الفصل السادس
"انهم اخوتي!"
توقفت الدنيا بإيفان لا يتخيل ان تلك التنانين التسعة هم اخوة هذه السيدة لكن لهبا حارقا اندفع نحوهما والتهمهما، فلم يكن لإيفان سوى اخذها والقفز بها الى البحيرة والتي سحبهما تيارها للسقوط في البحيرة التي تليها، وتلك تيارها كان اشد واقوى اذ سحبهما الى شلال لم يكن يصُب في حديقة بل كان يصب في الغيوم اسفل القصر.
ناضلت سيدة القصر لإخراج رأسها والعودة سباحة الى اخوتها الذين اعميت بصيرتهم ولم يعودوا يفكرون بشيء سوى احراق إيفان ذلك الدخيل على بيتهم، لكن التيار غلبها وابتلعتها المياه ريثما ايفان كان يناضل للتمسك بشيء يحميهما من السقوط الى الغيوم؛ سيدة القصر؟! يا سيدة القصر اين انت؟!
لمح وشاحها يطفوا واصابعها التي تخرج من الماء كل تارة ترغب بالنجاة، خوفه كان شديدا لكن استذكاره لوجه اخيه ميخائيل آنذاك اعاد له شعورا بالذنب لم يشفى بعد، حينها قرر ان يلقي بنفسه خلفها ويفعل ما لم يتمكن من فعله في الماضي وان مات فعلى الأقل سيرضى عنه شقيقه ميخائيل.
افلت عندها إيفان الحجارة وغطس في المياه بحثا عنها ليجدها وقبل ان تنزل مع التيار التقط يدها وسحبها الى الأعلى معه علها تلفظ انفاسها لكن النهاية قد حلت بالفعل اذ وقعا مع الشلال الى السحب.
كان سقوطهما سريعا وصوتهما كان حادا يثقب الأذن، لا يكفان عن الصياح فلقد عبرا غيمة تلو الأخرى والمياه انهمرت معهما كالمطر يسقي الغابة، كانت غابة ستراشني تقترب اكثر واكثر والموت كان مصيرهما لكن رياح الشرق التي كانت تمر فوق الغابة التقطتهما صدفة واخذتهما معها الى وجهتها الى ان قررت التفرق والاندثار فلما فعلت سقطا فوق الأشجار ومن غصن الى الآخر وقعا حتى كانت الأرض اخر من يستقبلهما.
ابصر إيفان المكان حوله لا يقوى على الحراك ولما احس بسيدة القصر ملقية فوقه شعر بالراحة ان الرياح لم تأخذها منه، لكن ظلمة الغابة و وحشتها اخافته فمن سيحميهما لكنه كان اشد ضعفا من ان يخرج صوته و اكتفى بإغماض عينيه.
في هذه الأثناء اهتز السيف داخل غمده وإليا الذي تكور حول نفسه ضربهُ مرة أو مرتين عله يتعقل فصوت صياح قوي اتى من السحب يليه صوت تكسر الأغصان افزعه. كان إليا يسلكُ طريق الخروج فلقد طال انتظاره وبعد الليلة الأولى هو لم يصبر أكثر وجزم أن إيفان مات لا محالة.
"توقف ايها السيف المخبول! هل اصابك العطب؟!"
سمع أنينا متألما ولما قرر التقدم نحو مصدر الصوت صُعقَ من رؤيته إيفان وكثير من الخدوش تزين بدنه؛ إيفان!
"إليا؟" فتح إيفان عينيه بوهن وأحس بالحياة تعود اليه فلقد كان مسرورا برؤية إليا سالما معافا. سارع إليا بتفقد إيفان وتعجب من أمرِ السيدة الملقية فوقه "ما الذي جرى ومن هذه؟ ثم أخبرني كيف خرجت وأين الكنز المزعوم؟!"
"إن الكنز أمامك والآن أعنا على الخروج من فضلك فلم يعد لي طاقة" حك إليا لحيته حائرا ثم حمل السيدة وألقاها على ظهر السيد حمار أما إيفان أعانه على النهوض واسنده في كل خطوة يأخذها "إن المخرج قريب لذا لا تقلق، ها هي السهول في الأفق ظاهرة. قام السيف بحمايتي وقد كنت صابرا انتظر عودتك بفارغ الصبر لكن لما طال الانتظار ظننتكَ متَ
"انها قصة طويلة لذا لا عليك" اخبره ايفان ريثما يأخذ خطواته بوهن ولما خرجوا من الغابة الملعونة وساروا في السهول الممتدة تحت أجرام الليل طلب إيفان التوقف هنا وسأل إليا أن يُشعل ناراً لهذه الليلة.
ذهب إليا لجمع الحطب وإيفان أنزل السيدة من على ظهر الحمار ومددها فوق العشبِ اسفل شجرة مثمرة ثم غطاها بقفطانه الذي حصل عليه في قصرها. سرحَ إيفان في جمالها وهي نائمة ولمح خاتمه لازال مستقرا في اصبعها، خيل له لوهلة انها زوجته ومشاعره التي فاضت في جوف صدره كانت تقول له المثل. احس بالحزن على طريقة خروجها المروعة من بيتها واستذكر حراس القيصر عندما زجوا به في السجن قبل رؤيته لوالديه ولو للمرة الاخيرة. اخذ يدها مقربا اياها لشفته يقبلها طالبا العفو منها فكذبته هذه ستظل دينا ثقيلا عليه؛ سامحيني.
فزع إيفان لما سمع إليا يشتم القيصر وفرسانه وكشخص كان يقوم بفعل مشين ابتعد عنها على الفور ثم أخذ وشاحها وعقد اطرافه بالأغصان القريبة كي يكون ساتراً يسترها عنهما.
"ذلك القيصر البغيض! أهلكنا لا بل دمرنا وتغوط في حياتنا!
"صهه! اخفض صوتك فالسيدة نائمة"
"قال نائمة قال" سخر إليا مغتاظا كونها تنعم بنوم مريح وهما يتعنيان لإشعال النار "اخبرني إلى متى سنظل عبيدا نعمل بالمجان عند هؤلاء الذين تفوح منهم رائحة الصابون"
"إليا، أنا لا طاقة لي بك الليلة. اشعل النار على مقربة منها فلا تشعر بالبرد"
تذمر إليا وألقى بالأغصان ثم باشر بإشعال النيران والنفخ عليها علها تكبر وتتأجج، بطرفِ عينه اختلسَ النظر إلى السيدة وأزاح قليلا من الساتر كي ينظر إليها لكن إيفان أفزعه لما جر الساتر ورمقه بغضب؛ ما انت بفاعل؟!
"على مهلك يا رجل إني ابن خالتك ولستُ غريبا ثم ما بالك تمنعني من رؤيتها"
"اعتبر انها زوجة القيصر لذا يستحسن بك عندم الاقتراب منها، لا تريد أن تعلق رؤوسنا على بوابة القصر. دعنا ننهي مهمتنا على خير ونجني ما وعدنا القيصر به"
اخذ إيفان ابن خالته بعيدا عن السيدة وعلى الجانب الآخر من النار حكى له ما لقيه هناك من عجائب ومصائب ثم ابلغه عن خطته بتقديم السيدة زوجة للقيصر؛ يا إيفان ماذا عساي أقول إني خائف من القيصر قد يتهمنا بالكذب عليه..
"لكن عندما يكون زوجا لصاحبة القصر ألن يكون عندها سيدا لجميع كنوزها؟" استلقى إيفان واخذ التفاحة الذهبية من إليا يشبع بطنه ويسكت عقله الحائر بأمر تلك السيدة. القيصر سيتقبلها برحابة صدر أجل، فزوجته السابقة تحت التراب لكنه حزين على ما ستراه بعد ان تدرك حقيقة ذلك القيصر وانه لم يشبه شيئا مما قاله وما ازعجه اكثر هو ذلك الشعور الذي يراوده، إذ اراد ابقائها في قصرها حيث لا يعلم بأمرها احد سواه.
حك إليا رأسه بحيرة عندها ولم يعرف ما يقوله عندما يقابلون القائد بيتروف بل ماذا سيقولون للقيصر! بالتأكيد سيقوم بتعليق رؤوسهم على بوابة القصر. تنهد إليا بضيق لكنه لاحظا امرا فلقد وجد إيفان يحدق مطولا باتجاه تلك السيدة وابتسامة بلهاء مرسومة على شفتيه.
"إيفان.. يا إيفان!"
لم يفق إيفان الا متأخرا بسبب ضربة اتته على رأسه واكمل إليا؛ لا تقل لي انك تفكر فيما افكر به!
"بماذا تفكر؟"
اشار إليا بحاجبه الى تلك السيدة قاصدة انه يفكر بها بشكل مفرط لكن ايفان هز رأسه نافيا اعتقاده؛ لست افعل.. انا فقط... لا عليك... اليا لما لا تخلد الى النوم؟ الست متعبا؟
"انا كذلك بالفعل، نم ولنرى ما سنفعل في الصباح" استلقى إليا جانبه واعطى ظهره لإيفان متظاهرا بالنوم لكن في داخله كان كثير التفكير، لم يطل إيفان البقاء مستيقظا وغط في نوم عميق متعبا مما لقيه، ولأول مرة كان مرتاحا فلقد تمكنا من اجتياز اصعب جزء من رحلتهما.
لما عم السكون وتوقفت همسات الاثنين ازاحت السيدة قليلا من الساتر تكشف عنهما وهما نائمين، امعنت النظر بهذين الفلاحين ثم بقفطان إيفان الذي يغطيها، ألقته على كتفيها كالعباءة واقتربت من النار تطلب الدفيء.
تنهدت السيدة بتعب ورفعت بصرها الى النجوم والسُّحب التي تسبح فوقها وفكرت بذلك القيصر الذي يرغب بها وتشكلت حوله الكثير من التساؤلات، فهي بفضل اخوتها امتلكت فكرة عن اغلب الملوك، لكن في السنين الاخيرة لم يعد الملوك يجذبون اهتمامها وبقولها السنين الأخيرة فهي تقصد الثلاثمئة سنة التي مضت بحكم أن لا احد منهم تمكن من الوصول إليها.
كان الزواج هو الشرط الوحيد لخروجها من القصر، لكن اخوتها حرموا الجميع من الوصول إليها بزعهم أن لا خير يأتي من البشر، بسبب بضع تجارب سيئة تعرضوا لها.
كم كانت وحيدة دون مؤنس والان اخيرا تقدم اليها احدهم، حتى لو لم يكن بشكل مباشر هي فكرت ان تعطي نفسها فرصة وترى ذلك القيصر.
عله يعجبها وتمكثُ معه حتى تشيخ وتموت محاطة بكثير من الأبناء والاحفاد.

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة