illynaz illynaz
recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

اترك تعليقا اذا اعجبتك القصة

  1. حبيت ضحى بيده عشان خاطر ما تشوف الهوايل الي في قميصه😭😭

    ردحذف
  2. الفصل فراشات لولا أن فعلًا ما حسيت بالذنب لكل الطرفين لان رومان يخلي عليها العجب والعجائب وهي تخبي عليه حقيقة مشاعرها💀

    ردحذف

لا تخبروا زوجتي؛ الفصل الحادي عشر


 



استلقت بيلا على جانبها الأيسر، كي تكمل نومها لكن أشعة شمس منتصف الظهيرة، التي ضربت عينها ضايقتها، فقطبت حاجبيها واشتكت بصوت نعس "أمي ما بكِ فتحتي الستائر؟" فتحت عينيها لتجد أن غرفتها ذات ورق الجدران الوردي لم تعد موجودة ووالدتها الحبيبة ليست في روما، كي تفتح لها ستائر غرفتها وتوقظها بالصياح والنعيق فوق رأسها كالغراب.


شعرت بيلا بلسعة تمر في أنفها، فغطت عيناها بيدها والدموع على جانبي وجنتها انسابت باشتياق لبلدتها الصغيرة ونزل شقيقها، الذي لا يمر عليه الزبائن إطلاقا. اعتدلت من استلقائها ودفعت الغطاء عنها، لتذهب قاصدة الحمام وبينما هي تشطف وجهها بالماء، سمعت صوت حركة في المطبخ فرجحت كونه ريكاردو.


"ريكاردو لما لم تدق باب غرفتي وتوقظني؟ أيها الولد الفاسد، لا أصدق أنك تركتني نائمة حتى وقتِ الظهيرة" حادثته بينما تجفف وجهها بالمنشفة.


"ميرا؟" 


احست بيلا بقلبها يسقط في اخمص اصبعها، فابعدت المنشفة عن وجهها ببطء، لتجد نيكولو ذو هندام ليس بالأنيق كعادته ومظهره هذا قد جعل من رعب بيلا يزداد، فلقد ذكرها أنها ماكثة في دار هذا الرجل المخيف. حملقت به لا تصدق كونه قد وصل فسألته "متى عدت؟"


ألقى نيكولو نظرة على الساعة وقال "دخلت المنزل في التاسعة صباحا" 


"لكن كيف لم أشعر بدخولك؟"

"لم أحدث الكثير من الضجة عند دخولي فلا تستيقظي" تبسم نيكولو لكن ابتسامته قد اندثرت فجأة وبصره وقع على شيء يوجد خلف بيلا، فاستنكرته وكادت أن تستدير لترى ما أفزعه وأزال اللون عن وجهه، إلا أن نيكولو قد شغل انتباهها بقوله أن تأتي وتلقي نظرة على كناري ريكاردو لا يتحرك ساكنا ولا يغرد كعادته.


تركت بيلا كل ما يشغلها وهبت مسرعة نحو القفص كي ترى حال العصفور، فلما رأته ينقر الطماطم يتلذذ بها تنفست الصعداء وأشارت عليه "ها هو يتحرك يا نيكولو، كم افزعتني. إن رؤية كناري ميت في يومي الثالث في روما لشيء لا أرغب بحدوثه" اشتكت بيلا خوفا من النحس وهمت بالخروج فسألها نيكولو "إلى أين؟"


"عائدة للمرحاض، نيكولو"

"أما تركتِ عادة ندائي بهذا الاسم؟"

"آه المعذرة، أقصد رومان" هزت رأسها "لا تؤاخذني" ثم تجاوزته فامسك بمرفقها يستوقفها ومحاولاته القلقة حاول الطمطمة عليها بابتسامة واثقة.


"ميرا، لم تخبريني كيف كانت رحلتك؟"

"جيدة" اختصرت بضيق.

"وعن اخواتي؟"


"لا بأس بهن"

"أما أزعجنك؟"

"إطلاقا"


دار هذا الحوار بينهما وبيلا تحاول الوصول لباب المطبخ كي تعود للمرحاض فتقضي حاجتها لكن نيكولو استمر بالسؤال وشغلها عن العودة إليه، إذ وقف أمام الباب يمنعها من العبور مستعينا بكبر بدنه وطوله مقارنة بها ثم أصر أن يجالسها.


"ميرا"

"ماذا؟"

"هل أعجبك منزلك الجديد؟"


جلس نيكولو على الكرسي المقابل لها ويده امتدت ليصل ليدها المزينة بخاتم يربطها قانونيا به وباسمه. فأومئت بيلا بلا بأس ونطقت متضايقة وقدماها لم تكف عن فركها ببعضها من شدة حاجتها للمرحاض "لم يشبه ما تخيلته"


"وكيف تخيلتيه؟" وضع نيكولو يدها موضع شفتيه، يقبل الخاتم الذي وضعه في اصبعها، وبيلا قد قبضت يدها من شدة التوتر والتوتر هذا، زاد من الضغط على مسالكها البولية، فاحمر وجهها وباتت تتلفت بطرفها في كل اتجاه والغشيم كان سيظنها متأثرة من لمسة زوجها.


"مم؟... إنه جيد اقسم!"


"لقد كان هذا المكان مملا لا لون فيه ولا حياة من قبلك" وضع يدها على صدره موضع جوفه حيث قلبه ماكث. لم تمتلك بيلا أريحيته في الحديث والتصرف بل كانت مشدودة الأعصاب، تود لو تسحب يدها لكن نيكولو لم يدع لها مفرا.


"إرحم أمي" لفظت تحت أنفاسها بصوت لن يسمعه، ثم رسمت بسمة صفراء وباصابعها قبضت على قميصه، تكاد تقسم أن ما في جوفها سيرطب كرسيها قريبا "لا تقل ذلك، إن ذوقك في اختيار ورق الجدران جيد لا بأس به" نطقت مدعية السذاجة، بأنها لا تفهم ما يعنيه، إذ أنه كان يتحدث قاصدا نفسه بالممل الذي لا حياة فيه. وإدعائها اللافهم سببه رغبتها في أن يقلع عما يفعل، لكنها وبفعلها هذا، أنارت له الضوء الأخضر لينور بصيرتها ويشغلها أكثر.


"ميرا" افلت نيكولو يدها لتتنفس بيلا الصعداء، لكنه باغتها أن أمسكَ بجانبي مقعد الكرسي حيث تجلس، وجره نحوه فاقتربت منه مجبرة وباتت محاصرة بين ساقيه. انتفض سائر بدنها فزعا مما فعل وتمسكت بيلا بالكرسي خاصتها، تود لو ينقذها أحد من تحمل مسؤولية ما نقطته من عهود، لهذا الرجل أمامها.


"رومان ماذا تفعل؟! سيرانا ابنك!"

"إنه ماكث عند عماته"

"باب الشرفة مفتوح! سيرانا الجيران هكذا"

"لا يوجد جيران"

"رومان، المرحاض! اقسم أني ما عدت قادرة على التحمل!" دفعته عنها وقفزت من على الكرسي هاربة، فركل نيكولو الكرسي بسرعة لينزلق عسى ولعل أن يسد طريق المخرج عليها، لكنها سبقته في فرارها فهب للحاقها كالجزار المتوعد لخروفه ولما وجدها قد استخلصت المرحاض لنفسها والمفتاح دار فيه مصدرا صوت -تليك- عاد للمطبخ بخطى سريعة وزلق الدرج ليستخرج سكينا.


ومن محاسن الصدف، قررت صوفي واخواتها اللاتي لا يشغلهن زوج، مثل بيانكا وداريا مع ريكاردو زيارة عزيزهن نيكولو، إلا أن صوت صياحه الذي دوى من المطبخ أرعبهن واجبر بيلا الماكثة في الحمام لتقلع عن تأمل المرمر وما يوجد في سلة الثياب، فاستعجلت مثانتها وانزلت ثوبها لتخرج بحال هلع كي ترى ما به زوجها المصون يصيح متألما.


"ميرا؟!"

"صوفيا؟!"


تقابلا في غرفة الجلوس ثم تدافعن وفي المقدمة ريكاردو الذي ولج للمطبخ فوجد يد والده غارقة في لون أحمر جاري لا يتوقف "بابا!" هتف الشاب فزعا من حال والده، فالتقط خرقة المسح وسد به جرح والده ليجره نحو دار السنيورة كانتارا وفي أوج الزحام العائلي والصياح جذب نيكولو ياقة ابنه وهمس "ثيابي يا ريكاردو، إنها دامية في سلة الغسيل، امحوها قبل أن تراها والدتك ميرا"


"ماذا؟!"

"بسرعة" 


لفظ نيكولو كلمته الأخيرة بوجه صارم قبل أن يعاود تمثيل الألم وسبقهن مشيا للشقة المجاورة حيث تعيش السنيورة كانتارا شقيقة سنيور لورينزو، فولج لدارها وسارعت المسنة باسعافه كي توقف جريان دمه ولما عاينت جرحه العميق قررت أنه لا مفر من خياطته، فأجلسته على الأريكة ويده ممتدة لها لتقوم بغرز الإبرة فيه وسحبها.


"اجعلي من يدك أخف يا كانتارا فهو ليس حيوانا! آه يا نيكولو أخبرتك أن تنزل لمنزلي فأخيطه لك أنا!" ثرثرت صوفيا ويداها مستقرة على كتفيه لتبث في نفسه شعورا بأنه ليس وحيدا وأول ما سأله نيكولو هو مكان ميرا، خوفا من أن تكون عادت للمنزل ورأت القميص الذي لم يكن داميا بدمه بل بدم ضحيته.


"ميرا" وكزتها داريا لتتقدم وصوفيا قد تهكم وجهها، فزاحمت ميرا التي تقدمت لتقف إلى جوار زوجها ويدها من فرط خوفها امتدت لكتفه "كيف فعلت فعلتك هذه؟" سألته بشفقة وقد ضمت رأسه لبطنها، فقلبها كان مرهفا لا يسعه تحمل رؤية الألم ولما رأت إبرة السنيورة كنتارا علقت فوكزتها بقوة ورأت جلده يثقب ليعبر الخيط، فحكت ميرا حكاية ابن شقيقها العزيز لتواسي نيكولو "إني معتادة على رؤية الدم، دوما ما كان ابن آدم شقيا كثير اللعب وفي مرة تمزق جلد ذراعه فجريت به لل..."


ثقل لسان بيلا ونيكولو احس برأسها يهبط ليستقر على قمة رأسه فظنها عواطفها المرهفة، لكن فرحته بودها قد تلاشت لما إنهارت وارتمت أرضا مغشيا عليها.


"بئسا، لقد أغشي عليها" تعجبت داريا.

"من حقها فهي لا ترى كل يوم يد رجل دامية" سخرت بيانكا.

"اخبرتكم أن وجودي كاف فانظرن لنتيجة اصراركن!" اشتكت صوفيا.


"المرأة ملقية أرضا فكفوا عن الجدال وافعلن شيئا!" زجرهن نيكولو ولما فتحت عينيها وجدت نفسها على الأريكة ممدة وإلى جوارها نيكولو ماكث ويده ملفوفة بالضمادات.


"ميرا؟ انت بخير؟"

"آه؟ آه نعم إني كذلك... ماذا حدث لي وما حال يدك؟"

"لا عليكِ، لازالت ذات نفع"

"لا تقل هذا"


امتدت يدها ليده كي تواسيه وتشد من أزره، فاعتصرت على اليد المصابة ولما فر من بين شفتيه هسهسة متألمة، انقلبت عينا بيلا في محجرها وسقط رأسها على الأريكة مغشيا عليها مجددا.


"ما ظننتها تخشى الدم هكذا" تعجب نيكولو من أمرها لما وجد لونها قد سال وشفتاها ازرقت سخرت من أمرها بيانكا "هذا ما يحدث عندما تجلب امرأة مثلها لهذه العائلة"


"لقد أخبرني ريكاردو بما حدث، فعلت هذا بنفسك فقط كي لا تكشف أمر قميصك الدا..."


"صهه!" نهرها نيكولو عن الاسترسال في معاتبه "إنه مغشي عليها وليست صماء لتنطقي بما يحلوا لكٍ"


زفرت بيانكا بضيق لما وجدت شقيقها ينادي على اخته داريا كي تجلب عطرا فواحا فستفيق زوجته، التي لا تقوى على تحمل الدم ولما استعادت رشدها وأزهر وجهها بعد أن كان شاحبا، استأذن نيكولو اخواته أن يفسد رغبتهن في تناول الغداء كعائلة  ويأخذ ميرا ليقضي معها آخر سويعات مما كان من المفترض أن يكون شهر العسل خاصتهما.


وهكذا فعلا، دثرت بيلا بدنها جيدا بمعطفها الأخضر ونيكولو إلى جوارها بمعطف أسود قد زاد من هيئته المخيفة، فأناقة شعره الممشط للخلف بعناية وياقته المغلقة حتى آخر زر، كلها علامات خفية تعكس مدى صرامة نظام هذا الشخص ولم تشعر معه بالراحة إلا لما حل زر ياقته محررا عنقه، كي يتمكن من تجرع ما في كأسه براحة.


فقد سلما معاطفهما للنادل واجتمعا حول مائدة صغيرة، دائرية الشكل ذات غطاء أخضر في منتصف المطعم ومن حولهما كانت اصوات الملاعق التي تضرب سيراميك الأطباق لا تكف عن التصاعد وبين كل حين وآخر مر عليهما النادل الذي كان في مقتبل العمر يسألهما عن حاجتهما لشيء.


تأملت بيلا النادل وقد تعجبت من الشبه الكبير بينه وبين مالك قلبها، فإنقبض قلبها في حسرة واحمضت معدتها من شدة تقلبها، فما عادت راغبة بمضغ المزيد واكتفت بتحريك الشوكة في طبقها.


"ميرا" اخرجها نيكولو من ضجة عواطفها فهمهمت بأنها تستمع لكن طرفها انتقل للخاتم في اصبعها وقد سألت نفسها، أتلقيه في وجه زوجها وتخبره أن قلبها العاصي ما عاد قادرا على التمثيل؟


"ميرا؟" كرر نيكولو ويده امتدت ليدها فشاهدت بيلا بقهر اصابعه، كيف تغلغلت بمثالية بين اصابعها "أما عاد يعجبك؟"


"لا... بل إنه لذيذ يفتح النفس" زيفت بيلا ابتسامتها ورفعت طرفها لهذا الرجل الماكث أمامها فنزعت يدها من يده وجمعتها تحت ذقنها "رومان"


"مم؟"

"ما رأيك لو نلعب لعبة؟"

"وما هي؟"


"نتظاهر بأننا غريبان، قد خرجنا من حب عتيق وإلتقينا هنا صدفة في هذا المطعم" همت بيلا بنزع خاتمها فامتدت يد نيكولو ليستوقفها قائلا "لا تفعلي" فلا تعتاد على فعلها وتصبح عادة يسيرة لها فتنزعه في يوم بسهولة دون أن تبالي.


"حسنا... لنبدأ إذا" غطت بيلا خاتمها بيدها واعتدلت في ظهرها كي تنزع قناع تمثيلها أخيرا وتنظر إليه بعينين أجنبية تجهل حاله وهويته "هل المكان شاغر هنا؟ ألا تنتظر أحدا سنيور؟"


وعن نيكولو فلم تعرف دخوله في الدور إلا عند سماعها صوته وقد كان مجردا من عواطفه، تماما كالمرة الأولى التي إلتقيا فيها في محطة القطار "لقد كنت، لكنه أقلع عن المجيء فإفعلي ما تشائين سنيورة... لورا؟ ذكريني باسم حضرتك فقد نسيته مجددا"


"ميرا بيلا، لكن... انتظر أنا لم ابح لك عن اسمي بعد!" انفرجت ملامحها بإعجاب من سلاسته في الحديث "ماذا عنك؟ بماذا أناديك؟"


"بعزيزي" رفع حاجبيه وارتشف من كأسه فقهقهت بيلا وعاتبته "ومن قال إني سأناديك بهذا؟"


"بلى، ستفعلين في نهاية هذه الليلة"

"أراك واثقا من نفسك، سأقول كليشيه فلا تضحك. هل انتَ مستعد؟"

"اسمِعيني"

"كم عدد اللواتي قلت لهن هذا يا سنيور"


أي نعم هو وعدها لكن سؤالها غلبه فضحك حتى ألقى برأسه للخلف ونواجذ اسنانه قد كشفت، لتدرك بيلا أن هذه المرة الأولى التي رأته يضحك فيها هكذا وكم كان وقع صوته رنانا راق لأذنيها.


"شكرا لجعلي أشعر كما لو أني آلن ديلون بسؤالك هذا سنيورة ميرا"

"أولستَ كذلك؟"

"إني النقيض تماما"

"حسنا يا نقيض آلن، أخبرني كيف أبدوا؟ فقد خرجت مستعجلة ولم انتبه اطلاقا لمظهري"


سألته بيلا وقد تأكدت من أن تدنوا برأسها، فتظهر أهدابها طويلة وابتسامتها فاتنة وكيف لا تبدوا كذلك واناملها النحيلة ملامسة وجنتها حيث هي مرتاحة وما أثار حماسها هو رؤية نيكولو صامتا، لتظنه يصوغ عبارة ولم تفطن كونه نسي السؤال وبات يتأملها ممتعا ناظريه بالسيدة الجميلة التي جاورته في هذه الليلة.


ارادت تذكيره لكنه قطع عبارتها لما تلفظ قائلا "تبدين يافعة جدا"


"يافعة؟ وقد كنتُ انتظرُ وصفا كجميلة مثلا"

"أولم يكن جميلة هو اسمك الثاني يا ميرا بيلا؟"


شعرت بيلا بالدم يتجمع في وجنتيها حتى بات رأسها حارا ملتهبا ففرت من مهارته في الحديث ولجأت لشرب المزيد مما في كأسها حتى أفرغته تماما ثم سألته وقد ابتدعت تعابير غير مبالية "لم تخبرني، من كنت تنتظر في هذه الأمسية؟"


"كنتُ انتظركِ يا حلوتي"

"رومان!" 

"وتعرفين أسمي كذلك، لم يخيل لي إطلاقا أن هذا اللقاء كان مع سبق الاصرار والترصد سنيورة"


تذمرت بيلا من براعته في الحديث ومدت له كأسها ليكرمها فترتشف منه البعض وقد سألته حينها سؤالا خارجا عن نص مسرحيتهما والفضول المغطى بحياء كم كان مكشوفا في صوتها "إني متعجبة من أمرك ففيك كل الثقة بأني أنا من تريد والحيرة لازالت تراودني، إذ سألت نفسي في القطار مرات عديدة عن المرة الأولى التي نظرت فيها إلي رغم أنه لم يجمعنا الكثير من الساعات"


"رومان، لذا قل لي ولا تخفي عني"

"أهذا هو السؤال الذي ظللتي تدورين حوله منذ الليلة التي عرضت عليك الزواج فيها؟"

"أجل! لماذا أنا؟! ما المميز بي فانت قادر على وضع هذا الخاتم في اصبع من تشاء"



اقترب نيكولو بظهره وقد دنى اقرب من المائدة الفاصلة بينهما، فها هو يرى شفتي بيلا تبوح بما في جوفها وقد راق له صعوبتها في نظم جملة مفيدة، كي توصل له مبتغاها الذي تستحي منه.


"في مطعم النُزل، هناك قد نظرت لك لأول مرة"

"ماذا؟"

"وقد مالت نفسي لك لما وجدتُ فيك شفقة على أناس لم تسمعي عنهم سوى في المذياع"


"حقا ما تقول؟ من فضلك لا تمازحني فإني جادة!"

"إني صادق لا أمزح وهل في ذلك مزاح؟"

"هل حقا استلطفتني وعرضت علي الزواج من تعليقي الصغير ذاك؟"

"لما لا؟ لما لا أجدكِ تصدقين؟"


كم كانت بيلا عاجزة عن استيعاب سببه البسيط الذي جعله يلبسها خاتما في اصبعها في حين أنها ناضلت وناطحت لإرضاء مالك قلبها ماتيو سنين عديدة وفي اللحظة التي ظنت أنها ستلوذ بالجائزة التي ستمحوا تعبها، أتتها لطمة من والدته اسقطتها أرضا، لترى بيلا تراب الأرض وشتات ذاتها مبعثر حولها. وما جعلها تتألم في حضرة نيكولو، هو أنه احبها لهكذا تصرف تافه لا أهمية منه. فالجميع قادر على التعاطف والشعور بالشفقة تجاه المظلومين.


كتمت بيلا هذا السر في نفسها ولم تبدي وهن قوتها أمامه بل واستكملت ملاعبته بتلك المسرحية وكشف لها -رفيقها في هذه الليلة- كما سمته حقيقة كونه مطلقا فتجرأت حينها على سؤاله المزيد.


أراح نيكولو فكه على كف يده وهو ينصت لبيلا، التي غلبتها عادتها في الثرثرة مجددا  وقد كانت لها روح يافعة مشعة، تستقطب أنظار من حولها وكيف لا يعيرون لهذا الكيان الوديع اهتماما، بينما تنظم كلماتها ودلال الطفولة الممتزج بالعواطف قد تجلى في حروفها. ووجهها كان مليحا بينما اصابعها أنيقة في حركتها.


"هيا، اعترف ولا تماطل"

"آسفٌ لتخييب أملك يا سنيورة لكن القابع أمامك ليس برجل المغامرات ذاك"


"من قبل طليقتك ألم يوجد أحد في حياتك؟" سألته وفي نفسها شكٌ منه.

"لم يوجد"

"ومن بعدها؟"

"لم أجد"


"هيا اعترف، فإني لا اصدق إطلاقا هذا الحياة العفيفة" ألحت عليه بيلا ضاحكة ووجدت في معالم وجهه محاولة للتذكر "قد كان هناك واحدة من بعدها، وإن لم تخني ذاكرتي فصوفيا من جمعتني بها، ملحة عليَ بتكوين أسرة مجددا لأجل ريكاردو، لكننا افترقنا قبل أن يتم أي شيء بيننا"


"ولما ذلك؟" 


"لم أكن لأقدر على العيش مع امرأة تشبه صوفي" باعد بين يديه كما لو أنها اجابة واضحة يمكن للجميع فهمها دون الحاجة للتلميحات. تعجبت بيلا من قوله وقد قهقهت دون أن تنتبه على حالها وهي مستمتعة بالتعرف على هذا الرجل والتوغل في ثنايا حياته المجهولة ونيكولو قد أكرمها بما يسمح لها بمعرفته، فهي بالنهاية استحقت أن تعرف عنه ولو القليل "لكن... قل لي ما سبب انفصالك عنها؟ لولا خجلي وخوفي منك لكنت سألتك من أول مرة عرفتُ فيها حقيقتك"


"أحقا أنا أخيفك لهذه الدرجة؟" امتدت اصابع نيكولو بغير رضى وقد طالت خصلة هاربة من خلف أذنها، فأعادها لمكانها كي لا يتشوه حال شعرها ثم بظهر أنامله مسح بحذر وخفة على وجنتها يلاطفها كي لا تخشاه، فوجد فيها الحياء والتوتر جليا "زواجي منها كانت رغبة والدي، فهي ابنة صديق مقرب له، يحمل لقب آل باتشينو، وإن كنت تعرفتِ على زوجي كارلينا وكارولينا فبينهم صلة قرابة"


"لقد حققت طلب والدي رغبة في نيل رضاه" هز كتفيه واكتفى بالقليل لا يرغب بالتعمق "فتزوجتها، حصلنا على ريكاردو ثم انفصلنا وبقي الولد تحت وصايتي ورعاية عماته" 


تعجبت بيلا من اختصاره الجاف للعمر الذي جمعه بزوجته السابقة ولشدة حيائها هي امتنعت عن سؤاله المزيد لكن نيكولو اكرمها بالسبب فلا يظل في نفسها "لم نتفق وهذا كان سبب انفصالنا، لقد اجتمعنا ونحن صغار، فهي كانت تبلغ من العمر السادسة عشر وأنا في التاسعة عشر"


مر طيف طليقته أمام عينيه لأول مرة منذ مدة طويلة ولم تكن امرأة بشوشة، بل النقيض، فقد كانت تعيسة باهتة الروح والوجه وتذكر دون قصد، الشؤم الذي تجلى عليها لما وضعت ريكاردو كما لو أنه سجانها وليس رضيعا لا ذنب له.


"أنا آسفة لتطفلي" اعتذرت بيلا لما وجدته شاردا وابتسامته التي كانت تعلوه طول المساء قد تلاشت "مم؟...لا، لما التأسف حلوتي؟ إني رجل كثير الإنشغال وما كنت قادرا على الوقوف إلى جانبها في المحن، لذا خير لها لما تحررت مني وحررتني من قيد أبي"


دنت بيلا بظهرها من المائدة وأراحت ذقنها على كف يدها وهي تتأمل وقع كلماته على نفسها وقد عثرت أخيرا على ما سيعذبها العمر كله، فهذا الرجل متمسك بها كبداية جديدة ونظيفة، من شوائب الماضي وهي الخرقاء ظنت أنها ستقوم بدور تمثيلي لمدة قصيرة ثم تعود لبلدتها مسرورة بانتصارها. 


وها هي الآن هنا جالسة وقد شعرت بثقل المسؤولية التي وقعت على كاهلها لكن مرارة طعمها ذابت لما تبادلا المزيد من الأحاديث، فراح هو يسألها تارة وهي تسأله تارة أخرى وبين طيات كل جواب، قد تفطرت حجارة الحصن المنيع بينهما ولاذ بصيص أمل في فؤاد بيلا لم تفطنه إلا متأخرا.


فكيف لها أن تفطن ببداية وقوعها في الهاوية وهو يسألها عن أهوائها واحبتها من عائلتها واصحابها، فشاركته من المواقف الطريفة الكثير وهو حكى لها عن آل دي كارلو وما لهم من مصائب لطيفة ووسط قهقهاتها هي تذكرت حديث داريا سابقا وعاتبته.


"إن اختك لازلت حاقدة عليك لما فعلته بها وبفيتو بل ولقبتك بالملعون" جمعت يديها أمام شفتيها فلا يرى ابتسامتها اللعوب إذ أنها ضحكت حينها بشدة.


"وهل تفاجئت؟ هذه هي داريا وهذا هو  لسانها الخائب" مال رأس نيكولو لكتفه مستذكرا اخته الصغيرة والمدللة وبيلا أقبلت بسؤاله "لستُ أفهم ضيقك من فيتو، فقد قابلته ولم أجد فيه عيبا، فقلت لربما تغار عليها وتخاف"


"هذا وارد" اكتفى مختصرا "أتودين المزيد؟" عرض نيكولو عليها وهي قربت كأسها كي يكرمها، ففاض كأسها بشراب أحمر قد جمل معالم وجهه في عينيها، فباتت كالولهانة به تتأمله وتتأمل اسنانه المنظمة كلما تبسم.


"رومان"

"أجل؟"

"إنك تبدوا أقل رعبا عندما تكشف عنها"


أشارت على أسنانه ولم يكن بوسعه سوى التبسم، فكيف له ألا يفعل وهي ماكثة في مقعدها تثرثر بكل ما يخطر لبالها ولقد زاد جمالها حال شعرها، إذ ربطت جانبي شعرها البني للخلف بدبوس وسمحت لسائره بالإنسدال على كتفيها وقد كان طويلا عكس اخواته اللاتي فضلن مواكبة الموضة وجعله قصيرا لا يتعدى أعناقهن.


اشتكت بيلا بضيق أمام ناظريه من قسوة الدبوس على رأسها فنزعته، ونزل ما ربطته ليلامس جانبي وجهها وغرتها قد سرقت من عمرها فبدت صغيرة السن، قادرة على تعويضه العمر الذي فاته بينما يلبي رغبات والده...


فتلك المرأة؛ زوجته السابقة كانت رغبة والده، حالها من حال عائلته وعمله، أما ميرا هذه، الشابة الجالسة أمامه ما هي إلا رغبة نفسه، وازداد افتتانه بها لما ضُرب العود ونزل على أوتار الكمان المشدود الماكث على كتف عازف، قد وقف بصحبة زميله الذي تمايلت اصابعه على اصابع البيانو البيضاء، وبينهما قد برز رجل في أواخر عمره تخلل الشيب شعره.


احتضن مغني المطعم مكبر الصوت بيد وبيده الأخرى احتوى سيجارته التي ألهب فيها رئتيه بين كل مقطع وآخر من أغنية غناها بصوت رخيم، أذاب افئدة حاضري المطعم وهذا العرض تمتع به زبائن يوم السبت. وبيلا حينها لم تعد تجد مانعا من رؤية نيكولو رجلا يليق بها، فنادته ملقبة إياه ب-عزيزي- راجية أن يعودا للمنزل وقد  أعادها نيكولو لمنزلهما واللحن لحق بهما لهناك ولم يفارق أذنيهما بتاتا إلى أن أفاقت بيلا واستعادت رشدها.


فقد فطنت دمامة فعلتها متأخرا وهي تتأمل سقف هذه الغرفة التي تعجز عن منادتها ب-غرفتي- ورأس نيكولو مرتاح على كتفها.


لزم الوهن طيش عواطفها التي تأججت فجأة نحو هذا الرجل وتذكرت مالك قلبها الذي آذاها وكيف لا تشتم نفسها وقد مر طيفه خاطفا بخاطرتها ولولا العزف العالي من المسجل لكاد أن يفطن نيكولو اسم ماتيو الذي فر من شفتيها عن طريق الخطأ لما أرادت ندائه.


ومن شدة حسرتها على قلبها الذي مازال متألما على فراق ماتيو، فارت بطنها من شدة تقلبها، لذا نهضت من جواره وهبت نحو الحمام لتغلق بابه خلفها أما عن نيكولو فلقد استيقظ من غفوته واعتدل حالما وجد مكانها فارغا.


استلقى مجددا يعزم على النوم فلا يتأخر عن عمله غدا، لكنه عاود فتح عينيه مستنكرا صوتا غريبا قد شارك الموسيقى من المسجل، فأطفئه وانصت ممعنا ليفطن معناه، هم بالرحيل لكنه التفت نحو الغطاء المبعثر ونفسه الموسوسة أرادت اعادة تنظيمه.


  ولولا الوضع المزري لقام بترتيبه، لكنه اجبر نفسه واستقر واقفا أمام باب الحمام  حيث وقع نحيبها كان شديدا فناداها"ميرا؟" لُجمت بيلا وحبست صوتها لما أدار نيكولو مقبض الباب ليجدها متقرفصة بين المرحاض والمغسلة على المرمر البارد، ويداها على جانبي رأسها تعتصر على شعرها بقسوة.



ارادت الرد بأنه لا شيء لكن نحيبها غلبها ودموعها فاضت من شدة خزيها فما هي بمفسرة الآن، فنادى نيكولو مجددا "ميرا ما خطبك؟ أحدث شيء لك؟ أفيك ألم؟" ولم يدع لها من الوقت كي تستمع لوسوسات رأسها. 


"لقد تذكرتُ فجأة عائلتي والنزل" فركت عينها ثم اجتازته كي لا تعاني في التبرير اكثر "ونهضت كي لا تستيقظ فتتأخر عن العمل، إني بخير الآن فنم هيا، سأذهب لأعد لنفسي ما اشربه"


همت بالمكوث في شرفة المطبخ كي تكمل ذرف دموعها إلا أن يده قبضت على مرفقها وأعادها إلى حيث يقف، فضمها إليه بذراع وباليد الحرة قد توغلت اصابعه في شعرها يسد كل طرقها في الفرار منه. وقفت بيلا مكتوفة اليدين وهي ماثلة أمامه، ظهرها ملاصق لصدره الذي تحاول أن تجد فيه ما يسميه العشاق أمانا، لكنها كل ما وجدت فيه هو -كيان أجنبي مخدوع بها- بينما  نيكولو كالمذنب قبل جانب جبينها يطلب منها الغفران. فلما ظهرت أمامه بوجه قد سلبت منه السعادة، عاد لذهنه هيئة زوجته السابقة وكم خشي حينها تكرار تلك النهاية المريرة. ليعد بيلا بأنه سيعيدها لمنزلها قريبا فلا تحزن.


أما بيلا فقد احست بالندم...


ليس لأنها قامت بخداع نيكولو والتمثيل عليه، إنما احست بالندم على السبع سنوات التي قامت بتضيعها وفي قرارة نفسها؛


 تمنت لو التقت نيكولو بقلب أعذر لا يعرف رجلا من قبله، حينها كانت ستتمكن من حبه دون أن تشعر بالغصة عالقة في حلقها.




عن الكاتب

إليناز كاتبة سابقة في تطبيق الواتباد و لي من الاعمال الكثير اشهرها الجميلة و الوحش في الشقة المجاورة, القرية خلف سكة الحديد و روميو و الوحوش في السرداب كذلك قصص سابقة مثل الغراب و الرداء الاحمر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

illynaz