اصيب المدير آدم بالسعال من هول صدمته وعن طريق الخطأ، اختنق بالعصير الذي كان يتجرعه فسارع ابنه فيليب بأخذ الكوب منه وتقديم مناديل كي يمسح فمه الملوث. فرفع آدم بصره للسير دي كارلو جالس أمامه والى جواره شقيقاته الستة مع ذريتهم، بينما يمسح فمه وبنفس المنديل مسح الطاولة أسفله.
في البداية ظن آدم، أن السير دي كارلو عاد ليشارك تجربة مكوثه المريحة هنا مع شقيقاته، لكنه احس بنفسه مجرد حمار لا يعلم شيئا من الدنيا، لما أبلغه رومان أن سبب عودته هي بيلا، إذ جلب معه اسرته بأكملها وحضر ليقف أمامه كي يطلب يدها.
"إن ما قلته لصعب الاستيعاب، من فضلك قدر موقفي. إذ انكم دخلتم علي فجأة وطلبتم طلبكم هذا"
"نحن نقدر موقفك سير لا روس ونأمل أن تقدر صعوبة التواصل البريدي بالنسبة لنا، فلو كان بيدي لراسلتك منذ زمن إلا أن المراسلات هذه ستطول وأنا لست بالرجل الصبور"
"لهذا أتيت جالبا معك الأسرة بما يمتلكن من ذرية؟"
التفت رومان لأخواته وابنائهن الذين يعيثون الفساد في ردهة استقبال الفندق، إذ أن منهم من يلعب على الطاولات ومنهم من قرر أن لعب الغميضة هنا لشيء صائب ومنهم من تسلل للخارج ملاحقا الدجاجات والعنزة فرت بجلدها من هؤلاء الشياطين.
هؤلاء كانوا الصغار أما من وطئت قدمه سن البلوغ فلقد كان جالسا الى جوار أمه كأفندي وأفندية محترمة.
"إنه حدث عائلي مهم لهذا توجب قدوم الجميع" أبلغه ثم دنى رومان برأسه ليهمس قرب أذن آدم "وعن الخسائر فاعتبرها مدفوعة من الآن" وكبداية دس رومان في جيب آدم مبلغا يغطي تكاليف التنظيف.
أومئ آدم راضيا لما شعر بجيبه ممتلئ، ثم عاد للموضوع الأهم ألا وهو رغبة هذا الميسيو بالزواج من اخته. ولجت والدة آدم بثوب أصفر لا يناسب سنها وشعر ممشط بعناية وما جعلها ملفتة للاهتمام من شدة العشوائية التي لبستها، هو قلم الشفاه الوردي، الذي نهبته من ابنتها وصبغت به شفتيها لأجل هكذا مناسبة لن تكرر..
"مرحبا بك سنيور دي كارلو إن كانت استضافتك شرفا لنا فانضمامك لأسرتنا الصغيرة سيزيدنا شرفا اكثر، لو تعلم أن عيني وقعت عليك من اللحظة الأولى وتمنيت لو تكون انت من يضع في اصبع ابنتي خاتما" ربتت على كتف رومان ورحبت بشقيقاته الست.
وامتلاك رومان لهذا العدد من الشقيقات اعجب الأم بشدة فلقد تعنى احضارهن جميعا وصرف على أبنائهن، مما يعني أن له جيبا وفيرا وعواطف هشة تجاه النساء، لذا هي لم تقلق على ابنتها ابدا "صحيح، سنيور دي كارلو أين هو والدك إني لا أراه معكم" سألته.
تبادل آل دي كارلو النظرات فيما بينهم وقررت اكبرهن سنا -صوفيا- أن تأخذ دور الأم كما تفعل دائما وبررت "مع الأسف مدام، إن السنيور دي كارلو والدنا قد ودع ونام تحت التراب منذ زمن طويل"
"أوه، يا للهول.. إني آسفة لأجلكم، وماذا عن سنيورة دي كارلو لا تقولوا أنها ودعت أيضا؟"
أومئ الأشقاء السبعة بحركة رأس واحدة وصنعت والدة بيلا تعابير حزينة لكنها بداخل نفسها ارتاحت فابنتها المدللة لن تعاني "أنا حقا آسفة"
"ألم تخبرهم نيكولو؟" سألت الاخت الثانية أدرينا.
"لم تتوفر فرصة مناسبة" قال رومان ثم انتقل ببصره لوالدة بيلا وجمع يديه ببعضها "سنيورة لا روس، إني أرى علامات الاستفهام حيالنا تعلو وجهك ومن حقك معرفة الأسرة التي ستعيش معها ابنتك لذا اسمحي لي أن احكي لكِ ما لم يسمح لي الوقت سابقا بسرده"
أومئ كلاهما بانتظار سماع ما سيحكي هذا الميسيو وبيلا انظمت إليهم متأخرة ومعها ابنتا اختها تحملان صواني التقديم، تبسمت بيلا بتوتر من صمت الطرفين وجلست إلى جوار اسرتها فباشر رومان بكشف الستار عن بعض من تفاصيل حياة اسرته العزيزة.
وبدأ حكايته بالاعتراف بحقيقة أنه لا يشارك أخواته الدم ولا الأبوين، إذ كان في الواقع صبيا تبناه السنيور دي كارلو من الميتم ووهبه اسمه، وسبب رغبة السير دي كارلو الملحة بالحصول على صبي هو امتلاكه لهذا العدد من البنات اللواتي خاف عليهن بعد أن يودع الحياة.
فدخل رومان باسم نيكولو لهذه الأسرة في سن الخامسة، فبات يد السيد دي كارلو اليمنى وورث من والده الغير بيلوجي المهنة، ومن بعد وفاة السنيور، ترأس نيكولو الأسرة وشارك اخته صوفيا هذا المنصب الثقيل، بأن يكونا هما القائمين على العائلة، فبات هو أبا لأخواته اللواتي يكبرنه سنا وصوفيا كانت والدتهم.
وافصح رومان لهم عن المزيد، إذ اطلعهم بحقيقة أن بيلا لن تكون زوجته الأولى فمن قبلها هو تزوج في سن التاسعة عشر لكن هذا العقد لم يدم طويلا واجتمع كلاهما في النهاية أمام القاضي ليعلن انفصالهما رسميا.
لاحظ رومان الرعب الذي تشكل على وجه والدة بيلا من هذا الخبر المفزع، إذ أنها لم تشعر بالأسى في مواضع كثيرة من القصة إلا في هذا الموضع. فأخبرها أن زوجته السابقة لا تقطن روما معهم بل عادت لبيت أبيها وتزوجت من غيره فصنعت أسرة جديدة.
قصته تلك صنعت هالة من الصمت من طرف والدة بيلا وأخيها، فأي نعم للسنيور رومان ميزات كثيرة، لكن حقيقة امتلاكه ابنا من امرأة اخرى كانت كوصمة عار.
"لماذا انفصلتما وقد تزوجتما في هذا العمر المبكر؟" سأل آدم دون مقدمات.
"اختلاف في الرغبات"
"ماذا تعني بهذا؟"
"لقد ارادت حياة أخرى مختلفة"
"وهل أجبرت عليك؟" سألت والدة بيلا بقلق.
أومئ رومان برأسه "نعم، زواجنا كان في الحقيقة رغبة والدي"
"ماذا عن باقي اخواتك؟ إني لا أرى ازواجهن، ألم يستطيعوا الحضور؟" وجهت والدة بيلا حديثها للأخوات خشية أن يكن مطلقات هن أيضا، فاكتشفت أن كبيرتهن صوفيا أرملة والثانية أدرينا لها زوج سقيم، لا يستطيع مغادرة الفراش فتركته مع ابنها.
الثالثة بيانكا عزباء أربعينية والرابعة كارلينا تؤام كارولينا متزوجتان من أخوين وكلاهما تاجران قد سافرا لخارج البلاد في رحلة عمل.
والسادسة داريا مخطوبة منذ عام وسيقام زفافها أخيرا في شتاء العام القادم.
همهمت والدة بيلا بإنصات ولما انتهت السهرة سألت "وافترض أن هذا الشاب الماكث إلى جوارك سنيور هو ابن صوفيا البكر؟" أشارت بحاجبيها على شاب يكاد يبلغ التاسعة عشر من عمره.
"لا سيدة لا روس، إني عمته لكنه بمقام ابني"
"عمته؟"
قطبت والدة بيلا حاجبيها تحاول استيعاب معنى كونها عمته فسألت "وأين هو والده؟"
"أنا والده، ريكاردو يكون ابني سنيورة" اجابها رومان.
"حقا؟"
تبسمت والدة بيلا وانتقلت ببصرها لآدم الذي كان جالسا بطبيعية كما لو أنه لم يسمع شيئا سيكون عارا وخزيا بالنسبة لأخته العذراء "آدم هل كنت تعلم بهذا؟"
"ماذا؟ بالطبع، لقد حكى لي عن ابنه لما كان مقيما عندنا" هز كتفيه.
حينها قررت السنيورة لا روس أن تحمل لقب أول معارض على هذا الزواج، فهي أرادت زوجا لبقا ذو حسب ونسب وليس زوجا لبقا ذو حسب ونسب ومطلق يعيش معه ابنه الشاب ذو الشارب.
وقبل أن تسمع المزيد من المصائب أعلنت عن انهاء الجلسة قبل أن يتمكنوا من الاتفاق على الزواج وأمام أعين الحاضرين، جرجرت سنيورة لا روس ابنتها من معصمها ملقية إياها في غرفتها.
"رباه! لما لا يمكن للأمور الجميلة أن تكتمل، إن ما عشته اليوم يثبت لي أنه لا وجود للكمال في هذا العالم"
"أمي! ماذا دهاكِ لقد احرجتني في الأسفل! ماذا سيقولون عنا الآن"
"أحرجتك؟ هل تتظاهرين بالغباء يا بيلا أم انك حقا لم تفهمي الوضع المزري في الأسفل! تبين أن الرجل تيتم مرتين في حياته ولا يكفي أنه يعيل ثلاثة من اخواته بل وأيضا له ابن من صلبه يعيش معه والأسوء أنه يكاد يكون بسنك!"
سارت والدتها في أرجاء الغرفة مغتاظة "لا وكيف يقول أنه ترأس الأسرة في سن مبكر وبات والدا لأخواته اللواتي يكبرنه!" التفتت لابنتها "هل تعلمين ما معنى هذا؟ معناه أن الرجل مرتبط بهؤلاء جميعا وهن سيشاركنك زوجك!"
"أمي أنا حقا لا افهم ما المشكلة، ثم انت تبالغين" حاولت بيلا التخفيف من الوضع، فهي نفسها بالكاد تمكنت من تخطي الصدمة، فلقد ذعرت لما استقبلتهم من محطة القطار وقابلت ابنه ريكاردو لأول مرة.
إذ أنها توقعت رؤية صبي طوله يصل لركبتيها وليس شابا طوله يصل لرأسها.
"المشكلة هي أنك عذراء ستتزوجين من رجل مطلق له ابن وكثير من الأخوات يعشن على ظهره! رباه كلما كررتها كلما بدت اسوء" غطت المدام وجهها بكلا يديها تمسح عليه بقهر.
"أمي لا مانع عندي، إني متقبلة رومان بجميع عيوبه"
"وتقولينها بكل برود! بالطبع لا مانع عندك فانت ساذجة. ستربين ابناء غيرك هكذا!"
"أمي ألم أكن أنا من ربيت ابن آدم وابنتي اختي فما المانع"
"وستظلين تربين بابناء العالم طوال حياتك؟! لا يا بيلا أنا رافضة وشقيقك رافض للأمر، ألا يؤلمك قلبك أنك ستكونين الزوجة الثانية لرجل على مشارف الأربعين؟ ماذا لو كانت تلك الأولى احب إليه منك وابنه احب اليه من اطفالك!"
"لما علمتي بوضعه رفضتيه وقد كنت من قبل راضية عنه وعن عمرهِ حتى! ثم لا بأس اخبرتك أني راضية به وبعيوبه"
"ماذا؟!"
"أنا احبه! ألا تفهمين، أقول لك أني احبه!" صاحت بيلا ولم تبالي إن كانت تكذب.
"تحبيه؟! هذه هي حجتك، حبك له؟ أحبك تيس يا مغفلة! انطقي يا مصيبة حياتي وأعترفي متى تمكنت من أن تحبيه؟! ثم ماذا عن حبك العظيم لماتيو الذي فلقتي به مؤخرتي لسبع سنوات كاملة! انتظري، ويل لك إن كان ما تفعليه هو انتقام من ذاك الولد العفن ماتيو، اقسم حينها أني سأمسح بخلقتكِ هذه بلاط المرحاض!"
تجرعت بيلا ريقها ودافعت عن نفسها "ولما عساي أربط نفسي برجل لانتقم من آخر، إن ماتيو رخيص لا يستحق أن أذرف عليه دمعة وقد تجاوزته، في قلبي لا يوجد سوى رومان الآن"
احست والدتها أنها ستنفجر في النهاية من البرود في ابنتها والغباء الذي تملكه فصاحت بها بقهر "أقسم أن اختيارهم لك موفق، فأين عساهم يجدوا امرأة تأكل غائطهم مثلك يا ابنتي العزيزة!"
قالت أمها كلمتها الأخيرة واغلقت الباب خلفها، تنهدت بيلا بتعب وجلست على فراشها، فركت وجهها بيديها ثم دلكت جبينها فالأسواء من صياح أمها عليها هو حقيقة كونها لازالت غير متأكدة من قرارها.
فهل حقا تخاطر وتمضي في هذا الطريق أم تكُف نفسها عن الرجال وتعيش حياتها بإخلاص للرب كراهبة عفيفة؟
زفرت الهواء بضيق والتقطت المذياع، كي تستمع لأغنية حزينة تصف حالها وعبر سقف غرفتها هي امكنها سماع ضرب اقدام صغار عائلة دي كارلو وهم يلعبون...
في اليوم الذي يليه استيقظت بيلا وقررت الاستماع لجانبها الذي يحثها على الخوض في هذه الخطة وأخذت بيد رومان لتنزل معه الى سوق البلدة، فيراه الجميع وبالأخص ماتيو، منفذة انتقامها وبالمرة عسى ولعل أن تتعرف عليه قليلا.
"لأصدقك القول، تعجبت عندما رأيت الصدمة بادية على وجه شقيقكِ لما اخبرته أني اطلب يدك. ظننتهم يعلمون" قال رومان ويد بيلا كانت معلقة في ذراعه كي يسيرا بخطى متجاورة كالأحباء.
"آسفة على ما حدث، لكن حقا لم استطع مصارحتهم أبدا، لا بأمر عرضك ولا بأمر موافقتي، فوجدت افضل حل ان آتي بك إلى هنا... كي نواجههم معا" رفعت بصرها إليه وتأكدت من اعطاءه نظرة المرأة مكسورة الجناح، التي تحتاج رجلا ليحميها من بطش من حولها وبالأخص أسرتها.
"لا بأس، في النهاية سارت الأمور على نحو جيد البارحة" ربت على يدها المستقرة في ذراعه.
"آسفة على كل ما قالته أمي البارحة"
"لا عليكِ، كان من المفترض علي توضيح نقطة زواجي منذ البداية"
"نعم" اكتفت بيلا بقول ذلك وعيناها كانت تجوب أرجاء السوق، بحثا عن طيف ماتيو "رومان، دعنا نذهب من ذلك الطريق فهناك توجد بائعة لها فاكهة لذيذة سترضي بها أمي وتطيب خاطرها"
سبقته مهرولة وكي تحثه على الاسراع جرته من ذراعه، تبسم رومان ورغم أن الهرولة ليست من شيمه إلا أنه راضاها وقام بما تريد. مرت بيلا على مقربة من دار ماثيو وهناك هي لمحت والدته تقوم بالتطريز إلى جوار زوجة ابنها وماتيو كان ثالثهم يقوم بتصليح السياج.
استقامت بيلا بظهرها ورفعت أنفها باستعلاء ثم تصنعت تعابيرا فرحة برؤية تلك السنيورة، ألقت عليها التحية وألحت عليها بأن تحضر زفافها فتلك الليلة ستكون ليلة بيلا الأخيرة وليلة انتصارها بنفس الوقت.
لم تدع بيلا لها الفرصة بأن تسمعها كلاما لاذعا وحكت لها عن ميزات زوجها وكم هي سعيدة بأنها ستجتمع أخيرا مع حب حياتها تحت سقف واحد..
هي كانت تتحدث وعيناها تفترس ماتيو، باحثة عن أي آثار حزن وغيرة لكن الحقير كما وصفته، تمنى لها كل الخير لذا هي عادت ادراجها مع رومان مغتاظة.
"ماذا عن تلك البائعة ألن نذهب إليها؟" رفع رومان حاجبا وبيلا اضطرت للكذب.
"لم أرها جالسة في مكانها المعتاد، لذا ما رأيك أن نعود للمنزل؟"
"ماذا عن الثياب التي كنت ترغبين بشرائها"
زمت بيلا شفتيها بانزعاج من إلحاحه فقالت "الحذاء يضايق قدمي ولا يسعني المشي اكثر من هذا" سحبت يدها من ذراعه وغطت بيدها فوق جبينها تحجب عن عينيها الشمس.
"لآخذ لك واحدا آخر، ها هو متجر أحذية هناك"
"رومان!" امسكت بذراعه تمنعه من الذهاب "فقط لنعد للمنزل"
"حسنا، كما تريدين" اكتفى رومان بقول ذلك وامسك بيدها ليعيدها لمكانها السابق ضد ذراعه ثم وضع يده عليها كي لا تزيلها وجاورها في الخطى.
وهكذا بدأت تجهيزات عائلة لا روس ليزفوا آخر العنقود واخوتها الذين كانوا مسافرين قد حضروا إلا ذاك الماكث في روما، الفيو. ولو تجرأ على الحضور كان سيطرده آدم شر طردة.
أيامهم كانت حافلة بالمناوشات العائلية واختلاف الأذواق، فذاك يريد زفافا في الحديقة وذاك يريد زفافا في روما. هؤلاء أرادوا فرشة بيضاء وهؤلاء أرادوها صفراء، حتى الزهور التي ستحملها بيلا، اختلفوا عليها ولم يشعروا بالراحة إلا في ليلة ما قبل الزفاف، إذ نام الجميع بتعب إلا بيلا؛ التي كانت تسير ذهابا وإيابا في غرفتها وكلما وقع بصرها على ثوب زفافها المعلق خلف الباب انهمرت دموعها.
وتلك الدموع كانت تحمل جميع العواطف إلا السعادة، فرومان لم يكن ولن يكون غايتها أبدا.
عضت باطن شفتها تكتم نحيبها فهي لا يمكنها النواح وابنتا اختها نائمتان في فراشها وفستاني الحفلة خاصتهما كانا معلقيين إلى جوار ثوب بيلا.
زفرت بيلا مرات عديدة لكن شعور الاختناق ظل يراودها، ففتحت النافذة عل الهواء ينعشها، ولما لم تجد فيه فائدة عزمت على مغادرة غرفتها.
إذ انها قد خطرت لها فكرة جهنمية جديدة، ألا وهي مداهمة بيت ماتيو والاعتراف له بكل شيء حيال علاقتها برومان وأنها لا تريد سواه، فعسى أن يشفق عليها ويعيدها إليه فتكون حبيبته مجددا.
ألقت على كتفيها معطفا فوق منامتها ونزلت بخطوات لا صوت لها بسبب قدميها الحافية، إذ كانت تحمل حذائها بيدها، ألقت نظرة على الاستقبال الذي كان مزينا وآدم على كرسي مكتبه يشخر بعلو صوته. يجمع طاقته ليوم غد.
ارتفعت بيلا على رؤوس اصابعها، ممسكة بالجرس كي لا يرن وفتحت الباب. انزلقت من خلاله ثم اغلقته خلفها ولما همت بتنفيذ خطتها الرومانسية الطائشة رأت رومان وابنه ريكاردو يدخنان سيجارة أسفل مصباح سياج نزلهم.
لاحظ رومان وجودها والحال الذي خرجت به فأشار لابنه برفعة حاجب وحسب والآخر فهمه وألقى سيجارته.
"استمحيكما عذرا" استأذن منهما ريكاردو وولج للداخل عائدا لغرفته كي يهب لوالده خصوصية مع زوجته المستقبلية.
أخرج رومان السيجارة من بين شفتيه ونفث دخانها بأكمله فتصاعد للأعلى "ميرا؟ ماذا تفعلين هنا؟"
ارتبكت في حديثها وتلعثمت دون قصد بينما تقترب من الدراجة ببطء دون أن ينتبه "ابحث عن الهواء النقي، ماذا عنك؟ ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت المتأخر؟"
"ابن كارلينا الصغير لديه حساسية في صدره ولا يمكننا التدخين في الغرفة"
"لما ينام عندك، ألم تكفيهم الغرف؟"
"إنها تكفيهم، لكنه اصر على النوم الى جواري قائلا أنها ستكون المرة الأخيرة التي سيتمكن من النوم فيها عندي" تبسم رومان وهو يتذكر وجهه المحمر من شدة صياحه وتوسله بأن يمكث معه الليلة.
"أراه متعلقا بك"
"إنه كثير المرض ووالده كثير السفر، لذا هو مضطر لرؤيتي اكثر من والده" أخذ نفسا سريعا من السيجارة ثم نفثه بعيدا عن وجهها وقال "إنه ولد جيد وستحبينه بالتأكيد"
همهمت بيلا وأشاحت بصرها بعيدا عنه فهو يثرثر أمامها ولا يدري بالخطة التي افسدها عليها..
"لما لا" اكتفت بقول ذلك وعانقت المعطف لصدرها جيدا تحمي نفسها من برودة الجو، لمحت بيلا دراجتها مركونة ضد الحائط وتمنت لو تدفعه عن طريقها وتقودها ذاهبة لمن تعشق..
"بماذا كنت تفكرين عند خروجك هكذا"
لكن افكارها كلها انقطعت حالما اصابتها القشعريرة بسبب اصابع رومان التي امتدت لخصل شعرها كي يعيده للخلف فيكشف عن عنقها الطويل وعظام كتفها البارزة.
انكمشت بيلا حول نفسها من لمسته، التي تمادته نزولا لعنقها ثم لكتفها حيث المعطف قد انزلق جزء منه، كاشفا عن حمالة منامتها الرفيع.
زلق رومان اصبعه أسفل خيط الحمالة الرفيع وجرها منه فامتدت ياقة منامتها وأخذتها لتخطو خطوة نحوه وهناك قد لفحها الهواء الساخن الذي يخرج منه "وحافية القدمين أيضا" قال بصوت منخفض فلقد باتت قريبة منه بما فيه الكفاية لتسمعه.
"كنت سأرتديه بالفعل" تلعثمت في حديثها ولم تجد حلا سوى النظر إلى أي شيء سواه.
"إذا افعلي فستبرد قدماك" لاطف ظهر يده بخاصتها وبحركة خفيفة اخذ منها حذائها دون أن تشعر وألقاهما امامها كي ترتديه "ينتظرنا يوم حافل غدا ولا نريد أن تصابي بالمغص"
شعرت بأنفاسه تقترب من جبينها وحالما افاقت على نفسها، وجدته يدنوا بوجهه لخاصتها فاصيبت بالهلع ودفعته عنها مشمئزة مما يكشفه لها من مشاعر حيوانية.
"لا!" لاحظت بيلا نبرة صوتها التي كشفت تمثيلية الحب المزيف خاصتها وحاولت اختلاق حجة "إن اقترابك مني ليس بالشيء الصائب الآن، لننتظر الغد فلم يعد يفصلنا عنه سوى بضع ساعات"
أومئ رومان وأعاد سيجارته لفمه واكمل سحب النيكوتين محدقا في البيوت أسفل التلة أمام بصره.
"ميرا"
"ماذا؟"
"أي بيت من تلك البيوت هو دار ذلك المعلم زميلك في العمل"
انحلت العقدة بين حاجبي بيلا واحست بنفسها كمن امسكت متلبسة وهي تخون زوجها، تجرعت ما يوجد من لعاب في جوف حلقها وقد ظهر صوتها مرتبكا "لما تسأل عنه؟"
"لقد خطر لبالي عملك التطوعي في المدرسة فتذكرته" التفت إليها "ما بكِ شاحبة الوجه كمن كشفت مكيدته؟"
"آه.. لا شيء، لابد أنه بسبب البرد او لربما عقلي الذي لا ينفك عن التفكير"
"بماذا؟"
"بحياتي بعد أن اقول في الغد نعم، ألست قلقا حيال ذلك أيضا؟" اختلقت كذبة جديدة.
"تقريبا"
"تتحدث ببساطة كما لو أنها مرتك الثانية في الزواج"
قالتها باندفاع ثم تذكرت حقيقة أنها مرته الثانية بالفعل "آسفة، نسيت أنها مرتك الثانية حقا"
ارتفعت زاوية شفته بابتسامة وقال "لم تخبريني ما هو سبب تفكيرك المفرط، لربما أجد حلا له"
عجزت بيلا عن الاعتراف بأنه هو المصيبة التي تورطت بها وقالت تغير الموضوع لآخر أقل اهمية "رومان، استحلفك بالله اخبرني متى احببتني. كلما سألت نفسي هذا السؤال لا أجد له جوابا. كيف احببتني ولما؟ ما السبب الذي جعلك ترانا معا تحت سقف واحد في مخيلتك"
سحب رومان نفسه الأخير من السيجارة ممتصا ما فيها فاحترقت حتى وصلت لجلد اصابعه، ثم ألقاها برمية اصبع لتقفز بعيدا وأطلق سراح ما حبسه في جوفه. راقبته بيلا بصبر تنتظر سماع سببه وإن كان تافها لربما تقنعه أن يعدل عن قراره ويعود لمنزله مع اخواته وخلفتهم.
"ميرا" نطق اسمها ثم انتقل ببصره لها "ما اكنه لك ليس حبا إنما شيء آخر"
فرقت بيلا بين شفتيها والصدمة قد ثقبت رأسها فما عادت قادرة على التفكير "ما هو إذا؟"
"لست ماهرا في وصفه ولا اجد الكلمة المناسبة له لكن لما رأيتك وشاركتك بضع كلمات بالكاد تعد على الاصابع وجدت أنك القطعة الناقصة في حياتي"
"ولأجل هذا لابد أن احصل عليكِ"
"لهذا، أريدك ميرا"
دنى بوجهه مقتربا ودون مقدمات سلبها وعيها وضميرها، لما أذن لنفسه بالتعدي على ممتلكاتها وتقبيلها.
تبعثرت انفاسها من هول المصيبة التي حلت عليها وكسمكة مختنقة هي ناضلت لكن اصابعه جرتها كما جر ماتيو خصر زوجته في ذلك اليوم، فشعرت بيلا بما شعرت به خطافة الرجال تلك مع من تعشق..
شعرت بالحرارة تصب عليها من كل جانب وعقلها العاصي استمر بتذكيرها أن ماتيو أذاق زوجته هذه الحلاوة واللذة التي اصابت رأسها وأطرافها بالخدر. لدرجة أنها لولا حياءها لنطقت باسم ماتيو تطلب منه المزيد.
أي نعم هي كانت سعيدة لتمكنها من الشعور بهذا الشعور الحلو، فبيلا احبت أن تُحب.
لكن دموع الحزن انسابت لما تذكرت أن من يفعل بها الأعاجيب ليس ماتيو بل رجل آخر. لذا احست بيلا بخزي شديد من خيانتها مالك قلبها.
دفعته من كتفيه منهية هذه الدراما الحزينة وحذرته "توقف والتزم حدك معي"
"بل انت من عليه التوقف عن العبث كالمراهقين والتزام حده"
شعرت بيلا حينها بثقل انفاسها، ليس بسبب القبلة وما بعثره من مشاعر في جوفها إنما بسبب ذلك الشعور المخيف في صدرها..
أنه قد كشف سرها...

.png)
ديييم الفصل يكتم الأنفاس+ ميرا بيلا متأكدين راسها في عقل الحمدلله كان رومان هناك ولا كان جابت العيد😭
ردحذفإن شاء الله يكون عجبك -قلوب كثيرة-
حذف