصدر اصوات ساخرة بفمه؛ اجل، اجل صدقنا قدراتك المزعومة.
غضب الاخ الثالث على اكبرهم و وكزه من حيث لا يراه احد منبها اياه فالخيرات التي وعدهم القيصر بها تعتمد على نجاح ايفان وهكذا اجتمع الجميع على كلمة واحدة الا وهي نفخ ايفان بالمديح بل وحذروه من الفشل.
"اي كنز ذاك الذي سيرسلك للعثور عليه يا بُني؟ اخشى ان تكون مصيبة اكثر من كونها بشرى سعيدة"
جاورته والدته في مقعده تترجاه ان يخبرها وجهته لكن ايفان كان متكتما كي لا يشتد حزنها، نهض والده من مكانه مكتفيا بما سمعه واستخرج مفتاحا يخفيه في قلادة لا يفارقها ثم قام بفتح صندوق خشبي يحوي ارث العائلة.
حمل الأب غمد السيف الملفوف بجلد الخروف و وضعه على الطاولة امام ابنه والدهشة قد اعترت الجميع، فما يعرضه ارث عائلي، كان قد حرمهم جميعا من لمسه بل ومن التفكير فيه؛ خذ هذا معك يا ايفان، لقد قيل عنهٌ أنه يحمي صاحبه ولا اجدُ افضل من سيفٍ وفي اهديك إياه.
"لكن يا ابي.."
"خذه وعد الى القصر قبل ان يكتشفوا غيابك وتقع في مصيبة فأي ابله يتنكر بثياب الحراس، هيا اذهب"
تركهم الأب بعد قوله وانزوى في غرفته بعيدا عنهم، كانت لحظة الفراق لشديدة الحزن على قلب والدته إذ اضطرت لتوديع ابنها وهي لا تدري استراه مجددا ام ستحرم منه هذه المرة الى الابد. رافقهما في طريق العودة شقيق إليا بأمر من خالته وقد كان طريق العودة ممتلئا بالثرثرة الا إليا الذي احمرت وجنته بسبب صفعة شديدة تلقاها من خطيبته السابقة، لما اصر على عدم استيعاب انهما لم يكونا مخطوبين من الاساس وانها امرأة متزوجة الان لديها طفل والثاني قادم في طريقه.
إذ حاججته واخبرته انها لم تتلفظ بكلمات الحب له في يوم ولم تعده بانتظاره وإليا حاول اقناعها ان مساعدتها له ومداواة جرحه عندما اصيب في الحقل كان اكبر برهان على حبها له ولما انسدت الطرق في وجهه اخبرها انه يمكنه التغاضي عن خيانتها له والزواج من آخر بان تتزوج به عندها استحق الصفعة عن جدارة.
"انتما يجب عليكما النجاح في مهمة القيصر، فهذه نعمة من السماء اتت الينا فلا تضيعاها، لربما نسترد حينها ماء وجهنا الذي سكبته يا ايفان بمصيبتك التي فعلتها في الماضي. ان العم سيرجي خجل من اهل القرية بسببك"
لم يحتاج ايفان لسؤاله عن المزيد فشعوره بالذنب عاود الالتفاف حول قلبه يعتصره، لطالما كان وجوده يسبب المصائب لعائلته والآن قد اتته فرصة ليملئ بطونهم ويسعدهم لخمسة اجيال قادمة. بعيدا عن احاديثهم وعودة الى المنزل العتيق، صعدت والدة ايفان السلالم الى غرفتها حيث كان زوجها سيرجي شاردا يحدق عبر النافذة بالطريق الذي سلكه إيفان وقالت متحسرة؛ لما لم تستطع ان تظهر بعضا من الودِ اليه؟
"إنها غلطتك يا سيرجي، إنها غلطتك انك لم تحافظ على ابنائك، بسبب ضعفك خسرت ابني البكر والان بسببك خسرت ابني الاصغر. لقد احرقت قلبي ولن اعفوا عنك ابدا حتى لو احترقت في الجحيم مئة مرة!"
"حمل إيفان مسؤولية ذنبك والان هو يكفر عن غلطتك بتنفيذ اوامر القيصر وإلقاء نفسه في التهلكة."
"لما لا تنطق بشيء؟!"
"علينا النوم فغدا ينتظرنا يوم شاق في المزرعة"
لم تتحمل الأم قسوة زوجها سيرجي و اكثر ما استطاعت فعله هي هجر السرير والنوم عند أحفادها تاركة اياه شاردا في النافذة مع طيف ابنه البكر ميخائيل الذي يلاحقه كل ليلة ويحرمه لذة النوم. انقشع جزء من الليل في ساعات الفجر الأولى وعلا صياح الديك موقظا من يسمع، سار القائد بيتروف نحو الاسطبل ولما رأى الحراس يغطون في نوم عميق انتابه الغضب وصاح بهم كي يستيقظوا ويفتحوا له باب الاسطبل. نهض صاحب المفتاح مستعجلا بسبب صياح القائد وبحث عن مفتاحه حتى وجده، ادار المفتاح في القفل مصدرا صوت (تليك) وكشف عن إيفان وإليا اللذان يغطان في نوم عميق.
"استيقظا!"
ركل بيتروف إيفان في معدته كي يوقظه وبصوت جهوري قال؛ استيقظا فقد حان موعد ذهابنا الى غابة ستراشني!
نهض الاثنان منهكين ولم يكونا متحمسين للذهاب بالأخص بعد لقائهما بالأسرة، فلقد اصبح لهما سبب للتمسكِ بالحياة، كان إليا متقاعسا ومحبطا في حين أن إيفان ما حثه على النهوض وإيجاد الكنز هو ما سيهديه القيصر لأهله إذا نجح، لذلك بعزم نهض وفي حزامه كان سيف عائلته يستقر.
"من أين لك بهذا السيف أيها السجين؟"

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة